يبحث الاتحاد الأوروبي عن “حلول مبتكرة” بشأن الهجرة. وقد صدر بيان من رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، في رسالة موجهة إلى رؤساء الدول والحكومة السبعة والعشرين الذين إجتمعوا في قمة يوم الخميس في بروكسل. ومن بين السبل المذكورة، تعريف الدول الثالثة “الآمنة” التي سيتم إعادة المهاجرين إليها، و”مراكز العودة” خارج حدود الاتحاد الأوروبي وحتى “البروتوكول” بين إيطاليا وألبانيا لإلغاء طلبات اللجوء... “هناك العديد من الأفكار ; يلاحظ أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن أياً منها لم ينتشر على نطاق واسع مادياً في الوقت الحالي.

 و هذا تحول قمعي في العقيدة الأوروبية بشأن قضايا الهجرة ولم يرغب تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، الذي تُعد هذه قمته العادية الأخيرة، في إدراج الموضوع على جدول الأعمال. وكان عليه أن يفعل ذلك في مواجهة الطلب المُلح لمعظم الدول الأعضاء. وقد اتخذت العديد من هذه الأخيرة مبادرات أحادية الجانب في الأسابيع الأخيرة بطريقة متفرقة. إلا أن أغلبهم يدركون الحاجة إلى المزيد من التنسيق الأوروبي. «
«هناك إجماع على أن البحث عن حلول جديدة لمكافحة الهجرة مدرج على جدول الأعمال الاستراتيجي للمفوضية الجديدة. وكان هذا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات. ومن الواضح أن النقاش قد تطور نحو اليمين،” كما يشير أحد كبار المسؤولين في بروكسل.

وكان التحول الذي شهدته ألمانيا في بداية العام الدراسي سبباً في التعجيل بهذا التحول النموذجي. وكانت إعادة فرض الضوابط على الحدود وطرد طالبي اللجوء، وخاصة إلى أفغانستان، والتي قررها أولاف شولتس، دون سابق إنذار لشركائه، بعد هجوم الطعن في سولينجن في نهاية أغسطس/آب، سبباً في إحداث صدمة. وقد شعر كثيرون في أوروبا بالغضب، ورحب آخرون بالقرار، مثل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، الذي أبدى سعادته لأنه لم يعد يمضي بمفرده في هذه المسألة. في الأسبوع الماضي، في برلمان ستراسبورغ، أعرب نائب حزب اليمين المتطرف البلجيكي فلامس بيلانغ، توم فانديندريش، عن سروره لرؤية “ألمانيا تنفذ برنامجنا”. وأشاد جوردان بارديلا “بنهاية أسطورة أوروبا بلا حدود”. “أرادت ألمانيا أن ترسل إشارة إلى الرأي العام فيها، لكن يجب أن نكون حريصين على معايرة الرسائل بعناية حتى لا نعطي الانطباع بأن حرية الحركة ممنوعة «.

«لقد فشل البناء الأوروبي”، هذا ما يقلق أحد الدبلوماسيين الأوروبيين. لقد فتح التغيير في الموقف الألماني، بطريقة أو بأخرى، الباب على مصراعيه أمام تصلب عام في اللهجة في جميع أنحاء أوروبا، بتشجيع من الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي حققها اليمين المتطرف في العديد من البلدان، مثل هولندا أو النمسا، فضلاً عن الانتصارات الإقليمية في ألمانيا. أشارت المجر وهولندا، في سبتمبر/أيلول، إلى اعتزامهما عدم تطبيق “ميثاق اللجوء والهجرة”، وهو عبارة عن مجموعة من النصوص التي تعمل على تنسيق التشريعات الأوروبية بشأن هذه القضية، والتي تم اعتمادها في مايو-أيار. إن الإعلانات ليس لها أي تأثير حقيقي، حيث أن الحكومات المعنية تعترف ضمنا بأنها لن تكون قادرة على الانحراف عنها دون تغيير المعاهدة، وهو السبيل القانوني الوحيد لتجنب ذلك، وهو أمر غير محتمل على الإطلاق. 

وقالت رئيسة أعضاء البرلمان الأوروبي الماكرونيين فاليري هاير: “يجب علينا تجنب التصعيد والسباق نحو اليمين المتطرف بشأن قضايا الهجرة”. والأولوية هي تنفيذ الاتفاق. لا نحتاج إلى أي إجراءات إضافية.” ومع ذلك، ترفض بولندا أيضًا تطبيق هذه الاتفاقية. كما تسبب رئيس وزرائه المنتمي إلى يمين الوسط، دونالد تاسك، الأوروبي المقتنع، والذي سبق شارل ميشيل في بروكسل، في إثارة المتاعب في نهاية هذا الأسبوع عندما أعلن تعليق تطبيق حق اللجوء من جانب بلاده. ومن ثم فهو ينوي محاربة تلاعب روسيا وبيلاروسيا الذين يرسلون عمدًا مهاجرين من أفغانستان أو إيران أو العراق أو الصومال إلى بولندا. خطوة رائعة من جانب تاسك لفرض مناقشة استراتيجية حول هذا الموضوع مع نظرائه، مع الأخذ في الاعتبار أن الوضع الحالي لقانون المجموعة ليس كافيًا للتعامل معه. 

