السينما طريقة للتواصل مع الناس

جودي فوستر في ستينها: لم أعد أبالي بشيء

جودي فوستر في ستينها:  لم أعد أبالي بشيء

لا يبدو اللقاء بجودي فوستر كحدث سينمائي عابر، بل تواصل إنساني عميق. فمن علاقتها بالشاشة إلى صورتها كامرأة تتقدم في العمر، ينساب حديثها صادقاً وغير متكلف.
"اندبندنت عربية" التقت هذه القامة البارزة في عالم السينما التي حصلت على تكريم خاص خلال الدورة الثانية والعشرين من مهرجان مراكش الدولي للفيلم، حيث عرض أحدث أفلامها "حياة خاصة" (Private Life) للمخرجة الفرنسية ريبيكا زلوتوفسكي.

تجسد فوستر في العمل، دور طبيبة نفسية تفقد إحدى مريضاتها، فتقرر التعمق في ظروف موتها مقتنعة بأن الزوج يقف وراء الجريمة، وتستعين في هذه المهمة بطليقها الذي يؤدي دوره دانيال أوتوي. تنشأ كيمياء مثالية بين النجمين على الشاشة، في ما تتألق فوستر بأداء سلس بالفرنسية.
والمعروف أن فوستر تتحدث هذه اللغة بطلاقة بفضل والدتها التي عرفتها مبكراً إلى الثقافة الفرنسية، لكنها انتظرت نحو عشرين سنة قبل أن تعود إلى فيلم ناطق بالفرنسية منذ مشاركتها في فيلم جان بيار جونيه الناجح "خطوبة طويلة جداً" A Very Long Engagement الصادر عام 2004.
تقول فوستر "كنت أرغب فعلاً بالمشاركة في فيلم مستقل في فرنسا، فهذا كان مهماً بالنسبة إلي، لكنني كنت بحاجة إلى قصة. أحياناً في الأفلام المستقلة - التي أحبها بالمناسبة - يكون التركيز بالكامل على الشخصية وينتهي الفيلم قبل أن يغوص في الحكاية، وعندما لا تتوفر قصة بين يدي، لا أعرف ببساطة ماذا أفعل! أحتاج إلى قصة لأشعر بأنني أستطيع إضافة شيء إلى الفيلم، لذلك انتظرت حتى وجدتها في فيلم ريبيكا". وتضيف "أشعر بالحزن تجاه من يقاومون الزمن".
من المؤكد أنها امرأة واثقة ومذهلة تماماً تلك التي تفتتح حديثها عن العمر بالقول "عندما بلغتُ الستين، استيقظت فجأة لأكتشف أنني لم أعد أبالي بشيء بعد الآن! كل التفاصيل التي كانت تزعجني - من المنافسات إلى سؤال ’هل أنا جيدة بما يكفي؟‘ اختفت تماماً".
وبعكس التيار الهوليوودي السائد وصورة الجمال المصنّع في عصرنا، تظهر فوستر متصالحة جداً مع نفسها بعينيها عميقتي الزرقة والخطوط الطبيعية على وجهها الذي لا تفارقه الابتسامة كما يبدو.
ربما يعود ذلك إلى نشأتها أمام الكاميرا منذ كانت في الثالثة من عمرها، إذ بدأت مسيرتها المهنية في الإعلانات التجارية قبل أن تحصل على أول دور عالمي لها في سن الثانية عشرة مع فيلم "سائق التاكسي" Taxi Driver لـ مارتن سكورسيزي. وتتذكر لقاءها الأول بروبرت دي نيرو، "في البداية لم يثر إعجابي، كان صامتاً وبالكاد تحدث معي، ما جعلني أظن حينها أن التمثيل ممل. لكن الصورة تغيرت تماماً حين شرح لي أنه كان يتعمد الصمت ليبني شخصيته بدلاً من مجرد أدائه الدور والحوار".
كان ذلك أيضاً أول ظهور دولي لها، إذ شارك "سائق التاكسي" في مهرجان كان، لتجد فوستر نفسها - وهي مراهقة - تتولى إجراء معظم المقابلات الصحفية بالفرنسية بدلاً من سكورسيزي ودي نيرو وهارفي كيتل، الذين فروا من صخب الاهتمام الإعلامي بعدما قوبل الفيلم بصيحات استهجان في عرضه الأول.
أفلام أثرت بها
السينما طريقة للتواصل مع الناس وقول "هذا أنا … فمن أنت؟". تقول فوستر "أفلام كثيرة تركت أثراً فيّ، لكن "صمت الحملان" Silence of the Lambs كان على الأرجح العمل الذي غيّر مسار حياتي الفنية، بوصفه فيلماً إنسانياً ونسوياً بعمق. تجربة تصويره مع فريق أعتبره إلى حد كبير عائلتي، كانت ربما أفضل ما أنجزناه معنا طوال مسيرتنا الفنية جميعاً".
لم تسمح الممثلة الحائزة جوائز عدة للنجاح أن يصيبها بالغرور، وتعترف أن السر يكمن في أن يكون المرء حاضراً في حياته. وهذا ما فعلته عندما كانت تربي ابنيها في سنواتهما الأولى، ولم تكن تقبل سوى أدوار يتم تصويرها في نيويورك أو لوس أنجليس. توضح "عليك أن تشارك في الحياة، تقرأ الأخبار، تستمع إلى موسيقى جديدة، وتفهم الاتجاهات السائدة، إذا كنت تريد فعلاً أن تضيف شيئاً إلى الأفلام التي تمثل فيها. لذلك لا حاجة للعجلة".
رغم حصولها على عدة جوائز أوسكار وغولدن غلوب وغيرها، لم تكن فوستر دائماً الخيار الأول للمخرجين، لكنها تحافظ على علاقة صحية مع الرفض، وتكشف عن سر نجاحها في التعامل معه، ما مكنها من الحصول على أفضل الأدوار في مسيرتها. تقول "عندما تكون مهووساً بشيء ما، سواء لأسباب واعية أو غير واعية، يجب أن تلاحق هوسك. هذا ما يقودك إلى الاختيار الصحيح، ويعد القتال من أجله تمريناً مهماً. عليك إقناع المخرج بشرح سبب هوسك بالمشروع وما ستقدمه له، بينما تتحلى بالتواضع وتعترف بأنك لست خياره الأول، لكنك تريد أن تكون خياره الثاني!".
بعد أن تجولت في أجزاء من المغرب، تعترف الممثلة والمخرجة بإعجابها بالمناظر الطبيعية في البلاد، التي تحفز على تصوير الأفلام وتجعلها تفكر في التعاون مع صانعي أفلام محليين.تقول "لا تتاح لنا فرصة متابعة كثير من الأفلام العربية في الولايات المتحدة، وعندما نحصل على فرصة نضطر للانتظار حتى موسم الجوائز في أكتوبر (تشرين الأول). آمل أن أشاهد مزيداً من أعمال المنطقة الفنية، وأنا فعلاً متحمسة لذلك!".
إنها إنسانة منفتحة حقاً وفنانة متعددة الأبعاد؛ تذكرنا جودي فوستر من خلال فنها وحديثها بأن الإنسانية ما زالت جميلة وتستحق الاستمتاع بها، رغم التقلبات المظلمة التي يسلكها العالم، تاركة لنا نصيحة واحدة تختصر مسيرتها الفنية بأكملها وعقلها كامرأة استثنائية.