تركيبة الجيش الروسي عرقيا واجتماعيا
أوكرانيا: ما نعرفه عن بروفايل الجنود الروس في المعركة
• على غرار الاتحاد السوفياتي، كان الجيش الأحمر أيضًا متعدد الجنسيات
• لا يمكن لأحد أن يتجاهل الوجود الكبير، أو حتى التمثيل الزائد، لأشخاص من أصل إثني أو ثقافي غير روسي في القوات المسلحة النظامية
• اعتاد الكثير من شباب المدن الكبرى على الرفاه في الحياة الحضرية والمجتمع الاستهلاكي، ولا يشعرون بالاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل الوطن
إن رعايا المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأفقر المناطق في البلاد (غالبًا هم أنفسهم) ممثلون تمثيلًا زائدًا في الجيش الروسي الذي يقاتل في أوكرانيا.
عام 2008، أطلقت روسيا إصلاحًا كبيرًا لقواتها المسلحة. إلى جانب تحديث المعدات والأسلحة، تعلّق الأمر بتحسين القوة العاملة وإضفاء الطابع الاحترافي على الوحدات.
تم تحديد القوة النشطة بنحو مليون رجل. في الواقع، لا يزال العسكريون المحترفون والجنود والضباط، الذين يبلغ عددهم الإجمالي أكثر من 700 ألف شخص، يدعمهم حوالي 260 ألف مجند. ويتم استدعاء حوالي 130 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا لأداء الخدمة العسكرية في مناسبتين سنويتين، ومدة هذه الخدمة العسكرية الإجبارية حاليًا اثني عشر شهرًا.
وفي سياق الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير، من المهم العودة إلى تركيبة الجيش الروسي، لا سيما من وجهة نظر عرقية واجتماعية، لأن هذه الجوانب غالبًا ما تفلت عن نظر المراقبين مع انها تكشف عن بنية المجتمع الروسي ذاتها اليوم.
مؤسسة محترمة عموما
إلى جانب الرئاسة والأجهزة الأمنية المختلفة، يعدّ الجيش تقليديًا أحد أكثر المؤسسات الاجتماعية احترامًا في روسيا. اليوم، يثق غالبية الروس بقواتهم المسلحة، ويعتقدون أنها قادرة إلى حد كبير على حماية البلاد في حالة نشوب صراع عسكري. ويتقاسم هذا الرأي 60 بالمائة من المستطلعين في يناير 2014، أي قبل اندلاع الصراع الروسي الأوكراني والمشاركة العسكرية الروسية في سوريا، وارتفعت النسبة اليوم إلى 89 بالمائة.
في مايو 2021، وافق 61 بالمائة من الروس، وفقًا لأرقام مركز ليفادا، وهو معهد استطلاع راي مستقل، على التأكيد القائل إن "كل رجل حقيقي" يجب أن يؤدي خدمته العسكرية. 24 بالمائة (42 بالمائة بين 18-24 سنة) اعتبروا أن هذا يشكل "واجبًا يجب إعادته إلى الدولة"، حتى لو تعارض مع المشاريع الفردية. وقال 12 بالمائة فقط من المستجوبين، أن الخدمة العسكرية "غير مجدية وخطيرة"، وبالتالي يجب "تفاديها بأي ثمن". ومع ذلك، فإن هذه الأرقام ليست سوى واجهة تخفي حقائق اجتماعية معقدة.
تاريخيا جيش متعدد الجنسيات
الصيغة الرسمية، التي تريد أن روسيا تشكل "دولة متعددة الأعراق والطوائف"، تنطبق أيضًا على الشؤون العسكرية.
الأفواج غير الروسية ثقافيًا داخل الجيوش الإمبراطورية وطوال القرن التاسع عشر، كانت جزءً من الحرس الشخصي للقيصر. وخلال الحرب العالمية الأولى، كانت فرقة الفرسان المعروفة باسم "فرقة المتوحشين"، تتكون بالكامل تقريبًا من متطوعين من الشعوب المسلمة في الإمبراطورية الروسية.