وتبرر وارسو نفسها بالتذكير بأن فنلندا فعلت الشيء نفسه قبل الصيف. ستصل النجمة الأوروبية الحقيقية في قضية الهجرة، زعيمة الحكومة الإيطالية ما بعد الفاشية، جيورجيا ميلوني، إلى بروكسل بفضل نجاحها، في اليوم السابق، في إتمام نقل أول 16 مهاجرًا تم اعتراضهم في البحر الأبيض المتوسط إلى  ألبانيا  .هي تحظى بشعبية كبيرة، وستعقد جلسة جانبية مع أولاف شولتز ودونالد تاسك على هامش القمة؛ إيمانويل ماكرون غير مدعو مسبقاً. تؤكد أورسولا فون دير لاين في رسالتها إلى السبعة والعشرين: “سنكون قادرين على تعلم دروس هذه التجربة عمليًا”. نوع من الاعتراف الرسمي بأسلوب كان لا يزال يعتبر غير مناسب حتى وقت قريب في نظر الكثيرين، والذي أجمعوا على معارضته عندما حاولت المملكة المتحدة تطبيقه مع رواندا. فرنسا لن تكون معادية لـ “إجراء مناقشة منظمة حول هذا الموضوع، بما يتوافق مع القانون الدولي وقانوننا”، كما يؤكد صديق مقرب لإيمانويل ماكرون، لكنه يدحض فكرة “النموذج الرواندي أو الإيطالي الألباني».

ومع ذلك، فقد اتسع نطاق الإجماع منذ أن كتبت حوالي خمس عشرة دولة عضو، بقيادة النمسا والدنمارك وإيطاليا، إلى المفوضية في مايو-أيار للمطالبة “بحلول جديدة” لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك الاستعانة بمصادر خارجية لطلبات اللجوء. وقد انضمت أربعة بلدان أخرى منذ ذلك الحين إلى هذه الدعوة. “الشعور العام هو التفاوض على شراكات مع دول ثالثة من أجل الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة الهجرة وجعل أوروبا حصنًا. لست متأكدًا من أن هذا حل دائم. لقد أنفق الاتحاد الأوروبي بالفعل المليارات مع تركيا وتونس ومصر وموريتانيا. تقول كارمين كونتي، الباحثة في مجموعة سياسات الهجرة في بروكسل: “إنها مكلفة للغاية ولا نعرف دائمًا كيف يتم إنفاق الأموال».

هذا الهجوم السياسي على الهجرة غير الشرعية، والذي لا يخلو في بعض الأحيان من نوايا انتخابية، يتناقض مع واقع الأرقام. وبلغ عدد الوافدين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي في العام الماضي حوالي ثلث الذروة التي بلغت مليون شخص في عام 2015 ووفقا لفرونتكس، انخفض عددهم بنسبة 42% في الأشهر التسعة الأولى من العام، مقارنة بعام 2023 إنها بالأحرى أزمة إدارة الهجرة، كما يوضح ألبرتو هورست نيدهارت، الباحث في مركز السياسة الأوروبية. وتتركز التدفقات في المناطق الجغرافية التي لا تملك السلطات القدرة على مواجهتها، مثل جزر الكناري، في الوقت الحالي”. وقد قفزت بنسبة 56% هذا العام في هذا الاتجاه، في حين انخفضت بشكل حاد من شمال أفريقيا إلى إيطاليا. وبعد أكثر من ثماني سنوات من المفاوضات الصعبة، تم اعتماد “ميثاق اللجوء والهجرة”، في مايو-أيار. لكن تنفيذه، الذي يتطلب 60 نصًا تنفيذيًا واستثمارات ضخمة في البنية التحتية المادية وتكنولوجيا المعلومات، ليس مخططًا له قبل عام.

. ويعتقد العديد من الدول، بما في ذلك إسبانيا وألمانيا، أن الوقت قد فات، و يقترحان تسريع تنفيذه. كما تحدث وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيليو في هذا الاتجاه. 
و في الإليزيه يقال “إننامنفتحون من حيث المبدأ، طالما أن ذلك لا يشكك في توازن الاتفاق”. 
وفي غضون ذلك، تقترح المفوضية تحديث ما يسمى بتوجيهات “العودة”، والتي تم حظرها منذ عام 2018 بسبب العداء من جانب البرلمان. ومع التحول نحو اليمين نتيجة لانتخابات يونيو/حزيران، تبدو الساحة أكثر ملاءمة.

تعتزم أورسولا فون دير لاين زيادة نسبة المهاجرين المطرودين إلى 20% بين أولئك الذين يخضعون لإجراءات الترحيل في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.