عقدها بالشراكة مع الأكاديمية العربية الألمانية للشباب ووزارة البحوث والتكنولوجيا الألمانية

«تريندز» يختتم فعالياته البحثية لعام 2025 بورشة عمل دولية حول دبلوماسية القوة الناعمة في عالم متغير

خبراء ومتخصصون:
• القوة الناعمة الفعالة تعتمد على التواصل المستدام بين الشعوب والتبادل الأكاديمي
• دول صغيرة ومتوسطة وجدت في الدبلوماسية الثقافية والتعليمية وسيلة لتعزيز حضورها الدولي
• القوة الناعمة باتت تستخدم من خلال الثقافة والتعليم والمساعدات التنموية والدبلوماسية

اختتم مركز تريندز للبحوث والاستشارات فعالياته البحثية والمعرفية ومؤتمراته العلمية والفكرية لعام 2025، بتنظيم مكتب «تريندز» في دبي ورشة عمل دولية تحت عنوان «القوة الناعمة في منظور مقارن.. دبلوماسية القوى الصغيرة والمتوسطة في عالم متغير»، بالتعاون والشراكة مع الأكاديمية العربية الألمانية للشباب في العلوم والإنسانيات (AGYA)، والوزارة الاتحادية للبحوث والتكنولوجيا والفضاء الألمانية، وذلك في مقر المركز الرئيسي بأبوظبي.
وأكد المشاركون في الورشة، التي قدمت لها مريم الجنيبي، الباحثة في «تريندز»، أن الدول الصغيرة والمتوسطة وَجدت في الدبلوماسية الثقافية والتعليمية والتنموية وسيلةً لتعزيز حضورها الدولي، وبناء شراكات مستدامة، كما أن القوة الناعمة الفعالة تعتمد على التواصل المستدام بين الشعوب، ويغد التبادل الأكاديمي منصة أساسية لبناء علاقات متينة، موضحين أن القوة الناعمة باتت تستخدم من خلال الثقافة والتعليم والمساعدات التنموية والدبلوماسية عبر الجمع بين الأصول الثقافية والدبلوماسية الفعّالة والمبادرات التنموية والمشاركة متعددة الأطراف الإقليمية والدولية.

أداة استراتيجية فاعلة
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في كلمته الترحيبية لورشة العمل، إن التطورات التي شهدها العالم في العقود الأخيرة أفرزت تحولات عميقة في طبيعة القوة ومصادر النفوذ، حيث لم تعُد القوة الصلبة وحدها كافية لتحقيق المصالح الوطنية أو بناء المكانة الدولية، بل برزت القوة الناعمة كأداة استراتيجية فاعلة، ولاسيّما بالنسبة للدول الصغيرة والمتوسطة، التي وَجدت في الدبلوماسية الثقافية والتعليمية والتنموية وسيلةً لتعزيز حضورها الدولي، وبناء شراكات مستدامة.
وذكر أن كلٍّ من ألمانيا ودول عربية عدة تُقدِّم تجاربُ ونماذج غنية ومتنوعة في هذا المجال، فمن خلال الاستثمار في الثقافة والتعليم والبحث العلمي والحوار الحضاري، استطاعت هذه الدول أن تبني سرديات إيجابية عن نفسها، وأن تسهم في تعزيز التفاهم المتبادل والتعاون الدولي، ولكن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحاً، هو: كيف يمكن قياس فاعلية هذه الأدوات؟ وما حدود تأثيرها في عالم يشهد تنافساً جيوسياسياً متصاعداً، وتغيّرات متسارعة؟

