تبدو اللعبة السياسية مفتوحة:

ألمانيا ما بعد أنجيلا ميركل، أي تجديد...؟

ألمانيا ما بعد أنجيلا ميركل، أي تجديد...؟

--  لقد طبعت أنجيلا ميركل البلاد بإدارة لم تخلو من العيوب أو الانتكاسات المفاجئة والمثيرة للجدل
-- أكثر من 60 بالمائة ممن شملهم استطلاع رأي يؤيدون «تغييرا عميقا» في الحكومة
-- لأول مرة في تاريخ الجمهورية الاتحادية لن يكون هناك مرشح منتهية ولايته
-- فكرة «القطيعة» أو «التجديد» المطروحة ليست سوى صيغة فضفاضة تخفي طموحات متناقضة للغاية
-- المطلوب منذ فترة طويلة تعاون بين القوى السياسية بما يتجاوز الانقسامات التقليدية بين اليسار واليمين


   ألمانيا على أعتاب حملة تشريعية تعد بأن تكون مفتوحة أكثر من أي وقت مضى. قبل أربعة أشهر من موعد الاقتراع، الذي سيجري في 26 سبتمبر، هناك يقين واحد فقط: ستطوي البلاد صفحة ميركل، المستشارة التي قادت الجمهورية الفيدرالية طيلة ستة عشر عامًا، في ائتلاف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (انقطع مرة واحدة بحكومة يمين الوسط مع الحزب الديمقراطي الحر، من 2009 إلى 2013).

   لقـــــد طبعـــت أنجيلا ميركل البلاد بإدارة لا تخلو من العيوب أو الانتكاسات المفاجئة والمثيرة للجدل ..
(مثل الخروج من الطاقة النووية عام 2011 أو فتح الحدود بشكل سيئ أمام اللاجئين عام 2015) ولكن بشكل عام، وسطية وحذرة وبراغماتية، مما يمنح مساحة كبيرة إلى حد ما لشريكها الاشتراكي الديمقراطي. فقد كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي قادراً على فرض العديد من التصحيحات الاجتماعية على الإصلاحات الليبرالية في نهاية ولاية غيرهارد شرودر 2004-2005).

  تحت تأثير وباء كوفيد-19، تخلّت المستشارة عن العقيدة الألمانية المقدسة المتمثلة في استقرار الميزانية من اجل تمويل خطة انتعاش اقتصادي طموحة، فضلاً عن تسهيل ولادة خطة الانتعاش الأوروبية، الجيل القادم في أوروبا.

  أكسبتها سياساتها الكثير من الانتقادات، بما في ذلك داخل حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي. راجع “نهاية اللعبة بالنسبة لأنجيلا ميركل؟” الانفتاح على اللاجئين فتح مواجهة مثيرة للجدل في البلاد، شجعت صعود حركة اليمين المتطرف البديل من اجل المانيا، التي دخلت البوندستاغ عام 2017.
   كما يمكن التحسّر على عدم وجود طموح إصلاحي لإعداد ألمانيا للتحديات المتعددة التي تنتظرها. وكل هذا لا ينتقص في كل الاحوال من شعبيتها التي استطاعت استعادتها بعد كل نكسة. واليوم، في خضم أزمة كوفيد-19، بلغت درجة الرضا عنها 59 بالمائة (استطلاع مايو 2021)، متقدمّة بفارق كبير عن جميع القادة السياسيين الآخرين -ليس سيئًا بعد ستة عشر عامًا على رأس الحكومة!

   غير ان المستشارة لن تترشّح مرة أخرى. وهذا وضع غير مسبوق: لأول مرة في تاريخ الجمهورية الاتحادية لن يكون هناك مرشح منتهية ولايته. وتبدو اللعبة السياسية مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، ورغم أن انتخابات الايام الاخيرة شهدت فوزًا واضحًا لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إلا أنه من غير الممكن التنبؤ بديناميكيات الحملة الانتخابية أو نتائجها في 26 سبتمبر.

   ومع ذلك، يمكننا تسمية بعض الاتجاهات الوازنة التي ستؤثر. أولاً، يمكننا أن نتنبأ باستمرار التحول في ميزان القوى السياسي. إن التآكل البطيء، ولكن الذي لا يقاوم، لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهما الحزبان الكبيران اللذان هيمنا على الحياة السياسية الألمانية في فترة ما بعد الحرب، سيعزز تشتت القوى السياسية. وكما كان من قبل، سيكون للبوندستاغ القادم ست مجموعات، ثلاث منها تأمل زعامة حكومة اتحادية مستقبلية.

   لقد لامس الاتحاد المسيحي الديمقراطي التمزّق عند البحث عن خليفة لأنجيلا ميركل. فبالإضافة إلى الخصومات الشخصية، هناك انقسامات سياسية بين الجناحين النيوليبرالي المحافظ والمسيحي الاجتماعي. ويجد المرشح للمستشارية أرمين لاشيت، الوزير الرئيس لإقليم نوردراين فيستفالن، وهو رجل توافق وسطي وأوروبي، حتى الآن صعوبة لتأكيد ذاته وإقناع الناخبين. إنه غير متأكد من تسجيل نتائج 2017 على انخفاضها النسبي حيث لم تتجاوز 33 بالمائة. الا ان نتائج عطلة نهاية الأسبوع الماضي منحته شعورا بالارتياح إلى حد ما.

   حقيقة جديدة: صعود الخضر (التحالف 90/ الخضر)، الذين يمكن أن يتجاوزوا ضعف نتائجهم لعام 2017 (9 بالمائة)، انهم حاليّا قريبون جدا من الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي، رغم أن قفزتهم قد لا تستمر حتى سبتمبر.
يترجم ارتفاع أسهم حزب الخضر، الصعود الصاروخي للتغيّر المناخي كقضية سياسية رئيسية، ويعلن هذا الحزب أنه يجسد التجديد السياسي، ويقدم نفسه كحزب حكومي معتدل ومسؤول، والذي يشارك أيضًا في عشر حكومات مقاطعات على ستة عشر، وأحيانًا في تحالفات يسار-الوسط، وأخرى كحليف لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أو الليبراليين. ومرشحته للمستشارية، أنالينا بربوك، تبلغ من العمر 40 عامًا، وتفتقر لخبرة حكومية أو تنفيذية.

   يواصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي تآكله التاريخي ويتدحرج الآن إلى المرتبة الثالثة. ولا تزال ملامحه غير واضحة بين ثقافة المسؤولية الحكومية والدور الاداري الجيد، من ناحية، (مما دفعه للمشاركة في ثلاث من الحكومات الأربع للاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة أنجيلا ميركل) ومن ناحية أخرى، حلم الناشطين، الذي لم يُعثر عليه، والمتمثل في توجه وائتلافات تميل أكثر نحو اليسار. مرشحه لمنصب المستشارية هو وزير المالية الحالي أولاف شولتز، وهو اداري متمرس يعاني من نقص الكاريزما.

    ثلاثة أحزاب أخرى في حدود 10 بالمائة في استطلاعات الرأي الحالية: الليبراليون (الحزب الليبرالي الديمقراطي)، بعد المرحلة الشعبوية والنيوليبرالية، أعلنوا اليوم أنهم مستعدون لتولي مسؤوليات حكومية، ولم يعودوا مترددين في التحالف مع يسار الوسط. ويشارك اليسار الاشتراكي (دي لينك)، الوريث البعيد للحزب الشيوعي لألمانيا الشرقية، في حكومتين إقليميتين، بل إنه يقود حكومة مقاطعة تورينجيا، لكن يبدو أن هذا الحزب يسير في منحدر. أخيرًا، يواصل حزب البديل من أجل ألمانيا راديكاليته لصالح اليمين المتطرف المتشدد، مما يدفعه بعيدًا عن احتمالات أي تحالف يميني. ومع ذلك، يبدو أنه يصمد، وأصبح عاملاً معوقًا في شرق البلاد بأكثر من 20 بالمائة.

    من سيحكم ألمانيا بعد ميركل؟ في هذه اللعبة بخمسة أحزاب (ما زال البديل من أجل ألمانيا خارج اللعبة)، يقين واحد فقط: الفرز يسار-يمين (في ألمانيا بدلاً من ذلك: وسط اليسار-يمين الوسط)، لئن يبقى حاضرًا في المناقشات والخلافات المتعلقة بالحملة، فانه يغيب عندما يتعلق الأمر بتشكيل الحكومة. وسيتطلب الأمر تحالفا يتجاوز هذا الانقسام لضمان أغلبية برلمانية.

    كان هذا صحيحًا بالأمس، حيث كان البلد قد عرف ثلاثة تحالفات بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي –الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ عام 2005، وسيظل هذا صحيحًا بعد 26 سبتمبر. الجديد، اتساع نطاق الائتلافات المحتملة. الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي والخضر؛ الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الليبرالي الديمقراطي والخضر؛ الخضر، والحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الليبرالي الديمقراطي؛ وربما حتى تحالف يساري بين حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي واليسار الاشتراكي: كل شيء ممكن تقريبًا.

    هذه ليست دراما، بالنظر إلى الثقافة السياسية الوسطية في ألمانيا، فضلاً عن براغماتية الفاعلين وتشتت السلطة في الفيدرالية التعاونية (مما يعني أن الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الـ 16 مجبرة على التفاوض على حل وسط باستمرار) التي تتطلب منذ فترة طويلة مثل هذا التعاون بين القوى السياسية بما يتجاوز الانقسامات التقليدية بين اليسار واليمين.

   وفي ظل هذه الظروف، من المحتمل أن يتلاشى التجديد السياسي الذي يهيمن على العديد من النقاشات. من جهة اخرى، أي تجديد؟ الإشارات التي يرسلها الناخبون متناقضة. استطلاع حديث، أجراه معهد الينسباخ في مايو 2021، يظهر بالتأكيد أن أكثر من 60 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون “تغييرا عميقا” في الحكومة (وهو ما يعكس ضجرًا معينًا بعد ستة عشر عامًا من عهد ميركل)، وأن 67 بالمائة يطالبون “بسياسة أخرى”. ولكن، اية سياسة؟ 55 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع يريدون نقطة تحول في سياسة البيئة والمناخ، والتي يبدو أنها تعزز موقف الخضر. لكن مثل هذه الأغلبية القوية تطالب من جانبها بتغيير في سياسة اللاجئين والهجرة، وهو موضوع تدعمه القوى اليمينية. وهذا يعني الى أي حد كيف أن فكرة “القطيعة” أو “التجديد” المطروحة في كثير من الأحيان، ليست سوى صيغة فضفاضة تخفي طموحات متناقضة للغاية.

   يمكننا أن نراهن على أنه في هذه الأوقات العصيبة، تسعى الغالبية العظمى من الألمان إلى الطمأنينة. وإذا كان هناك طلب للابتكار، وهو ضروري في العديد من المجالات (من السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الأمن الداخلي، مرورا بالتحول الطاقي وسياسة المناخ، وصولا إلى الالتزام الأوروبي والدولي لألمانيا)، فإنه يترافق مع السعي للاستمرارية.

   رهان ضخم لأي طامح لخلافة أنجيلا ميركل، يضاعفه ملء الفراغ بأسرع ما يمكن، فراغ سيتركه انسحاب هذه المستشارة ذات المكانة الاستثنائية.
*أستاذ العلوم السياسية وباحث مشارك في المعهد الألماني الفرنسي (لودفيغسبورغ)
 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/