تداعيات الاعتماد المتبادل الأمريكي الصيني

عن شيميريكا، و «النسر والتنين والأزمة العالمية»...!

عن شيميريكا، و «النسر والتنين والأزمة العالمية»...!

-- في الولايات المتحدة، زادت تكاليف الأحداث المناخية من 4 مليارات دولار سنويًا في مطلع الثمانينات إلى أكثر من 300 مليار دولار سنويًا
-- عندما أصبحت مصنعا عالميًا، مع شراء كميات هائلة من الديون الأمريكية، فرضت الصين على الولايات المتحدة شكلا من أشكال التبعيّة
-- مفهوم «شيميريكا» يسلط الضوء على التداخل الفعلـي بيـن الاقتصـاديـن الأمريكي والصيني
-- التاريخ الجيوسياسي للعالم غنيّ بأمثلة على تحالفات غير متوقعة في مواجهة تهديدات مشتركة هائلة
-- مع تأثر العالم كله بتغير المناخ، تصبح الدول التي تنضم إلى طريق الحرير الجديد نقاط ضعف للصين


بمناسبة صدور عمله الجديد، يحلل جان ميشيل فالانتين آثار العلاقة الأمريكية الصينية على الأزمة البيئية العالمية. ومن وجهة نظره، لا يزال من الممكن تعديل وتنظيم العواقب الضارة لعلاقة الترابط بينهما.     وجان ميشيل فالانتين، هو مختص في العلوم الجيوسياسية، ودكتور في الدراسات الاستراتيجية. ويتعاون في قسم “المناخ والأمن” مع مؤسسة تحليلية في المجال، وقد نشر في الأيام الاخيرة “النسر والتنين والأزمة العالمية” (عن دار سوي 2020).   * يبدأ عملك بإشارة طويلة إلى حروب الأفيون؟ هل نعيش اليوم، مع الصعود المذهل للقوة الصينية، عملية ثَأْر منها؟
   - بدأت “حرب الأفيون” عام 1839، وشنّت هذه الحرب بريطانيا العظمى لإجبار الحكومة الصينية على السماح باستيراد الأفيون المزروع في الهند. لكن هذه الحرب يعرّفها بشكل أعمق الالتقاء بين القوة النارية العسكرية والصناعية البريطانية والجيش الصيني، المنبثق من جانبه من عالم زراعي. هذه الصدمة “العسكرية-الصناعية” قادت السلطات الصينية إلى إدراك أن القوة الصناعية والأمن لا ينفصلان، الأمر الذي يبرز أهمية الصناعة في آسيا.
وبالتالي، فإن الفترة الماوية (1949-1976)، ستكون أيضًا محاولة للرد على هذه الصدمة الهائلة، والتي تميزت بالتجربة الشيوعية الـ “قفزة الكبيرة إلى الأمام”، والتشاركيات الزراعية، التي تأسست على التعبئة الدائمة، و “الحرب على الطبيعة “، والثورة الثقافية، والتي خرجت منها الصين مُستنزفة ومُنهكة في أواخر السبعينات.
 
  وفي هذا الافق، فإن التنمية الصينية الحالية، التي أطلقها دنغ شياو بينغ في بداية الثمانينات، من خلال الانفتاح التدريجي للصين الشيوعية على اقتصاد الســــــوق، تتوافـــــق مــع مرحلة قوية من مرونة وتنمية دولة يبلغ عدد سكانها مليار نسمة، أو إنسان على 7.

   * كثيرا ما تستخدم مفهوم شيميريكا... إلى ماذا يحيل؟
   - تم تطوير هذا المفهوم قبل بضع سنوات من طرف نيال فيرغسون. ويسلط الضوء على التداخل الفعلي بين الاقتصادين الأمريكي والصيني، مما يخلق هذه “الكمير” (مخلوق خرافي) بعيد الاحتمال والقوي بنفس القدر. أضمّنه الطريقة التي تمارس بها “شيميريكا” ضغطًا ساحقا على القدرة الاستيعابية للعالم من خلال استخراج الموارد الطبيعية الخاصة بها، ومن خلال تصريف الملوثات في الهواء ودورة المياه وفي التربة، وكذلك الغازات الدفيئة.

   * كيف تسرّع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبمعنى أوسع الاعتماد المتبادل للنموذجين الاقتصاديين لهذين البلدين، الاضطراب العالمي؟
   - حسب رأيي، إنهما لا يُفرملان بشكل خاص مكافحة التغيّر المناخي، لكن السلطات الصينية تسعى بنشاط للحد من التلوث وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصناعي، باستخدام تدابير تنظيمية قوية بالإضافة إلى الامكانيات الجديدة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي. وعلى النقيض من ذلك، يتعرض النمو الاقتصادي في البلدين لضغوط حرب الرسوم الجمركية، وآثار التغيّر المناخي، والآن، الى تدابير العزل المتخذة لمواجهــــة انتشــــــار كورونا فيروس.

   *هل يمكنك تلخيص التهديدات البيئية الرئيسية التي تواجه الصين والولايات المتحدة؟
   - إن الصين مهددة بعواقب التغيّر المناخي على أراضيها، وتلك التي لها تأثير على المناطق والبلدان التي تزودها بالموارد، ولا سيما الموارد المائية والزراعية. وهكذا، تتجسد السياسة العملاقة لـ “طريق الحرير الجديد” في شكل بنى تحتية هائلة للنقل البري والبحري تسمح للشركات الصينية العامة والخاصة بنقل موارد الزراعة والتعدين والطاقة من جميع أنحاء العالم، سواء من النيجر أو الأرجنتين، إلى الصين. وتترجم هذه السياسة توسّع حوض الاحتياجات الصينية على نطاق عالمي.

