التعيينات الأخيرة ذات حدين

أوكرانيا بين الأزمة الصحية والأزمة السياسية...!

أوكرانيا بين الأزمة الصحية والأزمة السياسية...!

-- يبقى الوضع معقدًا، لكنه يعد بأن يكون مثيرًا للاهتمام في كل الحالات
-- بالإضافة إلى الصراعات الداخلية، سيكون لعودة ساكاشفيلي تأثير على العلاقات الدولية لأوكرانيا
-- يمكن النظر إلى الاستنجاد بساكاشفيلي على أنه تحويل وجهة، مما يسمح للحكومة بكسب الوقت


الرئيس زيلينسكي، الذي تم انتخابه قبل عام -دون خبرة سياسية بخلاف لعب دور المعلم الذي أصبح رئيسًا لأوكرانيا في مسلسل ناجح -عاش بداية تفويض صعبة. بعد توليه الرئاسة في أعقاب بترو بوروشينكو، كان عليه ادارة الصراع المستمر في دونباس، الأمر الذي يتطلب التفاوض مع روسيا -وهي مهمة شاقة إن وجدت، حتى بدعم من فرنسا وألمانيا في إطار “شكل نورماندي”. كل هذا على خلفية إجراءات إقالة الرئيس ترامب التي شارك فيها زيلينسكي رغم انفه.

في نفس الوقت، يجب أن يدير الوضع الاقتصادي المعقد، الذي يعتمد إلى حد كبير على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، والذي يرتبط في حد ذاته بتقدم الإصلاحات التي يجب على أوكرانيا اتباعها في قطاعات مهمة مثل الصحة، وكذلك تحقيق الأهداف المرسومة فيما يتعلق باستقلال القضاء ومحاربة الفساد. في حين، يتطلب تنفيذ هذه الإصلاحات مكافحة الفساد السائد في البلاد.

لإنجاز هذه المهمة، اعتمد زيلينسكي، في الأشهر الأولى من ولايته، على أغلبية كبيرة في رادا (البرلمان الأوكراني) وعلى رئيس وزرائه أوليكسي هونشاروك. لكن الأخير استقال في يناير بعد أن تم بث تصريحات مهينة أدلى بها ضد الرئيس. وكان على زيلينسكي العثور بسرعة على بديل له، بينما انفجر فيروس كورونا وكانت الحكومة تجد صعوبة في مواجهته، لدرجة أنها فوضت إدارتها إلى حد كبير في بعض الأحيان إلى الاوليغارش في مناطق معينة دون ان يؤدي ذلك للقضاء على الوباء رغم الحجر الصحي الذي يقترب من نهايته.

وهكذا أضيف إلى الإدارة الدقيقة لأزمة كوفيد، أزمة سياسية -وهذا، في سياق تميز بعودة الرئيس الجورجي السابق ساكاشفيلي الى الحياة السياسية الأوكرانية قبل بضعة أشهر من الانتخابات البلدية، الرهان الرئيسي لفولوديمر زيلينسكي ولحزبه الشاب “خادم الشعب».

رئيس وزراء جديد
في مارس الماضي، وجد رئيس أوكرانيا نفسه مضطراً لإيجاد رئيس وزراء جديد مع حماية صورة حكومته على أنها جادة. وأعلن حينها أنه على الرغم من أن الحكومة المعروفة حتى ذلك الحين بذلت قصارى جهدها، فإن أوكرانيا الآن بحاجة إلى حكومة “قادرة على القيام بالمستحيل”. وفي نفس الحركة، اقترح ترشيح دينيس تشميغال، وقدمه على أنه الرجل القادر على المستحيل، رغم افتقاره للشهرة والحضور في المشهد السياسي الوطني.

وعد الرئيس البرلمان بحكومة أكثر مهنية من الحكومة السابقة. كانت لتشميغال خبرة إدارية، وإن كانت محدودة (منذ أغسطس 2019)، ولكنها حقيقية، كحاكم لمنطقة إيفانو فرانكيفسك حيث بنى سمعة كقيادي يشجع الأعمال والاقتصاد. وكانت هذه الخاصية ورقة رابحة بما ان الأولويات التي حددت له تتمثل في الاهتمام باستقرار الاقتصاد الكلي للبلد، وتطوير الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع الحفاظ على علاقة القرب مع صندوق النقد الدولي.

