يقال إن أفضل وجبات طعام تلك التى تعدها الأم لأبنائها، ويظل الطعم ملازماً أفواه الأبناء حتى بعد الهجر والفراق والانتقال إلى أسر أخرى، وكل منا يذكر هذه المرحلة وأحيانا تدمع العين ونلتزم الصمت مع تنهدات تأتي من الأعماق لتعبر عن مدى الشوق لهذه الجلسات ورائحة المخبوزات وطعم الأكلات الشهية التى يقال عنها بأن النفس في إعداد الطعام وراء جماله وحسن مذاقه.
والحقيقة أن كل الأبناء يمدحون أمهاتهم بهذه الميزة، وكأن كل الطعام حسن وذو مذاق شهي، مع أننا عندما ننضم لمأدبة طعام قد اعدتها أم أصدقائنا لم نشعر بوصفه لها، وعملها في المطبخ متواضع جدا وربما كان متعباً وغير جيد بالمرة، وفي بيوت أخرى نجد الطعم قريباً أو مماثلاً لطعام أمهاتنا، وبالبحث نكتشف أن السر وراء هذا الحكم المنفرد على طعام الأمهات وشهادة الأبناء لهن يعود فعلا للنفس والروح المحبة والملهوفة لتقديم أجود وأحلى وجبة ولو كانت مؤلفة من نوعيات بسيطة جدا.
النفس الذي يدعي البعض أنه السر وراء جمال مأدبة طعام الأم يتوارى خلف سعادتها وهي تعد الطعام لأسرتها وحرصها على تناول كل منهم أشهى ما عندها بل وتفننها في ضبط المذاق لكل منهم وتقديم الطبق المناسب مع اختلاف أذواقهم، هذا الحب المغلف بالجهد والتعب والإصرار على إطعامهم وهي تئن وتتألم أحيانا من الدوالي أو وعكة صحية إلا أنها بحكم المسؤولية وحبها الشديد والعفوي لحفنة الأبناء وبينهم الزوج تقوم وتتسند على طموحها وعكاز سعادتها بطعامهم بعد يوم طويل خارج المنزل.
للأم منزلة خاصة لا يعرف قدرها إلا من فقدها، فهي الكائن الصامت والجندي المجهول في بيت تنمو فيه أغصان يوما بعد يوم متجاهلين قدرتها على التفكير والرؤية وكأنها توقفت عن التفكير والإبداع وهم من يكبرون ويتعلمون ويفقهون الأشياء، وهي بصمت وبلغة العيون تئن وتحاول جاهدة تعليم الجميع معنى الحب والطمأنينة وبث روح الإخاء لأنها ببساطة الشجرة المثمرة التى تضم على أغصانها الثمر فإن هي ماتت ورحلت ذبلت الثمار وتساقطت واحدة تلو الأخرى وفقدت مذاقها ورائحتها وإن كانت يانعة، فالأم المصدر الوحيد للنفس في الطعام وملهمة الطباخين العالميين بأن يعدوا الطاعم وأنتم سعداء بمن يتناوله.
قد يكمن النفس الطيب في إعداد الطعام عند أهل الكرم وحب اللمة والسعادة بتقديم الوجبات للضيف كما يقدمه للأسرة، ويقدم من الأصناف ما يطيب له ولمن في رحاب المائدة.