لا نيّة له للعب دور رئيس حريص على السلم الاهلي

مسرحة، انحراف سلطوي ... ما الذي يلعبه ترامب...؟

مسرحة، انحراف سلطوي ... ما الذي يلعبه ترامب...؟

-- فهم ترامب أن تأمين شعبيته بين المتضررين يستدعي الوقوف ضد سلطات الولايات التي دفعتهم إلى الشلل الاقتصادي
-- أمام كل الكوارث التي تتساقط على بلاده اليوم، لم نعد نعرف أيها الأكثر خطورة
-- ليس صدفة أن يعبّر مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية، عن قلقهم من انحراف الرئيس
-- بات من مصلحة البلاد أن تتعهد صورة عظمتها بالصيانة، إذا كـانــت تريد الإبقاء على شيء منها تحتفي به
-- لا يريد ترامب توحيد أمريكا... فأمريكا الموحدة لن تصوّت له
-- في معظم مؤتمراته الصــــحفيــة في بداية الوباء،  أكــــد أن أمريكا أدركت أنّ أولويتها هي صحتها الاقتصادية


رئيس الولايات المتحدة متحصن في مخبأ البيت الأبيض وقد أقيم حول هذا الاخير سور، رمز كان بإمكان ترامب ان يستغني عنه.
لحسن حظه، يعتبر الفكر السحري هو الأقوى في عالمه. حيث علمنا بعد بضعة أيام، وعلى لسان الرئيس نفسه، أنه قضى بضع لحظات فقط في هذا المخبأ من اجل تفقده.
يواصــل ترامب مســـاره بينمــا جـزء من أمريكا يحترق من حولــــه، وتُلقى قنابل الغــــاز المسيلة للدمــــوع على اخريـــن من قبـــل الشرطة، وبينما يبكي التجـــار الصغار متاجرهـــم المدمـــرة والمنهوبة..

 وبينما تتابع وسائل الإعلام حول العالم صور معاناة رجل أسود، قتل على يد ضابط شرطة من البيض، واتصل بوالدته وهو يحتضر، وأشعل مقتله فتيلا ما انفك الرئيس يغذيه منذ ثلاث سنوات.
ولا يمكن الا أن نستحضر لويس السادس عشر وهو يكتب في دفتر يومياته في 14 يوليو 1789: “لا شيء».

مـــا هـــي الخيــــارات المتاحــــة امــام ترامب؟ وماذا يمكن أن نتوقع منه؟
 من لم يظن أن أيًا من أسلافه كان سيكون أفضل بالضرورة (خاصة أوباما، من الواضح أن دعوته الى افتكاك السلطة عن طريق صندوق الاقتراع سيحجبها الغاز قليلاً)؟ ويكون قد حاول على الأقل مرة واحدة. وعلى عكس خطابه في 29 مايو، في حديقة الورود بالبيت الأبيض، حيث لم يقل ولو كلمة واحدة عن مقتل جورج فلويد، الذي قتل قبل ذلك بأربعة أيام (في ذلك اليوم، شن هجوما كاسحا ضد الصين ومنظمة الصحة العالمية)، في اليوم التالي، بمناسبة إطلاق صاروخ سبايس اكس، تحدث ونطق بكلمات لتخفيف التوتر يبدو أنها سقطت في الفراغ: “العلاج، وليس الكراهية، والعدالة وليس الفوضى، هي المهام التي تنتظرنا «. ولكن، رغم صور التظاهرات السلمية، وصور ضباط الشرطة الذين يركعون أمام المتظاهرين، صور تبث بكثافة أقل من تلك التي تجسد المواجهات

والاشتباكات، يبدو ان الكراهية والفوضى هي التي تسود على أعلى مستوى. ومنذ تلك الكلمات الرئاسية الشحيحة، يبدو أن ترامب مصمم على سكب الزيت على النار. ويشير كل شيء إلى أنه يتطرف: يدعو إلى “السيطرة” عن طريق القوات المسلحة، ويستمر في توجيه الإهانات والتهديدات والدعوات إلى العنف على حسابه على تويتر.
ولكن لماذا اختار التهديد بإرسال الحرس، ولماذا الاستمرار في وصم وسائل الإعلام والديمقراطيين والصين، بينما قد يكفي تدخل تلفزيوني جيد، وخطاب موحد وتوحيدي، واعتراف بأن هناك شيء فاسد في المملكة الأمريكية، وعنصريتها النظامية، حتى تخمد الحرائق وتستعيد الحياة دورتها؟

