بين قسوة مصير الأسرة وأفراحها
فيلم Alcarràs: عائلة كتالونية مهددة بالاقتلاع
الأسلوب السينمائي والشكل الفيلمي للتعبير عن حقيقة أن تكون جزءاً من عائلة إسبانية كتالونية ممتدة، كانت عوامل أساسية وفريدة ومميزة، لدرجة استحقت عليها المخرجة كارلا سايمون (36 عاماً) عن فيلمها Alcarràs جائزة الدب الذهبي في الدورة 72 من مهرجان برلين السينمائي.
المخرجة الكتالونية التي تنحدر من مجتمع فلاحي، في رصيدها عشرة أفلام قصيرة، بين روائي ووثائقي، إضافة إلى روائي طويل صدر عام 2017 تحت عنوان "صيف 1993". استطاعت سايمون أن ترتفع فيه من الذاتي الذي كانت تركز عليه، إلى الاجتماعي والعام، وحافظت أيضاً على خصوصية البيئة وهويتها المحلية في فيلمها الطويل الثاني، الذي أصبح أول فيلم ناطق بالكتالونية يحصل على هذه الجائزة، لتعبّد للمخرجة طريق دخولها إلى السينما العالمية.
تحت ظلال أشجار الدراق وطبيعتها المتطرفة التي تسيطر على خلفية القسم الأكبر من الفيلم، تتفرع العائلة بالممثلين كشجرة بعد 9000 تجربة اختبار ممثل وممثلة قامت بها المخرجة. تضم العائلة كلاً من الجد روجيليو (Josep Abad)، والابن العنيد المتوتر كوميت (Jordi Pujol Dolcet)، وزوجته دولورس (Anna Otin)، وأولادهما روجر (Albert Bosch)، وماريوانا (Xènia Roset)، والصغيرة إيريس (Ainet Jounou)، والعمتين ناتي (Montse Oró)، وغلوريا (Berta Pipó).
هكذا، تظهر أمامنا العائلة المهددة بالاقتلاع، ممتدة الفروع متباينة الأمزجة. تختلط في بعض الأحيان علاقات الشخصيات بعضها ببعض، ليصلنا إحساس مخادع حول ميوعة الهوية الجنسانية لفلاحي تلك الأراضي عبر التاريخ، بعد أن أُعميت عيوننا عن التنوع عبر الزمن، بسبب أفلام شركات الإنتاج التجارية العالمية ومنصات التدفق.
تستعيد المخرجة في اللقطة الأولى من الفيلم تحفة المخرج إمير كوستوريتسا، Time of the Gypsies، الذي يحمل عنواناً آخر باللغة السلوفينية Dom za vešanje ومعناه الحرفي "المنزل المعلق". نرى جرافة شاذة عن تناسق الكادر، ترفع المنزل في فيلم كوستوريتسا، وهيكل السيارة المهترئ في الفيلم الذي نعمل على تفكيكه هنا. ثم تظهر بعدها مباشرة الحالة العصية على الفهم، عندما طالب وريث الأرض الأصلي بملكية الأرض، فالأرض التي أخذها الجد من دون عقد رسمي، بعد أن حمى جد الوريث الطموح من القتل في الحرب القديمة. ومع عدم وجود عقود موثقة سوى كلمة الجد للجد التي كانت تعتبر عقداً في الماضي، تبدأ الأزمة التي ستواجهها الأسرة بالتكشف، لتتلاحق بعدها انفجارات الانفعالات المختلفة لأفراد الأسرة كحجارة الدومينو.
تُسلّم الأسرة للأمر الواقع، بعد محاولات متنوعة لإقناع الوريث بالعدول عن مطالبه. هذا الصيف هو الأخير لهم كعائلة زراعية، وهذا هو الحصاد الأخير، لنقع كمشاهدين تحت وطأة واقعية سينمائية تتراوح بين القاسية في مشاهد استحضار مصير هذه الأسرة، والسحرية في مشاهد اللعب والضحك.
تتدخل عناصر جديدة بالفيلم، أولها وأكثرها أهمية هي ألواح الطاقة الشمسية التي ستتموضع مكان الأشجار المقتلعة. هذه حقيقة توجه شركات الطاقات البديلة ذات الهرمية الرأسمالية، التي في الأساس تتبع أجندات دولية وإعلامية تندد بالتهديدات البيئية وتنادي بالإنسانية، لنرى وجه الرأسمالية الجشع بشكل فاقع في المشهد الأخير؛ الربح أهم من الهوية التاريخية للمكان مهما كانت.
من المهم ذكر أن هذا الخطاب الإعلامي، الذي يُحمّل الإنسانية العبء الأخلاقي للأزمة البيئية، يضعنا جميعاً سواسية أمام الذنب الذي اقترفته البشرية بحق الطبيعة. وطالما أننا جميعنا ملامون، فلا أحد تقع عليه الملامة. والحقيقة أن الفلاحين في إسبانيا غير متساوين بالذنب مع أصحاب معامل الفحم الأميركية في مشكلة الاحتباس الحراري.
تتفرع وتتماسك أقواس القصة مع مرور العرض الممتد على طول 120 دقيقة، وترتبط الشخصيات ببعضها بعضاً أكثر في خيال المشاهد. ورغم صعوبة السيطرة على الكوادر التي تحوي مجموعة من الممثلين غير المحترفين وهم يتفاعلون كل حسب صفاته الدرامية، فإن المخرجة نجحت في توظيفهم بشكل مدروس ضمن الكادر بمساعدة المصورة دانيلا كاجياس، ووضعهم كعنصر في الفيلم ككل، تحت حالة متوترة تترقب إبادة هذا العنصر/العائلة من القصة، تماماً كما كانت تقوم الأسرة بإبادة الأرانب البرية التي تهدد محاصيلهم المتنوعة، وتقع في مرتبة أدنى في الهرمية الملعونة.
يتحرك الفيلم تبعاً لإيقاعية مونتاجية ثابتة وقلقة إلى الهاوية. الهاوية ستكون نهاية الصيف والتسليم بفقدانهم المكان كهوية جامعة، إضافة لتأثير الضوء الذهبي المتراوح بين قيظ الصيف والذاكرة المثالية. لم تكن الصورة لتحتمل حتمية رحيل العائلة من على الشاشة؛ فنهاية الفيلم بنظرات الخيبة التي تتبادلها العائلة، وحركة الشاحنة الميكانيكية التي تقطع الأشجار التي كانت أكثر من مجرد دخيل على الكادر، تذكرنا بقصص المخرج الإيطالي فريدريكو فيليني، حيث الفيلم جزء عضوي من الحياة الواقعية، لا بداية لقصته أو نهاية.
يجبرنا النقد على العودة وقراءة الفيلم ضمن تجربتها ككل، والتوسع إلى الهوية السينمائية القائمة على حماية التفاصيل المُكَونة لهويتها. فالسينما تحمينا من الواقع. تشكل سايمون مع مخرجات مثل Lucía Alemany وCelia Rico وPilar Palomero وClara Roquet مرحلة جديدة للهوية السينمائية الإسبانية. مخرجات يستندن إلى إرث سينمائي عالمي ليتحدثن عن خصوصيتهن كمخرجات محليات بتجاربهن الشخصية. فمنذ تجربة سايمون الأولى في عام 2009 في فيلم قصير تحت عنوان Women، تظهر الذاتية ومركزية الأمومة كعمود فقري في السرد.
وتتطور في فيلمها الروائي الأول لتتحدث عن طفولتها من وجهة نظر طفلة قلقة بعمر السادسة، انتقلت إلى العيش في منزل خالها الريفي مع زوجته وابنته.
في إحدى مقابلاتها، تشرح سايمون كيف اضطرت للبحث عن أشياء وتفاصيل والديها المندثرة بشكل شبه تام، لتستطيع توظيفها في فيلمها لتجد هويتها. ولهذا قد يتورّط المشاهد في الشك بقدرتها على الهروب من هذه الكاميرا التي تقع على مستوى وجهة نظر الطفلة إلى كاميرا، وقصة أعم وأشمل تحمل هوية وتاريخ كفيلمها الثاني، ما يحسب لها بتوظيف ذاكرتها في سينماها، لتروي قصتها هي عبر الأطفال الذين يدفعون الفيلم للأمام دائماً. قصة إنسانية تلامس الجميع، وتحمل أجوبة عن أي سؤال قد تتعرض له المخرجة من الكادر الذي يعمل معها أو الصحافة أو النقاد.
