إصلاحه الضريبي أفاد الشركات الكبرى
قد لا يكون حصاد ترامب الاقتصادي كما تعتقدون...!
-- لـم تكن الزيادة في العجز بهذه القوة زمن السلم
-- في مجال البطالة، تجب العودة خمسين عامًا إلى الوراء للعثور على مثل هذه الأرقام الجيدة
-- بدأ الحد من الهجرة القانونية يثير مخاوف الأوساط الاقتصادية
-- عمل ترامب لم يكن بالفعالية التي يزعمها، وأفعاله الأخيرة لا تليق برئيس دولة
-- تمتعت الغالبية العظمى من السكان بالازدهار في سنوات ترامب، لكن لم يستفد الجميع بالقدر نفسه
-- شكل الإنفاق العسكري الأمريكي عام 2019، زيادة سنوية تعادل إجمالي الميزانية العسكرية لألمانيا في العام نفسه
-- خاض دونالد ترامب صراعه مع الصين كمعركة شخصية
هل صورة دونالد ترامب في نظر مؤيديه تتوافق حقًا مع هويته؟ لن نتحدث هنا عن الرجل وشخصيته، ولكن عن رئيس الدولة والحكومة. سيقال إن الجانبين لا ينفصلان، ولكن هناك حقًا لحظة يتعين علينا فيها التساؤل عن الفجوة التي قد تكون موجودة بين الخطاب والحقائق، بين الصورة التي تعطي له كرجل سياسي وحقيقة عمله. في عالم يحكمه الإعلام، حيث تلعب الصورة دورًا أساسيًا، من المسموح أن نصوت للشخصية أكثر من التصويت للبرنامج. ورغم كل شيء، فإن هذه الشخصية مطالبة بتجسيد ما تقوله في عدد معين من النقاط، وان تكرس عددا معينا من الإجراءات المتوقعة منها، على أن تكون لهذه الإجراءات التأثير المأمول. في حالة دونالد ترامب، يبدو أن النقاش اغلق. عندما نستمع إلى ناخبيه، أو خارج الولايات المتحدة للأشخاص الذين يدعمونه لأنهم يأملون في أن يرسم نجاحه معالم نجاحهم، لا شك: دونالد ترامب، على عكس جميع السياسيين، يفعل ما يقول، وما يفعله يسير في الاتجاه الصحيح: إنه لا يتصرف للدفاع عن مصالح طبقة محظوظة تستخدم السلطة والمال العام لمصلحتها، وانما للدفاع عن الشعب، وتحديدا، الشعب الأمريكي: «أمريكا أولاً، وأمريكا عظيمة مرة أخرى».
مرحلة طويلة من النمو
حقيقة أنه في 3 نوفمبر، حصل على أصوات تفوق ما كان قد تحصل عليه عام 2016 (أكثر من 73.8 مليون وفقًا لأحدث النتائج مقابل 62.9 مليون)، تشير إلى أنه أوفى بوعوده، وأنه أرضى ناخبيه. ومع ذلك، عندما ننظر ندقق، نرى أن الواقع مختلف، وأن نتائجه أقل إقناعًا مما يعتقده ناخبيه.
ظاهريا، يبدو أنه نجح في المجال الاقتصادي. وهذا ما دفعنا للقول في يونيو 2019 أن فرصه في الفوز بانتخابات 2020 ليست معدومة. وفي الواقع، منذ أن سجل الاقتصاد الأمريكي أدنى مستوياته عام 2009، سجل أطول مرحلة نمو في تاريخه عام 2020. وقد بدأت المرحلة السابقة في مارس 1991 وانتهت في مارس 2001، أي طيلة 120 شهرًا. في حين بدأت هذه المرحلة في يونيو 2009 وانتهت في فبراير 2020، أي 128 شهرًا.
ويمكننا بالتأكيد أن نشير إلى أن باراك أوباما ترك دولة في صحّة جيدة، وأن خليفته لم ينجح كما وعد خلال حملته الانتخابية: لقد تباهي ووعد بأن إصلاحه الضريبي سيحقق نموًا بنسبة 4 بالمائة سنويًا؛ والحد الأقصى الذي تمكن من تحقيقه هو 3 بالمائة في 2018 بعد 2 فاصل 3 بالمائة في 2017، و2 فاصل 2 بالمائة في 2019. إلا أنه لم يجرؤ على القول إن المسؤولين الديمقراطيين يزورون الإحصائيات ...
تحميل الماكنة
أكثر من طاقتها
يمكننا أيضًا ملاحظة أنه من أجل تحقيق هدفه، لم يتردد في تحميل الماكنة ما يفوق طاقتها. للعمل على الوضع الاقتصادي، لدى الدولة رافعتان: السياسة النقدية وسياسة الميزانية. في نهاية القرن العشرين، وتحت تأثير النظريات النقدية، التي بموجبها التضخم هو النتيجة المباشرة لكمية الأموال المتداولة (للتبسيط في أقصى الحدود)، كان من الحكمة إعطاء الاستقلال النسبي للبنوك المركزية لمنع الحكومات المستعجلة للحصول على نتائج جيدة والتمهيد لإعادة انتخابها من تدوير طباعة النقود بسرعة كبيرة.
وهكذا، في الولايات المتحدة، بمجرد تعيينهم، فإن قادة الاحتياطي الفيدرالي، هم المسؤولون الوحيدون عن السياسة التي يقودونها: فهم مسؤولون أمام الكونجرس، ويمكنهم النقاش مع السلطة التنفيذية، لكنهم لا يتلقون أية أوامر.
