صحف فرنسية: العراق هدف الرئيس التركي القادم

أي خسائر تكبدتها تركيا بسبب مقامرات أردوغان المتهورة؟

أي خسائر تكبدتها تركيا بسبب مقامرات أردوغان المتهورة؟


بعد تقرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من روسيا، خسرت بلاده الكثير على مستوى الفرص السياسية والاقتصادية وحتى الدفاعية، ومع ذلك، يرفض أردوغان الاستفادة من الدروس. هذا ما تناوله الصحافي التركي البارز بوراك بكديل في “مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية”، حيث أشار إلى أنه وبمجرد أن تنفس أردوغان الصعداء بعد تأجيل الأوروبيين فرض عقوبات كبيرة عليه، تلقى صفعة العقوبات الأمريكية الثقيلة.

من أوروبا إلى كاتسا .. في قمة 10 و11 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، وافق القادة الأوروبيون على فرض عقوبات خفيفة على عدد غير محدد من المسؤولين والكيانات التركية المتورطة في التنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها شرقي البحر المتوسط. وأجلوا اتخاذ إجراءات أكثر تأديبية مثل فرض الرسوم، وحظر توريد الأسلحة إلى ما بعد التشاور مع إدارة بايدن. لكن في 14 ديسمبر (كانون الأول)، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات “كاتسا” لشرائها منظومة أس-400 الصاروخية الروسية. وقال وزير الخارجية مايك بومبيو إن بلاده ستحظر جميع تراخيص وأذونات التصدير لوكالة المشتريات الدفاعية التركية “أس أس بي”، ووضعت قيوداً على أصول وتأشيرة دخول رئيس الوكالة إسماعيل دمير ومسؤولين أتراك آخرين في الصناعة الدفاعية. لكن هذا الثمن لم يكن الوحيد الذي دفعته أنقرة.

مليارات على سلاح مصيره التوضيب .. كتب بكديل أن تركيا دفعت 2.5 مليار دولار لمنظومة دفاعية، لن تستخدمها أبداً، على الأرجح. وفي  الصيف الماضي، شغّلت تركيا منظومة أس-400 ثم أعادت توضيبها مجدداً. وهذا جهاز باهظ الثمن لإعادة وضعه في المستودع. علاوة على ذلك، كلفت حيازة أس-400 تركيا شراكتها مع البرنامج الدولي الذي تقوده واشنطن لتصنيع الجيل التالي من مقاتلات أف-35، لايتنينغ-2. وستتكبد تركيا بسبب طردها من المشروع، 10 مليارات دولار في عقد من الزمن. كما أن فصل أنقرة من المشروع سيكلف القوات الجوية التركية أصولاً استراتيجية بارزة. وما يزيد الطين بلة أن هذه المقاتلات الحديثة ستذهب إلى خصم أنقرة، أثينا. ولا يزال هنالك المزيد من الخسائر.

قتلتها واشنطن بشكل رسمي ..  يشمل قانون “كاتسا” جميع أذونات التصدير ما يعني أن تركيا لن تكون قادرة على تصدير أسلحة إلى طرف ثالث، طالما تضمنت هذه الأسلحة مكونات أمريكية الصنع. والمروحية القتالية التركية تي-129 خير مثل على ذلك. في 2018، وقعت شركة تاي التركية عقداً بـ 1.5 مليار دولار لبيع 30 مروحية هجومية من طراز تي-129 إلى باكستان. تعمل تلك المروحيات بمحركي تي800-4 أي توربو، تصنّع في إطار برنامج مشترك بين شركة هانيويل الأمريكية، ورولز رويس البريطانية، وبالتالي، قتلت العقوبات الأمريكية العقد بين تركيا وباكستان بشكل رسمي. ولم تتوقف الخسائر عند هذا الحد.

محادثات مكثفة للتعويض... بلا جدوى .. تريد تركيا تصنيع أول دبابة محلية وتُعرف باسم ألتاي. أمكن دبابة الجيل التالي أن تتزود بمحرك وناقل حركة ألمانيين لو لم تواجه أنقرة حظراً من برلين. وفشل عدد بلا حصر من المحادثات مع مصنعين غربيين آخرين للتعويض. وأخيراً توجه المسؤولون في القطاع الدفاعي التركي إلى كوريا الجنوبية لإنقاذ برنامج ألتاي. ووقع هذا البرنامج أساساً تحت ثقل العديد من التأخيرات البارزة. ودفع القطاع العسكري التركي المزيد من الأثمان بسبب سياسات أردوغان وفقاً لبكديل.

وداعاً لمسيّراتها؟ ..  في وقت سابق من السنة الماضية، علقت الحكومة الكندية صادرات أجزاء أساسية من الطائرات التركية دون طيار، وتنتج شركة أل3 هاريس وسكام في أونتاريو تكنولوجيا الاستهداف وأجهزة استشعار عالية التقنية وتدخل في تصنيع طائرات بيرقدار التركية تي بي2 دون طيار. واستخدم الجيش التركي هذه الطائرات في الحرب على الأكراد في تركيا، وفي شمال العراق، وسوريا. واستخدمها أيضاً في الحرب الليبية، وفي الحرب الأخيرة في ناغورنو قره باخ. لكن أردوغان يرفض الاعتراف بأخطائه، وإخفاقاته وفقاً للكاتب.

روسيا تتحكّم في تركيا .. في مايو (أيار) 2019، حين كان تهديد العقوبات الأمريكية واضحاً، قال الرئيس التركي إن بلاده وروسيا ستنتجان بشكل مشترك أس-500، وهي نسخة مطورة من المنظومة الحالية. وفي أغسطس (آب) 2020، وقّعت روسيا وتركيا عقد تسليم دفعة ثانية من أس-400. لقد درس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من البداية كيفية اقتراب تركيا من فضاء نفوذها خصوصاً في المجال الدفاعي، بعد العقوبات. وسيمهّد ذلك الطريق لجهود استكشافية لرؤية أي أنظمة يمكن روسيا تقديمها إلى تركيا والتفكير إلى أي درجة محدودة ستسمح موسكو بموجبها بنقل التكنولوجيا إلى أنقرة.

العراق .. قالت صحيفة “لو فيغارو”، إنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، سيواصل مخططاته العدوانية التوسعية، مُعتبرة أنّ العام 2021 هو عام التوسع الإقليمي للرئيس الذي أسكرته تدخلات بلاده العسكرية في 2020 في كلّ من سوريا وليبيا والقوقاز، ويتجه نحو فتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط.
وحذّرت الصحيفة الفرنسية من أنّ أردوغان بات يتطلع الآن نحو العراق، إذ لم يعد هناك ما يُوقفه بالنسبة له، ولن يكتفي بالغارات التركية التي باتت اعتيادية على المناطق الكردية في شمال العراق، ويعود تاريخها إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما شنّ حزب العمال الكردستاني حرب العصابات الانفصالية. إلا أنّ الجديد هذه المرّة بالنسبة لـِ “لو فيغارو” هو أنّ العمليات العسكرية التركية قد تكثفت بقوة العام الماضي بمُسمّيات مختلفة، وهو ما يُوحي بعملية أكبر في الأشهر المقبلة واحتلال أراضٍ عراقية وإقامة قواعد عسكرية دائمة بحجة تطهير المنطقة الحدودية بين تركيا والعراق من أيّ وجود لمُقاتلي منظمة حزب العمال الكردستاني، التي تُصنّفها أنقرة “إرهابية». بالمقابل، يرى مراقبون في بغداد أنّ الرئيس التركي يسعى لبناء تحالف وثيق غير مُكلف مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والذي يأمل في التوصل لحلّ ملموس لأزمة مياه نهر دجلة المصيرية، بينما تواصل أنقرة تقديم الوعود وإطلاق التصريحات الودّية التي يُقابلها انتهاك سيادة العراق على أرض الواقع.

التساهل مع أردوغان لم يعد مُمكناً .. من جهتها، تناولت “اللو موند” خلافات باريس مع أنقرة حول سوريا وليبيا وشرق المتوسط وإقليم ناغورني قره بارغ المُتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، مُستبعدة تطبيع العلاقات الفرنسية التركية وفقاً لمساعي حكومة أردوغان التي تواصل استفزازاتها للاتحاد الأوروبي، ودعم الإسلام السياسي في فرنسا وقيادة حملة كراهية وتحريض ضدّ الرئيس إيمانويل ماكرون. ورأت الصحيفة أنّ أردوغان يتخوف جدّياً من فرض بروكسل مزيداً من العقوبات على أنقرة في مارس القادم، خاصة مع تولّي باريس مؤخراً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي الذي يتعرّض لابتزاز متواصل من قبل الرئيس التركي في قضية الهجرة غير الشرعية. وعدّدت اليومية الفرنسية، تدخلات أردوغان غير المشروعة منذ 2016، حيث يُهاجم الأكراد حلفاء التحالف الدولي المُناهض لتنظيم داعش الإرهابي، ويُغيّر ميزان القوى في ليبيا عبر دعم ميليشيات حكومة الوفاق في طرابلس، أما في شرق البحر المتوسط فيدوس على سيادة اليونان وقبرص، فيما يُرسل مُرتزقته للقتال إلى جانب أذربيجان ضدّ أرمينيا.

لكنّ “اللو موند” بالمقابل، اعتبرت من جهتها أنّ 2021 هو عام كل المخاطر على أردوغان في الداخل على الرغم من محاولته الظهور كقائد عسكري جريء خارج حدود بلاده، إذ أدّى الركود الاقتصادي والأزمة المعيشية للأتراك وسوء إدارة أزمة فيروس كورونا الصحية إلى تقويض شعبية الرئيس التركي في بلاده على نحوٍ غير مسبوق، بينما تزداد عزلته السياسية على الصعيد الدولي، مُستبعدة نجاحه في استعادة ثقة الناخبين المُحبطين والحلفاء التقليديين، إذ لم يعد التساهل مع أردوغان في محلّه، على حدّ تعبير الصحافة الفرنسية التي رأت أنّ “صبر الحلفاء في نهايته” والتسوية مع زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا، لم تعد مُمكنة.