ركّز بشكلٍ قويّ على ثمانينيات القرن الـ20
«جانا: الروح الجميلة».. تفاصيل من سيرة المغنية والموسيقية الإيطالية جانا نانيني
في فيلمها الجديد، "جانا: الروح الجميلة" (2024، نتفليكس)، روت الإيطالية تشينزيا تيا توريني تفاصيل من سيرة المغنية والموسيقية الإيطالية جانا نانيني (الإيطالية ليتيتْزيا توني)، المعروفة في الأوساط الفنية العالمية بموسيقى الروك. منذ المَشاهد الأولى، بدت رغبتها في القبض على بعض حياتها الشخصية، وإبراز صعوباتٍ جمّة اعترضت مسيرتها بصفتها موسيقية ومؤلّفة أغانٍ، في بيئة إيطالية متشنّجة، لها نظام موسيقي خاص.
لا شكّ في أنّ مُشاهِد "جانا: الروح المتمرّدة" يجد نفسه أمام فيلم سيرة بسيط، لا يفرض شيئاً عليه، بل يجعل الحكاية تنساب هادئة على شكل صُوَر وحوارات. عنصر السيرة واضح منذ البداية، ذلك أنّ رغبة تيا توريني بارزة بشكلٍ أقوى في اتّخاذ شكلٍ سردي عمودي واضح، يُتيح سرد الأحداث بطريقة تلقائية وسلسة، تتخلّلها أحياناً مقاطع بصرية بأسلوب الـ"فلاش باك"، ولقطات حالمة تُضمِر بعض الحميمي في سيرة جانا. لذا، تأخذ السيرة فعلاً وجودياً، يتحكّم بمفهوم الشكل، ويقود الصورة ميكانيكياً إلى محاكاة السيناريو (كتابة تشينزيا تيا توريني وجانا نانيني، مع دوناتيلا ديامنتي وكوزيمو كالاميني).
إذا اعتمدت تيا توريني على بيوغرافيا تقليدية، فالموضوع ـ السيرة بالنسبة إليها أهمّ من الشكل. فالمُشاهد يشعر كأنّها تُريد، منذ البداية، عدم تجاوز مرحلة واحدة من حياة المغنية والموسيقية، لوعيها بقيمة سيرتها الحياتية، في مراحل عدّة، فتُقدِّم معلومات ومشاعر وأحاسيس وبيئة وذاكرة ونسقا. وبالتالي، فلكلّ مَشهد أهمية، لتكوّنه من نسيجٍ مُركّب من الصُوَر، التي تُكمِل كلّ واحدة منها الأخرى.
هذا النمط من التركيب البصري يعطي الفيلم هندسة بصرية قويّة، يتحكّم فيها مفهوم السيرة الحياتية وقوّتها وجمالياتها وأثرها في الذاكرة الغنائية العالمية.
الصورة في "جانا: الروح الجميلة" تُضمر أكثر من كونها تُظهر، لكشفها أشياء حميمة مذهلة، ترتبط بجانا وعلاقتها بآخرين حولها. كما يُفرد الفيلم أكثر من نصفه لعائلتها، الرافضة أنْ تصبح مغنّية وعازفة. لذا، فالصورة السينمائية متنوّعة، تستمدّ طاقتها من منابع كثيرة تتّصل بالطفولة والواقع والذاكرة. هذه ينابيع تعطي لتيا توريني إمكانات مذهلة في التخييل. أمرٌ بحدّ ذاته يُؤثّر في الخلطة السردية، ويجعل الصُوَر متنوّعة ومدهشة وممتعة. وحين تكون منابع الصُور مختلفة، يؤثّر هذا إيجابياً على الصورة السينمائية، ويجعلها مركّبة وذات أثر بالغ في وجدان المتلقّي.
بين المحافظة على الهوية الغنائية الإيطالية ونسيانها، تُكرّس جانا نانيني سيرتها الفنية كما تحلم أنْ تصبح عليه موسيقى الروك، علماً أنّ "جانا: الروح المتمرّدة" ركّز بشكلٍ قويّ على ثمانينيات القرن الـ20، وهذه مرحلة تاريخيّة مهمّة، تمثّل الصعود الجماهيري للمغنية، التي كانت تحاول دائماً أنْ تنبع أغانيها من ألمها الشخصي، أيْ من قصصٍ ذاتية تكتبها وتلحّنها، قبل إيجاد قالب موسيقيّ لها.
لكنّ تصاعد الأنماط الموسيقية السريعة، في إيطاليا وأميركا، ألزم المغنّية عبر شركات الإنتاج مُسايرة الموجة الموسيقية الشبابية، التي بدأت تكتسح إيطاليا حينها. ولأنّ الفيلم روائي لا وثائقي، بدت مَشاهد منه كأنّها تُوثّق مراحل عصيبة مرّت منها جانا مع العائلة والأصدقاء والجمهور وشركات الإنتاج، لفرض هذا النوع الموسيقي بالطريقة التي تُريد. فالموسيقى بنظرها مشاعر ونَفْسٍ وألم، قبل أنْ تكون نوتات.