رئيس الدولة يحضر افتتاح قمة قادة دول العالم للعمل المناخي في كوب 29
رؤية نقدية
مسرحية عودة هولاكو ..الدكتور القاسمي يصلح ما افسده هولاكو
اغلب الكتاب يختارون القالب الأدبي الذي يتناسب مع طرح فكرتهم، كما تناول الكاتب جورج اورويل روايته “مزرعة الحيوانات” لتكون اسقاط على فترة الطغاة في القرن الماضي، والقصص التى تهتم بأحداث تاريخية وسيرة ذاتية، لا يجب أن تنقد بأسلوب التشريح العام لأسلوب الطرح بقدر الاهتمام والتركيز على الفكرة ، وهذا ما قام به الأديب توفيق الحكيم ومسرحية “ أهل الكهف” وطه حسين وسيرته الذاتية “ الأيام” وكتاب “البحث عن الذات” للرئيس السادات، ومسرحية “ اخناتون” للكاتبة اجاثا كريستي، كل هذه الأعمال نلقي عليها الضوء لنستخرج منها أهم الأحداث التاريخية ورصد الحالة العامة للمجتمع آنذاك
أما الدكتور سلطان محمد القاسمي فاختار أحداث سقوط الدولة العباسية في قالب مسرحي، مع أن الكاتب لديه خبرات في كتابة الرواية، وفي تصوري أن تنفيذ المسرحية أسهل في حالة تحويلها لعمل فني، ويضمن أن الحوار لم يتم قصه، وأن الفكرة ستصل للمشاهد وكأنه يقرأ النص، هذا من ناحية اختيار القالب الأدبي، ولا يغفل القارئ التسلسل الفكري وتطور المرادفات اللغوية عند المؤلفين والكتاب، أما مسرحية “عودة هولاكو” ففيها بعد فكري يتخطى كونها سرد لأحداث تاريخية، نستلهم منها العبر ونستفيد من نقاط القوة والضعف
قد يتساءل القارئ عن سبب اختيار الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عنوانا مغايرا لمسرحيته “ عودة هولاكو”، وأرى أن العنوان موفق، لأن هولاكو شخصية موجودة ومستمرة ولا تنته من الحياة العامة للأفراد والحكومات، وعودة هولاكو رمزية واسقاط على كل من يرتدي عباءة هولاكو من ناحية، وكل من يتقلد الحكم ويترك زمام الأمور لحاشية تعبث في مقدرات الدولة، بنقل آلام ومعاناة الشعوب للحاكم، على انهم يحمدون ويشكرون والولاء والانتماء في زيادة، فهؤلاء اكثر خطورة على التنمية والتطوير، كما أضاف اسما لسلسة أسماء في التراث الثقافي، مثل سي السيد، محفوظ عبد الدايم، عتريس، سعيد مهران، صلاح الدين، وغيرهم الأسماء التى علمت في الأدب العربي، واعتقد أن هولاكو موجود وبقوة على الساحة
ركز الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على الوزير العباسي وخيانته، كأنه ناقوس خطر، لترك الحبل على الغارب لأهل الثقة، استدعاء منه للتراث وبناء الدولة في عصر الرسول، حين لجأ المسلمون إلى النجاشي والرسول إلى عبد الله بن الأرقط، كدليل في الهجرة، فالخبرة والعدل تحققا في غير المسلمين، والوزير العباسي حين تنازل أول مرة وتوالت التنازلات، إلى أن فرح بالجلوس على كرسي الحكم الذي نزعه منه هولاكو ومنحه لأحد القادة المغول ليكون ابن العلقمي تحت تصرفه وعبارة عن مسخ، وهذه اللفتة تعد عبقرية عندما طلب منه حذف آيات من القرآن واستبدال آيات أخرى، وفي هذه اللحظة سكنت جوارح ابن العلقمي وانتهى دوره فالتنازل هذه المرة أكبر من قدراته فوقف عاجزا،
صحيح أن عبارة “هولاكو صنع من الكتب جسرا ليعبر النهر”، جاءت على لسان أحد العوام وبأسلوب خبري أو تقرير، إلا أن هذه العبارة في المسرحية ضروري ان تكون مقتضبة، أما في الرواية فالوضع سيختلف من حيث السرد والوصف، فالرواية تقبل الوصف الدقيق للحدث غير الكتابة للمسرح، فالعبارات في المسرحية يفضل ألا تعاد أو تكرر أو حتى الإشارة إليها في أكثر من موضع، وراهن الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على ثقافة القارئ ومعرفته بهذه الوصمة الشنعاء، التى أبادت العلوم تحت حوافر الخيول، في تصوري أن الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاول أن يصلح ما أفسده هولاكو، وذلك باقتناء المخطوطات القيمة وأمهات الكتب، بل جعل من الشارقة قبلة للثقافة ومنبرا للعلوم والفكر والإبداع، متمثل في المهرجانات الثقافية على مدار العام ، فضلا عن المعرض الدولي ومسابقات الأدب العربي، فهذه المناسبات والمحافل المعرفية جعلت الشارقة منارة للفن والأدب والإبداع
رسم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالكلمات والمرادفات صورة الحاكم الضعيف، والدولة الهشة لتكون لوحة معبرة عن وجود الكثير من اشباه هولاكو في محيطنا العربي، ونبه عن قدوم هولاكو في زي جديد وبلغة جديدة في عصر تبدلت فيه اساليب الحروب والسيطرة على مقدرات الدول التى لا تهتم بالدفاع عن نفسها، وفي نهاية المؤلف يقف لفيف من العامة يحذرون من العواقب الوخيمة الناتجة عن الضعف