محمد بن راشد: نسعى لتوفير أفضل نوعيات الحياة للمواطن والمقيم والزائر
"الممرضة الصالحة": قصّة حقيقية عن الطبّ، والجنون، والقتل
"لكنْ، لماذا؟"، تسأل الممرضة آمي لوكْرِن. "لأنْ لا أحد يعترض"، يُجيبها زميلها الممرض تشارلز كولن، بعد انكشاف أفعاله الجُرمية بحقّ مرضى، في غرف العناية الفائقة، في مستشفيات ومراكز طبية عدّة في نيوجرسي، وربما في غيرها. إجابة قاتلة، كفعل القتل نفسه. إجابة منطوقة بلسان بارد، لشابٍ يُشيع حوله إحساساً بطيبة وسلامٍ وخير، لكنّه يحتوي على نزعةٍ متناقضةٍ تماماً مع هذا كلّه. إجابة واضحة ومباشرة وصادقة، فبالنسبة إليه، إنْ يحصل اعتراض، ربما أوقف أفعاله هذه. لن يكون هذا مؤكّداً، إذْ يُلقى القبض عليه عام 2003، بعد 15 عاماً من ارتكابه أول جريمة قتل، في 11 يونيو/حزيران 1988، كما يُعلن عن ذلك لاحقاً.
سؤال لوكْرِن نابعٌ من غضبٍ وقهرٍ وشعورٍ بالخيبة والصدمة. فكولن يُبدي تعاطفاً كبيراً معها، ويدعمها في يومياتها، بعد معرفته بإصابتها بضعف في عضلة القلب، وبحاجتها إلى عملية جراحية تؤجّلها دائماً، رغم مخاطر التأجيل، لأنّها غير مالكةٍ بوليصة تأمين (وغير مالكةٍ مالاً كافياً للعملية)، التي ستحصل عليها بعد 4 أشهرٍ فقط. سؤال يشي بألمٍ، كما يوحي بضعفٍ موارب، يشعر به من يملك طيبةً. ضعف عابر، يبرز فجأة في لحظةِ وضوحٍ قاهِرٍ وقاسٍ: زميل مهنة وصديق حياة، سيكون قاتلاً، "لأنْ لا أحد يعترض".
هذا مرويّ في "الممرضة الصالحة" (2022)، للدنماركي توبياس ليندهولم، المستند إلى كتاب "الممرضة الصالحة: قصّة حقيقية عن الطبّ، والجنون، والقتل" (2013)، للصحافي والكاتب الأميركي تشارلز غرايْبر. الفيلم (مفردة Good تحتمل أكثر من معنى، والتشابه بين المعاني يتلاءم وسيرة الممرضة) يميل إلى النوع التوثيقيّ البصري، أقلّه في نواته الدرامية الأساسية، مُعتمداً لغة سرد روائي سينمائي، من دون ابتكاراتٍ تُضيف جديداً. فالتوثيق، الراغب أصلاً في تعميم حكايةٍ كهذه عبر الصورة، غير هادفٍ إلى أكثر من ذلك. أي أنّ الحكاية، بوقائعها المنشورة في كتاب غرايْبر، تتحوّل إلى صُورٍ عن ممرّض شاب، يقتل مرضى غرف العناية الفائقة، من دون إعلان مباشر، أقلّه في الفيلم، عن سبب فعلته تلك، باستثناء جملةٍ، ستكون أقسى وأعنف من فعل القتل بحدّ ذاته: "لأنْ لا أحد يعترض".
القول إنّ "الممرضة الصالحة" فيلمٌ وثائقيّ، يستند إلى قصّة واقعية، غير لاغٍ اشتغالاً مهنيّاً محترفاً في مجال صُنعِ الروائي، بالتزام تقنيات الروائي وقواعده الأساسية، كتابة (كريستي ويلسن ـ كارن) وتصويراً/إضاءة (جودي لي لايبس) وتوليفاً (آدام نيلسن) وأزياء (آمي وسْتكوت) وموسيقى (بايسْفِر) وأداءً (الرائعان جيسيكا تشاستن وإدي رايدْمان، في دوري الممرضين آمي لوكْرن وتشارلز كولن).
رغم أنّ النواة الدرامية الأساسية معقودة على دور الممرضة آمي لوكْرن في فضح زميلها/صديقها تشارلز كولن، ينفتح الفيلم أيضاً، في جانبٍ منه، على واقع النظام الصحّي في أميركا، من خلال عجز لوكْرن نفسها عن إجراء عملية جراحية، بسبب عدم حصولها على تأمين صحّي. هذا يتطلّب منها أكثر من دوام ليليّ، كي تُعيل ولديها، بانتظار 4 أشهر. إلى ذلك، يكشف الفيلم نزاعاً بين سلطات مختلفة، في الأمن (المكتب الفيدرالي للتحقيقات) والصحّة (المستشفيات) والقانون (محامو المستشفيات)، من دون تناسي دور السياسة ومصالح السياسيين وعلاقاتهم المتشعّبة، التي تولي أهميةً قصوى للمصالح الشخصية أساساً، على حساب مسائل أخرى كثيرة.
هذا كلّه مرويٌّ بسلاسةٍ سينمائية، تؤلِم بسبب ما في الحكاية من قهرٍ وهشاشة عيش وتبسيطٍ خطر لفعل القتل، وتُثير قلقاً وغضباً إزاء أنظمة حياة غير محمّية من خروقاتٍ كهذه، وغير حاميةٍ من يُفترض بها أنْ تحميهم.
سؤال لوكْرِن نابعٌ من غضبٍ وقهرٍ وشعورٍ بالخيبة والصدمة. فكولن يُبدي تعاطفاً كبيراً معها، ويدعمها في يومياتها، بعد معرفته بإصابتها بضعف في عضلة القلب، وبحاجتها إلى عملية جراحية تؤجّلها دائماً، رغم مخاطر التأجيل، لأنّها غير مالكةٍ بوليصة تأمين (وغير مالكةٍ مالاً كافياً للعملية)، التي ستحصل عليها بعد 4 أشهرٍ فقط. سؤال يشي بألمٍ، كما يوحي بضعفٍ موارب، يشعر به من يملك طيبةً. ضعف عابر، يبرز فجأة في لحظةِ وضوحٍ قاهِرٍ وقاسٍ: زميل مهنة وصديق حياة، سيكون قاتلاً، "لأنْ لا أحد يعترض".
هذا مرويّ في "الممرضة الصالحة" (2022)، للدنماركي توبياس ليندهولم، المستند إلى كتاب "الممرضة الصالحة: قصّة حقيقية عن الطبّ، والجنون، والقتل" (2013)، للصحافي والكاتب الأميركي تشارلز غرايْبر. الفيلم (مفردة Good تحتمل أكثر من معنى، والتشابه بين المعاني يتلاءم وسيرة الممرضة) يميل إلى النوع التوثيقيّ البصري، أقلّه في نواته الدرامية الأساسية، مُعتمداً لغة سرد روائي سينمائي، من دون ابتكاراتٍ تُضيف جديداً. فالتوثيق، الراغب أصلاً في تعميم حكايةٍ كهذه عبر الصورة، غير هادفٍ إلى أكثر من ذلك. أي أنّ الحكاية، بوقائعها المنشورة في كتاب غرايْبر، تتحوّل إلى صُورٍ عن ممرّض شاب، يقتل مرضى غرف العناية الفائقة، من دون إعلان مباشر، أقلّه في الفيلم، عن سبب فعلته تلك، باستثناء جملةٍ، ستكون أقسى وأعنف من فعل القتل بحدّ ذاته: "لأنْ لا أحد يعترض".
القول إنّ "الممرضة الصالحة" فيلمٌ وثائقيّ، يستند إلى قصّة واقعية، غير لاغٍ اشتغالاً مهنيّاً محترفاً في مجال صُنعِ الروائي، بالتزام تقنيات الروائي وقواعده الأساسية، كتابة (كريستي ويلسن ـ كارن) وتصويراً/إضاءة (جودي لي لايبس) وتوليفاً (آدام نيلسن) وأزياء (آمي وسْتكوت) وموسيقى (بايسْفِر) وأداءً (الرائعان جيسيكا تشاستن وإدي رايدْمان، في دوري الممرضين آمي لوكْرن وتشارلز كولن).
رغم أنّ النواة الدرامية الأساسية معقودة على دور الممرضة آمي لوكْرن في فضح زميلها/صديقها تشارلز كولن، ينفتح الفيلم أيضاً، في جانبٍ منه، على واقع النظام الصحّي في أميركا، من خلال عجز لوكْرن نفسها عن إجراء عملية جراحية، بسبب عدم حصولها على تأمين صحّي. هذا يتطلّب منها أكثر من دوام ليليّ، كي تُعيل ولديها، بانتظار 4 أشهر. إلى ذلك، يكشف الفيلم نزاعاً بين سلطات مختلفة، في الأمن (المكتب الفيدرالي للتحقيقات) والصحّة (المستشفيات) والقانون (محامو المستشفيات)، من دون تناسي دور السياسة ومصالح السياسيين وعلاقاتهم المتشعّبة، التي تولي أهميةً قصوى للمصالح الشخصية أساساً، على حساب مسائل أخرى كثيرة.
هذا كلّه مرويٌّ بسلاسةٍ سينمائية، تؤلِم بسبب ما في الحكاية من قهرٍ وهشاشة عيش وتبسيطٍ خطر لفعل القتل، وتُثير قلقاً وغضباً إزاء أنظمة حياة غير محمّية من خروقاتٍ كهذه، وغير حاميةٍ من يُفترض بها أنْ تحميهم.