في فيلمها القصير الأخير، Letter To My Mother For My Son، الصادر هذا العام أيضاً، ترسل المخرجة رسالة إلى ابنها، من دون الوقوع في فخ الرموز الميلودرامية والنوستالجيا المبتذلة، خصوصاً عندما بدأت باستخراج أجزاء من ذاكرتها على شكل صور، واستطاعت إدارة عواطفها قبل إدارة الممثلين وعواطفهم.
المخرجة الكتالونية التي تنحدر من مجتمع فلاحي، في رصيدها عشرة أفلام قصيرة، بين روائي ووثائقي، إضافة إلى روائي طويل صدر عام 2017 تحت عنوان "صيف 1993". استطاعت سايمون أن ترتفع فيه من الذاتي الذي كانت تركز عليه، إلى الاجتماعي والعام، وحافظت أيضاً على خصوصية البيئة وهويتها المحلية في فيلمها الطويل الثاني، الذي أصبح أول فيلم ناطق بالكتالونية يحصل على هذه الجائزة، لتعبّد للمخرجة طريق دخولها إلى السينما العالمية.
تحت ظلال أشجار الدراق وطبيعتها المتطرفة التي تسيطر على خلفية القسم الأكبر من الفيلم، تتفرع العائلة بالممثلين كشجرة بعد 9000 تجربة اختبار ممثل وممثلة قامت بها المخرجة. تضم العائلة كلاً من الجد روجيليو (Josep Abad)، والابن العنيد المتوتر كوميت (Jordi Pujol Dolcet)، وزوجته دولورس (Anna Otin)، وأولادهما روجر (Albert Bosch)، وماريوانا (Xènia Roset)، والصغيرة إيريس (Ainet Jounou)، والعمتين ناتي (Montse Oró)، وغلوريا (Berta Pipó).
هكذا، تظهر أمامنا العائلة المهددة بالاقتلاع، ممتدة الفروع متباينة الأمزجة. تختلط في بعض الأحيان علاقات الشخصيات بعضها ببعض، ليصلنا إحساس مخادع حول ميوعة الهوية الجنسانية لفلاحي تلك الأراضي عبر التاريخ، بعد أن أُعميت عيوننا عن التنوع عبر الزمن، بسبب أفلام شركات الإنتاج التجارية العالمية ومنصات التدفق.
تستعيد المخرجة في اللقطة الأولى من الفيلم تحفة المخرج إمير كوستوريتسا، Time of the Gypsies، الذي يحمل عنواناً آخر باللغة السلوفينية Dom za vešanje ومعناه الحرفي "المنزل المعلق". نرى جرافة شاذة عن تناسق الكادر، ترفع المنزل في فيلم كوستوريتسا، وهيكل السيارة المهترئ في الفيلم الذي نعمل على تفكيكه هنا. ثم تظهر بعدها مباشرة الحالة العصية على الفهم، عندما طالب وريث الأرض الأصلي بملكية الأرض، فالأرض التي أخذها الجد من دون عقد رسمي، بعد أن حمى جد الوريث الطموح من القتل في الحرب القديمة. ومع عدم وجود عقود موثقة سوى كلمة الجد للجد التي كانت تعتبر عقداً في الماضي، تبدأ الأزمة التي ستواجهها الأسرة بالتكشف، لتتلاحق بعدها انفجارات الانفعالات المختلفة لأفراد الأسرة كحجارة الدومينو.
تُسلّم الأسرة للأمر الواقع، بعد محاولات متنوعة لإقناع الوريث بالعدول عن مطالبه. هذا الصيف هو الأخير لهم كعائلة زراعية، وهذا هو الحصاد الأخير، لنقع كمشاهدين تحت وطأة واقعية سينمائية تتراوح بين القاسية في مشاهد استحضار مصير هذه الأسرة، والسحرية في مشاهد اللعب والضحك.
تتدخل عناصر جديدة بالفيلم، أولها وأكثرها أهمية هي ألواح الطاقة الشمسية التي ستتموضع مكان الأشجار المقتلعة. هذه حقيقة توجه شركات الطاقات البديلة ذات الهرمية الرأسمالية، التي في الأساس تتبع أجندات دولية وإعلامية تندد بالتهديدات البيئية وتنادي بالإنسانية، لنرى وجه الرأسمالية الجشع بشكل فاقع في المشهد الأخير؛ الربح أهم من الهوية التاريخية للمكان مهما كانت.