مثل الاتحاد السوفياتي، كان الجيش الأحمر بدوره متعدد الجنسيات، وقد أثّرت الحرب العالمية الثانية أيضًا على جميع سكان الاتحاد السوفياتي. ولمّا كانت القوات المسلحة قائمة على التجنيد الإجباري، فقد أخذت السلطات السوفياتية "العامل الإثني" على محمل الجد، سواء تعلق الامر بتوزيع المجندين وفقًا لمنطقة التموضع، أو تقييد عدد الجنود الذين يمثلون الجنسيات التي تعتبر "عدوانية" (خاصة القوقازيين)، أو حتى استخدام الجنود كمترجمين عسكريين (مثل الطاجيك أثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان).
في مطلع عام 1979، طلب النظام السوفياتي حتى وجود فرقتين من القوات الخاصة المعروفة باسم "الكتائب الإسلامية" في أفغانستان. ورغم أنه من الواضح أن مثل هذه الممارسات أقل تطبيقًا في روسيا اليوم، إلا أن المكون متعدد الأعراق لا يزال سمة من سمات قواتها المسلحة.
التمثيل المفرط للأقليات في الجيش الروسي
وتتيح الحرب الحالية في أوكرانيا قياس مدى حجمه، رغم عدم توفر بيانات رسمية كاملة.
بعد أسبوع من إطلاق ما تسميه موسكو "عملية عسكرية خاصة"، قام صحفيون من الفرع الروسي لراديو أوروبا الحرة / راديو ليبرتي، على سبيل المثال، بتحليل محتوى العديد من قنوات تلغرام التي نشرت معلومات عن الجنود الروس القتلى أو تم أسرهم في أوكرانيا. وكشفت نتائج التحليل أن حوالي 30 بالمائة من الألقاب كانت مشابهة لتلك التي يحملها أشخاص من الأقليات "غير الروسية"، ومعظمهم من الثقافة الإسلامية. اذن، هناك تمثيل مفرط للأقليات بين الجنود، الذين يشكلون ما يقرب من 20 بالمائة من عموم سكان روسيا.
وتمت ملاحظة مماثلة من قبل الباحث المستقل كامل جاليف، الذي تمكن من الوصول إلى قائمة الجنود الجرحى الذين أرسلوا إلى مستشفى في منطقة روستوف سور لو دون الروسية، الواقعة على الحدود مع أوكرانيا (مناطق دونيتسك ولوهانسك). وتبقى هذه البيانات منقوصة ولا تسمح لنا بالتأكيد على وجه اليقين، كما فعل جاليف، أن الجيش الروسي أصبح جيش "الأقليات". وشددت مصادر رسمية الخسائر البشرية للجيش الروسي في 5 أبريل 2022 (1083 شخصًا)، أن الجنود والمسؤولين الذين قتلوا في أوكرانيا ينتمون الى جميع مناطق روسيا.
من ناحية أخرى، يمكن أن يكون إرسال جنود من أصل "غير سلافي" لشن حرب في أوكرانيا خيارًا استراتيجيًا من قبل السلطات الروسية، نظرًا للروابط الأسرية الموجودة بين العديد من الروس والأوكرانيين. كما نعلم أن الدولة الروسية تحدد حصصًا سنوية لتجنب وجود عدد كبير جدًا من المجندين من مناطق شمال القوقاز، خوفًا من تكاثر الاضطرابات العرقية داخل الأفواج. ويأتي المصطلح الروسي "زيملياتشستفو" لوصف مجتمعات المساعدة المتبادلة هذه، والتي تتكون بين مجندين من نفس المنطقة الأصلية وتشكل تسلسلات هرمية غير رسمية تتعايش مع الانضباط العسكري.
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يتجاهل الوجود الكبير، أو حتى التمثيل المفرط، لأشخاص من أصل إثني أو ثقافي "غير روسي" في القوات المسلحة النظامية، ناهيك عن الكتائب الشيشانية المنتشرة في سوريا (الشرطة العسكرية بشكل أساسي) ثم في أوكرانيا (بشكل أساسي من الحرس الوطني)، الذين يظهرون تفانيًا لا حدود له لقائدهم رمضان قديروف.
عدة عوامل تفسّر هذا الوضع، وتكشف عن الوضع الحالي للجيش والمجتمع الروسي ككل.
