محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
فيلم من إخراج آندي فيتشر
" Old People"... مجموعة من المسنين تحولوا إلى مجرمين وسفاحين
يختبر الفيلم الألماني "بيت المسنين" (Old People)، الذي أطلقته منصة نتفليكس أخيراً، مشاعرنا وعاطفتنا الإنسانية. يجرنا إلى معضلة أخلاقية، ثم يقذفنا نحو دهشة المخبأ في مخاوفنا وقلقنا، حينما نصطدم مع مجموعة من المسنين، تحولوا إلى مجرمين وسفاحين.
التقدم في العمر مرحلة أساسية. نظام إنساني موحد. اللاإنساني تجاهل هذا النظام، وادعاء الإنسان بأنه قادر على التغلب عليه، فيتغنى بشبابه وقوته، من دون أن يدرك حتمية الحياة التي ستجره إليها. يعبث الفيلم بهذا النظام. يطرح رؤية مرعبة ليذكر الإنسان بأنه سيغدو طاعناً في السن لاحقاً. وبأنه سيعاني من آلام وأحلام وهواجس، ستتحول إلى غضبٍ وكرهٍ في حال لم يُلتفت إليها بعناية واهتمام.
الحكاية فيها بعض المغالاة. عجزة في دار زالهايم لرعاية المسنين، سيجتاحون القرية التي تجري فيها الأحداث. ثم البلد بأكملها، كما يصف المشهد الافتتاحي للفيلم، قبل العودة بالأحداث إلى بدايتها. إلا أن مثل هذه المغالاة، تنصاع لمعالجة يفرضها كاتب ومخرج العمل، آندي فيتشر (Andy Fetscher)، من أجل التماهي مع وتيرة الأخلاق الإنسانية وهي تنحدر نحو أبشع صورها وأكثرها قسوة، قبل أن يكون تماهياً مع التوظيف السينمائي. لماذا يقتل المسنون شباب القرية من نساء ورجال؟ في سيناريو العمل، يبرر الفيلم ذلك على أنها روح شريرة منتقمة تسكن أجساد المسنين. قوة شريرة تستحوذ على أضعف أفراد العشيرة. هذه أسطورة يرتكز عليها إيقاع الشريط، إلا أن الشر الحقيقي موجود في واقع النفس البشرية، في كبريائها وجحودها.
ينفذ المسنون ثورتهم. ليس ضد الأجيال اللاحقة فحسب، بل على الماضي. أحاسيس خسروها ويتحسرون عليها. لقد فقدوا الشباب والقوة والعنفوان والعائلة. وهم وحدهم الآن في دور الرعاية لا أحد يكترث بهم. يعاملون بإهمال وقسوة.. فنجد منهم من يبكي وغيرهم من ينتحر لشدة يأسه وحزنه، بينما الأغلبية الباقية، طفح بها الكيل وقررت معاقبة الجميع. نرى نصالاً وفؤوساً تنهال على الممرضين والممرضات في الدار، على أبناء القرية وأسرها، ضمن مشاهد قاسية ودموية تعكس لنا غضبهم وألمهم. مفاهيم واضحة جلية تعكسها الكاميرا بكل أمانة، ولا تبخل ببعض اللقطات القاسية والمؤلمة التي تعبر عن حاجة المسنين للاهتمام ومشاركة الحياة، كالمسنين الذين يحتشدون خلف النافذة في الدار، وهم يراقبون حفل زفاف، يستمعون ويشاهدون، بحسرة وغمٍ، للموسيقى ولرقصات الشباب وأفراحهم.
يطرح فيتشر على المشاهد مراوغة شاذة ومربكة، عبر هدم العلاقة الأخلاقية والإنسانية مع كبار السن. هل في الإمكان أن نكره المسنين اللطفاء والضعفاء حين يتحول الأمر إلى قتل وترهيب؟ هل يمكن أن نتقبل عجزة قتلة وسفاحين يتسمون بالقوة والصلابة؟ ماذا عن مشاعرنا وأفكارنا تجاههم؟ هل سنفقد توازننا الأخلاقي والإنساني لحظة سفك الدماء؟ من هنا يطرح العمل فلسفته لاختبار الإنسان أخلاقياً وفكرياً ونفسياً. ويرسم لنا صورة مسبقة، مدفوعة بواقع مؤجل. ليس ببعيد، حين يتقدم الإنسان في العمر ويصبح كهلاً، وتبقى المساحة التأملية أمام هذه المشاهد فرصة لاستيعاب الأبناء والأحفاد ما يكابده الأجداد. هؤلاء الذين يقذفون إلى دور الرعاية ليموتوا بوحدتهم وعزلتهم، من دون رحمة أو مسؤولية.
لا يبخل الفيلم في النهاية، بعرض مشاعر مغايرة لما فرضه سابقاً. يعود بنا فيتشر إلى الروح الطيبة والوديعة في نفوس العجزة. يخرج عن الأسطورة ويعود إلى الواقع مرة أخرى. الجد آيكه هو الوحيد الذي ينتصر على القوى الشريرة وعلى فكر الكاتب نفسه. على الرغم من أنه واحدٌ من الثوار، لكنه سيعود إلى طبيعته الإنسانية، ويقرر إنقاذ حفيديه نواه ولورا من موت محقق على يد المسنين، ويهرب بهما إلى بر الأمان خارج القرية. وبذلك تنتزع شخصية الجد الصفة الأخلاقية السيئة التي استحوذت على باقي المسنين، ويبررها بصفات خيرة ودافئة تعتمل في قلب كبار السن عادة.
التقدم في العمر مرحلة أساسية. نظام إنساني موحد. اللاإنساني تجاهل هذا النظام، وادعاء الإنسان بأنه قادر على التغلب عليه، فيتغنى بشبابه وقوته، من دون أن يدرك حتمية الحياة التي ستجره إليها. يعبث الفيلم بهذا النظام. يطرح رؤية مرعبة ليذكر الإنسان بأنه سيغدو طاعناً في السن لاحقاً. وبأنه سيعاني من آلام وأحلام وهواجس، ستتحول إلى غضبٍ وكرهٍ في حال لم يُلتفت إليها بعناية واهتمام.
الحكاية فيها بعض المغالاة. عجزة في دار زالهايم لرعاية المسنين، سيجتاحون القرية التي تجري فيها الأحداث. ثم البلد بأكملها، كما يصف المشهد الافتتاحي للفيلم، قبل العودة بالأحداث إلى بدايتها. إلا أن مثل هذه المغالاة، تنصاع لمعالجة يفرضها كاتب ومخرج العمل، آندي فيتشر (Andy Fetscher)، من أجل التماهي مع وتيرة الأخلاق الإنسانية وهي تنحدر نحو أبشع صورها وأكثرها قسوة، قبل أن يكون تماهياً مع التوظيف السينمائي. لماذا يقتل المسنون شباب القرية من نساء ورجال؟ في سيناريو العمل، يبرر الفيلم ذلك على أنها روح شريرة منتقمة تسكن أجساد المسنين. قوة شريرة تستحوذ على أضعف أفراد العشيرة. هذه أسطورة يرتكز عليها إيقاع الشريط، إلا أن الشر الحقيقي موجود في واقع النفس البشرية، في كبريائها وجحودها.
ينفذ المسنون ثورتهم. ليس ضد الأجيال اللاحقة فحسب، بل على الماضي. أحاسيس خسروها ويتحسرون عليها. لقد فقدوا الشباب والقوة والعنفوان والعائلة. وهم وحدهم الآن في دور الرعاية لا أحد يكترث بهم. يعاملون بإهمال وقسوة.. فنجد منهم من يبكي وغيرهم من ينتحر لشدة يأسه وحزنه، بينما الأغلبية الباقية، طفح بها الكيل وقررت معاقبة الجميع. نرى نصالاً وفؤوساً تنهال على الممرضين والممرضات في الدار، على أبناء القرية وأسرها، ضمن مشاهد قاسية ودموية تعكس لنا غضبهم وألمهم. مفاهيم واضحة جلية تعكسها الكاميرا بكل أمانة، ولا تبخل ببعض اللقطات القاسية والمؤلمة التي تعبر عن حاجة المسنين للاهتمام ومشاركة الحياة، كالمسنين الذين يحتشدون خلف النافذة في الدار، وهم يراقبون حفل زفاف، يستمعون ويشاهدون، بحسرة وغمٍ، للموسيقى ولرقصات الشباب وأفراحهم.
يطرح فيتشر على المشاهد مراوغة شاذة ومربكة، عبر هدم العلاقة الأخلاقية والإنسانية مع كبار السن. هل في الإمكان أن نكره المسنين اللطفاء والضعفاء حين يتحول الأمر إلى قتل وترهيب؟ هل يمكن أن نتقبل عجزة قتلة وسفاحين يتسمون بالقوة والصلابة؟ ماذا عن مشاعرنا وأفكارنا تجاههم؟ هل سنفقد توازننا الأخلاقي والإنساني لحظة سفك الدماء؟ من هنا يطرح العمل فلسفته لاختبار الإنسان أخلاقياً وفكرياً ونفسياً. ويرسم لنا صورة مسبقة، مدفوعة بواقع مؤجل. ليس ببعيد، حين يتقدم الإنسان في العمر ويصبح كهلاً، وتبقى المساحة التأملية أمام هذه المشاهد فرصة لاستيعاب الأبناء والأحفاد ما يكابده الأجداد. هؤلاء الذين يقذفون إلى دور الرعاية ليموتوا بوحدتهم وعزلتهم، من دون رحمة أو مسؤولية.
لا يبخل الفيلم في النهاية، بعرض مشاعر مغايرة لما فرضه سابقاً. يعود بنا فيتشر إلى الروح الطيبة والوديعة في نفوس العجزة. يخرج عن الأسطورة ويعود إلى الواقع مرة أخرى. الجد آيكه هو الوحيد الذي ينتصر على القوى الشريرة وعلى فكر الكاتب نفسه. على الرغم من أنه واحدٌ من الثوار، لكنه سيعود إلى طبيعته الإنسانية، ويقرر إنقاذ حفيديه نواه ولورا من موت محقق على يد المسنين، ويهرب بهما إلى بر الأمان خارج القرية. وبذلك تنتزع شخصية الجد الصفة الأخلاقية السيئة التي استحوذت على باقي المسنين، ويبررها بصفات خيرة ودافئة تعتمل في قلب كبار السن عادة.