مسلسل Westworld.. بدأ بعالم مثاليّ، وينتهي بخراب البشريّة
أنهت شبكة HBO، أخيراً، بث الموسم الرابع من مسلسل Westworld، بعد عامين على انتهاء الثالث. هذا الموسم يحمل عنوان "الخيار" (The Choice)؛ المفهوم الذي يتكرر طوال الحلقات الثماني، تلك التي تبدأ بعالم مثاليّ، وتنتهي بخراب البشريّة، وتقلّص فرص نجاتها حد الاستحالة.
جغرافيا العالم في هذا الموسم مثيرة للاهتمام، هناك أولاً الـ Sublime؛ نعيم من نوع ما، تسكنه أرواح-وعي النُسخ. أشبه بقرص تخزين عملاق، يعيش فيه كل "وعي" في فردوس خاص. وهناك عالمنا الحاليّ، ذاك الذي يعيش فيه البشر تحت سيطرة "الآلات". أي انعكست اللعبة التي عرفناها في الموسم الأول، فالبشر مجرد أكياس لحم تنصاع لسيناريوهات مكتوبة مسبقاً. وهناك عالم دولوريس، الشخصية الأشد وعياً بذاتها، وتمتلك من القدرة حد تحولها إلى كاتب حكايات البشر، فلا جسد مادياً لها.. هي طيف يهيمن على عقول البشرية، ويرسم مصائرهم على هواه. وهناك عالم البشر، الثوار، سكان الصحراء الذين يريدون إنقاذ الجنس البشري.
لن نخوض في أحداث المسلسل حرصاً على متعة من لم يشاهده بعد. لكن بالإمكان التعليق على أسئلة الطبيعة البشريّة الجديدة التي يطرحها هذا الموسم. فبعد سيطرة الآلات أو النسخ على "العالم"، وتمتعهم بحرية التعبير والخيار، يتحول البشر إلى كائنات بلا وعي ذاتي، تحكمهم شارولت هايل، البشرية التي أصبحت نسخة تريد الارتقاء بنوعها، وتأمل البشر المدفوعين بالحكاية المكتوبة مسبقاً، أسرى تكنولوجيا تجعلهم أقرب للمنومين مغناطيسياً. وهنا تظهر الإشكالية الأولى، بعض البشر لا يخضع كلياً، يقاوم الحكاية المكتوبة، ليس بسبب أجسادهم، بل بسبب تركيبة ما، تعجز النسخ عن فهمها. فبعضهم، أي البشر، يسمع الأوامر، لكن لا ينصاع لها، يقاوم عبر الجنون أو الانتحار. ذات الإشكالية التي اختبرتها النُسخ بعد أن امتلكت وعيها وذاكرتها.
رفْض السيناريو المكتوب مسبقاً، أو المصير، ينطبق على أشد النسخ عدمية وراديكالية. ويليم، أو الرجل ذو الزي الأسود، الذي يقرر رفض اللعبة الجديدة، معيداً عدميّة أصله البشريّ، إذ يرغب بالعودة إلى الشكل القديم، أي الخراب الكلي وترسيخ قانون بسيط، نحن في لعبة، والحضارة مجرد قناع، لا بقاء سوى لشخص واحد، الأقوى والأقدر على النجاة.
الإشكالية الثانيّة التي يطرحها المسلسل تتمثل بالرغبة بالارتقاء، وهنا يظهر الاختلاف بين عقلية النسخة الواعية بذاتها، وبين عقلية البشر، بل يمكن القول إنه اختلاف سطحي، فالرغبة بـ"الارتقاء" التي تسعى شارلوت هايل إلى تحقيقها، تشبه الحلم الديني الذي يؤمن به البشر، أي الانتقال من الشكل الحالي، إلى عالم أوسع وأشد رقياً.
وهنا المشكلة، ثمن الارتقاء باهظ، قد يكلف الأمر نهاية العالم، أو قيامة من نوع ما. وهنا يظهر مفهوم "الخيار"، فبيرنارد، واحد من أقدم النسخ، يحمل نبوءة مفادها أن الجميع سيفنى، وهناك أمل ضئيل، وعلى الجميع أن "يختار" التضحية بنفسه في سبيل النجاة، نجاة من لا نعرفهم، فكل الموجودين من نسخ وبشر مهددون بالفناء.
المثير للاهتمام أن المسلسل يكشف أن الوعي البشري، ولو تحول إلى "شيفرة" يمكن استنساخها، يحوي ما هو غامض، لا يمكن توقعه، حتى لو ضُبط بشكل كامل، وتعديله. هناك ما هو مريب، وهذا ما تكتشفُه النسخ نفسها؛ إذ لا يمكن التحكم بخيارات النسخ والأفراد بشكل كامل. هناك دوماً من "يكسر" الشيفرة. وهنا يمكن أن نقول إن هناك أفقاً ما للوعي، سواء كان مبرمجاً أو طبيعياً. هناك حد، بمجرد أن يتخطاه الكيان ذو الحكايات والذاكرة، يكتسب حريته، أو وعيه بذاته. وربما هذا ما ترمز إليه المتاهة، تلك العلامة التي تظهر عدة مرات في هذا الموسم، وترشد دولوريس إلى "حريتها". المتاهة هنا علامة على أن ما يحصل ليس إلا حكاية، ولا بد من وجود حقيقة وراءها.
تعرض هذا الموسم إلى العديد من الانتقادات، كونه غامضاً، أو أشبه بأحجية ننتظر حلها. فكلما تورطنا في المشاهدة، اكتشفنا أننا أمام Flashback، أو احتمال لم يتحقق؛ إذ يلتبس في البداية علينا مفهوم الحقيقة والخيال.
في ذات الوقت، تفقد الشخصيات حيويتها؛ إذ بالإمكان نسخ وعيها وبعثها من الموت، ليتحول الجسد البشري إلى مجرد وعاء بالإمكان استبداله. وهذا ما هدد أصالة المسلسل، لم يعد هناك ما هو مميز في الجسد البشري ولا الوعي، بالإمكان تبديل الأجساد ونسخ الوعي وكل هذا، ليتحول الزمن إلى مجرد عقبة بسيطة، لا يجابه سطوتها إلا الثوار، آخر البشر الأحرار، المنفيين من نعيم الوهم، المتعلقين بأمل نكتشف لاحقاً أنه غير موجود.
جغرافيا العالم في هذا الموسم مثيرة للاهتمام، هناك أولاً الـ Sublime؛ نعيم من نوع ما، تسكنه أرواح-وعي النُسخ. أشبه بقرص تخزين عملاق، يعيش فيه كل "وعي" في فردوس خاص. وهناك عالمنا الحاليّ، ذاك الذي يعيش فيه البشر تحت سيطرة "الآلات". أي انعكست اللعبة التي عرفناها في الموسم الأول، فالبشر مجرد أكياس لحم تنصاع لسيناريوهات مكتوبة مسبقاً. وهناك عالم دولوريس، الشخصية الأشد وعياً بذاتها، وتمتلك من القدرة حد تحولها إلى كاتب حكايات البشر، فلا جسد مادياً لها.. هي طيف يهيمن على عقول البشرية، ويرسم مصائرهم على هواه. وهناك عالم البشر، الثوار، سكان الصحراء الذين يريدون إنقاذ الجنس البشري.
لن نخوض في أحداث المسلسل حرصاً على متعة من لم يشاهده بعد. لكن بالإمكان التعليق على أسئلة الطبيعة البشريّة الجديدة التي يطرحها هذا الموسم. فبعد سيطرة الآلات أو النسخ على "العالم"، وتمتعهم بحرية التعبير والخيار، يتحول البشر إلى كائنات بلا وعي ذاتي، تحكمهم شارولت هايل، البشرية التي أصبحت نسخة تريد الارتقاء بنوعها، وتأمل البشر المدفوعين بالحكاية المكتوبة مسبقاً، أسرى تكنولوجيا تجعلهم أقرب للمنومين مغناطيسياً. وهنا تظهر الإشكالية الأولى، بعض البشر لا يخضع كلياً، يقاوم الحكاية المكتوبة، ليس بسبب أجسادهم، بل بسبب تركيبة ما، تعجز النسخ عن فهمها. فبعضهم، أي البشر، يسمع الأوامر، لكن لا ينصاع لها، يقاوم عبر الجنون أو الانتحار. ذات الإشكالية التي اختبرتها النُسخ بعد أن امتلكت وعيها وذاكرتها.
رفْض السيناريو المكتوب مسبقاً، أو المصير، ينطبق على أشد النسخ عدمية وراديكالية. ويليم، أو الرجل ذو الزي الأسود، الذي يقرر رفض اللعبة الجديدة، معيداً عدميّة أصله البشريّ، إذ يرغب بالعودة إلى الشكل القديم، أي الخراب الكلي وترسيخ قانون بسيط، نحن في لعبة، والحضارة مجرد قناع، لا بقاء سوى لشخص واحد، الأقوى والأقدر على النجاة.
الإشكالية الثانيّة التي يطرحها المسلسل تتمثل بالرغبة بالارتقاء، وهنا يظهر الاختلاف بين عقلية النسخة الواعية بذاتها، وبين عقلية البشر، بل يمكن القول إنه اختلاف سطحي، فالرغبة بـ"الارتقاء" التي تسعى شارلوت هايل إلى تحقيقها، تشبه الحلم الديني الذي يؤمن به البشر، أي الانتقال من الشكل الحالي، إلى عالم أوسع وأشد رقياً.
وهنا المشكلة، ثمن الارتقاء باهظ، قد يكلف الأمر نهاية العالم، أو قيامة من نوع ما. وهنا يظهر مفهوم "الخيار"، فبيرنارد، واحد من أقدم النسخ، يحمل نبوءة مفادها أن الجميع سيفنى، وهناك أمل ضئيل، وعلى الجميع أن "يختار" التضحية بنفسه في سبيل النجاة، نجاة من لا نعرفهم، فكل الموجودين من نسخ وبشر مهددون بالفناء.
المثير للاهتمام أن المسلسل يكشف أن الوعي البشري، ولو تحول إلى "شيفرة" يمكن استنساخها، يحوي ما هو غامض، لا يمكن توقعه، حتى لو ضُبط بشكل كامل، وتعديله. هناك ما هو مريب، وهذا ما تكتشفُه النسخ نفسها؛ إذ لا يمكن التحكم بخيارات النسخ والأفراد بشكل كامل. هناك دوماً من "يكسر" الشيفرة. وهنا يمكن أن نقول إن هناك أفقاً ما للوعي، سواء كان مبرمجاً أو طبيعياً. هناك حد، بمجرد أن يتخطاه الكيان ذو الحكايات والذاكرة، يكتسب حريته، أو وعيه بذاته. وربما هذا ما ترمز إليه المتاهة، تلك العلامة التي تظهر عدة مرات في هذا الموسم، وترشد دولوريس إلى "حريتها". المتاهة هنا علامة على أن ما يحصل ليس إلا حكاية، ولا بد من وجود حقيقة وراءها.
تعرض هذا الموسم إلى العديد من الانتقادات، كونه غامضاً، أو أشبه بأحجية ننتظر حلها. فكلما تورطنا في المشاهدة، اكتشفنا أننا أمام Flashback، أو احتمال لم يتحقق؛ إذ يلتبس في البداية علينا مفهوم الحقيقة والخيال.
في ذات الوقت، تفقد الشخصيات حيويتها؛ إذ بالإمكان نسخ وعيها وبعثها من الموت، ليتحول الجسد البشري إلى مجرد وعاء بالإمكان استبداله. وهذا ما هدد أصالة المسلسل، لم يعد هناك ما هو مميز في الجسد البشري ولا الوعي، بالإمكان تبديل الأجساد ونسخ الوعي وكل هذا، ليتحول الزمن إلى مجرد عقبة بسيطة، لا يجابه سطوتها إلا الثوار، آخر البشر الأحرار، المنفيين من نعيم الوهم، المتعلقين بأمل نكتشف لاحقاً أنه غير موجود.