الديموغرافيا والحراك الاجتماعي والركود الاقتصادي
العامل الأول، هو التركيبة السكانية. خلال الفترة من 2018 إلى 2020، لوحظت زيادة طبيعية في سبعة عشر منطقة فقط في روسيا، من إجمالي خمسة وثمانين منطقة (مع الأخذ في الاعتبار شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول، التي تم ضمها بشكل غير قانوني عام 2014). ومن بين هذه المناطق السبعة عشر التي يكون فيها معدل المواليد أعلى من معدل الوفيات، فإن مناطق الحكم الذاتي المكونة على أساس عرقي "غير روسي" هي الأغلبية. وهذا الاتجاه دائم ويتأكد على مدى فترة أطول، خاصة منذ التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
بالإضافة إلى جمهوريات شمال القوقاز المسلمة (داغستان، إنغوشيا، قباردينو -بلقاريا، قراشاييفو -شركيسيا، الشيشان)، هناك ثلاث جمهوريات سيبيرية جزء منها: ياقوتيا (ساخا)، بورياتيا وتوفا. لذلك لا يُستغرب أن توفر هذه المناطق عددًا كبيرًا من المجندين، بما يتناسب مع عدد سكانها.
العامل الثاني، الذي يسلط الضوء على الوجود الكبير للأقليات العرقية في الجيش الروسي، يرجع إلى حقيقة أن الخدمة العسكرية تشكل وسيلة مميزة للحراك الاجتماعي لهؤلاء الرجال الشباب "غير السلافيين"، الذين قد يتعرضون للوصم في المناطق المأهولة بالسكان من اصول روسية. ويمكن ملاحظة اتجاه مماثل في بلدان أخرى، على سبيل المثال في الولايات المتحدة حيث يوجد عدد كبير من السود في القوات المسلحة.
من جهة اخرى، فإن إمكانية الحصول على وظيفة مستقرة تجذب عددًا من المواطنين الأجانب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا ممّن يتحدثون الروسية (لا سيما رعايا جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى): منذ عام 2010، أتيحت لهم فرصة الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية بتوقيع عقد مدته خمس سنوات قابل للتجديد في حال الحصول على الجنسية الروسية.
جيش من الفقراء؟
يضاف إلى ذلك عامل ثالث يصعب التقليل من شأنه: مناطق الحكم الذاتي المذكورة هي مناطق مهمّشة ومحرومة اقتصاديًا، مثل العديد من المناطق "الروسية عرقيا". وغالبًا ما تتميز هذه المناطق بمعدلات بطالة عالية ومستويات دخل منخفضة، لا سيما بالمقارنة مع المدن الكبرى في البلاد. وتُترجم هذه التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية إلى مواقف متباينة تجاه الخدمة العسكرية الإجبارية.
في الواقع، لدى العديد من الشباب من خلفيات غنية نسبيًا صورة سلبية عن الخدمة العسكرية والجيش بشكل عام، رغم الإحصائيات المذكورة أعلاه. واعتاد الكثير من شباب المدن الكبرى على الرفاه في الحياة الحضرية والمجتمع الاستهلاكي، ولا يشعرون بالاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل الوطن. وبالتالي يلجؤون إلى المناورات لتجنب التجنيد الإجباري: متابعة الدراسة الجامعية للحصول على إعفاء مؤقت؛ دفع اموال لطبيب للحصول على شهادة إعفاء مزورة؛ أو، في أسوأ الحالات، التماس خدمة مدنية بديلة في شكل خدمة مجتمعية (في مستشفى، على سبيل المثال).
ان متوسط راتب الجندي المحترف -32 ألف روبل (حوالي 380 يورو) وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية، وهو أقل من متوسط الراتب الرسمي المعروض بأكثر من 50 ألف روبل (600 يورو) – من غير المرجح أن يجذب عددا كبيرًا من بين الطبقات المتوسطة المتعلمة، حتى لو تم، في الممارسة العملية، استكمال الدخل بضمانات اجتماعية متزايدة الأهمية (الإسكان، والمعاشات العسكرية، والقروض بأسعار فائدة تفضيلية، والوصول إلى المرافق الثقافية والرياضية).
في المقابل، فإن الخدمة العسكرية أكثر جاذبية لأشخاص قادمين من اوساط أقل حظًا. وإذا كان البعض لا يملك ببساطة الامكانيات المالية لتفادي التجنيد الإجباري، يرى البعض الآخر في الالتحاق بالجيش إمكانية الحصول على وظيفة مستقرة وراتب قار، خاصة أن الوضع الاجتماعي للجيش قد تحسن بشكل جليّ منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويعود هذا بشكل ملحوظ إلى الزيادة في الإنفاق في مجال الدفاع (ربما يتم التقليل من الأرقام الرسمية)، وإلى تحسّن الانضباط مما أدى إلى الحد من ممارسات المضايقات ("ديدوفشتشينا ")، وكذلك إلى تقليص مدة الخدمة العسكرية (من 24 إلى 12 شهرًا منذ عام 2008).
بصرف النظر عن الصور النمطية الذكورية التي تصف الجيش بأنه "مدرسة حياة للرجال الحقيقيين"، تؤدي هذه التغييرات إلى رغبة العديد من الشباب من روسيا المحيط، والمدن الصغيرة والارياف، الانضمام بإرادتهم إلى صفوف الجنود. ويمكن أن تنشأ حالات غير متوقعة، على سبيل المثال عندما يكون مواطنو شمال القوقاز على استعداد لدفع أموال من اجل قبولهم بين المجندين تمهيدا لبناء مستقبل في الجيش المحترف.
وإذا كان من الصعب اليوم قياس آثار هذه العوامل العرقية والاجتماعية على سلوك ونتائج الحرب في أوكرانيا، فيجب أخذها في الاعتبار لفهم الوضع الحالي للمجتمع الروسي بشكل أفضل. كما أن الوجود الكبير للأقليات لا يخلو من الارتباط بالدور المتنامي للإسلام في روسيا، كما ان التركيبة الاجتماعية للجيش الروسي تتماشى مع حالة الطبقات الشعبية الروسية، المتأثرة اليوم بمشاعر الارباك والضعف والعجز، ولا شك غدا، بمزيد من الفقر.
دكتور في العلوم السياسية من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، ومساعد تدريس وبحث مؤقت في الحضارة الروسية، جامعة السوربون.
• لا يمكن لأحد أن يتجاهل الوجود الكبير، أو حتى التمثيل الزائد، لأشخاص من أصل إثني أو ثقافي غير روسي في القوات المسلحة النظامية
• اعتاد الكثير من شباب المدن الكبرى على الرفاه في الحياة الحضرية والمجتمع الاستهلاكي، ولا يشعرون بالاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل الوطن
إن رعايا المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأفقر المناطق في البلاد (غالبًا هم أنفسهم) ممثلون تمثيلًا زائدًا في الجيش الروسي الذي يقاتل في أوكرانيا.
عام 2008، أطلقت روسيا إصلاحًا كبيرًا لقواتها المسلحة. إلى جانب تحديث المعدات والأسلحة، تعلّق الأمر بتحسين القوة العاملة وإضفاء الطابع الاحترافي على الوحدات.
تم تحديد القوة النشطة بنحو مليون رجل. في الواقع، لا يزال العسكريون المحترفون والجنود والضباط، الذين يبلغ عددهم الإجمالي أكثر من 700 ألف شخص، يدعمهم حوالي 260 ألف مجند. ويتم استدعاء حوالي 130 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا لأداء الخدمة العسكرية في مناسبتين سنويتين، ومدة هذه الخدمة العسكرية الإجبارية حاليًا اثني عشر شهرًا.
وفي سياق الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير، من المهم العودة إلى تركيبة الجيش الروسي، لا سيما من وجهة نظر عرقية واجتماعية، لأن هذه الجوانب غالبًا ما تفلت عن نظر المراقبين مع انها تكشف عن بنية المجتمع الروسي ذاتها اليوم.
مؤسسة محترمة عموما
إلى جانب الرئاسة والأجهزة الأمنية المختلفة، يعدّ الجيش تقليديًا أحد أكثر المؤسسات الاجتماعية احترامًا في روسيا. اليوم، يثق غالبية الروس بقواتهم المسلحة، ويعتقدون أنها قادرة إلى حد كبير على حماية البلاد في حالة نشوب صراع عسكري. ويتقاسم هذا الرأي 60 بالمائة من المستطلعين في يناير 2014، أي قبل اندلاع الصراع الروسي الأوكراني والمشاركة العسكرية الروسية في سوريا، وارتفعت النسبة اليوم إلى 89 بالمائة.
في مايو 2021، وافق 61 بالمائة من الروس، وفقًا لأرقام مركز ليفادا، وهو معهد استطلاع راي مستقل، على التأكيد القائل إن "كل رجل حقيقي" يجب أن يؤدي خدمته العسكرية. 24 بالمائة (42 بالمائة بين 18-24 سنة) اعتبروا أن هذا يشكل "واجبًا يجب إعادته إلى الدولة"، حتى لو تعارض مع المشاريع الفردية. وقال 12 بالمائة فقط من المستجوبين، أن الخدمة العسكرية "غير مجدية وخطيرة"، وبالتالي يجب "تفاديها بأي ثمن". ومع ذلك، فإن هذه الأرقام ليست سوى واجهة تخفي حقائق اجتماعية معقدة.
تاريخيا جيش متعدد الجنسيات
الصيغة الرسمية، التي تريد أن روسيا تشكل "دولة متعددة الأعراق والطوائف"، تنطبق أيضًا على الشؤون العسكرية.
الأفواج غير الروسية ثقافيًا داخل الجيوش الإمبراطورية وطوال القرن التاسع عشر، كانت جزءً من الحرس الشخصي للقيصر. وخلال الحرب العالمية الأولى، كانت فرقة الفرسان المعروفة باسم "فرقة المتوحشين"، تتكون بالكامل تقريبًا من متطوعين من الشعوب المسلمة في الإمبراطورية الروسية.
مثل الاتحاد السوفياتي، كان الجيش الأحمر بدوره متعدد الجنسيات، وقد أثّرت الحرب العالمية الثانية أيضًا على جميع سكان الاتحاد السوفياتي. ولمّا كانت القوات المسلحة قائمة على التجنيد الإجباري، فقد أخذت السلطات السوفياتية "العامل الإثني" على محمل الجد، سواء تعلق الامر بتوزيع المجندين وفقًا لمنطقة التموضع، أو تقييد عدد الجنود الذين يمثلون الجنسيات التي تعتبر "عدوانية" (خاصة القوقازيين)، أو حتى استخدام الجنود كمترجمين عسكريين (مثل الطاجيك أثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان).
في مطلع عام 1979، طلب النظام السوفياتي حتى وجود فرقتين من القوات الخاصة المعروفة باسم "الكتائب الإسلامية" في أفغانستان. ورغم أنه من الواضح أن مثل هذه الممارسات أقل تطبيقًا في روسيا اليوم، إلا أن المكون متعدد الأعراق لا يزال سمة من سمات قواتها المسلحة.
التمثيل المفرط للأقليات في الجيش الروسي
وتتيح الحرب الحالية في أوكرانيا قياس مدى حجمه، رغم عدم توفر بيانات رسمية كاملة.
بعد أسبوع من إطلاق ما تسميه موسكو "عملية عسكرية خاصة"، قام صحفيون من الفرع الروسي لراديو أوروبا الحرة / راديو ليبرتي، على سبيل المثال، بتحليل محتوى العديد من قنوات تلغرام التي نشرت معلومات عن الجنود الروس القتلى أو تم أسرهم في أوكرانيا. وكشفت نتائج التحليل أن حوالي 30 بالمائة من الألقاب كانت مشابهة لتلك التي يحملها أشخاص من الأقليات "غير الروسية"، ومعظمهم من الثقافة الإسلامية. اذن، هناك تمثيل مفرط للأقليات بين الجنود، الذين يشكلون ما يقرب من 20 بالمائة من عموم سكان روسيا.
وتمت ملاحظة مماثلة من قبل الباحث المستقل كامل جاليف، الذي تمكن من الوصول إلى قائمة الجنود الجرحى الذين أرسلوا إلى مستشفى في منطقة روستوف سور لو دون الروسية، الواقعة على الحدود مع أوكرانيا (مناطق دونيتسك ولوهانسك). وتبقى هذه البيانات منقوصة ولا تسمح لنا بالتأكيد على وجه اليقين، كما فعل جاليف، أن الجيش الروسي أصبح جيش "الأقليات". وشددت مصادر رسمية الخسائر البشرية للجيش الروسي في 5 أبريل 2022 (1083 شخصًا)، أن الجنود والمسؤولين الذين قتلوا في أوكرانيا ينتمون الى جميع مناطق روسيا.
من ناحية أخرى، يمكن أن يكون إرسال جنود من أصل "غير سلافي" لشن حرب في أوكرانيا خيارًا استراتيجيًا من قبل السلطات الروسية، نظرًا للروابط الأسرية الموجودة بين العديد من الروس والأوكرانيين. كما نعلم أن الدولة الروسية تحدد حصصًا سنوية لتجنب وجود عدد كبير جدًا من المجندين من مناطق شمال القوقاز، خوفًا من تكاثر الاضطرابات العرقية داخل الأفواج. ويأتي المصطلح الروسي "زيملياتشستفو" لوصف مجتمعات المساعدة المتبادلة هذه، والتي تتكون بين مجندين من نفس المنطقة الأصلية وتشكل تسلسلات هرمية غير رسمية تتعايش مع الانضباط العسكري.
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يتجاهل الوجود الكبير، أو حتى التمثيل المفرط، لأشخاص من أصل إثني أو ثقافي "غير روسي" في القوات المسلحة النظامية، ناهيك عن الكتائب الشيشانية المنتشرة في سوريا (الشرطة العسكرية بشكل أساسي) ثم في أوكرانيا (بشكل أساسي من الحرس الوطني)، الذين يظهرون تفانيًا لا حدود له لقائدهم رمضان قديروف.
عدة عوامل تفسّر هذا الوضع، وتكشف عن الوضع الحالي للجيش والمجتمع الروسي ككل.
الديموغرافيا والحراك الاجتماعي والركود الاقتصادي
العامل الأول، هو التركيبة السكانية. خلال الفترة من 2018 إلى 2020، لوحظت زيادة طبيعية في سبعة عشر منطقة فقط في روسيا، من إجمالي خمسة وثمانين منطقة (مع الأخذ في الاعتبار شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول، التي تم ضمها بشكل غير قانوني عام 2014). ومن بين هذه المناطق السبعة عشر التي يكون فيها معدل المواليد أعلى من معدل الوفيات، فإن مناطق الحكم الذاتي المكونة على أساس عرقي "غير روسي" هي الأغلبية. وهذا الاتجاه دائم ويتأكد على مدى فترة أطول، خاصة منذ التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
بالإضافة إلى جمهوريات شمال القوقاز المسلمة (داغستان، إنغوشيا، قباردينو -بلقاريا، قراشاييفو -شركيسيا، الشيشان)، هناك ثلاث جمهوريات سيبيرية جزء منها: ياقوتيا (ساخا)، بورياتيا وتوفا. لذلك لا يُستغرب أن توفر هذه المناطق عددًا كبيرًا من المجندين، بما يتناسب مع عدد سكانها.
العامل الثاني، الذي يسلط الضوء على الوجود الكبير للأقليات العرقية في الجيش الروسي، يرجع إلى حقيقة أن الخدمة العسكرية تشكل وسيلة مميزة للحراك الاجتماعي لهؤلاء الرجال الشباب "غير السلافيين"، الذين قد يتعرضون للوصم في المناطق المأهولة بالسكان من اصول روسية. ويمكن ملاحظة اتجاه مماثل في بلدان أخرى، على سبيل المثال في الولايات المتحدة حيث يوجد عدد كبير من السود في القوات المسلحة.
من جهة اخرى، فإن إمكانية الحصول على وظيفة مستقرة تجذب عددًا من المواطنين الأجانب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا ممّن يتحدثون الروسية (لا سيما رعايا جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى): منذ عام 2010، أتيحت لهم فرصة الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية بتوقيع عقد مدته خمس سنوات قابل للتجديد في حال الحصول على الجنسية الروسية.
جيش من الفقراء؟
يضاف إلى ذلك عامل ثالث يصعب التقليل من شأنه: مناطق الحكم الذاتي المذكورة هي مناطق مهمّشة ومحرومة اقتصاديًا، مثل العديد من المناطق "الروسية عرقيا". وغالبًا ما تتميز هذه المناطق بمعدلات بطالة عالية ومستويات دخل منخفضة، لا سيما بالمقارنة مع المدن الكبرى في البلاد. وتُترجم هذه التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية إلى مواقف متباينة تجاه الخدمة العسكرية الإجبارية.
في الواقع، لدى العديد من الشباب من خلفيات غنية نسبيًا صورة سلبية عن الخدمة العسكرية والجيش بشكل عام، رغم الإحصائيات المذكورة أعلاه. واعتاد الكثير من شباب المدن الكبرى على الرفاه في الحياة الحضرية والمجتمع الاستهلاكي، ولا يشعرون بالاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل الوطن. وبالتالي يلجؤون إلى المناورات لتجنب التجنيد الإجباري: متابعة الدراسة الجامعية للحصول على إعفاء مؤقت؛ دفع اموال لطبيب للحصول على شهادة إعفاء مزورة؛ أو، في أسوأ الحالات، التماس خدمة مدنية بديلة في شكل خدمة مجتمعية (في مستشفى، على سبيل المثال).
ان متوسط راتب الجندي المحترف -32 ألف روبل (حوالي 380 يورو) وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية، وهو أقل من متوسط الراتب الرسمي المعروض بأكثر من 50 ألف روبل (600 يورو) – من غير المرجح أن يجذب عددا كبيرًا من بين الطبقات المتوسطة المتعلمة، حتى لو تم، في الممارسة العملية، استكمال الدخل بضمانات اجتماعية متزايدة الأهمية (الإسكان، والمعاشات العسكرية، والقروض بأسعار فائدة تفضيلية، والوصول إلى المرافق الثقافية والرياضية).
في المقابل، فإن الخدمة العسكرية أكثر جاذبية لأشخاص قادمين من اوساط أقل حظًا. وإذا كان البعض لا يملك ببساطة الامكانيات المالية لتفادي التجنيد الإجباري، يرى البعض الآخر في الالتحاق بالجيش إمكانية الحصول على وظيفة مستقرة وراتب قار، خاصة أن الوضع الاجتماعي للجيش قد تحسن بشكل جليّ منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويعود هذا بشكل ملحوظ إلى الزيادة في الإنفاق في مجال الدفاع (ربما يتم التقليل من الأرقام الرسمية)، وإلى تحسّن الانضباط مما أدى إلى الحد من ممارسات المضايقات ("ديدوفشتشينا ")، وكذلك إلى تقليص مدة الخدمة العسكرية (من 24 إلى 12 شهرًا منذ عام 2008).
بصرف النظر عن الصور النمطية الذكورية التي تصف الجيش بأنه "مدرسة حياة للرجال الحقيقيين"، تؤدي هذه التغييرات إلى رغبة العديد من الشباب من روسيا المحيط، والمدن الصغيرة والارياف، الانضمام بإرادتهم إلى صفوف الجنود. ويمكن أن تنشأ حالات غير متوقعة، على سبيل المثال عندما يكون مواطنو شمال القوقاز على استعداد لدفع أموال من اجل قبولهم بين المجندين تمهيدا لبناء مستقبل في الجيش المحترف.
وإذا كان من الصعب اليوم قياس آثار هذه العوامل العرقية والاجتماعية على سلوك ونتائج الحرب في أوكرانيا، فيجب أخذها في الاعتبار لفهم الوضع الحالي للمجتمع الروسي بشكل أفضل. كما أن الوجود الكبير للأقليات لا يخلو من الارتباط بالدور المتنامي للإسلام في روسيا، كما ان التركيبة الاجتماعية للجيش الروسي تتماشى مع حالة الطبقات الشعبية الروسية، المتأثرة اليوم بمشاعر الارباك والضعف والعجز، ولا شك غدا، بمزيد من الفقر.
دكتور في العلوم السياسية من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، ومساعد تدريس وبحث مؤقت في الحضارة الروسية، جامعة السوربون.