في بلد شيطنه كثيراً:
أوكاسيو كورتيز و«الفريق»، مستقبل اليسار الأمريكي...؟
-- سمح موقع يوتيوب، أيضًا، للاشتراكية الأمريكيـــــــة بتحقيـــــــق اختــــــــــراق
-- ماذا لو كان مستقبل اليسار الأمريكي فــي أيــدي جيــل الألفيـــة وجيــل زد
-- تشكل الشبكات الاجتماعية نعمة لتنظيمه، خاصة في فترة التباعد الاجتماعي
-- يجد نمو هذه الصيغة اليسارية الجديدة جذوره في الولاية المزدوجة لباراك أوباما
-- تتوسع العديد من الحركات أو الجمعيات أو المجموعات وترتبط بجيرانها الأيديولوجيين
من سناتور فيرمونت العجوز بيرني ساندرز، إلى أصغر نائب لنيويورك، الكسندريا أوكاسيو كورتيز، يبحر يسار الحزب الديمقراطي بين عديد البحار، ويحاول الاستيلاء على غالبية النقاشات الاجتماعية والسياسية الكبرى في عصره. كيف نتحدث عن اليسار، وأكثر عن الاشتراكية، في بلد شيطنه كثيرًا؟
بالنسبة لماثيو بونزوم، الأستاذ المحاضر في دراسات أمريكا الشمالية في جامعة باريس 1، فإن نمو هذه الصيغة اليسارية الجديدة يجد جذوره في الولاية المزدوجة لباراك أوباما (2008-2016). كانت هناك موجة كبيرة من الأمل، تبررها حقيقة رؤية رجل أسود يصل أخيرًا إلى الرئاسة، ولكن أيضًا الإدراك بأن الكثير من الأشياء في حياة السود لا تتغير: استمرار موت الناس على يد الشرطة ليس بنسبة أكبر من ذي قبل، ولكن ليس بنسبة أقل أيضا «. ساهمت هذه الآمال المحبطة، من بين أمور أخرى، في إضعاف الحزب الديمقراطي عام 2016 ضد دونالد ترامب. إلا أن الاتجاه العام والعالمي لعدم الثقة بالأحزاب السياسية التقليدية عبر الخطاب الشعبوي، كان قد ترسخ أيضًا.
ان الحركات والأحزاب المناهضة للاستبلشمنت، مثل (الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا)، والتيار الاشتراكي الأمريكي، ليسوا حزبًا سياسيًا حقًا، ولكنهم أكثر من مجرد نقابة عمال أو منظمة غير حكومية بسيطة. ويضم الاشتراكيون الديمقراطيين في أمريكا عضوًا مرموقًا واحداً النائب، المعادة انتخابها، الكسندريا أوكاسيو كورتيز. ولئن لا يملك بيرني ساندرز بطاقة عضوية، فإنه يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي».
تلاقي النضالات يتعزز
ماريانيلا دابريل، مؤلفة وعضو في الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، تمارس من شيكاغو النشاط السياسي على الصعيد المحلي، من أجل تقليص ميزانية الشرطة، ولكن أيضًا على المستوى الوطني بما أنها انتخبت في اللجنة الوطنية عام 2018. “كنت أبحث عن وطن في السياسة، خلال حملة بيرني ساندرز الوطنية عام 2016، “...” وهناك تكثفت رسالة اليسار، بتنديده بالظلم العميق، انه يحتضن وعي الطبقات الاجتماعية، ويمنحها شكلاً من أشكال التنظيم، لقد تحول وأصبح هدفا مع هذه الحملة «.
مثل العديد من الشباب، أغواها خطاب الرجل العجوز الحكيم بيرني ساندرز، البعيد تمامًا عن خطاب المرشحين الديمقراطيين الآخرين، رغم أنه لعب مرارًا وتكرارًا مباراة الانتخابات التمهيدية. “قيمنا؟ فكرة بسيطة، أن رفاهية الناس أكثر أهمية من الربح. نحن نناضل من أجل الحد الأدنى للأجور، ومن أجل تأمين صحي شامل ومجاني، والصفقة الخضراء الجديدة، وضد شرطة الحدود”، تعدد الناشطة في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.