وبتعيين الجمهوري جيروم باول رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي في مطلع عام 2018، اعتقد دونالد ترامب أن لديه بنكًا مركزيًا في خدمته. لكن جيروم باول وبقية هيئة صنع القرار للسياسة النقدية، اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، فعلوا ما اعتقدوا أنه يتعين عليهم فعله، واتبعوا سياسة اعتبرها المحترفون بالإجماع تقريبًا معقولة ومناسبة للوضع. غير ان هذا لم يكن كافيًا لدونالد ترامب، الذي استمر في قصف جيروم باول بتغريدات مهينة.
وكان المشهد أكثر إزعاجًا، لأنه كان فريدًا في الديمقراطيات الغربية. لا يُعرف في التاريخ الحديث أكثر من دولتين أخريين انتقد فيهما رئيس الحكومة أو الدولة علنًا رئيس البنك المركزي: روسيا بوتين وتركيا أردوغان.
ولحسن الحظ، المؤسسات الأمريكية أكثر صلابة من تلك الموجودة في هذين البلدين، وكان جيروم باول قادرًا على الاستمرار في ممارسة مهامه بشكل طبيعي، ولكن في مناخ ثقيل نوعًا ما.
ارتفاع حاد في عجز الموازنة
كلما تعلق الأمر بالسياسة المالية، لم يستطع دونالد ترامب الحصول على كل ما يريد. البرلمانيون الجمهوريون، الذين كانوا دائمًا متحفظين للغاية عندما يتعلق الأمر بزيادة الإنفاق العام، رفضوا منحه الائتمانات لتحسين البنية التحتية للبلاد (والتي كانت فكرة جيدة). ومع ذلك، فقد قبلوا زيادات أخرى، منها زيادة الإنفاق العسكري.
وكما يشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، شكل الإنفاق العسكري الأمريكي وحده 38 بالمائة من الإنفاق العسكري العالمي عام 2019، وتعادل زيادته السنوية إجمالي الميزانية العسكرية لـ ألمانيا في العام نفسه .
وتسببت الزيادة في الإنفاق إلى جانب تخفيض ضرائب الشركات والدخل، في ارتفاع عجز الحكومة الفيدرالية بشكل حاد إلى 4 فاصل 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 (بالنسبة إلى السنة المالية 2020، التي انتهت في نهاية سبتمبر، بلغ العجز 14 فاصل 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الإنفاق الناجم عن الوباء). ولم تكن الزيادة في العجز بهذه القوة في زمن السلم.
نسبة بطالة منخفضة تاريخية
ورغم كل هذه الجهود، لم يتم تحقيق الهدف المعلن بمعدل نمو 4 بالمائة. ومع ذلك، انخفض معدل البطالة في أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020 إلى مستوى ضعيف تاريخيًا يبلغ 3 فاصل 5 بالمائة من السكان النشيطين؛ بالنسبة لعام 2019 بأكمله، فقد بلغت 3 فاصل 7 بالمائة. وتجب العودة خمسين عامًا إلى الوراء للعثور على مثل هذه الأرقام الجيدة. ففي سوق عمل محكم إلى حد ما، كان الطلب على المهارات، والأجور في ارتفاع، بينما، وطيلة سنوات، لم يستفد من النمو سوى اصحاب الدخل الأعلى، وارتفعت ثقة الأسر إلى مستوى أعلى بكثير من معدلها على المدى الطويل.
وارتفع متوسط دخل الأسرة مرة أخرى عام 2019، للعام الخامس على التوالي. وانخفض معدل الفقر عام 2019 أيضًا للعام الخامس على التوالي: 10 فاصل 5 بالمائة، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1959، عندما بدأنا في إجراء هذا الجرد.
تزايد التفاوت الاجتماعي
تستحق هذه العناصر التأكيد عليها لأن أحد أسباب نجاح دونالد ترامب عام 2016 يمكن تفسيره بارتفاع التفاوت الاجتماعي: كما أوضحت الدراسات التي أجراها مركز بيو للأبحاث، وهو منظمة بحثية مستقلة، الفجوة بين الأثرياء والفقراء استمرت في الاتساع منذ نهاية الثمانينات، وفترة الانتعاش في عهد باراك أوباما بعد الأزمة المالية لعام 2008، أفادت بشكل أساسي الأسر الأكثر ثراءً.
لكن هناك مشكلة: رغم كل ما وعد به دونالد ترامب، إلا أن إصلاحه الضريبي أفاد الشركات الثرية والكبرى بشكل أساسي. وعلى ما يبدو، نسي بعض ناخبيه ذلك، لكن عندما رأوا أرقامهم الضريبية بعد تنفيذ الإصلاح، كانت هناك بعض خيبات الأمل. وعلى موقع تويتر، طلب الكثيرون إنهاء «عملية الاحتيال الجمهوري» هذه.
باختصار، يجب ان نعترف: تمتعت الغالبية العظمى من السكان بالازدهار في سنوات ترامب، لكن لم يستفد الجميع بنفس القدر. وقد أشادت الأوساط المالية بكل من الإصلاح الضريبي وتخفيف اللوائح المصرفية. ويرجّح استمرار هذا الوضع المواتي للميسورين إلى ما بعد ولاية دونالد ترامب. ففي غضون ثلاثة أيام من انتخابات 3 نوفمبر، استعادت سوق الأسهم الأمريكية الميدان الذي خسرته في الأسابيع الثلاثة السابقة، ثم حطمت الأرقام القياسية بعد الإعلان عن تطوير لقاحات كوفيد-19.
