«نيويورك تايمز»: ترامب يترجم ازدراءه الخفي لأوروبا إلى موقف رسمي

«نيويورك تايمز»: ترامب يترجم ازدراءه الخفي لأوروبا إلى موقف رسمي


حوّلت وثيقة الأمن القومي، التي نشرها البيت الأبيض هذا الأسبوع، مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشككة بأوروبا إلى سياسة رسمية، في خطوة تعيد رسم معالم العلاقة عبر الأطلسي وتضع القادة الأوروبيين أمام مفترق طرق استراتيجي.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإنه على مدى سنوات اتهم ترامب الحلفاء الأوروبيين بالتقاعس عن تمويل دفاعهم، واعتبر الاتحاد الأوروبي خصماً اقتصادياً، إلا أن الوثيقة الجديدة تذهب أبعد من ذلك؛ إذ تدعو الدول الأوروبية إلى تحمّل “المسؤولية الأساسية” عن أمنها، وتشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد مضطرة لضمان أمن القارة.
كما تتهم الاتحاد الأوروبي بتقييد «الحرية السياسية»، وتحذّر من أن بعض دول الناتو قد تصبح «ذات أغلبية غير أوروبية»، وتدعو إلى التقارب مع “الأحزاب الوطنية الأوروبية”، في إشارة تُفهم على نطاق واسع بأنها تعني الحركات اليمينية المتطرفة.
ووفق التقرير، أثار الطابع الرسمي والصريح للوثيقة صدمة في العواصم الأوروبية؛ فهي المرة الأولى التي تُترجم فيها الشكوك الأمريكية تجاه أوروبا إلى سياسة موثّقة تحمل ختم الرئاسة.
وقال تشارلز كوبتشان، المدير السابق للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي بإدارة أوباما، إن الوثيقة «موضوعة على موقع البيت الأبيض أمام أعين العالم»، مضيفاً: «هذا يجعل استيعابها أمراً بالغ الصعوبة».
تزامنت الخطوة الأمريكية مع تصاعد نبرة روسيا، التي حذّرت أخيراً من استعدادها لخوض حرب مع أوروبا. وقد عمّق ذلك النقاش داخل القارة حول ما إذا كان على أوروبا مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة، رغم التصريحات المهينة، أم الاعتراف بواقع جديد وبناء قدرة دفاعية مستقلة.
وتساءلت ناتالي توتشي، الأستاذة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز والمستشارة السابقة لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي: هل ستكون هذه لحظة الصحوة الأوروبية؟
وخلال السنوات الأخيرة، بدأت حكومات أوروبية بالفعل في زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز التعاون العسكري العابر للحدود. ووسّعت عدة دول برامج الخدمة العسكرية، فيما أقرّت ألمانيا قانوناً لزيادة حجم قواتها بنسبة تقارب 50 في المئة. كما استحدث الاتحاد الأوروبي مفوضاً لشؤون الدفاع مكلفاً بتطوير الصناعة العسكرية والتعاون الدفاعي داخل القارة.
ومع ذلك، ما زالت أوروبا، التي تفتقر إلى تكامل عسكري فعلي وقدرات نوعية وذخائر كافية، تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة. ويقول خبراء إن التحول أصبح ضرورة.
وقال رومانو برودي، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، إنه يأمل أن يصوغ الاتحاد سياسة أكثر حزماً، موضحاً: “هذا لا يعني قطع الروابط مع الولايات المتحدة، بل يعني أن نمتلك صوتاً”.

ردود أوروبية باهتة
أظهر القادة الأوروبيون ردود فعل خجولة نسبياً تجاه الوثيقة، في إشارة إلى تجنّبهم صداماً مباشراً مع واشنطن واعتبارهم أن أفضل أسلوب هو امتصاص الموقف. وقالت كايا كالاس، كبيرة دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، إن الولايات المتحدة “لا تزال أهم حلفائنا”.
ويرى كوبتشان أن القادة الأوروبيين يدركون أن استيعاب ترامب قد يكون الخيار الوحيد للحفاظ على التعاون في ملفات كبرى مثل أوكرانيا والسياسات التجارية. وأضاف: “مجاراة ترامب والإبقاء عليه في صفهم هو ما يجب عليهم فعله لتفادي انهيار التحالف عبر الأطلسي”. 

صدى لخطاب روسي؟
أثار مضمون الوثيقة مقارنات مع خطاب موسكو، فقد رأى المؤرخ تيموثي دي. سنايدر، المتخصص في شؤون روسيا والأنظمة الشمولية، أن الاستراتيجية الأمريكية تشبه إلى حد لافت وثيقة الأمن القومي الروسية، خاصة في تركيزها على توازن القوى بدلاً من سيادة القانون.
وأشار إلى أن الحديث عن رغبة غالبية الأوروبيين في إنهاء الحرب في أوكرانيا «بأي ثمن» يتقاطع مع الدعاية الروسية، موضحاً أن إضعاف الاتحاد الأوروبي يصب أيضاً في مصلحة شركات التكنولوجيا الأمريكية الساعية للتخلص من القيود الأوروبية.
وحذّرت توتشي من أن دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى “أوروبا مشرذمة يسهل على القوى الكبرى اختراقها”.
أما برودي فانتقد ما اعتبره تدخلاً أمريكياً في الشؤون الداخلية الأوروبية، قائلاً إن ذلك يناقض مبدأ السيادة الذي ترفعه الإدارة الأمريكية نفسها.
لكن في المقابل، رحّبت بعض الأحزاب الأوروبية اليمينية المتشددة بالوثيقة. وقال هيرمان تيرتش، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب فوكس الإسباني: «هذه الرسائل هي رسائلنا وتشخيصنا، لذلك نحن سعداء».
وأضاف أن تلك الأحزاب كانت تخشى المواقف الأمريكية في السابق، لكن “مع ترامب، إنه عصر جديد».

 

.