التواصل المستدام بين الشعوب
بدوره، أكد الدكتور مجتبى علي إيساني، أستاذ في الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، والأكاديمية العربية الألمانية للشباب في العلوم والإنسانيات، في كلمته الافتتاحية، أن أنشطة الأكاديمية العربية الألمانية للشباب تُشكل بحد ذاتها شكلاً من أشكال الدبلوماسية العلمية والقوة الناعمة، مما يُعزز العلاقات بين ألمانيا ودول العالم العربي، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، مبيناً أن القوة الناعمة الفعالة تعتمد على التواصل المستدام بين الشعوب، وأن التبادل الأكاديمي يُعد منصة أساسية لبناء علاقات متينة، مشدداً على أهمية التعاون المستقبلي بين الأكاديمية العربية الألمانية للشباب ومركز تريندز للبحوث والاستشارات وكلية الدفاع الوطني لتطوير روابط طويلة الأمد بين الدول.

تمكين العمل الجماعي
من جانبه، ألقى الأستاذ الدكتور البدر الشاطري، من كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات، كلمة رئيسية تناول فيها مظاهر القوة المختلفة في العلاقات الدولية، مؤكداً أن الدبلوماسية تجمع بين الإقناع والقدرات المادية، وميز بين الدبلوماسية القسرية والعامة، مشيراً إلى التباين بين المناهج المعاصرة الحازمة، كدبلوماسية «الذئب المحارب»، والاستراتيجيات التي تعتمد على الثقافة والمؤسسات والمجتمع المدني لتشكيل التصورات والتفضيلات، كما سلط الضوء على أهمية الشرعية في الحفاظ على النفوذ وتمكين العمل الجماعي، وربط بين النظرية الكلاسيكية وفن الحكم الحديث، مختتماً كلمته بالتأكيد على القوة الذكية، والتكامل الاستراتيجي بين الأدوات الصلبة والناعمة، وضرورة وجود تمييزات مفاهيمية واضحة لدعم صنع السياسات الفعالة.

الدبلوماسية الثقافية
عقب ذلك، استهلت أعمال الجلسة النقاشية الأولى تحت عنوان «الديمقراطية الثقافية والقوة الناعمة»، وأدارها الدكتور محمد أبوغزلة، الباحث الرئيسي في «تريندز»، حيث قدّم الدكتور مجتبى علي إيساني، أستاذ في الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، والأكاديمية العربية الألمانية للشباب في العلوم والإنسانيات، عرضاً مفصلاً حول السبل المختلفة التي تستخدمها ألمانيا لتعزيز علاقاتها في العالم العربي وخارجه، من خلال الدبلوماسية الثقافية، مركزاً على برامج التبادل الأكاديمي الألمانية المتنوعة التي تُعزز التواصل بين الشعوب، من خلال إشراك أكاديميين شباب من ألمانيا والعالم العربي.

التعليم والمبادرات التنموية
من جهتها، تحدثت الدكتورة ريهام باهي، أستاذة مشاركة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وكلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات، عن الممارسات المتطورة للقوة الناعمة لدى الدول المتوسطة في ظل بيئة دولية متغيرة، متناولة جمهورية مصر العربية كدراسة حالة، حيث تستخدم القوة الناعمة من خلال الثقافة والتعليم والمساعدات التنموية والدبلوماسية، لاسيما في قارة إفريقيا، مضيفة أن مصر كيفت هذه الأدوات لمواجهة التحديات المعاصرة، عبر الجمع بين الأصول الثقافية والدبلوماسية الفعّالة والمبادرات التنموية والمشاركة متعددة الأطراف لتعزيز صورتها وتأثيرها الدوليين. كما أشارت إلى دور مصر كجهة فاعلة في بناء الجسور والوساطة، فضلاً عن جهودها لتنويع الشراكات والسعي لتحقيق التوازن الاستراتيجي.

قيم الانفتاح والتسامح
من جانبه، أكد عبدالله عبدالرحمن الخاجة، الباحث في «تريندز»، أن دولة الإمارات تعتبر القوة الناعمة أداة استراتيجية في سياستها الخارجية، وهي جزء لا يتجزأ من نهجها الأوسع في الدبلوماسية، وتحديد مكانتها الوطنية، والانخراط الدولي، وبدلاً من النظر إلى الدبلوماسية الثقافية كرمزية، تستخدمها دولة الإمارات لبث قيم الانفتاح والتسامح والاستقرار والتعاون، مما يُسهم في بناء الثقة وتوطيد العلاقات طويلة الأمد مع الشركاء العالميين، وقد أحدث العصر الرقمي تحولاً جذرياً في هذا النهج، إذ نقل الدبلوماسية العامة من مجرد رسائل دورية تقودها الدولة إلى تفاعل مستمر مع الجماهير الدولية، حيث تتيح المنصات الرقمية الإماراتية إمكانية إيصال الروايات الثقافية على نطاق واسع، والاستجابة السريعة للتطورات العالمية، والتواصل المباشر مع مختلف شرائح المجتمع.

قياس القوة الناعمة
أما الجلسة النقاشية الثانية، والتي حملت عنوان «قياس القوة الناعمة.. السرد الاستراتيجي والسياسات والتأثير»، فأدارها سلطان ماجد العلي، الباحث الرئيسي، ونائب رئيس قطاع «تريندز-دبي»، وتحدث خلالها الدكتور زاهد شهاب أحمد، أستاذ مشارك في كلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات، وركز على تقييم القوة الناعمة باستخدام رؤى من أبحاثه الحالية والسابقة حول القوة الناعمة في العالم الإسلامي، مسلطاً الضوء على جوانب مختلفة من القوة الناعمة ذات الدوافع الأيديولوجية وكيفية قياسها، مستشهداً بدراسة حالة عن القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية.

عوامل الجذب والتأثير
بدوره، تناول الدكتور سيد علي حسين، أستاذ مساعد في جامعة الشارقة، كيفية فهم القوة الناعمة وقياسها بشكل أكثر جدوى من خلال منظور الهوية، موضحاً كيف يشكل الدين والثقافة والتاريخ والشرعية عوامل الجذب والتأثير بما يتجاوز المؤشرات المادية، موضحاً كيف تعمل الروايات القائمة على الهوية والتعليم الديني والدبلوماسية الثقافية كمصادر مستدامة ونوعية للقوة الناعمة.
بينما استخدمت جينا بوسرحال، الباحثة الرئيسية في «تريندز»، بلجيكا كدراسة حالة لإعادة النظر في قياس القوة الناعمة، مسلطةً الضوء على قصور أطر قياس القوة الناعمة العالمية الحالية، فبينما تركز المؤشرات الحالية على المظاهر الظاهرية، فإنها تعجز عن رصد التأثير الهيكلي القائم على المؤسسات، حيث تُظهر بلجيكا كيف يمكن للقوة الناعمة أن تعمل من خلال التواجد المؤسسي الراسخ، واستضافة هيئات صنع القرار الرئيسية، وتوعية صانعي السياسات، والعمل كأرضية محايدة موثوقة.

قوة الفكر والمصداقية
وأكد راشد الحوسني، الباحث في «تريندز»، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تُعد نموذجاً عالمياً في كيفية تجاوز النفوذ اليوم للقوة العسكرية، فبينما تُوصف دولة الإمارات غالباً بـ«اسبرطة الصغيرة» لقدراتها الدفاعية، فقد وُصفت أيضاً بـ«أثينا الصغيرة»، التي تستمد قوتها من الفكر والانفتاح والمصداقية المؤسسية، مشيراً إلى أن القوة الناعمة، بالنسبة للدول الصغيرة والمتوسطة، باتت أداة استراتيجية تُقلل المخاطر وتُوسع الشراكات وتُعزز النفوذ، مضيفاً أن الأداء المتميز لدولة الإمارات جعلها في قمة تصنيفات القوة الناعمة العالمية، إلى جانب دورها في تعزيز السياحة والترابط الاقتصادي والعمل الإنساني ودبلوماسية الشباب.