«حين تنظر إلى الاخبار الزائفة ل سي ان ان أو ام اس دي ان سي، قد تعتقد أن القتلة والإرهابيين والفوضويين والحثالة والبلطجية واللصوص وأنتيفا وغيرهم، هم أحلى وأطيب وأروع الناس في العالم كله... لا، إنهم ما هم عليه -سيئون جدًا لبلدنا! “ انفجر على تويتر في 3 يونيو، في جردة حساب لم تنقصها الا الصين (أما بالنسبة للديمقراطيين، فقد نالوا نصيبهم من سخطه وحممه في التغريدة التالية).

الاقتصاد في انهيار كامل
من اجل استئناف الحياة؟ نعم، لكن ها هي الحياة قبل أعمال الشغب لم تكن مهمة سهلة بالنسبة لرئيس يقوم بحملة على حصاد إيجابي في المتوسط. لقد انطلق ترامب في السياسة عن طريق الوعد بإعادة عظمة أمريكا، العظمة الاقتصادية والقومية. وبالنسبة للوطنية المتشددة، يجب أن ننصفه: النتائج جيدة. هناك حشد من المهاجرين يقبع في معسكرات الاعتقال، وتغرق الولايات المتحدة في دوامة انعزالية، سياسية واقتصادية على حد سواء، وبات من مصلحة البلاد ان تتعهد صورة عظمتها، إذا كانت تريد الابقاء على شيء منها تحتفي به.

في المقابل، فيما يتعلق بالاقتصاد، إذا كان بإمكانه توزيع الأرقام في جميع الاتجاهات حتى الربع الأول من عام 2020، والتأكيد على أن الاقتصاد الأمريكي لم يكن في أفضل حالاته مثلما هو عليه اليوم، فقد جاء فيروس صغير من الصين ليغرق توقعاته في يمّ الانهيار.
لأنه في الولايات المتحدة، كما هو الحال في أوروبا، تسببت أزمة كوفيد 19 في خسائر فادحة، على نطاق واسع، وخصوصا للفئات الأكثر فقراً. وهناك، كما هنا، الشرائح الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية هي التي تدفع الثمن أولاً.

لم يخطئ ترامب: بعد أن قال إن الاقتصاد سيتعافى، وأن الربع الأخير والعام المقبل “سيكونان أفضل من أي وقت مضى”، انتفض ضد الولايات (الديموقراطية (التي أمرت بالحجر الصحي لمواطنيها، وبالتالي شل الحياة الاقتصادية، وحكمت على الناس الذين لا تأمين صحي لهم أو في البطالة بأكل الخبز والماء (في مدن مثل فلينت، حتى المياه مسمومة).
ولئن كانت إدارة الوباء كارثية في الولايات المتحدة، حيث كان نقص الامكانات الصحية مماثلا في الحد الادنى لأوروبا، فقد فهم ترامب بسرعة أن تأمين شعبيته بين الأكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية يستدعي اتخاذ موقف ضد سلطات الولايات التي دفعتهم قسرا إلى الشلل الاقتصادي. وفي معظم مؤتمراته الصحفية العديدة في بداية الوباء، أكد أن أمريكا فهمت أن أولويتها، هي صحتها الاقتصادية.

توظيف الدين
أما بالنسبة للمرض، فقد كان في البداية ليس خطيرًا للغاية، وسيختفي “مثل معجزة”، حيث تمت السيطرة عليه بسرعة بفضل “آلاف أجهزة التنفس” وغيرها من المعدات الصحية الوفيرة في البلاد، ناهيك عن الآثار العلاجية للكلوروكين والزنك، باختصار، مؤتمر صحفي بعد اخر، عرض ترامب واقعه الذي لا جدال فيه: المشكلة ليست الكوفيد-19، حيث من هذا الجانب كل شيء تحت السيطرة.

 بطبيعة الحال، لم تنشر وسائل الإعلام (“الأخبار الزائفة”) نفس المعلومات: وتجاوز عدد الوفيات 100 ألف بسبب الفيروس في نهاية شهر مايو، وانهارت الخدمات الصحية في العديد من الأماكن، خاصة في نيو يورك. وفي أوائل يونيو، لم تخرج الولايات المتحدة من مازقها بعد حسب معلومات صحيفة نيويورك تايمز. وبغض النظر عن إلقائه اللوم على سوء إدارة الحكام الديمقراطيين، فان ترامب في وضع غير مريح للغاية طالما بقي المرض يحتل صدارة عناوين الأخبار. ولكن، منذ اندلاع الأزمة بسبب مقتل جورج فلويد، تراجع الكوفيد بعيدًا، بعيدًا جدا قياسا لأخبار المظاهرات، وأعمال الشغب، وعنف الشرطة، ودعوات الهدوء: بل لعله نُسي تقريبًا. من هنا، فإن الموقف الذي تبناه ترامب خلال هذه الأزمة أقل إثارة للدهشة: نعم، إنه يصب الزيت على النار، ولكن على الأقل، يتم الحديث عن أعمال شغب، لا عن الأزمة الصحية. ومن الواضح أن يتم التساؤل عما إذا كان ينبغي إنزال الجيش ضد المواطنين المحتجين، لا يُطرح السؤال عما إذا كانت دور التقاعد تعاني من نقص في معدات الحماية.

من الواضح أنه لا نيّة لترامب للعب دور الرئيس الحريص على السلم الاهلي. ولئن أعطى انطباعًا بأنه تحت الحصار، في أعماق البيت الأبيض، فقد تأكد منذ قصة المخبأ هذه أنه شوهد وهو يغادره. ولعمل ماذا؟ الذهاب الى كنيسة. لأن ترامب رجل مؤمن -ليس بمعنى ممارسة شعائره يوميا، بل من منظور أنه ممثل الرب. هذا ليس بجديد، بالنظر إلى عدد جلسات الصلاة التي نظمت في البيت الأبيض وخلّدت على طريقة يسوع ورسله.
خلال تلك الجلسات، يجد ترامب نفسه بانتظام في مواقف لا تترك الكثير من الشك حول المنصب الذي يشغله. ان علاقته بالرّب خاصة جدا. يستخدمه كأداة سياسية، كما هو الحال عندما ذهب إلى كنيسة سانت جون يوم الاثنين 1 يونيو، بعد تخريبها، وبعد أن قامت قوات الأمن بتنظيف محيطها مستخدمة الغاز المسيل للدموع رغم ان التجمعات في ساحة لافاييت أمام البيت الأبيض كانت سلمية.

ويبدو أنه يميل أحيانًا إلى خلط الأدوار بينهما، الا يعرف ترامب كل شيء (إذا صدقناه، لا أحد يعرف أكثر مما يعرفه عن مجموعة كاملة من الموضوعات التي تبدأ من تنظيم داعش إلى المحاكم، مرورا باستطلاعات الراي والبنوك، وطبعا، الطب) بفضل “قدراته الطبيعية”؟، ألا يملك سلطة عليا كما يزعم هو نفسه؟

لقد حانت ساعته
 ولا شك أن هذا العلم الشامل هو الذي يملي عليه الاستمرار في تشديد سياسته وإظهار نفسه سلطويا أكثر فأكثر. هل يبدو الوضع حرجا؟ في هذه الاجواء يجد ترامب ديكوره وعناصره ودوره. بالتأكيد أنه منذ تنصيبه، ظهر سخيفًا أكثر من مرة خلال مداخلات فضحت اميته ثقافية وعدم استعداده بشكل صارخ؛ لكن اليوم، عندما تكون بلاده، على حافة حرب أهلية، وعلى الأقل منقسمة كما لم يحدث من قبل، لا شك أنه يشعر بأن لحظته قد حانت. ان استعراض العضلات، واظهار من هو الأقوى، ورسم خط فاصل واضح وبسيط وبيّن بين الأشرار من جهة، والطيبين من جهة أخرى: هو كابوس لأي زعيم عادي في الغرب، ولكنه نعمة بالنسبة لترامب.
هو لا يشعر فقط بأنه في دوره وعالمه، لأن حالة الخطر والحريق هذه تدغدغ غرائزه الذكورية التي ستظهر لنا من هو الأقوى ومن الذي يقود، ولكن أيضًا ترسخه في الإيديولوجيا التي اختارها: رئيس من اليمين، ولكن يميني جدًا، يعتقد أن “هناك أناس جيدون جدًا في المعسكرين” عندما يهاجم النازيون الجدد مناهضين للفاشية.

ليس من قبيل الصدفة أن يعبّر مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية، الحاليين والسابقين، عن قلقهم من الانحراف السلطوي للرئيس. وبعد حادثة كنيسة القديس يوحنا، تحدى مارك بوليمروبولوس، وكيل وكالة المخابرات المركزية السابق في أوروبا وآسيا: “إنه يذكرني بما كنت أبلغت عنه لسنوات في العالم الثالث، قال لصحيفة واشنطن بوست حيث مارس كثير من الزعماء ذلك «.

لم يخف ترامب أبدًا إعجابه بالديكتاتوريين، وبالرجال الأقوياء؛ بوتين، دوتيرتي وآخرون، وبالتالي، بزعيم كوريا الشمالية، الذي تربطه به حالة عشق. هل جاء دوره أخيرًا لإظهار قدراته وإخراج المدفعية الثقيلة من هرمون التستوستيرون؟ يبدو أن دعواته المتكررة لإدخال الجيش في اللعبة، وحضه على “الحزم والشدة”، تشيران إلى ذلك. “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”، حذر مستعيرا مفردات رئيس شرطة ميامي عام 1967 أثناء أعمال شغب عنصرية ومظاهرات في حقبة النضال من أجل حقوق مدنية متساوية، أدت إلى تصاعد العنف (نفى ترامب أن يكون استلهم مقولته منه؛ ونميل إلى تصديقه، لان التاريخ ليس من نقاط قوته).

الغريب، كما تشير ليلي لوفوبورو على موقع سلات كوم، عندما هاجم متظاهرون من البيض ومؤيدون لترامب العاصمة، احتجاجًا على تدابير الحجر الصحي، لم يعتبرهم الرئيس حثالة أو اوغاد... “إنهم أناس طيبون جدا، لكنهم غاضبون... إنهم يريدون استعادة حياتهم بأمان!»، ان ترامب لا يريد توحيد أمريكا... فأمريكا الموحدة لن تصوت له.

في مكان آخر سيكون دكتاتورا
وأمام كل الكوارث التي تتساقط على بلاده اليوم، لم نعد نعرف أيها الأكثر خطورة. هل يجب أن نخشى حربا أهلية؟ رغم عنف الشرطة والغضب الذي تثيره، يبدو أن التهديد الخطير بالانقلاب مستبعد، والوقت المتبقي قصير قبل الانتخابات المقبلة. يبقى أن نرى ما إذا كانت المؤسسات الأمريكية ستكون قوية بما يكفي لمقاومة ما يبدو أنها لحظة ترامب لتأكيد قبضته على السلطة. في مؤتمر عبر الهاتف مع حكام الولايات، تحدث مرة أخرى عن “هيمنة وسيطرة” قوة الشرطة في ولاية مينيسوتا، قائلاً إنه “شيء رائع للمشاهدة”، وأعرب عن أسفه لعدم دعوة الحرس الوطني للدعم:
سنحل المشكلة من خلال العدل والقوة... يجب أن تكونوا أقوياء... استخدموا حرسنا الوطني”. ولكن أيضًا: “إذا لم تسيطروا عليهم، فأنتم تهدرون وقتكم... وسيسحقونكم، وستبدون كمجموعة من الاغبياء والبلهاء. «

بعد حلقة لافاييت سكوير، كان رمز الرئيس الذي يغرق في الغاز شعبه ليتم تصويره وهو يمسك بالكتاب المقدس رمزا قويًا جدًا، حتى بالنسبة لجيمس ماتيس ، وزير دفاع ترامب السابق الذي خرج من واجب التحفظ ليقول بصوت عالٍ ما يفكر فيه العدد الاكبر من الأمريكيين في زوايا بلادهم الأربعة: “يمكننا أن نتحد بدونه ، باستخدام القوة المتأصلة في مجتمعنا المدني».

في بلد غير أمريكا، الرجل الذي يضع جزءً من البلد ضد الآخر، ويقيل بكل قوته، ويصنّف الصحافة على أنها عدو الشعب، ويحاول تكميم الشبكات الاجتماعية، ويعيّن ابنته وصهره في مواقع السلطة، ويجلب المال إلى خزائنه بفضل منصبه، ويتهم صحفيا لا يحبه علنا بأنه قاتل من دون دليل، ويدافع عن النازيين الجدد، ويعلن مسبقا أنه سيتم تزوير الانتخابات المقبلة إذا لم يفز بها، وأخيرا، يطلب تدخل الجيش لقمع المظاهرات التي في جزء كبير منها مظاهرات سلمية، لاتهم مثل هذا الرجل بكونه دكتاتوراً منذ فترة طويلة.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot