كاتب بريطاني: «الإقالات الرمزية» لن تُنقذ زيلينسكي من الفضائح
في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الأوكراني شتاءً قاسياً تحت ضربات روسيا اليومية للبنية التحتية للطاقة، تنفجر في كييف فضيحة فساد جديدة بقيمة 100 مليون دولار، لتعيد طرح سؤال ملحّ: هل تغيّرت الدولة الأوكرانية فعلاً منذ “ثورة الكرامة” عام 2013؟.
الكاتب والدبلوماسي البريطاني السابق إيان براود يؤكد في تحليله أن الفساد ليس ظاهرة طارئة، بل بنية عميقة ومتجذرة، وأن الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه لم يكسرها يوماً، بل أصبح، حسب وصف الكاتب، مخلوقاً من مخلوقات هذه المنظومة».
شتاء قاسٍ وفضيحة تهز الرأي العام
وقال الكاتب إن قيمة الفضيحة الأخيرة أصبحت أكثر إيلاماً لأنها تأتي في لحظة يفتقر فيها المواطنون إلى التدفئة والكهرباء، بينما تقصف روسيا المنشآت الحيوية يومياً. وأضاف أن هذا الحدث يعيد للأذهان فضيحة عام 2024، حين خُصص 1.6 مليار دولار لبناء ملاجئ حماية لمحطات الكهرباء دون أن يُنجز شيء منها.وأوضح الكاتب أن الكشف السريع عن الفضيحة واستقالة وزيري الطاقة والعدل لا يعنيان تقدماً حقيقياً، رغم استمرار عمل مكتب مكافحة الفساد الذي تأسس عام 2015. فالفساد، من وجهة نظره، ليس نتاج الحرب، بل بُنية مستمرة منذ سنوات طويلة.
وتابع الكاتب أن تقارير المؤسسات الأوروبية أثبتت، قبل الحرب بسنوات، أن عشرات المليارات من اليوروهات تضيع سنوياً بسبب الفساد. ففي عام 2021، بعد عامين ونصف العام على تولي زيلينسكي الحكم، أكدت محكمة الحسابات الأوروبية أن الدولة لا تزال مستولى عليها من قبل مجموعات مصالح نافذة.
وأضاف أن ضخ المساعدات الغربية، التي بلغت مئات المليارات منذ 2022، جعل من المستحيل تتبّع الأموال أو التأكد من كيفية إنفاقها، فحتى الولايات المتحدة نفسها لم تستطع تحديد مصير مليارات الدولارات التي أرسلتها.
سلسلة فضائح مستمرة
وقال إن حجم كل فضيحة جديدة أصبح أكبر من سابقتها. ففي أغسطس -آب 2023 أقال زيلينسكي رؤساء مكاتب التجنيد الإقليمية بعد شكاوى واسعة من الرشوة لشراء الإعفاء من الخدمة. وفي سبتمبر -أيلول من العام نفسه استقال وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف بعد قضية تضخيم أسعار الخوذ والدروع بنسبة وصلت إلى خمسة أضعاف.
وفي يناير -كانون الثاني 2024، اعتُقل مسؤولون في وزارة الدفاع بتهمة اختلاس 40 مليون دولار مخصصة لشراء 100 ألف قذيفة لم تُسلَّم قط. وتابع الكاتب أن هذه الإجراءات لم تكن سوى مسكنات سياسية لإبقاء المانحين الغربيين راضين بشكل مؤقت.
وأوضح الكاتب أن تطوراً جوهرياً طرأ هذا العام، إذ بدأ مكتب مكافحة الفساد يقترب من الدائرة المقربة من زيلينسكي. ففي يوليو -تموز فتحت التحقيقات ضد نائب رئيس الوزراء السابق أوليكسي تشيرنيشوف في قضية احتيال عقاري واسعة، ليتبيّن لاحقاً تورطه في فضيحة الطاقة الأخيرة.
وأضاف أن زيلينسكي حاول دون نجاح وضع يدَه على مكتب مكافحة الفساد للحد من استقلاليته. وفي نوفمبر -تشرين الثاني طالب المكتب باحتجاز تشيرنيشوف بعد توثيق تسلمّه نحو 1.3 مليون دولار نقداً.
علاقات شخصية وهروب مدبر
وتابع أن شخصية مركزية في فضيحة الطاقة الأخيرة هو تيمور مينديتش، شريك زيلينسكي السابق في شركة الإنتاج التلفزيوني “كفارتال 95” وقد سمحت له السلطات بمغادرة البلاد قبل المداهمات، التي عُثر خلالها على حقائب مليئة بالنقود ومرحاض ذهبي، في مشهد يعيد، حسب الكاتب، ذاكرة 2014 ورئيس أوكرانيا المخلوع يانوكوفيتش.
وقال الكاتب إنه التقى ناشطة أوكرانية عام 2015 كانت تشعر باليأس من بطء الإصلاح رغم مرور عامين على خلع يانوكوفيتش. وسرعان ما واجهت حكومة ياتسينيوك حينها فضائح جديدة أطاحت بها عام 2016، رغم زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لكييف لمحاولة ترقيع المشهد السياسي آنذاك.
وأشار إلى أن استمرار الفساد كان مناقضاً لما طالب به المحتجون خلال “ثورة الكرامة” عام 2013، الذين كانت مكافحة الفساد في صميم مطالبهم.
أوروبا تقلص الدعم
وأضاف الكاتب أن المفوضية الأوروبية خفضت تقييمها لتقدم أوكرانيا في ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي إلى درجة “ب” بسبب تراجع مكافحة الفساد. ورأى أن هذه التقارير تشبه تصريحات بايدن عام 2015 بأنها مجرد ترقيع جديد لا يعالج أصل المشكلة.وأوضح الكاتب أن الهرم السلطوي في أوكرانيا ما يزال بيد قلة من الأوليغارشية تسيطر على الاقتصاد والسياسة، وأن زيلينسكي، رغم صورته الإصلاحية، جزء من هذه المنظومة يتصرف وفق مصالحها، ويتحالف معها أو يصطدم بها بحسب الظروف.واختم الكاتب بأن إنهاء الحرب قد يكون المدخل الحقيقي لإصلاح أوكرانيا، فغياب الاستقرار وتدفّق المساعدات الضخم يمنحان خصوم الإصلاح غطاءً للاستمرار. ورأى أن غضب الشارع يتصاعد مع كل قضية فساد جديدة، ما يعزز مطالب إنهاء الحرب ووقف قنوات تهريب الأموال، إلا أن زيلينسكي، كما يلمّح الكاتب، قد لا يكون مستعجلاً على ذلك.