يعتقد الأمريكان أنهم يموّلون حماية أوروبا:

ماذا لو قرر دونالد ترامب مغادرة الناتو عام 2020...؟

ماذا لو قرر دونالد ترامب مغادرة الناتو عام 2020...؟

-- إذا انهار الاتحاد، سيواجه ترامب دولًا متفرقة يسهل فرض الصفقات عليها
-- الأمر الملحّ هو أن يستعيد الألمان والفرنسيون طريق الوئام
-- حتى لو لم ينسحب الأمريكان، فإن مسؤولية الأوروبيين عن أمنهـم يجب أن تـزداد لأن بقــاء الاتحـاد في الميزان
-- بالنسبة لألمانيا، سيشكل الانسحاب الأمريكي من الناتو قطيعة، وسيجبرها على تغيير هيكلها الأمني تمامًا


لنقلها على الفور، إنه أمر غير وارد، مادام الحلف العابر للأطلسي يخدم المصالح الواضحة جيدًا للأوروبيين، وكذلك للأمريكيين. ومن المتوقع أيضًا، أن يواجه دونالد ترامب معارضة من الكونغرس، الذي وافق بالإجماع تقريبًا العام الماضي على اقتراحات تدعم الحلف تحسّبا وتفاديا للانسحاب.      ومع ذلك، فإن الدستور الأمريكي يسمح له بمثل تلك الخطوة. إذن، يمكنه، وسط حماسة إعادة انتخابه، ومع الاندفاع الذي يميزه، واستحالة توقّع موقفه اوحركته، أن يقرر ترك معاهدة شمال الأطلسي بنفس السرعة التي ترك بها اتفاق باريس أو المعاهدة مع إيران. وبالتالي، كما يقول أصدقاؤنا الإنجليز: ماذا لو؟

أظهرت لعبة سياسية ممتازة “1” من إنتاج مؤسسة كوربر والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن الأوروبيين سيتفاعلون بترتيب مشتت، وسيغنّي كلّ على ليلاه.
 ما وراء هذه المحاكاة، لا شك في أن اختفاء الناتو بالنسبة للبولنديين ودول البلطيق والنورديين، سيشكل تهديدًا وجوديًا. وسيقومون بتفعيل الخطة ب: تلك الخاصة باتفاقيات الدفاع الثنائية مع الولايات المتحدة، والتي سبق أن أبرمتها جزئيًا؛ مما يقول الكثير عن مصداقية الحلف.
     بالنسبة لألمانيا، فإن الانسحاب الأمريكي من الناتو سيمثّل قطيعة، وسيجبرها على تغيير هيكلها الأمني تمامًا.

 ويُحتمل أن يلجأ قادتها إلى فرنسا والمملكة المتحدة للحصول على تمديد ضمانهم النووي. ورداً على ذلك، الخطوط البريطانية الحمراء معروفة جيداً: لا جيش أوروبي، ولا حلف في إطار الاتحاد الأوروبي. وفي مقابل دعم نظري، سيطلبون الوصول إلى صندوق الدفاع الأوروبي، وتجميد المبادرات القائمة على اندماج أكبر.
    فرنسا، ستقبل بمحادثة جادة مع ألمانيا حول القضية النووية، وسيكون الرهان هو القرار المشترك، على غرار المفتاح الأمريكي المزدوج في الناتو. أما بالنسبة للدول الأوروبية الأخرى، فمن المحتمل ألا تتحرك، لأنها لا تعتبر روسيا تهديدًا.

   ولكن، إذا كان بالإمكان الشكّ في احتمال انسحاب أمريكي من الناتو، فمن المؤكد أن مجرد تهديده يشكل ضغطًا هائلاً على الوحدة الأوروبية. فلماذا يحرم دونالد ترامب نفسه من هذه الرافعة القوية، هو الذي يرى في الاتحاد عدواً تجارياً؟ إذا انهار الاتحاد، فإنه سيواجه فقط دولًا متفرّقة سيكون من السهل فرض صفقاته عليها.
    وتزداد مصداقية هذا التهديد، إذا ما أدركنا أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يعتقدون أنهم يموّلون حماية أوروبا، وأن على الدول الراغبة في استمرار استفادتها من تلك الحماية، أن تدفع أكثر.