إن تصريحات رئيس الوزراء الجديد بأن حكومته ستتبع سياسة مالية حصيفة وتتعاون بشكل بناء مع صندوق النقد الدولي، تهدف إلى طمأنة النواب الأوكرانيين والجمهور وكذلك الشركاء الأجانب؛ ولكن إذا كانت رؤية وسمعة هذا البوليتكنيك اصيل لفيف تطمئن، فإن مسيرته المهنية يمكن أن تثير القلق.  

ظل الاوليغارشية
من المعروف أن دينيس تشميغال قد قام، على مدى حياته المهنية، بتولي عدد كبير من المناصب لفترات قصيرة جدًا، وهو لا يضمن، في سياق الحكومة الأوكرانية الحالية، الاستقرار والصفاء. وبالإضافة إلى ذلك، شغل من عام 2017 إلى عام 2019، منصبًا تنفيذيًا في DTEK ، وهي شركة قابضة للطاقة مملوكة لرينات أحمدوف. ويمتلك هذا الاوليغارش الشهير العديد من القنوات التلفزيونية التي منحت الحكومة تغطية إعلامية إيجابية في بداية هذا العام الصاخب.

من جهة اخرى، فإن أحمدوف هو منافس لإيهور كولومويسكي، المالك السابق لبريفات بنك، وهو بنك تم تأميمه ضد إرادته عام 2016، وحاول استرداده بكل الوسائل الممكنة. وبصمة كولومويسكي قوية الى درجة أن القانون الذي طلبه صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالنظام المصرفي، والذي يجعل من المستحيل على البنوك المؤممة العودة إلى أصحابها السابقين، يُعرف باسم “قانون كولومويسكي».
لكن كولومويسكي يملك العديد من وسائل الإعلام، منها تلك التي بثت المسلسل الذي جعل الرئيس المرشح آنذاك مشهورًا. لقد أثارت شخصية كولومويسكي المزاجية شكوكًا حول الروابط التي يحافظ عليها الرئيس مع فضاء الاوليغارش، وهو شك عززه تعيين، ولو لوقت قصير، أندري بوهدان، المحامي السابق لنفس كولومويسكي، على رأس الإدارة الرئاسية.

قيامة ساكاشفيلي
سبب آخر للمفاجأة أو القلق، هو تعيين رئيس جورجيا السابق ميخائيل ساكاشفيلي (2004-2013) رئيسًا للجنة التنفيذية لمجلس الإصلاح الوطني.
جاء ساكاشفيلي في الأصل ليصبح نائبًا لرئيس الوزراء مسؤولًا عن الإصلاحات في حكومة تشميغال، ولم يتمكن من الحصول على 226 صوتًا من النواب المطلوبين للحصول على مقعد في السلطة التنفيذية. ومن المفارقات أن مجلس الإصلاح الوطني أنشأه الرئيس بترو بوروشينكو، الذي كان لساكاشفيلي علاقة مضطربة معه.

لقد منح الرئيس بوروشينكو الجنسية الأوكرانية لساكاشفيلي عام 2015 قبل تعيينه حاكمًا لأوديسا، لكن شهر العسل لم يدم طويلا: استقال ساكاشفيلي في نوفمبر 2016، معلنا أنه لم يعد قادرا على القضاء على الفساد في منطقته بسبب غياب دعم كييف، وأعلن نفسه شخصية قيادية في مكافحة الفساد. وهكذا أصبح معارضاً نشطاً للغاية للرئيس ، وهو خصم تقترب أفعاله أحياناً من المهزلة.

أن يعلن ساكاشفيلي أن تعيينه يظهر أن زيلينسكي مستعد لاتخاذ إجراءات استثنائية، لن يطمئن بالضرورة أولئك الذين يتذكرون المعسكر الذي أقيم امام البرلمان من طرف العضو الجديد للمجلس الوطني للإصلاحات، قبل أن يتم تجريده من الجنسية الأوكرانية والقاء القبض عليه لفترة وجيزة، وتم ترحيله للمرة الأولى، ثم الثانية بعد دخوله أوكرانيا مجددا. أعاد الرئيس زيلينسكي جنسيته الأوكرانية إلى ساكاشفيلي عام 2019، مما يلمّح إلى عودة الرئيس الجورجي السابق للمشهد الرسمي.

