-- في مواجهة الوباء، موقف فراتلي دي إيطاليا تجاه الحكومة أكثر مسؤولية من موقف سالفيني
-- كل العوامل التي تتغذى منها الشعبوية وتزدهر، ستعود إلى الواجهة بمجرد السيطرة على الوباء
-- في جميع استطلاعات الرأي، لا تزال الرابطة أول حزب سياسي إيطالي رغم بعض التراجع
-- كلما تظهر إيطاليا كأمّة، كلما ابتعدت عن الاتحاد الأوروبي
-- يعتقد 88 % من الإيطاليين أن الاتحاد الأوروبي لا يســاعد إيطاليــا في مقاومــة كورونـــا فيـروس
-- الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والأزمة الثقافية العميقة، وأزمـة «الهويــة »، تُفسـّر تقدم الرابطة

نشرت لورنس موريل في الآونة الأخيرة على موقع “تلوس”، مقالًا في غاية الأهمية، طورت فيه الأطروحة الجذابة التي بموجبها يمكن لكورونا فيروس أن يوقف تقدم الشعبويين، وخاصة في الرابطة.    وتشرح الباحثة، أن إيطاليا ستثبت تماسكا وطنيا في مواجهة الوباء، وستواجه بشجاعة هذه الآفة التي تدمرها بدل الاستسلام لصفارات الخوف، وتناغما مع حركة السردين، ستظهر حسًا مدنيًا، وترفض معاداة السياسة، لتستعيد “السياسة العظيمة” بشكل أفضل. وكتبت: “التضامن والأخوة والعقلانية والكفاءة والثقة والسلوك الحضاري والمشاركة: هذه هي القيم التي تظهر في بداية أزمة كورونا فيروس في إيطاليا، وتجعل الشعبوية فجأة تبدو مهزلة شريرة”. هذه الأطروحة، التي لا تخلو من أسس ومرتكزات، تبدو وكأنها روحية ومثالية ومتفائلة.

كل شيء سيكون على ما يرام
   صحيح أن الشــعب الإيطالي، الذي غالبـــــًا ما يتم تقديمـــه كواحـــــد من أكثر الشـعوب عدم انضباط في أوروبــــــا، يُظهـــــر على العكس، إحســــاسًا قويًـــا بالسلوك الحضـــــاري رغـــــم أن عـدد الانتهاكات لتوجيهات الحكومة بخصوص الحجــــر الصحي، آخـــــذ في الازديـاد، وهذا أمــر مفهـــوم بعـد أكثــر من أســبوع من الحبس الصارم.

  وصحيح أيضًا، أن الإيطاليين المحبوسين في بيوتهم والبعيدين عن بعضهم البعض، لا يتوقفون عن إعادة الروابط بينهم عبر الاتصالات الهاتفية، وكتابة الرسائل الإلكترونية، والتبادل على شــــــبكات التواصل الاجتماعي، ويرددون كل يوم من الشرفات، وعلى عتبة أبواب منازلهـم، النشيد الوطنـي، وقطــع رائعـة من رصيدهـم الأوبـرالي، أو ألحان كتـــــاب الأغاني المفضلين لديهم.
   صحيح، أنهم يتبنون وينخرطون بشكل كبير في الشعار التطوعي “كل شيء سيكون على ما يرام”، صحيح أنهم يدعمون العمل المسؤول لحكومـــــة جوزيبـــي كونتي، التي تحظــــــى بشــعبية كبيرة، ولكن اساسا بسبب موقعهـــــا المؤسسي، وأنهم يتنصلون من الانتقادات العنيفة التي يشــــــنها عليها رئيس الرابطة ماتيو سالفيني، تمامــــــا مثل رفضهم لتصريحاتــه المتناقضــــة والمتنافــرة، التي تطالب على سبيل المثال، مرة أخـــــــرى، بإجــــــراء انتخابـــات مبكرة بينمـــــا تغرق البلاد في هذه الأزمــــــة الصحية الرهيبة.

أحزاب اليمين تحافظ
 على موقعها وتنتقد
الاتحاد الأوروبي
   ولكن الذهاب الى حد أن كورونا فيروس سينجح في الحد من الشعبوية، ولا سيما في الرابطة (حركة 5 نجوم في أزمة لأسباب عديدة أخرى)، من الواضح ان هناك خطوة يصعب عبورها.