اليوم، لم يعد نضال اليسار اقتصاديًا فقط بعد جعله الرأسمالية موضع سؤال. وعلى غرار الاشتراكيين الديمقراطيين في امريكا (بأفكاره الاجتماعية والبيئية والنسوية)، تتوسع العديد من الحركات أو الجمعيات أو المجموعات، وترتبط بجيرانها الأيديولوجيين. انضمت مسيرة النساء، وهي منظمة نسوية نظمت مسيرة عدة ملايين من الناس في اليوم التالي لتنصيب دونالد ترامب في يناير 2017، إلى منظمة حياة السود مهمة في مناسبات عديدة. وانضمت العديد من المجموعات النسوية أيضًا إلى المنظمات البيئية والعكس صحيح.
غير ان هذا التقارب في النضالات التقدمية وذات الطابع الاجتماعي اليساري ليس جديدًا، كما يلاحظ ماتيو بونزوم. “اتخذت الأزمة الاقتصادية لعام 2008 منعطفًا اجتماعيًا وسياسيًا مع احتلوا “وول ستريت”، وتشير ماريانيلا دابريل من الاشتراكيين الديمقراطيين في امريكا، الى الوعي بفكرة الطبقات مع ظهور شعار “نحن الـ 99 بالمائة”، الأمر الذي يقف بالتالي في تعارض مع 1 بالمائة من الاغنياء. وقد اختلط هذا العداء الطبقي، الذي لم يكن يُتبنّى قبل عام 2008، مع المظاهرات الأولى لـ “حياة السود مهمة” خلال رئاسة أوباما الثانية، مع أحداث فيرغسون (ميسوري) 2014.
«عندئذ كان الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا هم الذين يراكمون الآفاق المسدودة للمستقبل، ويدركون أن هناك فرصة ضئيلة في أن تتحسن حياتهم بمرور الوقت، على عكس ما شهدته الأجيال الأخرى. وهذا يغذي الانفتاح على أفكار سياسية أكثر وضوحا”، ولكن ليس بالضرورة من اليسار، يمكن أيضًا توجيه هذه الأفكار نحو يمين الحزب الجمهوري، أو حتى أبعد من ذاك اليمين.
ظهور شخصيات
راديكالية وشعبية
إذا رسم أحدهم صورة تخطيطية للشخصية الراديكالية الشعبية المثالية، فستشبه تمامًا نائب الحي الرابع عشر في نيويورك في الكونغرس، الكسندريا أوكاسيو-كورتيز.
شابة تتقن التواصل على الشبكات الاجتماعية، امرأة اذن، سليلة أقلية، وقادمة من الطبقات العاملة ويقظة... الطاعون الحقيقي ليمين أمريكي بنى خطابه السياسي ضد هؤلاء الناس وانحرافاتهم “الاشتراكية».
من غلاف مجلة فانيتي فير الولايات المتحدة في ديسمبر، إلى جلسات تويتش لجمع الأموال، أصبحت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، المعاد انتخابها، على جميع الجبهات.
كيف احتلت نائب كوينز هذه المساحة البارزة جدًا على الساحة السياسية الوطنية في غضون عامين فقط؟ يتطلب الجواب العودة إلى ظهورها لأول مرة في الكونجرس، يناير 2019. اتصلت بها جمعية نشطاء شباب الخضر، صن رايز، لدعمهم عبر تويتر أثناء عملية لي ذراع، وقررت النائب الذهاب إلى أبعد من ذلك والمشاركة في الاعتصام الذي نُظم في مكتب رئيسة مجلس النواب (زعيمة الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس) نانسي بيلوسي.
«ما فعلته، في الواقع، هو قول ‘لا، أريد أيضًا أن آتي، سأشغل هذا المنصب، وأتحدث وجهًا لوجه إلى زملائي المنتخبين في الكونغرس’”، يوضح ماتيو بونزوم. ومن خلال هذا الدخول المثير (بالإضافة إلى فيلم وثائقي من إنتاج نيتفليكس)، منحت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز نفسها مكانًا بارزًا ومرئيًا. أكثر تهميشا بسبب نزعتها “الاشتراكية” المعلنة، ومع ذلك لم تدخل جهاز الحزب الديمقراطي.
ويضيف ماتيو بونزوم: “هناك تغيير قياسا لما كان يمكن اعتباره هامشيًا قبل بضع سنوات في السياسة المؤسسية في الولايات المتحدة. “...” يتزايد عدد الأمريكيين الذين لا يرون أنفسهم بالضرورة في الأحزاب السياسية”، ونعني هنا، الكلاسيكية. وتستمر ظاهرة هجر الثنائية الحزبية هذه، مع خيبة أمل شريحة كاملة من اليسار الأمريكي في بواكير سياسة الثنائي بايدن-هاريس.
فبالنسبة لماريانيلا دابريل، المؤلفة وعضو الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، “نحن وسط وباء و “...”مع ذلك يرفض بايدن وهاريس دعم الرعاية الطبية للجميع، والتأمين الصحي الشامل والعمومي... الناس يموتون، لكنهم لا يهتمون بالطبقات العاملة، إنهم يفضلون بيع أنفسهم لصالح الوسط والرأسمالية «.
أي مستقبل؟
ماذا لو كان مستقبل اليسار الأمريكي في أيدي جيل الألفية وجيل زد؟ في كل الاحوال، هذا ما يمكن تخيّله من قراءة استطلاع 2019 الذي أجراه معهد بيو، ودرس قناعات هاتين الفئتين العمريتين، وخاصة مُثُلهما في مسائل العدالة الاجتماعية والبيئية والمساواة بين الجنسين.
بشكل ملموس، بالنسبة للشباب ذوي الميول الديمقراطية الذين ولدوا بين 1981 و1996، يعتقد 82 بالمائة، أن السود لا يعاملون معاملة عادلة. وبالنسبة للجيل القادم (المولود بعد عام 1996)، فإن هذه النسبة لم تتغير بالنسبة لشباب الديمقراطيين، ولكنها ترتفع من 30 إلى 43 بالمائة بين شباب الجمهوريين. تطور ملحوظ يمكن الشعور به في العديد من الموضوعات، بدءً من القضايا البيئية والمتعلقة بالمساواة.
وتشهد ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، المولودة عام 1989، على هذا التطور في العادات، وأيضًا على تعزيز خطاب اليسار الراديكالي. فبفضل ديناميكيتها ومعارضتها الشرسة لدونالد ترامب، احتلت النائب الشابة مكانًا لها بين شخصيات المعارضة، إلى جانب نانسي بيلوسي، ولكن خاصة حلفائها الثلاثة الرئيسيين، المعروفين أيضًا باسم “الفريق».
إلهان عمر، ممثلة مينيسوتا، وأيانا بريسلي عن ولاية ماساتشوستس، ورشيدة طليب، النائب عن ميشيغان، الثلاثة أعيد انتخابهن في نوفمبر الماضي، ويشكلن مع الكسندريا أوكاسيو كورتيز، فريقا صداميا، نوع من المنتقمين يمثلون اليسار الأمريكي في الكونجرس. هؤلاء النسوة، وجميعهن من الأقليات الدينية أو العرقية، يدافعن عن حقوق الطبقات الوسطى، ومن أجل تكافؤ أفضل، وحقوق المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتحولين جنسيًا، ومن أجل وضع خطة حقيقية لحماية البيئة من خلال “الصفقة الخضراء الجديدة».
ومن خلال تواصل مصقول مع الشباب (ظهرت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز حتى في البرنامج الشهير روبول دراغ ريس)، ورسالة سياسية واضحة ولكنها جذرية، أعطت هؤلاء النسوة دفعة لليسار الاشتراكي، الذي كان رمزه الملهم، والأكثر مردودية، بيرني ساندرز.
بالتوازي، وربما ردًا على هذا التقدم والترويج لليسار الراديكالي، انتشرت أفكاره أيضًا من خلال نواقل أخرى، أكثر بعدًا عن الشخصيات والمؤسسات السياسية. أولاً على الشبكات الاجتماعية، حيث يتواصل الشباب وينظمون الاحتجاجات الاجتماعية المتزايدة التي تندد بالعنف العنصري أو الجنسي ضد المرأة. وقد أتاح تيك توك وإنستغرام، بفضل مقاطع الفيديو القصيرة وإمكانية البث المباشر لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، تسهيل التجمعات.
لكن موقع يوتيوب، سمح أيضًا، للاشتراكية الأمريكية بتحقيق اختراق. ويشير لافت توب، أو بريدتوب، إلى مجموعة من مستخدمي يوتيوب يتعاملون مع مواضيع سياسية محددة على اليسار. وتعتبر كونترا بوينتس، المعروفة أيضًا باسم ناتالي وين، مثالًا شائعًا. لقد اشتهرت في البداية باستهدافها نشطاء اليمين المتطرف من خلال تفكيك حججهم في فيديو، نقطة تلو الأخرى، ولديها 1.14 مليون مشترك مهتم بمحتوى حسابها بين الفلسفة وعلم الاجتماع ونقاش الأفكار (مع مكياج عالي الجودة كمكافأة).
اذن، إن تجديد الخطاب اليساري الراديكالي على قدم وساق، وتشكل الشبكات الاجتماعية نعمة لتنظيمه، خاصة في فترة التباعد الاجتماعي. يبقى أن نرى كيف سيتطور الرهان الرئيسي لجيل الألفية وجيل زد مجتمعين، إلغاء (أو عدم إلغاء) ديون الطلاب الضخمة... وعد ولوّح به كثير من المرشحين، فإن واقعا أكثر تعقيدًا قد يتسبب مرة أخرى في فقدان الثقة في السياسة ومنفذيها.
-- ماذا لو كان مستقبل اليسار الأمريكي فــي أيــدي جيــل الألفيـــة وجيــل زد
-- تشكل الشبكات الاجتماعية نعمة لتنظيمه، خاصة في فترة التباعد الاجتماعي
-- يجد نمو هذه الصيغة اليسارية الجديدة جذوره في الولاية المزدوجة لباراك أوباما
-- تتوسع العديد من الحركات أو الجمعيات أو المجموعات وترتبط بجيرانها الأيديولوجيين
من سناتور فيرمونت العجوز بيرني ساندرز، إلى أصغر نائب لنيويورك، الكسندريا أوكاسيو كورتيز، يبحر يسار الحزب الديمقراطي بين عديد البحار، ويحاول الاستيلاء على غالبية النقاشات الاجتماعية والسياسية الكبرى في عصره. كيف نتحدث عن اليسار، وأكثر عن الاشتراكية، في بلد شيطنه كثيرًا؟
بالنسبة لماثيو بونزوم، الأستاذ المحاضر في دراسات أمريكا الشمالية في جامعة باريس 1، فإن نمو هذه الصيغة اليسارية الجديدة يجد جذوره في الولاية المزدوجة لباراك أوباما (2008-2016). كانت هناك موجة كبيرة من الأمل، تبررها حقيقة رؤية رجل أسود يصل أخيرًا إلى الرئاسة، ولكن أيضًا الإدراك بأن الكثير من الأشياء في حياة السود لا تتغير: استمرار موت الناس على يد الشرطة ليس بنسبة أكبر من ذي قبل، ولكن ليس بنسبة أقل أيضا «. ساهمت هذه الآمال المحبطة، من بين أمور أخرى، في إضعاف الحزب الديمقراطي عام 2016 ضد دونالد ترامب. إلا أن الاتجاه العام والعالمي لعدم الثقة بالأحزاب السياسية التقليدية عبر الخطاب الشعبوي، كان قد ترسخ أيضًا.
ان الحركات والأحزاب المناهضة للاستبلشمنت، مثل (الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا)، والتيار الاشتراكي الأمريكي، ليسوا حزبًا سياسيًا حقًا، ولكنهم أكثر من مجرد نقابة عمال أو منظمة غير حكومية بسيطة. ويضم الاشتراكيون الديمقراطيين في أمريكا عضوًا مرموقًا واحداً النائب، المعادة انتخابها، الكسندريا أوكاسيو كورتيز. ولئن لا يملك بيرني ساندرز بطاقة عضوية، فإنه يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي».
تلاقي النضالات يتعزز
ماريانيلا دابريل، مؤلفة وعضو في الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، تمارس من شيكاغو النشاط السياسي على الصعيد المحلي، من أجل تقليص ميزانية الشرطة، ولكن أيضًا على المستوى الوطني بما أنها انتخبت في اللجنة الوطنية عام 2018. “كنت أبحث عن وطن في السياسة، خلال حملة بيرني ساندرز الوطنية عام 2016، “...” وهناك تكثفت رسالة اليسار، بتنديده بالظلم العميق، انه يحتضن وعي الطبقات الاجتماعية، ويمنحها شكلاً من أشكال التنظيم، لقد تحول وأصبح هدفا مع هذه الحملة «.
مثل العديد من الشباب، أغواها خطاب الرجل العجوز الحكيم بيرني ساندرز، البعيد تمامًا عن خطاب المرشحين الديمقراطيين الآخرين، رغم أنه لعب مرارًا وتكرارًا مباراة الانتخابات التمهيدية. “قيمنا؟ فكرة بسيطة، أن رفاهية الناس أكثر أهمية من الربح. نحن نناضل من أجل الحد الأدنى للأجور، ومن أجل تأمين صحي شامل ومجاني، والصفقة الخضراء الجديدة، وضد شرطة الحدود”، تعدد الناشطة في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.
اليوم، لم يعد نضال اليسار اقتصاديًا فقط بعد جعله الرأسمالية موضع سؤال. وعلى غرار الاشتراكيين الديمقراطيين في امريكا (بأفكاره الاجتماعية والبيئية والنسوية)، تتوسع العديد من الحركات أو الجمعيات أو المجموعات، وترتبط بجيرانها الأيديولوجيين. انضمت مسيرة النساء، وهي منظمة نسوية نظمت مسيرة عدة ملايين من الناس في اليوم التالي لتنصيب دونالد ترامب في يناير 2017، إلى منظمة حياة السود مهمة في مناسبات عديدة. وانضمت العديد من المجموعات النسوية أيضًا إلى المنظمات البيئية والعكس صحيح.
غير ان هذا التقارب في النضالات التقدمية وذات الطابع الاجتماعي اليساري ليس جديدًا، كما يلاحظ ماتيو بونزوم. “اتخذت الأزمة الاقتصادية لعام 2008 منعطفًا اجتماعيًا وسياسيًا مع احتلوا “وول ستريت”، وتشير ماريانيلا دابريل من الاشتراكيين الديمقراطيين في امريكا، الى الوعي بفكرة الطبقات مع ظهور شعار “نحن الـ 99 بالمائة”، الأمر الذي يقف بالتالي في تعارض مع 1 بالمائة من الاغنياء. وقد اختلط هذا العداء الطبقي، الذي لم يكن يُتبنّى قبل عام 2008، مع المظاهرات الأولى لـ “حياة السود مهمة” خلال رئاسة أوباما الثانية، مع أحداث فيرغسون (ميسوري) 2014.
«عندئذ كان الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عامًا هم الذين يراكمون الآفاق المسدودة للمستقبل، ويدركون أن هناك فرصة ضئيلة في أن تتحسن حياتهم بمرور الوقت، على عكس ما شهدته الأجيال الأخرى. وهذا يغذي الانفتاح على أفكار سياسية أكثر وضوحا”، ولكن ليس بالضرورة من اليسار، يمكن أيضًا توجيه هذه الأفكار نحو يمين الحزب الجمهوري، أو حتى أبعد من ذاك اليمين.
ظهور شخصيات
راديكالية وشعبية
إذا رسم أحدهم صورة تخطيطية للشخصية الراديكالية الشعبية المثالية، فستشبه تمامًا نائب الحي الرابع عشر في نيويورك في الكونغرس، الكسندريا أوكاسيو-كورتيز.
شابة تتقن التواصل على الشبكات الاجتماعية، امرأة اذن، سليلة أقلية، وقادمة من الطبقات العاملة ويقظة... الطاعون الحقيقي ليمين أمريكي بنى خطابه السياسي ضد هؤلاء الناس وانحرافاتهم “الاشتراكية».
من غلاف مجلة فانيتي فير الولايات المتحدة في ديسمبر، إلى جلسات تويتش لجمع الأموال، أصبحت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، المعاد انتخابها، على جميع الجبهات.
كيف احتلت نائب كوينز هذه المساحة البارزة جدًا على الساحة السياسية الوطنية في غضون عامين فقط؟ يتطلب الجواب العودة إلى ظهورها لأول مرة في الكونجرس، يناير 2019. اتصلت بها جمعية نشطاء شباب الخضر، صن رايز، لدعمهم عبر تويتر أثناء عملية لي ذراع، وقررت النائب الذهاب إلى أبعد من ذلك والمشاركة في الاعتصام الذي نُظم في مكتب رئيسة مجلس النواب (زعيمة الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس) نانسي بيلوسي.
«ما فعلته، في الواقع، هو قول ‘لا، أريد أيضًا أن آتي، سأشغل هذا المنصب، وأتحدث وجهًا لوجه إلى زملائي المنتخبين في الكونغرس’”، يوضح ماتيو بونزوم. ومن خلال هذا الدخول المثير (بالإضافة إلى فيلم وثائقي من إنتاج نيتفليكس)، منحت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز نفسها مكانًا بارزًا ومرئيًا. أكثر تهميشا بسبب نزعتها “الاشتراكية” المعلنة، ومع ذلك لم تدخل جهاز الحزب الديمقراطي.
ويضيف ماتيو بونزوم: “هناك تغيير قياسا لما كان يمكن اعتباره هامشيًا قبل بضع سنوات في السياسة المؤسسية في الولايات المتحدة. “...” يتزايد عدد الأمريكيين الذين لا يرون أنفسهم بالضرورة في الأحزاب السياسية”، ونعني هنا، الكلاسيكية. وتستمر ظاهرة هجر الثنائية الحزبية هذه، مع خيبة أمل شريحة كاملة من اليسار الأمريكي في بواكير سياسة الثنائي بايدن-هاريس.
فبالنسبة لماريانيلا دابريل، المؤلفة وعضو الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، “نحن وسط وباء و “...”مع ذلك يرفض بايدن وهاريس دعم الرعاية الطبية للجميع، والتأمين الصحي الشامل والعمومي... الناس يموتون، لكنهم لا يهتمون بالطبقات العاملة، إنهم يفضلون بيع أنفسهم لصالح الوسط والرأسمالية «.
أي مستقبل؟
ماذا لو كان مستقبل اليسار الأمريكي في أيدي جيل الألفية وجيل زد؟ في كل الاحوال، هذا ما يمكن تخيّله من قراءة استطلاع 2019 الذي أجراه معهد بيو، ودرس قناعات هاتين الفئتين العمريتين، وخاصة مُثُلهما في مسائل العدالة الاجتماعية والبيئية والمساواة بين الجنسين.
بشكل ملموس، بالنسبة للشباب ذوي الميول الديمقراطية الذين ولدوا بين 1981 و1996، يعتقد 82 بالمائة، أن السود لا يعاملون معاملة عادلة. وبالنسبة للجيل القادم (المولود بعد عام 1996)، فإن هذه النسبة لم تتغير بالنسبة لشباب الديمقراطيين، ولكنها ترتفع من 30 إلى 43 بالمائة بين شباب الجمهوريين. تطور ملحوظ يمكن الشعور به في العديد من الموضوعات، بدءً من القضايا البيئية والمتعلقة بالمساواة.
وتشهد ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، المولودة عام 1989، على هذا التطور في العادات، وأيضًا على تعزيز خطاب اليسار الراديكالي. فبفضل ديناميكيتها ومعارضتها الشرسة لدونالد ترامب، احتلت النائب الشابة مكانًا لها بين شخصيات المعارضة، إلى جانب نانسي بيلوسي، ولكن خاصة حلفائها الثلاثة الرئيسيين، المعروفين أيضًا باسم “الفريق».
إلهان عمر، ممثلة مينيسوتا، وأيانا بريسلي عن ولاية ماساتشوستس، ورشيدة طليب، النائب عن ميشيغان، الثلاثة أعيد انتخابهن في نوفمبر الماضي، ويشكلن مع الكسندريا أوكاسيو كورتيز، فريقا صداميا، نوع من المنتقمين يمثلون اليسار الأمريكي في الكونجرس. هؤلاء النسوة، وجميعهن من الأقليات الدينية أو العرقية، يدافعن عن حقوق الطبقات الوسطى، ومن أجل تكافؤ أفضل، وحقوق المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمتحولين جنسيًا، ومن أجل وضع خطة حقيقية لحماية البيئة من خلال “الصفقة الخضراء الجديدة».
ومن خلال تواصل مصقول مع الشباب (ظهرت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز حتى في البرنامج الشهير روبول دراغ ريس)، ورسالة سياسية واضحة ولكنها جذرية، أعطت هؤلاء النسوة دفعة لليسار الاشتراكي، الذي كان رمزه الملهم، والأكثر مردودية، بيرني ساندرز.
بالتوازي، وربما ردًا على هذا التقدم والترويج لليسار الراديكالي، انتشرت أفكاره أيضًا من خلال نواقل أخرى، أكثر بعدًا عن الشخصيات والمؤسسات السياسية. أولاً على الشبكات الاجتماعية، حيث يتواصل الشباب وينظمون الاحتجاجات الاجتماعية المتزايدة التي تندد بالعنف العنصري أو الجنسي ضد المرأة. وقد أتاح تيك توك وإنستغرام، بفضل مقاطع الفيديو القصيرة وإمكانية البث المباشر لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، تسهيل التجمعات.
لكن موقع يوتيوب، سمح أيضًا، للاشتراكية الأمريكية بتحقيق اختراق. ويشير لافت توب، أو بريدتوب، إلى مجموعة من مستخدمي يوتيوب يتعاملون مع مواضيع سياسية محددة على اليسار. وتعتبر كونترا بوينتس، المعروفة أيضًا باسم ناتالي وين، مثالًا شائعًا. لقد اشتهرت في البداية باستهدافها نشطاء اليمين المتطرف من خلال تفكيك حججهم في فيديو، نقطة تلو الأخرى، ولديها 1.14 مليون مشترك مهتم بمحتوى حسابها بين الفلسفة وعلم الاجتماع ونقاش الأفكار (مع مكياج عالي الجودة كمكافأة).
اذن، إن تجديد الخطاب اليساري الراديكالي على قدم وساق، وتشكل الشبكات الاجتماعية نعمة لتنظيمه، خاصة في فترة التباعد الاجتماعي. يبقى أن نرى كيف سيتطور الرهان الرئيسي لجيل الألفية وجيل زد مجتمعين، إلغاء (أو عدم إلغاء) ديون الطلاب الضخمة... وعد ولوّح به كثير من المرشحين، فإن واقعا أكثر تعقيدًا قد يتسبب مرة أخرى في فقدان الثقة في السياسة ومنفذيها.