وبالنسبة للمستثمرين، يبدو الوضع جيدًا: مع جو بايدن، سيتم تفادي كل الهواجس المرتبطة بتقلبات مزاج دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والاتفاقيات التجارية، ومع مجلس شيوخ يرجّح ان تبقى الأغلبية داخله للجمهوريين، قد يجد الديمقراطيون صعوبة كبيرة في تنفيذ برنامج زيادة الضرائب.
تم إنقاذ عمال
مناجم الفحم مؤقتًا
كان عمال مناجم الفحم من بين الذين وضعوا آمالاً كبيرة عام 2016 على دونالد ترامب. فهل أوفى بالوعود التي قطعها لهم؟ للأسف نعم. خلال فترتي ولاية باراك أوباما، انخفض عددهم بشكل حاد، واستقر خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايته فوق 50 الفا.
ورغم كل شيء، أفلست العديد من شركات التعدين، وانخفض استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء، وهو اتجاه طويل المدى يجب أن يستمر: عام 1990، تأني الكهرباء في الولايات المتحدة بنسبة 52 بالمائة من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وانخفضت هذه الحصة إلى 23 بالمائة العام الماضي، مما أدى إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من إنتاج الطاقة.
تم الحفاظ على فرص العمل في إنتاج الفحم والتعدين بفضل التسارع القوي في الصادرات. ولكنها ليست سوى مهلة، فهذه الصناعة مجبرة على التراجع أكثر قبل أن تختفي تمامًا. لقد أخّر دونالد ترامب المواعيد النهائية فقط، وبذلك يكون مخالفا لمسار التاريخ.
وينطبق نفس الشيء على جميع الجدران التي حاول تشييدها حول الولايات المتحدة، سواء كانت جدرانًا مادية أو حواجز قانونية مثل التعريفات الجمركية. فيما يتعلق بالجدار الذي كان يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، لم يستطع الوفاء بوعده: فقد فشل في العثور على التمويل داخليًا، حتى أنه حاول تحويل الأموال التي تم تخصيصها إلى ميزانية الدفاع لإجراءات أخرى، ولم يحصل من المكسيك على تموبله، وهو ما كان واضحًا منذ البداية.
يقلل خصومه من تأثير حركته: بالنسبة للجزء الأكبر، الجدار الحالي هو استبدال أو مضاعفة لما هو قائم، وأفادت التقارير أن خمسة عشر ميلاً فقط من الجدران الجديدة قد انجزت بالكامل. ومع ذلك، فإن التأثير الرادع حقيقي، خاصة أنه تم تشجيع شرطة الحدود على ارتكاب تجاوزات.
وإذا أضفنا إلى ذلك عمليات الطرد (أقل عددًا مما كان عليه في عهد أوباما لأنه، على عكس ما يريد ترامب تصديقه، لم يكن الديمقراطيون دائمًا طيّبين مع المهاجرين)، فإن الهجرة غير الشرعية قد تباطأت فعلا.
حواجز ذات تأثير محدود
إن ثمن هذه السياسة مرتفع للغاية. من الناحية المالية أولاً: قدّر دونالد ترامب تكلفة المشروع بـ 12 مليار دولار، بينما يقدّر أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون، أنه يمكن أن يصل الى خمسة أضعاف.
ومن منظور إنساني، إنها كارثة: لم يحدث من قبل أن تم فصل هذا العدد الكبير من الأطفال عن والديهم، كما أن صورة الولايات المتحدة في جميع بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية تدهورت بشكل خطير. من جهة اخرى، بدأ الحد من الهجرة القانونية في إثارة المخاوف في الأوساط الاقتصادية حيث يُشار إلى أن قوة الولايات المتحدة تأتي جزئيًا من قدرتها على جذب فئات شبابية وديناميكية.
أما بالنسبة للحواجز الجمركية وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، فإن فعاليتها رديئة جدا. الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه مع المكسيك وكندا هو بالتأكيد أكثر ملاءمة للولايات المتحدة من الاتفاق السابق، لكنه لم يؤد إلى أي حركة استعادة حقيقية للمؤسسات، بل لا تزال عمليات مغادرتها مستمرة. في نهاية شهر أكتوبر، قامت شركة لتصنيع مكونات السيارات، يديرها صندوق ويلبر روس وشركاه، بإغلاق مصنع في أوهايو تم نقل نشاطه التجاري إلى المكسيك. تفصيل صغير: هذا الصندوق الاستثماري يحمل اسم مؤسسه والمساهم الرئيسي فيه، ويلبر روس، وزير الدولة للتجارة عند دونالد ترامب، المسؤول عن التفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية وتنفيذ سياسة أمريكا أولا ...
انتقاد سياسته تجاه الصين
استمر العجز التجاري في السلع والخدمات في الاتساع في السنوات الأخيرة: 481 مليار في 2016، 513 مليار في 2017، 579.9 مليار في 2018. حدث تحسن طفيف في 2019، إلى 576.8 مليار. وتدهور الوضع مرة أخرى هذا العام، لكن يصعب قياس تأثير أزمة كوفيد-19، وبالتالي لا يمكننا أن نلوم الإدارة الحالية على هذا التدهور.
ما يمكننا قوله، في المقابل، هو أن السياسة التجارية لدونالد ترامب، العنيفة والتي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان، قد عطلت بشدة علاقات بلاده مع الدول الشريكة وحتى الصديقة مثل الدول الأوروبية، دون أن يكون لها أي تداعيات حقيقية ايجابية للاقتصاد الأمريكي: تحملت الشركات الأمريكية الزيادة في الرسوم الجمركية، التي شهدت ارتفاع أسعار استهلاكها الوسيط (الصلب والألمنيوم، إلخ) والمستهلكين.
من المألوف اليوم أن ننسب إلى ترامب سياسة ممتازة لاحتواء الصين، والقول إن على خليفته مواصلة سياسته... وهذا الإطراء يستحق التنسيب.
في البداية، لم تكن هناك حاجة لأن تكون المعيا بشكل خاص لملاحظة صعود الصين ورغبتها في أن تصبح القوة الاولى في العالم على المدى المتوسط. ثم هناك الأسلوب والطريقة. لقد خاض دونالد ترامب صراعه مع الصين كمعركة شخصية، بدون رؤية طويلة المدى، وخصوصا، دون إشراك شركائه.
وقع باراك أوباما معاهدة شراكة عابرة للمحيط الهادئ في فبراير 2016 مع إحدى عشرة دولة أخرى، منها كندا والمكسيك واليابان وأستراليا، من أجل مواجهة النفوذ المتزايد للصين في هذا المجال. وما ان تم انتخاب ترامب، سحب هذا الاخير بلاده من هذه الاتفاقية (مثل انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ) وأهان الموقعين عليها. النتيجة: 15 نوفمبر، وقعت الصين اتفاقية تجارة حرة رئيسية، «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» مع 14 دولة أخرى (اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا ودول الآسيان العشر). لا شك أن جو بايدن سيقود سياسة حازمة تجاه الصين، لكن يمكننا أن نأمل بأنه سيفعل ذلك بذكاء أكثر
من بعدي الطوفان
في الختام، يجب ملاحظة نقطة أخيرة: سلوك دونالد ترامب منذ هزيمته الانتخابية. ان همّه الوحيد الظاهر هو وضع أكبر عدد ممكن من العقبات في طريق خليفته، مهما كانت العواقب على الشعب الأمريكي.
وهكذا طلب من المحكمة العليا إعادة النظر في قانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما في 2010، قانون الرعاية بأسعار معقولة. وإذا قررت المحكمة، كما يطلب، إلغاء هذا القانون تمامًا عام 2021، يمكن أن يُترك 20 مليون أمريكي بدون حماية اجتماعية، و100 مليون منهم يعانون من أمراض مزمنة يمكن أن يروا الحماية التي يتمتعون بها حاليًا تتقلص.
أما وزير الخزانة ستيفن منوتشين، فقد طلب من مجلس الاحتياطي الفيدرالي إعادة، قبل نهاية العام، رصيد 455 مليارًا تم منحه له من خلال خطة الدعم الاقتصادي لشراء سندات الشركات أو منحها قروضا وكذلك للجماعات المحلية. وأعرب العديد من المسؤولين في البنك المركزي علنًا عن تحفظاتهم بشأن مثل هذه الخطوة حيث لا يزال الاقتصاد «هشًا وضعيفًا» بسبب الوباء، مما اضطر الرئيس إلى الاستسلام.
ليس من المؤكد أن آثار هذا القرار ضارة: فهذه الاعتمادات لم تكن مطلوبة حتى الآن بشكل كبير. لكن وجودها ذاته ساعد الشركات في العثور على أموال من بنوكها أو مستثمريها، لأنهم كانوا يعلمون أنه في حالة حدوث مشكلة، يوجد مقرض كملاذ أخير.
لا نعلم ماذا سيحدث اعتبارًا من 1 يناير عندما يختفي حزام الأمان هذا. وفي كل الاحوال، فإن هذه المبادرة من قبل وزير الخزانة تترك شكوكًا قوية للغاية حول إمكانية التوصل إلى توافق واتفاق بين الحزبين في الكونجرس قبل نهاية العام على خطة جديدة لدعم الاقتصاد، بينما يعطي هذا الأخير بعض علامات الضعف. مع نهاية برنامجين فيدراليين حاليين، يتهدد عدة ملايين من العاطلين عن العمل خطر فقدان منحهم في 31 ديسمبر.
«أمريكا عظيمة
مرة أخرى»، حقا؟
مثل هذا الازدراء للشعب من جانب رئيس ادعى أنه يدافع عن الشعب ضد النخب، يجعلك عاجزًا عن الكلام. وأخيرًا، لم يعد السؤال مطروحًا من الناحية السياسية: سواء كنا من المحافظين أم التقدميين، وما إذا كنا نشعر بأننا أقرب إلى الديمقراطيين أو الجمهوريين، لا يمكن أن نجد أي سبب جاد للندم على ذهاب دونالد ترامب الذي لم تكن حركته بالفعالية التي يدعيها، وأعماله الأخيرة لا تليق برئيس دولة.
ويمكننا أن نجد تأكيدًا على ذلك في نتائج الدراسات التي أجراها مركز بيو للأبحاث حول سمعة الولايات المتحدة في الخارج: في غضون أربع سنوات، انخفضت بشكل حاد... بالتأكيد أمريكا ليست عظيمة مرة أخرى. بل العكس تماما.
-- في مجال البطالة، تجب العودة خمسين عامًا إلى الوراء للعثور على مثل هذه الأرقام الجيدة
-- بدأ الحد من الهجرة القانونية يثير مخاوف الأوساط الاقتصادية
-- عمل ترامب لم يكن بالفعالية التي يزعمها، وأفعاله الأخيرة لا تليق برئيس دولة
-- تمتعت الغالبية العظمى من السكان بالازدهار في سنوات ترامب، لكن لم يستفد الجميع بالقدر نفسه
-- شكل الإنفاق العسكري الأمريكي عام 2019، زيادة سنوية تعادل إجمالي الميزانية العسكرية لألمانيا في العام نفسه
-- خاض دونالد ترامب صراعه مع الصين كمعركة شخصية
هل صورة دونالد ترامب في نظر مؤيديه تتوافق حقًا مع هويته؟ لن نتحدث هنا عن الرجل وشخصيته، ولكن عن رئيس الدولة والحكومة. سيقال إن الجانبين لا ينفصلان، ولكن هناك حقًا لحظة يتعين علينا فيها التساؤل عن الفجوة التي قد تكون موجودة بين الخطاب والحقائق، بين الصورة التي تعطي له كرجل سياسي وحقيقة عمله. في عالم يحكمه الإعلام، حيث تلعب الصورة دورًا أساسيًا، من المسموح أن نصوت للشخصية أكثر من التصويت للبرنامج. ورغم كل شيء، فإن هذه الشخصية مطالبة بتجسيد ما تقوله في عدد معين من النقاط، وان تكرس عددا معينا من الإجراءات المتوقعة منها، على أن تكون لهذه الإجراءات التأثير المأمول. في حالة دونالد ترامب، يبدو أن النقاش اغلق. عندما نستمع إلى ناخبيه، أو خارج الولايات المتحدة للأشخاص الذين يدعمونه لأنهم يأملون في أن يرسم نجاحه معالم نجاحهم، لا شك: دونالد ترامب، على عكس جميع السياسيين، يفعل ما يقول، وما يفعله يسير في الاتجاه الصحيح: إنه لا يتصرف للدفاع عن مصالح طبقة محظوظة تستخدم السلطة والمال العام لمصلحتها، وانما للدفاع عن الشعب، وتحديدا، الشعب الأمريكي: «أمريكا أولاً، وأمريكا عظيمة مرة أخرى».
مرحلة طويلة من النمو
حقيقة أنه في 3 نوفمبر، حصل على أصوات تفوق ما كان قد تحصل عليه عام 2016 (أكثر من 73.8 مليون وفقًا لأحدث النتائج مقابل 62.9 مليون)، تشير إلى أنه أوفى بوعوده، وأنه أرضى ناخبيه. ومع ذلك، عندما ننظر ندقق، نرى أن الواقع مختلف، وأن نتائجه أقل إقناعًا مما يعتقده ناخبيه.
ظاهريا، يبدو أنه نجح في المجال الاقتصادي. وهذا ما دفعنا للقول في يونيو 2019 أن فرصه في الفوز بانتخابات 2020 ليست معدومة. وفي الواقع، منذ أن سجل الاقتصاد الأمريكي أدنى مستوياته عام 2009، سجل أطول مرحلة نمو في تاريخه عام 2020. وقد بدأت المرحلة السابقة في مارس 1991 وانتهت في مارس 2001، أي طيلة 120 شهرًا. في حين بدأت هذه المرحلة في يونيو 2009 وانتهت في فبراير 2020، أي 128 شهرًا.
ويمكننا بالتأكيد أن نشير إلى أن باراك أوباما ترك دولة في صحّة جيدة، وأن خليفته لم ينجح كما وعد خلال حملته الانتخابية: لقد تباهي ووعد بأن إصلاحه الضريبي سيحقق نموًا بنسبة 4 بالمائة سنويًا؛ والحد الأقصى الذي تمكن من تحقيقه هو 3 بالمائة في 2018 بعد 2 فاصل 3 بالمائة في 2017، و2 فاصل 2 بالمائة في 2019. إلا أنه لم يجرؤ على القول إن المسؤولين الديمقراطيين يزورون الإحصائيات ...
تحميل الماكنة
أكثر من طاقتها
يمكننا أيضًا ملاحظة أنه من أجل تحقيق هدفه، لم يتردد في تحميل الماكنة ما يفوق طاقتها. للعمل على الوضع الاقتصادي، لدى الدولة رافعتان: السياسة النقدية وسياسة الميزانية. في نهاية القرن العشرين، وتحت تأثير النظريات النقدية، التي بموجبها التضخم هو النتيجة المباشرة لكمية الأموال المتداولة (للتبسيط في أقصى الحدود)، كان من الحكمة إعطاء الاستقلال النسبي للبنوك المركزية لمنع الحكومات المستعجلة للحصول على نتائج جيدة والتمهيد لإعادة انتخابها من تدوير طباعة النقود بسرعة كبيرة.
وهكذا، في الولايات المتحدة، بمجرد تعيينهم، فإن قادة الاحتياطي الفيدرالي، هم المسؤولون الوحيدون عن السياسة التي يقودونها: فهم مسؤولون أمام الكونجرس، ويمكنهم النقاش مع السلطة التنفيذية، لكنهم لا يتلقون أية أوامر.