كل شيء سيكون بعد ذلك على الطاولة، ولن يقتصر الأمر على مسألة شراء الأسلحة فقط، وهذا هو الحال، ولكن الاصطفاف وراء السياسة الخارجية الأمريكية سواء كان ذلك تجاه الصين أو إيران أو أي موضوع اخر مثل الغاز الروسي. إن التعارض بين الدول المستعدة للتنازل والبقية، تثقل اصلا كاهل الاتحاد، وإذا ما ازداد الأمر سوءً، فقد ينفجر الاتحاد.
  ولدرء هذا الخطر، من الملح أن نبني دون تأخير، وجديّا، دفاعًا مشتركًا يحمينا من مثل هذا الابتزاز. وتمثل المبادرات التي اتخذت منذ عام 2016 خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنها لم تتجاوز مرحلة التعاون. أما بالنسبة للمبادرات التي تحدث التغيير، مثل صندوق الدفاع الأوروبي والمبادرة الأوروبية للتدخل، فلن يثمر تأثيرها الا في غضون عشر سنوات، في أحسن الأحوال.

   ان بناء دفاع أوروبي حقيقي، بمعنى الدفاع عن أوروبا، من طرف أوروبا، ومن اجل أوروبا، يتطلب الانتقال من التعاون إلى تكامل واندماج أكبر بين وسائل العمل العسكرية.
لهذا، سيكون من الضروري أولاً وقبل كل شيء، بناء هيئة موثوق بها لصنع القرار السياسي، بمعنى أن تكون في نفس الوقت هيئة فعالة ومشروعة ومستقلة عن التفاهم أو سوء التفاهم الظرفي للقادة الوطنيين: مجلس للأمن الأوروبي. ثم ستكون هناك حاجة إلى سلسلة قيادية عملية قوية قادرة على ربط القوات الوطنية، كما تفعل القيادة العسكرية للناتو. وقد تكون ذات الهيكلة إذا انسحب الأمريكان (والأتراك) من المنظمة.

   سيتطلب الامر بعد ذلك ميزانية مشتركة بموارد ثابتة، تجعل بناء الأداة العسكرية في مأمن من الإشكالات الظرفية الوطنية. ومن الضروري أخيراً، على المستوى الأوروبي، وجود تخطيط دفاعي وتخطيط عملي جدير بهذا الاسم. والباقي، بمعنى قابلية التشغيل البيني والقدرات وأوربة الصناعة الدفاعية، سوف تتبع.
   المشكلة هي أن كل الدول الأوروبية لا تؤمن، أولا ترغب، في مثل هذا الدفاع الأوروبي. انهم يجدون صعوبة في التفكير كأوروبيين، كجزء من كيان أكبر من ذواتهم.
 انهم لا يرون العالم الا من منظورهم القومي فقط، يلجؤون إلى خيمة تحميهم نظرا لقوتها، وتطمئنهم خاصة أنها بعيدة.

    اذن، ما العمل؟ الأمر الأكثر إلحاحًا هو أن يجد الألمان والفرنسيون طريق العودة إلى الوئام، في صمت يليق بالمشاريع التأسيسية، ويجمعا حولهما الدول الأوروبية الأخرى المقتنعة.  كما يجب الخروج من الزيف والوضع القائم، وتأمين تناغم ما تم إنجازه حتى الآن وانسجامه، والتقدم صوب وحدة العمل الضرورية التي تحتاجها أوروبا.
   وحتى لو لم يترك الأمريكان الناتو، فإن مسؤولية الأوروبيين في الدفاع عن أنفسهم يجب أن تزداد لان بقاء الاتحاد هو الذي في الميزان.
- «1» ليانا فيكس وباستيان جيجريش - مؤسسة كوربر والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية - الحرب على الصخور 29 نوفمبر 2019 - الأمن الأوروبي في الأزمة : ما يمكن توقعه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الناتو.

* جان بول بيروش المدير العام السابق لهيئة الأركان العامة للاتحاد الأوروبي، وفريدريك ماورو باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، متخصص في قضايا الدفاع الأوروبي.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot