الاتحاد الأوروبي في منعطف حاسم

التحديات الرئيسية الثلاثة للرئاسة الألمانية...!

التحديات الرئيسية الثلاثة للرئاسة الألمانية...!

-- أمام ميركل مسؤولية وفرصة إعطاء دفعة مهمة لمستقبل الاتحاد الأوروبي
-- ليس لدى الاتحاد الأوروبي حاليًا سبب للثقة في قيادة أهم شريك اقتصادي وسياسي
-- لقد أصبح جليّا أن الاتحاد الأوروبي تحاصره طموحات الهيمنة من قبل القوى العظمى
-- على الاتحاد الأوروبي المطالبة بمكان في النظام الدولي لا يجعله مجرد مكمل للقوة العظمى الأمريكية
-- يتوقع شركاء ألمانيا الكثير من قدرة المستشارة على جمع الأوروبيين معًا من أجل حلول مقبولة للجميع


منذ 1 يوليو، تتولى أنجيلا ميركل الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي طيلة ستة أشهر، في وقت سيدعى فيه هذا الأخير لاتخاذ قرارات حاسمة. ويتوقع شركاء ألمانيا الكثير من قدرة المستشارة على جمع الأوروبيين معًا من أجل حلول مقبولة للجميع.  يجب مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية: تطبيق خطة الانتعاش الطموحة التي اقترحتها المفوضية، وتعزيز التكامل الاقتصادي للتوفيق بين النمو و”الميثاق الأخضر”، والرد الأوروبي على طموحات القوتين العظميين اليوم... الصين والولايات المتحدة.

يقال إنه بعد أزمة فيروس كورونا، لن يكون أي شيء كما كان من قبل. لكن ماذا يعني هذا؟ ومتى سيكون “ الما بعد”؟ وما الذي سيحدث، وما الذي سيحتاج إلى التغيير في “ما بعد”، بينما يريد معظم الناس العودة إلى حياتهم “قبل”؟  خلال هذه الفترة من الريبة الشديدة، تولت حكومة أنجيلا ميركل رئاسة مجالس الاتحاد الأوروبي. إن المهمة هائلة، لأنها تنطوي على دمج الإدارة المشتركة للأزمة الصحية الحالية، التي أصبحت أزمة اقتصادية خطيرة، في التحولات العظيمة لعصرنا، وهي تغيّر المناخ، والرقمنة التي بدأت بالفعل في تغيير تنظيم عملنا وطرق اتصالنا، باختصار حياتنا، راسا على عقب. لذا فإن المطلوب هو الشعور بالاستعجال، ولكن أيضًا الشعور بالرؤية -حساسيتان لا يمكن ربطهما بالألمان، ولا بالسيدة ميركل على وجه الخصوص.

تدرك الحكومة في برلين جيدًا حقيقة أن شركاءها الأوروبيين ينتظرون الكثير من قدرتها على التوحيد من أجل التوصل إلى قرارات معقولة مقبولة للجميع. وفي النهاية، فإن أسلوب ميركل “هو الذي يمكن أن يخدم بشكل جيد في هذا الوقت الحاسم بالنسبة للاتحاد الأوروبي... ما هو جيد لأوروبا كان وما زال جيدًا لنا”، قالت المستشارة في مقابلة مع صحف أوروبية، منها “لوموند”، نشرت السبت 27 يونيو، عشية أول اجتماع شخصي لها مع إيمانويل ماكرون منذ بداية أزمة فيروس كورونا.

الاثنين 29 يونيو، استقبلت أنجيلا ميركل رئيس الدولة الفرنسي في قلعة ميسبيرغ، بالقرب من برلين –وفي هذا تعبير، كما نأمل، على وجود رغبة مشتركة في تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على الخروج معززا من هذه الأزمة. هذا هو العنوان الذي اختارته الرئاسة الألمانية لهذه الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2020: “معا من اجل تعزيز أوروبا .

قرارات حاسمة
تواجه أنجيلا ميركل ووزرائها ثلاثة تحديات أساسية: تحدٍ طارئ، وتحدي سياسة التكامل الاقتصادي؛ وتحديا جيوسياسيا.
إن تحدي الطوارئ واضح. خلال “السداسي الألماني”، يتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات حاسمة. وسيكون “إطارها المالي متعدد السنوات” 2021-2027 بمثابة مرجع للميزانية السنوية لعام 2021؛ وعليها أن توافق على مقترحات المفوضية بشأن “صندوق للإنعاش” سيسمح بقرض قيمته 500 مليار يورو لدعم المناطق الأكثر تضرراً من الوباء، وائتمانا بقيمة 250 مليار يورو لدعم مشروعات إعادة الإعمار. كل هذا يجب أن يقرره بالإجماع المجلس الأوروبي قبل الخريف حتى يتمكن البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية من المصادقة على هذه القرارات، ويمكن توزيع المساعدات اعتبارًا من عام 2021 في إطار نظام ميزانية الاتحاد.

إنه برنامج طموح للغاية... “في هذا النوع من الأزمات، قالت أنجيلا ميركل في مقابلة يوم 27 يونيو، من المتوقع أن يقوم الجميع بما هو ضروري... والضروري، في هذه الحالة، شيء غير عادي”. وبهذه الكلمات توضّح المستشارة تخلي ألمانيا عن موقفها التقليدي للحد من ديون الميزانية، ورفض” اتحاد الديون».
  في المقابل، تؤكد أنه من المهم لألمانيا أن تكون هذه التدابير “غير العادية” في إطار المعاهدات الأوروبية، وليس خارجها. لأن “من مصلحة ألمانيا أن يكون لدينا سوق واحدة قوية، وأن يصبح الاتحاد الأوروبي موحدا أكثر، وأن لا ينهار”. ألمانيا تريد ان يعمل الاتحاد بشكل جيد.

تعزيز التكامل الاقتصادي
هذه الملاحظة مهمة بشكل خاص عند النظر إلى التحدي الثاني للرئاسة، وهو إصلاح سياسة التكامل الاقتصادي للاتحاد. منذ سنوات عديدة، يواجه الاتحاد الأوروبي نقاط ضعف صارخة في منظومة التكامل الاقتصادي (الأزمة المالية، أزمة اليورو، الاختلالات المتزايدة بين الشمال والجنوب) ، ولا يزال الاتحاد النقدي في منطقة اليورو ينتظر استكماله باتحاد اقتصادي حقيقي. ويكفي التذكير بمقترحات فرنسا بشأن تعزيز آليات منطقة اليورو، مع اقتراحها لـ “ميثاق أخضر”، قدمته لجنة فون دير لين الجديدة في بداية تفويضها عام 2019، تحاول السلطة التنفيذية الأوروبية رسم مسار للاتحاد يسمح بالتوفيق بين النمو الاقتصادي مع التوازن البيئي والتحكم في المناخ والتحولات الرقمية.

وكل هذا يتطلب ردودا سياسية، ويفضّل أن يكون ذلك على المستوى الأوروبي، ولا يزال هذا بعيدا عن التحقيق. ويتجاوز بكثير هذه الرئاسة الألمانية. لكن الحاجة العاجلة لجهود الإنعاش للخروج من الأزمة، تتيح فرصة تصورها اليوم حول هذه التحولات الأساسية.
وهكذا، فإن المقترحات المشتركة بين فرنسا وألمانيا في 18 مايو لصندوق الإنعاش والتحفيز، تهدف مسبقا إلى ما هو اعلى، وتميل إلى تحسين الطريقة التي يعمل بها الاتحاد من خلال إقامة تنسيق وثيق بين الدول الأعضاء لخلق “سيادة صحية استراتيجية” وضمان “انتعاش مستدام” وفيّ لروح “الميثاق الأخضر” الذي اقترحته المفوضية، مع احترام الأولويات الأوروبية. كما أن “الطريق الجديدة” التي اقترحها ماكرون وميركل تتضمن “تحسينات على الإطار الأوروبي” في مجال الضرائب والمنافسة والتجارة الدولية ومنطقة شنغن.

مع خطة الإنعاش هذه، التزم الفرنسيون والألمان بإصلاح كبير للاتحاد الأوروبي يجب على الرئاسة الألمانية، بدعم من فرنسا ويتبعها خلفاؤها المستقبليون عام 2021 (البرتغال وسلوفينيا)، البدء في الانجاز. وفي الوضع الحالي، لا تنوي أنجيلا ميركل بعد أن تلزم نفسها بتعديل معاهدات الاتحاد، لأنه “يجب أن نتفاعل بسرعة مع الوباء”، لكنها لا تستبعده أيضًا. وهذا تغيير ملحوظ آخر في موقف ألمانيا.

حتى أن نائب المستشارة أولاف شولز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يشير إلى ألكسندر هاميلتون، رئيس وزراء مالية الولايات المتحدة، الذي تولى، عام 1790، ديون الولايات الفيدرالية لإثبات الاختصاص الاتحادي في هذه المسألة. وفي سياق “التكامل العميق”، قال وزير المالية الألماني في مقابلة يوم 29 مايو في صحيفة “دي زيت” الأسبوعية، يجب ألا يكون “الإصلاح الضريبي” من المحرمات.
اذن، تواجه الرئاسة الألمانية أيضًا تحدي رسم المسار لهذه “الطريق الجديدة”، الذي شرعت فيه مع فرنسا، دون معرفة بالضبط إلى أين ستقود، ودون معرفة ما إذا كانت ستنجح. انه رهان وفرصة في نفس الوقت، وفقًا لـ وينستون تشرتشل، نقلاً عن أولاف شولز: “لا تفسد أبدًا أزمة جيدة».

العلاقات مع الصين
 والولايات المتحدة
لأن هناك حاجة إلى فرص لمواجهة التحدي الثالث الذي أصبح واضحًا خلال أزمة كورونا هذه -تحدٍ جيوسياسي، وهو ليس جديدًا أيضًا ولكنه غالبًا ما يتم تجاهله اذ يساء فهمه. لقد أصبح جليّا، أكثر من أي وقت مضى، أن الاتحاد الأوروبي محاصر بين طموحات الهيمنة من قبل القوى العظمى، الولايات المتحدة والصين، الغارقتان في حربهما التجارية، وتلومان بعضها البعض على مسؤولياتهما في إدارة الوباء.
وبالنسبة للرئاسة الألمانية، يؤكد وزير الخارجية هيكو ماس: “لا نريد أن يقول لنا أحد ما يجب علينا فعله، نريد أن نسير على طريقتنا الخاصة، ونريد أن نكون قادرين على التصرف جيوسياسياً”. الا أننا يجب أن نعرف ما “نريد فعله”، وما هي “طريقنا الخاصة”، وكيف “نريد أن نكون قادرين على الحركة في الجغرافيا السياسية” -وهذا ليس جزءً من صلاحيات الاتحاد ما لم يتم الاتفاق بين جميع الدول الأعضاء.

هذا طموح للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين. لقد تم تأجيل القمة التي كانت الرئاسة الألمانية قد خططت لها في سبتمبر في لايبزيغ لإرساء أساس أكثر توازنا واستقرارا للتعاون بين “الشركاء التجاريين والمنافسين ولكن منافسين نظاميين”، دون إلغائها.
وكان منتظرا أن تكون فرصة لإضفاء طابع رسمي على تعاون اقتصادي وتجارة أكثر إنصافًا، وفتح المفاوضات حول اتفاقية الاستثمار، وتعزيز التعاون في مجال المناخ، وتعزيز تبادل الآراء بشأن الالتزامات في أفريقيا. الا ان، السياسة الحالية لنظام بكين فيما يتعلق بهونغ كونغ، المخالفة للاتفاق الصيني البريطاني على الوضع الخاص للجزيرة طيلة 50 عامًا (بلد واحد، نظامان) قد شككت في الاستراتيجية الأوروبية للتعاون مع الصين.   ومحاولات بكين لتأسيس هيكل تعاون مع الدول الأعضاء في شكل “17 + 1” إلى جانب الاتحاد الأوروبي لم تسهل هذا التعاون أيضًا.

كما ان الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان داخل الصين (التبت، سينكيانغ)، وكذلك إجراءاتها العسكرية لترهيب جيرانها في جنوب شرق آسيا، تدعو إلى عدم الثقة بدلاً من الثقة الضرورية لكل تعاون مرضي. وفي هذا السياق المعقد، كانت الرئاسة ترغب في إعادة إنشاء إطار للتعاون الاقتصادي في مستوى أكبر قوتين تجاريتين في العالم، ولا يزال يتعين بذل جهد اضافي.
حالة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر حساسية. خصم معلن في المجال الاقتصادي والتجاري من قبل رئيس الولايات المتحدة، وتجاهلته الإدارة الأمريكية في مسائل الاتفاقات الدولية (اتفاقيات باريس المناخية، والاتفاقيات النووية مع إيران، والعقوبات خارج الحدود الإقليمية)، ليس لدى الاتحاد الأوروبي حاليًا سبب للثقة في قيادة أهم شريك اقتصادي وسياسي.

حتى ألمانيا، التي كانت ولا تزال واحدة من أقرب حلفاء واشنطن، تجد نفسها عرضة لهجوم مستمر من مستأجر البيت الأبيض وبدأت تنأى بنفسها عنه. وفي الوقت الذي يبدو فيه المجتمع “الغربي” في حالة انهيار، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يطالب ويدافع عن مكان في النظام الدولي لا يجعله مجرد مكمّل للقوة العظمى ما وراء الأطلسي.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يريد “التحرك في الجغرافيا السياسية”، كما طلب الوزير هايكو ماس، فعليه أن ينظم نفسه حتى يتمكن من اللعب ومعرفة التحدث كقوة. ويتجاوز هذا التحدي والرهان إلى حد بعيد رهان الرئاسة الألمانية. خاصة أن رئاسة المجلس في هذه المسألة خرجت من الرئاسة الدورية وعادت إلى الممثل السامي جوزيب بوريل، الذي انتخب لعامين ونصف. ولكن بما أن هذا عنصر آخر من إصلاحات بعيدة المدى للاتحاد الأوروبي، فيجب على الرئاسة الألمانية تحمّل مسؤولية دعم بوريل لتحريك الجهود في الاتجاه الصحيح.

قبل عام من مغادرة المشهد السياسي الألماني، امام أنجيلا ميركل مسؤولية وفرصة إعطاء دفعة مهمة لمستقبل الاتحاد الأوروبي. وقالت في مقابلة 27 يونيو، “يجب أن نتجنب طرح السؤال حول وجود الاتحاد الأوروبي، في كثير من الأحيان، ونقوم بعملنا”... وفي قيامها بعملها، تعدّ الإجابة على هذا السؤال.

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot