في منطقة آسيا والمحيط الهادئ:

أعلنه بايدن، حلف عسكري جديد يخلط الأوراق...!

أعلنه بايدن، حلف عسكري جديد يخلط الأوراق...!

-- تعتبر العملية إهانة لفرنسا، حيث تم تقليص مكانتها إلى قوة متوسطة
-- تعزيز قدرة المعسكر الأمريكي لكبح جماح التنين الصيني
-- هل تلتحق الهند واليابان بالتحالف الثلاثي في المنطقة
-- لن تتأخر الصين في استغلال الاستياء الفرنسي والأوروبي بالتشديد على أنه لا ثقة في الأمريكان
-- رغم قطع الصين أشواطا في الحرب ضد الغواصات، إلا أنها لا تزال واحدة من نقاط ضعفها الرئيسية


   من خلال إبرام اتفاقية أمنية مع أستراليا وبريطانيا، تسعى الولايات المتحدة إلى ردع الصين عن أي عمل عدواني في المنطقة... وتلقت فرنسا وأوروبا إهانة.
  بضع جمل قيلت بهدوء خلال مؤتمر افتراضي نظمه البيت الأبيض كانت كافية لتحطيم عقد بقيمة 56 مليار يورو لفرنسا، ولإعادة ترتيب الخرائط الجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
   لم يطلق جو بايدن شراكة عسكرية جديدة مع بريطانيا وأستراليا لمواجهة الطموحات الصينية في آسيا والمحيط الهادئ فقط، ولكن سيتم تعزيز المبادرة (المسماة حلف أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) من خلال نقل التقنيات الأمريكية والبريطانية إلى كانبرا لبناء أسطول من الغواصات تعمل بالطاقة النووية.
    قرار عنيف يلغي تمامًا وببساطة عقد 12 غواصة فرنسية ذات دفع تقليدي وقّع عام 2019 من قبل رئيس الوزراء الأسترالي الحالي، سكوت موريسون.
    تشكل هذه العملية إشارة سياسية قوية مرسلة إلى الصين، التي يثير وجودها المتزايد في بحر الصين الجنوبي، والضغوط على تايوان، قلق الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.

تم الإعلان عليها بعد 15 يومًا من رحيل القوات الأمريكية من أفغانستان، والذي برره جو بايدن بالحاجة إلى تركيز قوات البلاد على خصمه الرئيسي، تبدو العملية نتيجة منطقية. “بعد الانسحاب من أفغانستان، تمثل هذه الشراكة الاستراتيجية المرحلة الثانية من إعادة الانتشار الأمريكي تجاه الصين، نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد تم ذكرها طوال الأشهر القليلة الماضية، وقد وصلنا الى هناك”، يؤكد جيف هوكينز سفير أمريكي سابق وباحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.

«انعطاف” أوباما تجاه آسيا
   إن اختيار واشنطن لتجنيد أستراليا إلى جانبها يفسره الموقع الاستراتيجي للقارة الجزيرة، وعلاقة الثقة بين البلدين، اللذين كانا حليفين خلال الحرب العالمية الأولى. وتجسد هذه الحركة أيضًا استراتيجية تم الإعلان عنها قبل عشر سنوات في المنطقة. أمام البرلمان الأسترالي سبق للرئيس باراك أوباما ان شدد على “انعطاف” السياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا، قبل الإعلان عن نصب جنود أمريكيين في القاعدة العسكرية لداروين في شمال الجزيرة.

   الصين -أكبر شريك تجاري له -اختار رئيس الوزراء الأسترالي معسكره. وتقول بلاده إنها تشعر بقلق متزايد على أمنها. ويمكن القول إن موقف بكين العدواني تجاهها مؤخرًا -بالبيانات التحريضية والعقوبات التجارية -قد ساعد في قلب الموازين. وقرارها ليس عديم الجدوى: في حالة نشوب نزاع مسلح بين الصين والولايات المتحدة، ستجد نفسها في الخندق الأمريكي.
   يعدّ تشكيل هذا التحالف الجديد جزءً من تاريخ طويل من التعاون. تتعاون وكالات الاستخبارات في الدول الثلاث داخل منطقة العيون الخمسة (التي تضم أيضًا كندا ونيوزيلندا). بالإضافة إلى ذلك، لم يخف بوريس جونسون رغبته في جعل الوجود البريطاني أكثر وضوحًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من خلال الكشف عن رؤيته للسياسة الخارجية في بداية العام.

منطق الردع
   بدون مفاجأة، أثار إنشاء حلف أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة حفيظة بكين، التي نددت بالبيع “غير المسؤول للغاية” لهذه الغواصات الأمريكية إلى أستراليا والتحالف الذي “يقوض بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين”. التوترات الصينية مفهومة، إذ سيكون للتحالف الجديد تأثير على توازن القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في وقت تجاوز فيه حجم الأسطول الصيني الآن حجم الأسطول البحري الأمريكي. ان “نشر الغواصات الهجومية النووية يشكل تهديدًا حقيقيًا لعمليات البحرية الصينية. فرغم أن الصين قد قطعت أشواطا كبيرة في الحرب ضد الغواصات، إلا أنها لا تزال واحدة من نقاط ضعفها الرئيسية”، يؤكد ماتيو دوشاتيل، مدير برنامج آسيا في معهد مونتين.

   ومن خلال توفير التكنولوجيا التي لم تتقاسمها حتى الآن إلا مع بريطانيا العظمى، من الواضح أن الولايات المتحدة تحاول تأطير صعود بكين العسكري السريع. و”الهدف هو تعزيز قدرة المعسكر الأمريكي على ثني الصين عن شن هجمات أحادية الجانب ضد تايوان أو في بحر الصين الجنوبي”، يلخص ماتيو دوشاتيل.    إن التحالف الثلاثي أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، جاء ليكمل الرباعي، وهو حوار إقليمي يجمع بين أستراليا والولايات المتحدة والهند واليابان، وهدفه أيضًا مواجهة بكين. وفي هذا دليل على أن هذه الحلقة بأكملها قد تم دراستها بعناية، وسينشّط جو بايدن النسخة التالية في غضون أسبوع. ويبقى أن نرى ما إذا كانت نواتا التعاون الاستراتيجي ستلتقيان. وفي كل الأحوال، “اليابان مهتمة بالتوسع الصيني مثل أستراليا، وتعاونها العسكري مع الولايات المتحدة مهم للغاية ويتزايد”، يلاحظ جيف هوكينز من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.

ضربة قاسية لفرنسا وأوروبا
   تعتبر العملية اهانة لفرنسا، حيث تم تقليص مكانتها إلى قوة متوسطة، ولإيمانويل ماكرون، الذي استثمر الكثير في انتشار فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ -حيث تسعى للدفاع عن منطقة اقتصادية شاسعة. وكان العقد الضخم مع أستراليا ركيزة هذه الاستراتيجية.
   بمرارة، استنكر جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، “الطعنة في الظهر”، بينما أعلنت وزيرة الدفاع فلورنس بارلي، انها “واعية للطريقة التي تعامل بها الولايات المتحدة حلفائها”. كما أنها ضربة قاسية لأوروبا التي وضعت أمام الأمر الواقع، كما كان الحال مع انسحاب أمريكا من أفغانستان، اذ كان من مقررا أن يقدم رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الخميس، الاستراتيجية الأوروبية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

   من جانبها، لن تتأخر الصين في استغلال الاستياء الفرنسي والأوروبي، بالتأكيد على أنه لا ثقة في الأمريكان كما فعلت عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان.
  في الوقت الذي يتشكل فيه عالم ثنائي القطب بشكل أكثر وضوحًا، تهيمن عليه قوتان عظميان تتنافسان في المياه الآسيوية، فإن خيبة الأمل المريرة هذه لا يمكن إلا أن تشجع الرئيس الفرنسي للدفاع بقوة أكبر من أجل دفاع أوروبي مشترك.