من المهم ذكر أن هذا الخطاب الإعلامي، الذي يُحمّل الإنسانية العبء الأخلاقي للأزمة البيئية، يضعنا جميعاً سواسية أمام الذنب الذي اقترفته البشرية بحق الطبيعة. وطالما أننا جميعنا ملامون، فلا أحد تقع عليه الملامة. والحقيقة أن الفلاحين في إسبانيا غير متساوين بالذنب مع أصحاب معامل الفحم الأميركية في مشكلة الاحتباس الحراري.
تتفرع وتتماسك أقواس القصة مع مرور العرض الممتد على طول 120 دقيقة، وترتبط الشخصيات ببعضها بعضاً أكثر في خيال المشاهد. ورغم صعوبة السيطرة على الكوادر التي تحوي مجموعة من الممثلين غير المحترفين وهم يتفاعلون كل حسب صفاته الدرامية، فإن المخرجة نجحت في توظيفهم بشكل مدروس ضمن الكادر بمساعدة المصورة دانيلا كاجياس، ووضعهم كعنصر في الفيلم ككل، تحت حالة متوترة تترقب إبادة هذا العنصر/العائلة من القصة، تماماً كما كانت تقوم الأسرة بإبادة الأرانب البرية التي تهدد محاصيلهم المتنوعة، وتقع في مرتبة أدنى في الهرمية الملعونة.
يتحرك الفيلم تبعاً لإيقاعية مونتاجية ثابتة وقلقة إلى الهاوية. الهاوية ستكون نهاية الصيف والتسليم بفقدانهم المكان كهوية جامعة، إضافة لتأثير الضوء الذهبي المتراوح بين قيظ الصيف والذاكرة المثالية. لم تكن الصورة لتحتمل حتمية رحيل العائلة من على الشاشة؛ فنهاية الفيلم بنظرات الخيبة التي تتبادلها العائلة، وحركة الشاحنة الميكانيكية التي تقطع الأشجار التي كانت أكثر من مجرد دخيل على الكادر، تذكرنا بقصص المخرج الإيطالي فريدريكو فيليني، حيث الفيلم جزء عضوي من الحياة الواقعية، لا بداية لقصته أو نهاية.
يجبرنا النقد على العودة وقراءة الفيلم ضمن تجربتها ككل، والتوسع إلى الهوية السينمائية القائمة على حماية التفاصيل المُكَونة لهويتها. فالسينما تحمينا من الواقع. تشكل سايمون مع مخرجات مثل Lucía Alemany وCelia Rico وPilar Palomero وClara Roquet مرحلة جديدة للهوية السينمائية الإسبانية. مخرجات يستندن إلى إرث سينمائي عالمي ليتحدثن عن خصوصيتهن كمخرجات محليات بتجاربهن الشخصية. فمنذ تجربة سايمون الأولى في عام 2009 في فيلم قصير تحت عنوان Women، تظهر الذاتية ومركزية الأمومة كعمود فقري في السرد.
وتتطور في فيلمها الروائي الأول لتتحدث عن طفولتها من وجهة نظر طفلة قلقة بعمر السادسة، انتقلت إلى العيش في منزل خالها الريفي مع زوجته وابنته.
في إحدى مقابلاتها، تشرح سايمون كيف اضطرت للبحث عن أشياء وتفاصيل والديها المندثرة بشكل شبه تام، لتستطيع توظيفها في فيلمها لتجد هويتها. ولهذا قد يتورّط المشاهد في الشك بقدرتها على الهروب من هذه الكاميرا التي تقع على مستوى وجهة نظر الطفلة إلى كاميرا، وقصة أعم وأشمل تحمل هوية وتاريخ كفيلمها الثاني، ما يحسب لها بتوظيف ذاكرتها في سينماها، لتروي قصتها هي عبر الأطفال الذين يدفعون الفيلم للأمام دائماً. قصة إنسانية تلامس الجميع، وتحمل أجوبة عن أي سؤال قد تتعرض له المخرجة من الكادر الذي يعمل معها أو الصحافة أو النقاد.
في فيلمها القصير الأخير، Letter To My Mother For My Son، الصادر هذا العام أيضاً، ترسل المخرجة رسالة إلى ابنها، من دون الوقوع في فخ الرموز الميلودرامية والنوستالجيا المبتذلة، خصوصاً عندما بدأت باستخراج أجزاء من ذاكرتها على شكل صور، واستطاعت إدارة عواطفها قبل إدارة الممثلين وعواطفهم.