عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل.. خلافات داخل السلطة الفلسطينية

 عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل.. خلافات داخل السلطة الفلسطينية

أثار قرار السلطة الفلسطينية استئناف العلاقات مع إسرائيل، بعد تعهد تل أبيب بالالتزام بالاتفاقيات السابقة بين الطرفين، انتقادات حادة للسلطة، في ظل تأكيد البعض أن التنسيق الأمني بين الطرفين لم ينقطع أصلاً، وأن القرار الفلسطيني جاء لغرض الاستهلاك الإعلامي.
وأمس الاثنين، قال مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية في تصريح نقلته صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية، إن قرار عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي أعلنه وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، في 17 نوفمبر -تشرين الثاني كان قرار دائرة مركزية ضيقة، تضم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعدد محدود من القياديين المقربين منه دون الرجوع إلى المؤسسات الرسمية.
وأشار المسؤول الرفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى أن القرار اتخذ «دون استشارتنا ولا حتى إعلامنا بشيء عن تفاصيله»، مؤكداً أن «السلطة الفلسطينية أصبحت نظاماً ديكتاتورياً يحكمه فرد واحد».
وأبدى المسؤول مخاوف من استمرار الرئيس عباس في اتباع النهج ذاته، دون استشارة القيادة الفلسطينية والمؤسسات المرجعية الأخرى.
وبعد القرار المفاجئ بدأت الخلافات بين أعضاء حركة فتح في الظهور للعلن، وأكد المسؤول الفلسطيني، أن «الأعصاب مشدودة، والتوتر أصبح حاداً داخل حركة فتح، وأوشكت الأمور على الانفجار».
 
ضد الرجوب
من جهة أخرى، قال الخبير القانوني ماجد العاروري، إن الأنباء عن استئناف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ​​ستنسف دون شك محادثات المصالحة بين فتح وحماس، وستلغي خطط الانتخابات.
وأضاف العاروري، أن «قرار التنسيق شكل ضربة كبيرة لجهود أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير جبريل الرجوب في ملف المصالحة، الذي يعمل عليه منذ أشهر، والذي اقترب من حسم ملفات عدة على رأسها ملف الانتخابات».
وأكدت مصادر مطلعة، أن الرجوب أبدى غضباً كبيراً حين سمع بعودة العلاقات مع إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل مايو -أيار الماضي، خاصة بعد أن فضح حقيقة بعض أعضاء منظمة التحرير، وتحديداً الرافضين لتحقيق المصالحة.
ويؤكد الخبير في الشؤون الفلسطينية المقيم في الولايات المتحدة حسن عواد من جهته، أن عودة التنسيق الأمني وتجاهل وتهميش جهود جبريل الرجوب للمصالحة ستوسع الانقسام داخل حركة فتح.
ويضيف عواد قائلاً: «بينما كان جبريل الرجوب والموالين له داخل فتح يتفاوضون مع حماس لإنهاء الصراع الداخلي وتحقيق المصالحة..
 ,كان حسين الشيخ وجماعته على الجانب الآخر يتفاوضون مع إسرائيل حتى قوضوا جهوده تماماً بإعلان عودة التنسيق الأمني»، مشيراً إلى أن القرار يشكل إهانة شخصية للرجوب.
 
غياب عباس
ويتوارى الرئيس عباس، 85 عاماً عن الأنظار، منذ تفشي جائحة كورونا بسبب ظروفه الصحية، وهو الذي يشكل ملف خلافته ارتباكاً داخل السلطة الفلسطينية، إذ لا توجد هياكل تشريعية واضحة يمكنها اتخاذ قرار في صورة غياب الرئيس.
وعاد العاروري ليؤكد أيضاً، أن موت عريقات في مستشفى إسرائيلي متأثراً بكورونا وسع الفجوة وكشف مطامع البعض في تولي منصبه.
ورغم الضجة التي رافقت عودة التنسيق الأمني، تشكك معظم التقارير في توقفه إصلاً، وتشير المصادر، إلى أن «أجهزة أمن السلطة الفلسطينية واصلت اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلي بشكل مستقل، معتقدة أن ذلك يصب في مصلحة الطرفين».
وفي مايو (أيار) الماضي أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قطع جميع العلاقات مع إسرائيل، وتحلل السلطة الفلسطينية من «جميع اتفاقياتها وتفاهماتها مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمن».
ورفضت السلطة الفلسطينية أيضاً الحصول على أموال الضرائب التي تجنيها إسرائيل احتجاجاً على استقطاع تل أبيب الأموال التي تدفع لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، وتسبب القرار في أزمة رواتب، وأدخلت الاقتصاد الفلسطيني في انتكاسة كبرى، في ظل جائحة كورونا.
وبعد قرار إعادة العلاقات، عادت المياه إلى مجاريها ويمكن للسلطة الفلسطينية قبض أموال الضرائب رغم الأموال المستقطعة.
 
تكميم الأفواه
وحسب الصحيفة، لجأت السلطة الفلسطينية إلى تكميم الأفواه بعد قرار عودة التنسيق الأمني، وقطعت الطريق على المنتقدين، وزجت بهم في سجونها، كان آخرهم الناشط الفلسطيني نزار بنات، الذي اعتقله جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني بعد نشره فيديو على فيس بوك هاجم فيه السلطة الفلسطينية، وانتقد قرارها، معتبراً أنه تخاذل وليس انتصاراً كما قال حسين الشيخ.
ونزار بنات، نجار يقيم في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، ناشط سياسي واجتماعي وأب لأربعة أطفال.
وقال الخبير في قانون حقوق الإنسان الدكتور عصام عابدين، إن اعتقال نزار بنات يهدف إلى قمع المعارضة وتكميم الأفواه.
مضيفاً أن «السلطة الفلسطينية تنوي ترهيب الناس بالترويج لسياسة التعذيب والإذلال في السجون، وهي طريقة تلجأ إليها دوماً الأنظمة الفاشلة».
وأضاف، أن رسالة الناشط بنات هزت أركان السلطة الفلسطينية وأثارت القلق والخوف في صفوفها بعد أن لقيت قبولاً في الشارع الفلسطيني.
وأوضح عابدين، أن «السلطة الفلسطينية بدأت تنزلق إلى مربع الدول البوليسية» مشيراً إلى أن غياب هيئة تشريعية تراقب أداء السلطة التنفيذية، يفاقم مشكلة حقوق الإنسان خاصة أن «القضاء الفلسطيني منهار».