رئيس الدولة يبحث مع الرئيس الفرنسي مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين
تربط الإنسان بالآلة.. غرسة دماغية تحدث ثورة في الذكاء الاصطناعي
تفتح غرسة دماغية متناهية الصغر، تُعرف باسم BISC، الباب أمام جيل جديد من التفاعل المباشر بين الإنسان والآلة، عبر وصلة لاسلكية رفيعة جدًا لكنها عالية القدرة على نقل البيانات مباشرة من الدماغ وإليه.هذه الغرسة، التي تضم أكثر من 65 ألف قطب كهربائي، تتميز بقدرتها على التقاط النشاط العصبي بدقة غير مسبوقة، ثم استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لفك شيفرات الأفكار والنوايا والإشارات الحسية، مع تدخل جراحي ضئيل للغاية.
ثورة في واجهات الدماغ والحاسوب
يُعد هذا الابتكار نقلة نوعية في استخدام واجهات الدماغ-الحاسوب (BCI)، إذ يفتح المجال أمام علاج مجموعة واسعة من الحالات العصبية مثل: الصرع، والشلل وإصابات الحبل الشوكي، والتصلب الجانبي الضموري، والسكتة الدماغية، وفقدان البصر.
تكمن قوة الغرسة في قدرتها على إنشاء قناة اتصال عالية الإنتاجية بين الدماغ والأجهزة الخارجية، تسمح بنقل كميات ضخمة من البيانات بسرعة كبيرة، مع المحافظة على متطلبات جراحية بسيطة.
وقد طوّر هذا النظام فريق مشترك من جامعة كولومبيا ومركز نيويورك-بريسبتيريان وجامعة ستانفورد وجامعة بنسلفانيا، معتمدين على شريحة سيليكون واحدة فقط تعد بمثابة "جسر لاسلكي" عالي السرعة بين الدماغ وأجهزة الحوسبة الخارجية.
ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة Nature Electronics، يتكون نظام BISC من ثلاثة عناصر: شريحة مزروعة داخل الدماغ، ومحطة ترحيل قابلة للارتداء، وبرنامج متخصص لإدارة التشغيل.
يقول البروفيسور كين شيبارد من جامعة كولومبيا إن معظم الغرسات التقليدية تعتمد على صناديق إلكترونية كبيرة الحجم داخل الجسم، أما غرسة BISC فهي "رفيعة جدًا لدرجة أنها تستقر بين الجمجمة والدماغ مثل منديل ورقي مبلل".
تحويل سطح الدماغ إلى بوابة اتصال عالية السعة
شارك الباحث البارز أندرياس تولياس من جامعة ستانفورد في تطوير النظام، مستفيدًا من خبراته في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على مجموعات ضخمة من البيانات العصبية. ويؤكد تولياس أن BISC يحوّل سطح القشرة الدماغية إلى بوابة اتصال فعالة ذات نطاق ترددي مرتفع، تسمح للدماغ بالتواصل المباشر مع الذكاء الاصطناعي.
هذه القدرة، إلى جانب قابلية التوسع المبنية على شريحة واحدة، تمهد الطريق أمام تطوير أطراف اصطناعية عصبية متقدمة، ومعالجات ذكية داخل الدماغ يمكنها دعم علاج اضطرابات عصبية ونفسية معقدة مثل الصرع.
إمكانات علاجية هائلة
الدكتور بريت يونجرمان، من مركز كولومبيا الطبي، يرى أن دقة الغرسة وإنتاجيتها الكبيرة في نقل البيانات تجعلها أداة قد تغير جذريًا علاج حالات مثل الصرع والشلل. ويعمل يونجرمان وشيبارد وفريق طبي متخصص على تطبيق التقنية فعليًا في حالات الصرع المقاوم للأدوية، بعد حصولهم على منحة من المعاهد الوطنية للصحة.
ويشرح يونجرمان أن سر نجاح أنظمة واجهة الدماغ-الحاسوب يكمن في قدرتها على زيادة كمية المعلومات التي يمكن قراءتها من الدماغ أو إرسالها إليه، مع تخفيف التدخل الجراحي إلى أدنى مستوى ممكن، وهي النقاط نفسها التي يتفوق فيها BISC بوضوح.
الغرسات الحالية تعتمد على تجميع عدد كبير من المكونات الدقيقة، مثل مكبرات الإشارة ومحولات البيانات وأجهزة الإرسال اللاسلكية، وكلها تحتاج إلى مساحة داخل الجسم؛ لهذا غالبًا ما يضطر الجراحون إلى زرع "علبة" كبيرة نسبيًا في الجمجمة أو في الصدر ثم توصيلها بالدماغ عبر أسلاك.
الحل هو BISC
يعتمد BISC على نهج جديد تمامًا؛ فهو يجعل كامل الغرسة عبارة عن شريحة دائرة متكاملة واحدة، بسُمك لا يتجاوز 50 ميكرومتر، أي أقل من واحد على ألف من حجم الشريحة الإلكترونية العادية.
هذا الحجم المتناهي في الصغر، الممزوج بتقنية أشباه الموصلات المتطورة، هو ما يسمح باحتواء نظام إلكتروني كامل داخل الدماغ دون الحاجة لأي حيز جراحي كبير.
ويقول شيبارد: "كما جمعت أشباه الموصلات سابقًا قدرات غرفة كاملة من أجهزة الحوسبة داخل هاتف محمول، فإننا اليوم نقوم بالمثل مع الإلكترونيات الطبية داخل الجسم".