أدوية السرطان غير فعّالة أحياناً.. دراسة تكشف الأسباب
في خطوة جديدة نحو علاج السرطان، كشفت دراسة موسعة حديثة عن تفاصيل دقيقة حول الطفرات الجينية، المسؤولة عن مقاومة الأدوية في الخلايا السرطانية. أجرت الدراسة مؤسسات علمية مرموقة، مثل معهد ويلكوم سانجر، ومعهد المعلومات الحيوية الأوروبي (EMBL-EBI)، بالتعاون مع "أوبن تارجت" Open Targets.
ركَّز البحث على سرطانات القولون، والرئة إذ تم تحديد فئات جديدة من الطفرات المقاومة للأدوية، مما قد يفتح المجال لتطوير علاجات مبتكرة، وتحديد خيارات علاجية للمرضى بناءً على البنية الجينية لأورامهم.
مقاومة أدوية السرطان
وتعتبر مقاومة الأدوية من أكبر التحديات التي تواجه علاج السرطان، ومع مرور الوقت، تصبح الخلايا السرطانية أقل استجابةً للعلاجات التقليدية، مما يتطلب البحث عن خيارات علاجية أخرى تُعرف بالعلاجات من الخط الثاني.
ولفهم كيفية حدوث المقاومة، بشكل أدق، استخدم فريق البحث تقنيات تحرير الجينات (CRISPR)، لدراسة تأثير الطفرات على فعالية 10 أدوية مضادة للسرطان، بهدف تحديد العلاجات الفعّالة بناءً على التركيب الجيني للمرضى.
واعتمد البحث على تقنيات CRISPR لتحرير الجينات، وتقنيات جينومية دقيقة لدراسة استجابة الخلايا السرطانية للعلاجات.
خريطة الطفرات الجينية
ومن خلال هذه التقنيات، تمكن الباحثون من إنشاء خريطة شاملة للطفرات الجينية المقاومة للأدوية.
ويقول الباحثون إن هذه الخريطة ليست فقط أداة لفهم آليات مقاومة الأدوية، بل أيضاً وسيلة لتحديد طفرات جديدة، يمكن أن تكون مؤشرات حيوية للعلاج، وتقديم خيارات علاجية مركّبة، أو من الخط الثاني.
ويوضح الباحثون، في الدراسة المنشورة في دورية Nature Genetics، أن الطفرات التي تسبب مقاومة الأدوية تنقسم إلى أربع فئات رئيسية: أولها الطفرات المقاومة للأدوية، وهي تغيرات جينية تجعل الدواء أقل فعالية في القضاء على السرطان، من خلال منع ارتباطه بالهدف داخل الخلية السرطانية.
أما الطفرة الثانية فهي تلك المعتمدة على الأدوية، إذ تعتمد بعض الخلايا السرطانية على الدواء لنموها بدلاً من القضاء عليها، ما يدعم فكرة إيقاف العلاج مؤقتاً للقضاء على هذه الخلايا.
الفئة الثالثة هي الطفرات المحفّزة، التي تمنح الخلايا السرطانية القدرة على استخدام مسارات إشارات بديلة للنمو، متجاوزةً المسارات المستهدفة، أما الطفرات التحسسية للأدوية، فهي تغيّرات تجعل الخلايا أكثر حساسية لعلاجات معينة، ما يعني أن المرضى الذين يحملون هذه الطفرات قد يستفيدون من أدوية محددة.
الطب الشخصي لعلاج السرطان
ويقول الباحثون إن الدراسة تُعد خطوة مهمة نحو تطوير الطب الشخصي لعلاج السرطان؛ فمن خلال فهم أنواع الطفرات المقاومة، يمكن للأطباء اتخاذ قرارات أكثر دقة حول العلاج، مثل إيقاف العلاج مؤقتاً في حالة الطفرات المعتمدة على الأدوية، أو استخدام أدوية معينة عند وجود طفرات تحسسية.
هذا الفهم العميق يمكن أن يُسرّع تطوير أدوية جديدة بغرض تجنب ظهور مقاومة للعلاج.
المؤلف الأول للدراسة، الدكتور ماثيو كويلو، الباحث في معهد ويلكوم سانجر، يقول إن تطور خلايا السرطان ومقاومتها للعلاج مشكلة كبيرة، وتوفير وسيلة سريعة لتحديد هذه الطفرات في المرضى، وفهم كيفية مكافحتها، أمر أساسي في علاج السرطان.
علاجات جديدة لمرض السرطان
ويضيف: "بتصنيف الطفرات إلى أربع فئات مختلفة، يمكن أن نحدد طرق علاج مختلفة، مثل الاستفادة من الطفرات المعتمدة على الأدوية عبر توقيف العلاج مؤقتاً".
كما يقول الباحثون إن الجمع بين تقنيات تحرير الجينات،
والتعلم الآلي مكّن الفريق من رسم خريطة مفصلة لآليات مقاومة الأدوية على مستوى الطفرات الفردية؛ فالخريطة ليست فقط أداة لفهم الطفرات الحالية، بل يمكن أن تكون دليلاً لتطوير تجارب سريرية جديدة تستهدف هذه الطفرات.
تعتبر هذه الدراسة بداية نحو نهج جديد لتطوير علاجات السرطان؛ إذ يمكن أن تبدأ الشركات الدوائية في تطوير مثبطات تستهدف هذه الطفرات قبل أن تظهر المقاومة في العيادات، ما يخلق نهجاً وقائياً قد يساعد في تجنب المشكلة الكبيرة المتمثلة في مقاومة الأدوية، مما يوفر خيارات علاجية أكثر فعالية للمرضى.