وبتعيين الجمهوري جيروم باول رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي في مطلع عام 2018، اعتقد دونالد ترامب أن لديه بنكًا مركزيًا في خدمته. لكن جيروم باول وبقية هيئة صنع القرار للسياسة النقدية، اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، فعلوا ما اعتقدوا أنه يتعين عليهم فعله، واتبعوا سياسة اعتبرها المحترفون بالإجماع تقريبًا معقولة ومناسبة للوضع. غير ان هذا لم يكن كافيًا لدونالد ترامب، الذي استمر في قصف جيروم باول بتغريدات مهينة.
وكان المشهد أكثر إزعاجًا، لأنه كان فريدًا في الديمقراطيات الغربية. لا يُعرف في التاريخ الحديث أكثر من دولتين أخريين انتقد فيهما رئيس الحكومة أو الدولة علنًا رئيس البنك المركزي: روسيا بوتين وتركيا أردوغان.
ولحسن الحظ، المؤسسات الأمريكية أكثر صلابة من تلك الموجودة في هذين البلدين، وكان جيروم باول قادرًا على الاستمرار في ممارسة مهامه بشكل طبيعي، ولكن في مناخ ثقيل نوعًا ما.
ارتفاع حاد في عجز الموازنة
كلما تعلق الأمر بالسياسة المالية، لم يستطع دونالد ترامب الحصول على كل ما يريد. البرلمانيون الجمهوريون، الذين كانوا دائمًا متحفظين للغاية عندما يتعلق الأمر بزيادة الإنفاق العام، رفضوا منحه الائتمانات لتحسين البنية التحتية للبلاد (والتي كانت فكرة جيدة). ومع ذلك، فقد قبلوا زيادات أخرى، منها زيادة الإنفاق العسكري.
وكما يشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، شكل الإنفاق العسكري الأمريكي وحده 38 بالمائة من الإنفاق العسكري العالمي عام 2019، وتعادل زيادته السنوية إجمالي الميزانية العسكرية لـ ألمانيا في العام نفسه .
وتسببت الزيادة في الإنفاق إلى جانب تخفيض ضرائب الشركات والدخل، في ارتفاع عجز الحكومة الفيدرالية بشكل حاد إلى 4 فاصل 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 (بالنسبة إلى السنة المالية 2020، التي انتهت في نهاية سبتمبر، بلغ العجز 14 فاصل 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الإنفاق الناجم عن الوباء). ولم تكن الزيادة في العجز بهذه القوة في زمن السلم.
نسبة بطالة منخفضة تاريخية
ورغم كل هذه الجهود، لم يتم تحقيق الهدف المعلن بمعدل نمو 4 بالمائة. ومع ذلك، انخفض معدل البطالة في أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020 إلى مستوى ضعيف تاريخيًا يبلغ 3 فاصل 5 بالمائة من السكان النشيطين؛ بالنسبة لعام 2019 بأكمله، فقد بلغت 3 فاصل 7 بالمائة. وتجب العودة خمسين عامًا إلى الوراء للعثور على مثل هذه الأرقام الجيدة. ففي سوق عمل محكم إلى حد ما، كان الطلب على المهارات، والأجور في ارتفاع، بينما، وطيلة سنوات، لم يستفد من النمو سوى اصحاب الدخل الأعلى، وارتفعت ثقة الأسر إلى مستوى أعلى بكثير من معدلها على المدى الطويل.
وارتفع متوسط دخل الأسرة مرة أخرى عام 2019، للعام الخامس على التوالي. وانخفض معدل الفقر عام 2019 أيضًا للعام الخامس على التوالي: 10 فاصل 5 بالمائة، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1959، عندما بدأنا في إجراء هذا الجرد.
تزايد التفاوت الاجتماعي
تستحق هذه العناصر التأكيد عليها لأن أحد أسباب نجاح دونالد ترامب عام 2016 يمكن تفسيره بارتفاع التفاوت الاجتماعي: كما أوضحت الدراسات التي أجراها مركز بيو للأبحاث، وهو منظمة بحثية مستقلة، الفجوة بين الأثرياء والفقراء استمرت في الاتساع منذ نهاية الثمانينات، وفترة الانتعاش في عهد باراك أوباما بعد الأزمة المالية لعام 2008، أفادت بشكل أساسي الأسر الأكثر ثراءً.
لكن هناك مشكلة: رغم كل ما وعد به دونالد ترامب، إلا أن إصلاحه الضريبي أفاد الشركات الثرية والكبرى بشكل أساسي. وعلى ما يبدو، نسي بعض ناخبيه ذلك، لكن عندما رأوا أرقامهم الضريبية بعد تنفيذ الإصلاح، كانت هناك بعض خيبات الأمل. وعلى موقع تويتر، طلب الكثيرون إنهاء «عملية الاحتيال الجمهوري» هذه.
باختصار، يجب ان نعترف: تمتعت الغالبية العظمى من السكان بالازدهار في سنوات ترامب، لكن لم يستفد الجميع بنفس القدر. وقد أشادت الأوساط المالية بكل من الإصلاح الضريبي وتخفيف اللوائح المصرفية. ويرجّح استمرار هذا الوضع المواتي للميسورين إلى ما بعد ولاية دونالد ترامب. ففي غضون ثلاثة أيام من انتخابات 3 نوفمبر، استعادت سوق الأسهم الأمريكية الميدان الذي خسرته في الأسابيع الثلاثة السابقة، ثم حطمت الأرقام القياسية بعد الإعلان عن تطوير لقاحات كوفيد-19.
وبالنسبة للمستثمرين، يبدو الوضع جيدًا: مع جو بايدن، سيتم تفادي كل الهواجس المرتبطة بتقلبات مزاج دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والاتفاقيات التجارية، ومع مجلس شيوخ يرجّح ان تبقى الأغلبية داخله للجمهوريين، قد يجد الديمقراطيون صعوبة كبيرة في تنفيذ برنامج زيادة الضرائب.
تم إنقاذ عمال
مناجم الفحم مؤقتًا
كان عمال مناجم الفحم من بين الذين وضعوا آمالاً كبيرة عام 2016 على دونالد ترامب. فهل أوفى بالوعود التي قطعها لهم؟ للأسف نعم. خلال فترتي ولاية باراك أوباما، انخفض عددهم بشكل حاد، واستقر خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايته فوق 50 الفا.
ورغم كل شيء، أفلست العديد من شركات التعدين، وانخفض استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء، وهو اتجاه طويل المدى يجب أن يستمر: عام 1990، تأني الكهرباء في الولايات المتحدة بنسبة 52 بالمائة من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وانخفضت هذه الحصة إلى 23 بالمائة العام الماضي، مما أدى إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من إنتاج الطاقة.
تم الحفاظ على فرص العمل في إنتاج الفحم والتعدين بفضل التسارع القوي في الصادرات. ولكنها ليست سوى مهلة، فهذه الصناعة مجبرة على التراجع أكثر قبل أن تختفي تمامًا. لقد أخّر دونالد ترامب المواعيد النهائية فقط، وبذلك يكون مخالفا لمسار التاريخ.
وينطبق نفس الشيء على جميع الجدران التي حاول تشييدها حول الولايات المتحدة، سواء كانت جدرانًا مادية أو حواجز قانونية مثل التعريفات الجمركية. فيما يتعلق بالجدار الذي كان يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، لم يستطع الوفاء بوعده: فقد فشل في العثور على التمويل داخليًا، حتى أنه حاول تحويل الأموال التي تم تخصيصها إلى ميزانية الدفاع لإجراءات أخرى، ولم يحصل من المكسيك على تموبله، وهو ما كان واضحًا منذ البداية.
يقلل خصومه من تأثير حركته: بالنسبة للجزء الأكبر، الجدار الحالي هو استبدال أو مضاعفة لما هو قائم، وأفادت التقارير أن خمسة عشر ميلاً فقط من الجدران الجديدة قد انجزت بالكامل. ومع ذلك، فإن التأثير الرادع حقيقي، خاصة أنه تم تشجيع شرطة الحدود على ارتكاب تجاوزات.
وإذا أضفنا إلى ذلك عمليات الطرد (أقل عددًا مما كان عليه في عهد أوباما لأنه، على عكس ما يريد ترامب تصديقه، لم يكن الديمقراطيون دائمًا طيّبين مع المهاجرين)، فإن الهجرة غير الشرعية قد تباطأت فعلا.
حواجز ذات تأثير محدود
إن ثمن هذه السياسة مرتفع للغاية. من الناحية المالية أولاً: قدّر دونالد ترامب تكلفة المشروع بـ 12 مليار دولار، بينما يقدّر أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون، أنه يمكن أن يصل الى خمسة أضعاف.
ومن منظور إنساني، إنها كارثة: لم يحدث من قبل أن تم فصل هذا العدد الكبير من الأطفال عن والديهم، كما أن صورة الولايات المتحدة في جميع بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية تدهورت بشكل خطير. من جهة اخرى، بدأ الحد من الهجرة القانونية في إثارة المخاوف في الأوساط الاقتصادية حيث يُشار إلى أن قوة الولايات المتحدة تأتي جزئيًا من قدرتها على جذب فئات شبابية وديناميكية.
أما بالنسبة للحواجز الجمركية وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، فإن فعاليتها رديئة جدا. الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه مع المكسيك وكندا هو بالتأكيد أكثر ملاءمة للولايات المتحدة من الاتفاق السابق، لكنه لم يؤد إلى أي حركة استعادة حقيقية للمؤسسات، بل لا تزال عمليات مغادرتها مستمرة. في نهاية شهر أكتوبر، قامت شركة لتصنيع مكونات السيارات، يديرها صندوق ويلبر روس وشركاه، بإغلاق مصنع في أوهايو تم نقل نشاطه التجاري إلى المكسيك. تفصيل صغير: هذا الصندوق الاستثماري يحمل اسم مؤسسه والمساهم الرئيسي فيه، ويلبر روس، وزير الدولة للتجارة عند دونالد ترامب، المسؤول عن التفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية وتنفيذ سياسة أمريكا أولا ...
انتقاد سياسته تجاه الصين
استمر العجز التجاري في السلع والخدمات في الاتساع في السنوات الأخيرة: 481 مليار في 2016، 513 مليار في 2017، 579.9 مليار في 2018. حدث تحسن طفيف في 2019، إلى 576.8 مليار. وتدهور الوضع مرة أخرى هذا العام، لكن يصعب قياس تأثير أزمة كوفيد-19، وبالتالي لا يمكننا أن نلوم الإدارة الحالية على هذا التدهور.
ما يمكننا قوله، في المقابل، هو أن السياسة التجارية لدونالد ترامب، العنيفة والتي لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان، قد عطلت بشدة علاقات بلاده مع الدول الشريكة وحتى الصديقة مثل الدول الأوروبية، دون أن يكون لها أي تداعيات حقيقية ايجابية للاقتصاد الأمريكي: تحملت الشركات الأمريكية الزيادة في الرسوم الجمركية، التي شهدت ارتفاع أسعار استهلاكها الوسيط (الصلب والألمنيوم، إلخ) والمستهلكين.
من المألوف اليوم أن ننسب إلى ترامب سياسة ممتازة لاحتواء الصين، والقول إن على خليفته مواصلة سياسته... وهذا الإطراء يستحق التنسيب.
في البداية، لم تكن هناك حاجة لأن تكون المعيا بشكل خاص لملاحظة صعود الصين ورغبتها في أن تصبح القوة الاولى في العالم على المدى المتوسط. ثم هناك الأسلوب والطريقة. لقد خاض دونالد ترامب صراعه مع الصين كمعركة شخصية، بدون رؤية طويلة المدى، وخصوصا، دون إشراك شركائه.
وقع باراك أوباما معاهدة شراكة عابرة للمحيط الهادئ في فبراير 2016 مع إحدى عشرة دولة أخرى، منها كندا والمكسيك واليابان وأستراليا، من أجل مواجهة النفوذ المتزايد للصين في هذا المجال. وما ان تم انتخاب ترامب، سحب هذا الاخير بلاده من هذه الاتفاقية (مثل انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ) وأهان الموقعين عليها. النتيجة: 15 نوفمبر، وقعت الصين اتفاقية تجارة حرة رئيسية، «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» مع 14 دولة أخرى (اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا ودول الآسيان العشر). لا شك أن جو بايدن سيقود سياسة حازمة تجاه الصين، لكن يمكننا أن نأمل بأنه سيفعل ذلك بذكاء أكثر
من بعدي الطوفان
في الختام، يجب ملاحظة نقطة أخيرة: سلوك دونالد ترامب منذ هزيمته الانتخابية. ان همّه الوحيد الظاهر هو وضع أكبر عدد ممكن من العقبات في طريق خليفته، مهما كانت العواقب على الشعب الأمريكي.
وهكذا طلب من المحكمة العليا إعادة النظر في قانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما في 2010، قانون الرعاية بأسعار معقولة. وإذا قررت المحكمة، كما يطلب، إلغاء هذا القانون تمامًا عام 2021، يمكن أن يُترك 20 مليون أمريكي بدون حماية اجتماعية، و100 مليون منهم يعانون من أمراض مزمنة يمكن أن يروا الحماية التي يتمتعون بها حاليًا تتقلص.
أما وزير الخزانة ستيفن منوتشين، فقد طلب من مجلس الاحتياطي الفيدرالي إعادة، قبل نهاية العام، رصيد 455 مليارًا تم منحه له من خلال خطة الدعم الاقتصادي لشراء سندات الشركات أو منحها قروضا وكذلك للجماعات المحلية. وأعرب العديد من المسؤولين في البنك المركزي علنًا عن تحفظاتهم بشأن مثل هذه الخطوة حيث لا يزال الاقتصاد «هشًا وضعيفًا» بسبب الوباء، مما اضطر الرئيس إلى الاستسلام.
ليس من المؤكد أن آثار هذا القرار ضارة: فهذه الاعتمادات لم تكن مطلوبة حتى الآن بشكل كبير. لكن وجودها ذاته ساعد الشركات في العثور على أموال من بنوكها أو مستثمريها، لأنهم كانوا يعلمون أنه في حالة حدوث مشكلة، يوجد مقرض كملاذ أخير.
لا نعلم ماذا سيحدث اعتبارًا من 1 يناير عندما يختفي حزام الأمان هذا. وفي كل الاحوال، فإن هذه المبادرة من قبل وزير الخزانة تترك شكوكًا قوية للغاية حول إمكانية التوصل إلى توافق واتفاق بين الحزبين في الكونجرس قبل نهاية العام على خطة جديدة لدعم الاقتصاد، بينما يعطي هذا الأخير بعض علامات الضعف. مع نهاية برنامجين فيدراليين حاليين، يتهدد عدة ملايين من العاطلين عن العمل خطر فقدان منحهم في 31 ديسمبر.
«أمريكا عظيمة
مرة أخرى»، حقا؟
مثل هذا الازدراء للشعب من جانب رئيس ادعى أنه يدافع عن الشعب ضد النخب، يجعلك عاجزًا عن الكلام. وأخيرًا، لم يعد السؤال مطروحًا من الناحية السياسية: سواء كنا من المحافظين أم التقدميين، وما إذا كنا نشعر بأننا أقرب إلى الديمقراطيين أو الجمهوريين، لا يمكن أن نجد أي سبب جاد للندم على ذهاب دونالد ترامب الذي لم تكن حركته بالفعالية التي يدعيها، وأعماله الأخيرة لا تليق برئيس دولة.
ويمكننا أن نجد تأكيدًا على ذلك في نتائج الدراسات التي أجراها مركز بيو للأبحاث حول سمعة الولايات المتحدة في الخارج: في غضون أربع سنوات، انخفضت بشكل حاد... بالتأكيد أمريكا ليست عظيمة مرة أخرى. بل العكس تماما.