ويبقى ساكاشفيلي شخصية مثيرة. إن استحالة حشد الدعم اللازم في الرادا لدخول السلطة التنفيذية يوضح الحذر الذي تعامل به النواب مع عودته إلى الحكومة، معتبرين أنه صدامي واستفزازي.
إن شخصية ساكاشفيلي المثيرة للانقسام قد تكون مصدر صراعات داخلية، ويمكن أن تخلق انشقاقًا، ولكن أيضًا ضوضاء طفيلية ستصرف انتباه السلطة التنفيذية عن جوهر العمل اتي يتعين القيام به.

بالإضافة إلى الصراعات الداخلية، سيكون لعودة ساكاشفيلي تأثير على العلاقات الدولية لأوكرانيا. وقد استدعت جورجيا سفيرها، بالنظر إلى التعيين غير المقبول لرئيسها السابق، الذي أدين غيابيا في عدة مناسبات في تبليسي بتهمة إساءة استخدام السلطة والاعتداء والضرب، والذي لا يزال يواجه اتهامات باختلاس أموال.
وقد يؤدي التعيين أيضًا إلى تعقيد تعاون كييف مع الدول الغربية الأخرى، التي تخشى أن يؤدي عدم القدرة على التنبؤ بنوايا الرئيس الجورجي السابق وميله الى الفردانية، إلى تقويض مسار الإصلاحات الأوكرانية.

تعيينات ذات حدين
لم ينجح الرئيس زيلينسكي في إحلال السلام المأمول في دونباس، وعليه الآن مواجهة وباء كوفيد-19 في أعقاب أزمة سياسية دفعت إلى تعديل وزاري، في حين إن شعبيته آخذة في التناقص، والشعب ليس متأكدا من أن أوكرانيا تسير على الطريق الصحيح.

في هذا السياق، فإن التعيينات الأخيرة ذات حدين. يمكنها أن تمنح الفريق الحاكم فرصة جديدة للحياة بفضل الصفات المنسوبة إلى رئيس الوزراء وإلى جانب جرأة، ان لم نقل تمرد، ساكاشفيلي، الذي يمكن أن يساعد في دفع الإصلاحات. ومع ذلك، ستحتاج أوكرانيا إلى الاستقرار لتنفيذ المشاريع الطموحة التي تنتظرها، والتي ستتم في سياق اقتصادي قد يكون أكثر تعقيدًا بسبب الوباء الذي يمر به العالم كله. ويفترض هذا، أن يتمتع رئيس الوزراء الجديد بالاستمرارية الزمنية الضرورية، والا يتسبب في الكثير من الشكوك حول مهاراته أو صلاته بدوائر الاوليغارشية.

بالإضافة إلى الاستقرار، يتطلب تحقيق الإصلاحات عملًا تعاونيًا مع النواب ومع مختلف الوزارات المعنية، ولا سيما وزير الداخلية القوي أرسين أفاكوف، الذي قاوم مختلف التعديلات والحكومات. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة كيف سيكون رد فعل النواب والوزراء على أساليب ساكاشفيلي، الذي أعلن مسبقا أنه يريد “تطهير المستنقع”، شعار يذكرنا بشعار مرشح لانتخابات أخرى أصبح رئيسا اليوم.

ويمكن النظر الى الاستنجاد بساكاشفيلي على أنه تحويل وجهة، مما يسمح بشكل خاص للحكومة بكسب الوقت. وفي هذه الحالة، لم يتمكن الرئيس الجورجي السابق من ان يشغل وسائل الإعلام جزئيًا فحسب، بل كان أيضًا بمثابة “المثير للجدل المفيد”، الذي خلق انشقاقات داخل مجموعات مختلفة معادية علنا او محتملة للرئيس. ومع ذلك، تظل هذه الفرضية محفوفة بالمخاطر بالنظر إلى شخصية ساكاشفيلي المتفجرة.
كما نرى، يبقى الوضع معقدًا، لكنه يعد بأن يكون مثيرًا للاهتمام في كل الحالات.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot