أنقرة ودمشق والأكراد.. معركة الدمج بين السياسة والميدان

أنقرة ودمشق والأكراد.. معركة الدمج بين السياسة والميدان


أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسائل حادة بشأن مستقبل سوريا، مؤكداً أن أنقرة لن تسمح بتقسيم البلاد، ومشدداً على أن دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مؤسسات الدولة السورية يمثل خطاً أحمر بالنسبة لتركيا، في إطار حل دبلوماسي يضمن وحدة الأراضي السورية.في المقابل، يصرّ الأكراد على محورية دورهم في مواجهة تنظيم داعش، حيث أعلنت “قسد” عن إحباط عمليات للتنظيم واعتقال عناصر في دير الزور، ما يكشف هشاشة الوضع الأمني شرق الفرات.
وفي حديثه لسكاي نيوز عربية، أوضح أستاذ العلاقات الدولية من إسطنبول، الدكتور سمير صالحة، أن خطاب أردوغان الأخير يختلف عن خطاباته السابقة، حيث ركز على المسار الدبلوماسي بدلا من التهديد العسكري.وقال صالحة: “الرئيس التركي شدد على أن تركيا صديقة للأكراد في الداخل والخارج، وأعطى الأولوية للحوار السوري السوري برعاية إقليمية ودولية، مؤكداً أن خيار المواجهة ليس مطروحا ما لم تصل الأمور إلى طريق مسدود بنهاية العام الجاري».وأشار صالحة إلى أن عودة أردوغان من نيويورك بعد مشاركته في القمة مع الرئيس الأميركي حملت مؤشرات لتفاهمات أوسع، تشمل تنسيقا إقليميا ودولياً بشأن الملف السوري، موضحا أن “قسد لم تعد تملك الأوراق التي كانت بيدها سابقا، وأن الدعم الأميركي يتجه نحو تثبيت وحدة سوريا لا نحو دعم أي صيغة فيدرالية».من جانبه، اعتبر الكاتب والباحث السياسي الكردي شيرزاد اليزيدي، في مداخلة من السليمانية، أن تصريحات أردوغان تمثل تحولاً إيجابياً.وقال: “لأول مرة نسمع من الرئيس التركي خطاباً يتحدث عن الحلول الدبلوماسية بعيداً عن لغة التهديد والتلويح بالقوة. هذا تطور يرتبط بعوامل إقليمية ودولية، خاصة في ظل لقائه الأخير مع الرئيس ترامب، حيث لم يُطرح أي تهديد عسكري ضد الأكراد كما كان في السابق».لكن اليزيدي شدد على أن قسد تمثل ركناً أساسياً في مستقبل سوريا، مضيفاً: “انضمام قوات سوريا الديمقراطية لن يكون مجرد استيعاب أفراد داخل مؤسسات دمشق، بل يجب أن يكون على أساس مشروع وطني ديمقراطي يضمن اللامركزية والتعددية».
وحول دور “داعش” في المعادلة، أوضح صالحة أن هناك خطة أميركية – تركية لتجريد “قسد” من ورقة مكافحة التنظيم.
وقال: “الولايات المتحدة تسعى لإعادة التموضع في العراق وتعزيز وجودها شرق الفرات، وهذا مرتبط بإنهاء ورقة داعش كورقة سياسية. لكن هذا يعني أن قسد ستفقد أهم أوراقها التفاوضية».
اليزيدي رفض هذا الطرح، مؤكدا أن “داعش ليس مجرد ورقة، بل خطر حقيقي يهدد العالم، وقسد شريك أساسي في محاربته بدعم من التحالف الدولي».
وأضاف أن أي مفاوضات مع دمشق تجري برعاية دولية فرنسية وأميركية، وأن التدخل التركي يعطل الوصول إلى اتفاق شامل.
وفي سياق متصل، اعتبر صالحة أن الانفتاح العربي والإقليمي على السلطة السورية الجديدة يضع قسد في موقف أضعف، قائلا: “الخيار الوحيد أمامها هو العودة إلى طاولة الحوار مع دمشق لإيجاد صيغة اندماج واقعية».
أما اليزيدي فاختتم قائلا إن “الرهان على الحلول العسكرية لا يخدم أحدا، وأن التواصل المباشر بين أنقرة والأكراد يمكن أن يفتح الباب أمام شراكة استراتيجية، بدلاً من الاستقواء بالخارج».
وهكذا يبقى المشهد السوري مفتوحاً على احتمالات عدة، بين رهان أنقرة على الحلول الدبلوماسية لدمج الأكراد، وإصرار قسد على تثبيت موقعها في معادلة ما بعد الحرب، بينما تظل الحسابات الإقليمية والدولية عاملاً حاسماً في رسم مستقبل هذا الملف الشائك.