   أولاً، لأن الرابطة، وفي جميع استطلاعات الرأي، لا تزال أول حزب سياسي إيطالي، حتى وان سجلت بعض التراجع الطفيف منذ الصيف الماضي. ناهيك عن النمو المستمر لفراتللي دي إيطاليا (إخوان إيطاليا)، حزب ما بعد الفاشية، الذي اتخذ موقفًا تجاه الحكومة في مواجهة الوباء، أكثر مسؤولية من موقف ماتيو سالفيني.     من جهة اخرى، فإن موضوع إغلاق الحدود، الذي طرحه ماتيو سالفيني منذ الحالات الأولى للمرضى المصابين، لا يتوافق مع أي شيء على المستوى الطبي، ولكنه يرسخ في العقول خاصة في وقت لم تكتف فيه منطقة شنغن بالتفكك فحسب، بل أكثر من ذلك، تنكرت لنفسها من خلال وضع الضوابط واستعادة حواجز المراقبة داخلها. وهذا يجعل الرابطة تبدو وكأنها محقّة في موقفها، وقد ضاعفت هجماتها ضد الاتحاد الأوروبي.

   انتقد ماتيو سالفيني مرارًا وتكرارًا بيان كريستين لاغارد في 12 مارس في مؤتمر صحفي، حيث قالت إنه ليس من مهام البنك المركزي الأوروبي العمل للحد من فروق الأسعار، بيان أثار أيضًا غضب الإيطاليين الموالين لأوروبا، بدءً من الرئيس سيرجيو ماتاريلا. وقد ندد رئيس الرابطة بأنانية باريس وبرلين اللتين رفضتا في البداية إرسال أقنعة إلى إيطاليا، وانتقد تقاعس بروكسل، ولم يتخلف عن التذكير بأن الاتحاد الأوروبي لا يملك سياسة صحية مشتركة.

خيبة أمل الإيطاليين
 في أوروبا
   ولهذه الحجة مردودية عالية... لأنه مرة أخرى، يخيّب الاتحاد الأوروبي أمل الإيطاليين. وقد سبق لهؤلاء ان احترقوا بدخول اليورو الذي لم يرق إلى مستوى توقعات الغالبية منهم، وبسبب الأزمة المالية والاقتصادية لعام 2008 التي أثرت بشدة على البلاد، أو مرة أخرى، بسبب أزمة المهاجرين التي شعرت خلالها إيطاليا بأنها تركت لمصيرها. ونتج عن ذلك زيادة منسوب التشكيك في أوروبا، المنتشر اصلا على نطاق واسع، والذي لن توقفه القرارات التي اتخذتها مؤخرًا المفوضية الأوروبية، أو التضامن المتأخر لباريس وبرلين.
   النتيجة: تستمر صورة الاتحاد الأوروبي في التدهور، وحسب استطلاع مونيتور إيطاليا، المنشور في 13 مارس، يعتقد 88 بالمئة من الإيطاليين، أن الاتحاد الأوروبي لا يساعد إيطاليا في مكافحة كورونا فيروس، ويعتبر 67 بالمئة أن الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي يشكل ضررا مقارنة بـ 47 بالمئة في نوفمبر 2018، وهو تاريخ الاستطلاع السابق. وهذه هي مفارقة الملابسات والظرفية الحالية، فكلما تظهر إيطاليا كأمّة، كلما ابتعدت عن الاتحاد الأوروبي... نقاط كثيرة تسجّلها الرابطة.

عوامل أزمة عميقة ودائمة ستطفو على السطح
   إن هذه الأخيرة، أبعد ما يكون عن أن يهزمها الكورونا فيروس. ويستمرّ رئيسا لومبارديا وفينيتو، أكثر المناطق تأثراً بالجائحة، وهما من أعضاء الرابطة، في مهاجمة رئيس الحكومة جوزيبي كونتي، لسوء إدارته، من وجهة نظرهما، للوضع الطارئ هذا. ولا يبدو أن السكان المحليين يعتبرون ما يصدر عنهما يتنزل في خانة الخطأ.  ولنضف أخيرًا، أن تقدم الرابطة يُفسّر بأسباب عميقة، الوضع الاقتصادي والاجتماعي (الذي يزداد سوءًا مع الوباء)، وعدم الثقة الهيكلية تجاه المؤسسات والأحزاب، والتي، بالتأكيد، تقلصت في هذه اللحظة بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد ولكنها بعيدة عن أن تُمتصّ بشكل دائم، وأخيرًا الأزمة الثقافية العميقة، وأزمة “الهوية” المرتبطة من بين، أشياء اخرى، بمسألة الهجرة.
    إن كل هذه العوامل التي تتغذى منها الشعبوية وتزدهر، والتي في نفس الوقت تبني عليها من خلال تضخيمها والعمل على تفاقمها، ستعود إلى المقدمة بمجرد السيطرة على الوباء. علاوة على ذلك، إذا استمر عدد الوفيات في الارتفاع، لا شيء يقول أنّ الرأي العام الإيطالي لن يحمّل المسؤولية للذين هم في السلطة حاليا... وقد يكون سالفيني أكبر مستفيد.
أستاذ التاريخ وعلم الاجتماع السياسي، ومدير مركز تاريخ العلوم، ورئيس مدرسة الحكومة بجامعة لويس “روما».