جزر ميكرونيزيا.. صراع نفوذ جديد بين واشنطن وبكين في المحيط الهادي
في تحوّل جيوسياسي لافت، أصبحت ميكرونيزيا، الأرخبيل الممتد في غرب المحيط الهادي، محور أبحاث وتحذيرات أمنية جديدة تُظهر أنّ المنطقة باتت في صميم المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
هذا التجمع الجغرافي الذي يضم بالاو، وولايات ميكرونيزيا المتحدة، إضافة إلى الأراضي الأمريكية غوام وجزر ماريانا الشمالية، يشكل ما يسميه البنتاغون “سلسلة الجزر الثانية”، وهي خط الدفاع التالي خلف السلسلة الأولى الممتدة من كوريا الجنوبية إلى الفلبين، بحسب مجلة “نيوزويك».
المنصة الجديدة التي أطلقها “مركز المحيط الهادي لأمن الجزر” في غوام، تحت اسم “منصة مراقبة أمن ميكرونيزيا MSM»، تتبع الأنشطة العسكرية المتسارعة في المنطقة.
ويقول مدير المركز ليلاند بيتيس إن “إيقاع المنافسة أصبح واضحًا”، محذرًا من أن البيئة الأمنية خارج السلسلة الأولى باتت أكثر توترًا، وأن القوى الكبرى تستعد فعليًا لاحتمال اندلاع صراع.
وتُظهر بيانات MSM توسعًا ملحوظًا في مسح قاع المحيط الذي تجريه سفن صينية يُعتقد أنها تجمع معلومات لصالح جيش التحرير الشعبي، بالتوازي مع تدريبات مضادة للغواصات تنفذها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ضمن مناورات “القرش الصامت».
ويؤكد بيتيس أن كثافة التدريبات الأمريكية، خلال العام الماضي، تعكس “جدية التخطيط العسكري الأمريكي لمنطقة ماريانا–بالاو–الفلبين” باعتبارها مسرحًا محوريًا لأي مواجهة محتملة.
تشير التقديرات العسكرية إلى أن ميكرونيزيا، وخاصة غوام، أصبحت هدفًا محتملًا لصواريخ صينية وكورية شمالية متوسطة المدى، طُورت خلال العقد الماضي خصيصًا لضرب القواعد الأمريكية إذا اندلع نزاع.روبرت أندروود، رئيس مركز دراسات الأمن السيبراني ومندوب غوام السابق في الكونغرس، يوضح أن الجزيرة لطالما كانت “منصة لاستعراض القوة الأمريكية”، ما يجعلها نقطة حساسة في الحرب الباردة الجديدة.القوة الصاروخية في المشهد تتصاعد بسرعة، حيث إن الصواريخ الكورية الشمالية “هواسونغ-10” و”هواسونغ-12” قادرة على بلوغ ميكرونيزيا الغربية، إضافة إلى أن الصاروخ الصيني فائق السرعة «CJ-1000» قد يغطي جزر مارشال إذا أُطلق من شرق الصين.
كما أن القاذفات الأمريكية «B-1» و»B-21» تتمتع بمدى يسهل ضرب أهداف في الصين وكوريا الشمالية.
وتستعد الولايات المتحدة لتعزيز دفاعاتها عبر نقل 5000 من مشاة البحرية من أوكيناوا إلى غوام، وبناء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل (EIAMD)، إضافة إلى إعادة إحياء مدرجات قديمة في تينيان.
لكن هذه العسكرة لم تمر دون رد صيني؛ فقد حذّرت وزارة الدفاع في بكين، العام الماضي، من “تحويل غوام إلى نقطة انطلاق للحروب”، مؤكدة أنها “لن تكون آمنة حتى لو كانت مسلحة حتى الأسنان».
في المقابل، يرى باحثون مثل غرينوود أن عسكرة الجزر تجعلها أكثر عرضة للخطر في أي طارئ، وأن واشنطن “لم تُعد خططًا كافية لحماية المدنيين أو ضمان إمدادات الغذاء”. ويضيف أن التركيز الأمريكي على الأمن أهمل التنمية الاقتصادية، ما يفتح الباب أمام نفوذ صيني متزايد في الاستثمار والسياحة.
المنطقة رهينة قوة لا صوت لها
تعتبر الولايات المتحدة ميكرونيزيا محورًا أساسيًا لضمان “منطقة هندية–هادئة حرة ومستقرة”، وفق تصريحات البنتاغون. وتؤكد أنها تعمل مع شركائها لتعزيز البنية التحتية والوعى البحري ودعم السيادة المحلية.أما الصين، فتصف هذه المقاربة بأنها “ضجة مصطنعة حول التهديد الصيني”. المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن يصرّ على أن بكين “ملتزمة بالسلام والتنمية”، ويتهم الولايات المتحدة باستخدام الهيمنة العسكرية للحفاظ على تفوقها.
وبين الخطابين المتعارضين، تقف دول ميكرونيزيا في موقع لا تحسد عليه، حيث إنها جزر صغيرة بحاجة إلى التنمية، لكنها تتحول تدريجيًا إلى “نقطة الصفر” في صراع إستراتيجي لم تختره.
ومع تسارع عسكرة المنطقة، تتقلص المساحة المتاحة للدبلوماسية بينما يزداد حضور الجزر في خرائط التخطيط العسكري للقوتين الأعظم.وفي غياب إستراتيجية تنموية أمريكية موازية، وتزايد الاستثمارات الصينية “الحذرة”، تبدو ميكرونيزيا وكأنها تعود إلى موقعها التاريخي؛ رقعة صغيرة على خريطة كبرى، لكنها قد تلعب دورًا حاسمًا في شكل النظام الإقليمي للحرب والسلام في المحيط الهادي.