    ومع ذلك، بما ان العالم باسره يتأثر بالتغيّر المناخي، تصبح البلدان التي تنضم إلى طريق الحرير الجديد نقاط ضعف للصين. أستراليا واحدة من المصدرين الرئيسيين للقمح الى الصين، عاشت سلسلة من السنوات تميزت بموجة من الأحداث المناخية القاسية، فيضانات وجفاف، وصولا إلى ذروة أشهر من الحرائق الضخمة التي دمرت الغطاء النباتي، ولوثت المياه، وقتلت الحيوانات بالجملة، ولكن أيضًا التربة. وهذا يهدد الزراعة الأسترالية، وبالتالي جزء كبير من إمدادات القمح الصينية.

    في الولايات المتحدة، يكشف تكاثر الأحداث المناخية المتطرفة، هشاشة أمريكا امام التغيّر المناخي. وهكذا، في 2019 و2020، دمرت فيضانات تاريخية، استمرت ما بين ثلاثة وأربعة أشهر، الغرب الأوسط الأمريكي والجنوب الغربي، وهما من المناطق الزراعية الرئيسية على المستوى العالمي.

    وتضع هذه الكوارث المتسلسلة المزارعين الأمريكيين في أوضاع صعبة، وتختبر قدرتهم على الصمود، هم الذين يعانون أيضًا من صدمة حرب التعريفات التي شنتها الإدارة الأمريكية ضد الصين 2018. فقد انفجر عدد حالات إفلاس الشركات الزراعية في الأشهر الأخيرة، وزادت التكاليف التراكمية للأحداث المناخية من 4 مليارات دولار سنويًا في أوائل الثمانينات، إلى أكثر من 200 مليار دولار إلى 300 مليار دولار سنويًا في السنوات الثلاث الماضية.

    بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الارتفاع المستمر في مستوى سطح البحر على السواحل الساحلية الثلاثة الأطلسية والمحيط الهادئ وخط خليج المكسيك، حيث تتركز الأنشطة الصناعية، ولا سيما البترول، وكذلك كثافة التجمّعات السكانية الحضرية.

   *ما هي المخاطر الرئيسية التي تؤدي إلى احتمال قوي للمواجهة، خاصة على المستوى العسكري، بين الصين والولايات المتحدة؟
   - إنها تكمن في نسيج العلاقات الاقتصادية وفي التنافس على الموارد. عندما أصبحت الصين مجمعًا صناعيًا عالميًا، مع شراء كميات هائلة من الديون الأمريكية، فرضت الصين على الولايات المتحدة شكلا من أشكال التبعيّة. الا ان هذا الوضع هو موضوع هجوم مضاد ضخم من قبل إدارة ترامب، حيث تمارس هذه الأخيرة ضغطا يزداد ضراوة على الشركات لبدء نقل كل أو جزء من أنشطتها الى الولايات المتحدة.

   من جهة اخرى، فإن الشركات الصينية والأمريكية، وكذلك جيوش البلدين، موجودة في كل مكان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهكذا، دخلت فنزويلا في اتفاقيات نفطية رئيسية لاقتصادها مع شركة النفط الوطنية الصينية، كما تمد الصين طريق الحرير الجديد على نطاق واسع إلى الشرق الأوسط.
   من هنا، فإن الحكومة والشركات الصينية، منخرطتان بشكل متزايد في سوريا، وهي “موقع إعادة إعمار” استراتيجي محتمل. وتقوم باكستان وإيران والأردن ولبنان ومصر بمضاعفة العلاقات والعقود مع الصين، وتشهد الصادرات النفطية من المنطقة زيادة كبيرة باتجاه الصين. وأيضا، تنتقل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بحكم الامر الواقع، إلى العلاقات بين هذه الدول والولايات المتحدة.

   *ومع ذلك، فإن نهاية كتابك متفائلة نسبيًا بشأن إمكانية التحالف بين الولايات المتحدة والصين... لماذا؟
   - هذه العلاقة التعاونية التنافسية المكثفة جدا، التي هي شيميريكا، هي واحدة من المحركات الرئيسية للأزمة العالمية. يقودنا الاعتماد المتبادل الصناعي الصيني الأمريكي، إلى إلقاء نظرة على الانبعاثات الأمريكية السنوية في الغلاف الجوي الـ 5.3 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، والـ 9.5 مليار طن الصينية السنوية، مثل ما يقارب 15 مليار طن من انبعاثات شيميريكا.  لذلك تمارس هذه العلاقة “ جيو سلطة “ على نطاق دولي مما يجعل الاقتصاد الأمريكي الصيني محركًا قويًا للاضطراب العالمي.
   ومع ذلك، فإن التهديد الذي يشكله هذا الاضطراب على هاتين الدولتين يبلغ سقفا قد يشجع أيضًا السلطات السياسية للقطبية الثنائية، الولايات المتحدة والصين، على إدراك الحاجة إلى تنظيم هذه الـ “جيو سلطة”، ان لم يكن استخدامها لـ “ترويض” قوى الارباك والاختلال العالمي. ان التاريخ الجيوسياسي العالمي غني بأمثلة على تحالفات غير متوقعة في مواجهة التهديدات المشتركة الهائلة... اذن، لم نخسر شيئا بعد.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot