رمضان في موريتانيا

إنشاد المداحين وجلسات الشاي والسمر مع وجبتي الطاجين والكسكسي

إنشاد المداحين وجلسات الشاي والسمر مع وجبتي الطاجين والكسكسي


تتميز موريتانيا بثقافاتها وتنوع الأعراق وعادات المأكل والمشرب خاصة وأن لها طبيعة شاسعة المساحة، تقدر بمليون وسبعمائة ألف وثلاثين ألف كيلومتر مربع، وهذا أثر على المناخ  بين الصحراوي القاري وشبه الصحراوي والمداري وذلك بحكم كل هذه المعطيات كان للموقع الجغرافي والفلكي تأثيره عليه، فموريتانيا الجوهرة المنسية من الوطن العربي، على رغم أن نطاقها الجغرافي جعل منها رابطا مهما بين دول المغرب الأقصى ودول غرب أفريقيا، وعلينا ان نكتشف مظاهر رمضان بهذا البلد العربي الأصيل
يروي محمد سالم القاضي كاتب رئيس تحرير موقع السلطة ألرابعة أن السكان يقدرون شهر الصوم، ويمارسون حياة رمضانية تجمع بين الترفيه والعبادة، فمع ساعات المساء الأولى تبدأ فعاليات الفطور وتستمر حتى الفجر، فلشاي الموريتاني نكهته الخاصة، حيث أنه يتأسس على تلات جيمات-جيم الجمر - جيم الجر -جيم اجماعه، وقيل في الشاي أبيات
يقيم لنا مولاي والليل مقمر
وأضواء مصباح الزجاجة تزهر
وقد نسمت ريح الشمال على الربى
نسيما بأذيال الدجى يتعثر
كؤوسا من الشاي الشهي شهية
يطيب بها ليل التمام ويقصر
تخير من تجار طنجة شايها  
وخير لها من ثلج وهران سكر
وهذه الجلسات مشتركة بين الرجال والنساء، أما إعداد الموائد فهو من عمل النسوة اللواتي يعلن حالة استنفار طيلة شهر الصوم، وتتنافس السيدات في تحضير المائدة الرمضانية البسيطة وهي مائدة أصبحت متنوعة الأطباق،(عولمة المأكل) لكن خصوصيتها تعتمد على الشربة المحلية حساء الحبوب وهو يضم أنواعا من الحبوب كالذرة والدخن والشعير، تجمع بكميات متساوية وتطحن، ثم توضع حسب الحاجة في مرجل مع ماء ساخن، وبعد نضجها يوضع عليها الحليب والسكر والزيت بمقادير محددة ليحتسيها الصائم شربة غنية كاملة العناصر، وبما أن موريتانيا دولة ذات واحات فإن حضور التمور على هذه المائدة حضور إلزامي، خاصة لو تزامن شهر الصوم مع موسم التمور(الكيطنه) ولا تخلوا مائدة الإفطار من شراب الزريق وهو ماء ممزوج بحليب طازج قد يكون لبن نوق أو أبقار وضع في (مروب) ومرر على (الشكوة) وحرك حتى استوى وخرجت زبدته
ويضيف محمد سالم أما الوجبة المفضلة عند الموريتانيين فهي وجبة الطاجين وهذه الوجبة قد تكون لحومها بيضاء، أو حمراء، وكلا النوعين معروف، فموريتانيا تشتهر بجودة أسماكها، وبتنوع ثروتها من لحوم الغنم والبقر والإبل، وجبة الطاجين المذكورة هي لحم مع بطاطس مسلوق أو مقلي، أو اللحم قديدا (اللحم المجفف) يوضع اللحم أولا بكميات محددة ثم يوضع البصل والبطاطس وبعض البهارات حتى تنضج الوجبة، فيتناولها الصائمون بالخبز، وأحيانا يركز البعض على وجبة المشوي، لحم طازج يشوى بطريقة تقليدية في حفرة من الرمضاء، أو فوق فحم طبيعي يغلف فيه اللحم مع البصل بوعاء من الألمنيوم حتى يتجمع مرقه المركز، مما أن هناك وجبة الكسكسي وهي وجبة يحضر فيها دقيق القمح بطريقة تجمع بين الخلط ثم تطبخ على البخار بإضافة قليل من دقيق الملوخية وبعد نضجه، يكون مرقه في الغالب لحم خروف أو بعير يطبخ في قدر خاص حتى يستوي فيصب على الكسكسي مع بعض العنب المجفف
ويشير محمد سالم الموريتانيون أبنا الصحراء، فرضت عليهم طبيعتها نمطا خاصا في المأكل والمشرب خاصة في فترة شهر رمضان، لكن هذه المائدة الرمضانية الموريتانية لا تقتصر فقط على الغذاء المادي الذي بينا بعض أنواعه وخصوصياته، بل إن وجبات وتغذية روحية يعرفها الموريتانيون وتعرفهم، مثل صلاة التراويح، والبرامج التي تقدم الإنشاد الديني ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن وصلات يجلس فيها المداحون أمام جمهورهم يضربون طبلا تقليديا ويهزجون بمقامات ومجسات تتجاور فيها الكلمات والأنغام حتى وقت متأخر من ليالي الصوم
هذه بعض خصائص المائدة  الرمضانية الموريتانية، بشقيها الروحي والمادي، وهذه بعض التفاصيل المتعلقة بنظام هذا الشهر عند شعب علمته حمولته الدينية حرصا على التشبث بهذه العادات فوجود المحاظر والزوايا في كل مكان، لكن مراكز علمية تاريخية يكون لزواياها ومحظرها دور كبير في إنعاش هذا الشهر، من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والعلمية في السيرة النبوية، والفقه، والحديث، وتشجيع حفظة القرن، ولا يخلو هذا لشهر من البذل والإنفاق ومواساة طلبة العلم خاصة أبناء الدول الإفريقية الذين ينقطعون عن ذويهم في ربوع محاظر موريتانيا، لدراسة القرآن وعلوم اللغة، وهكذا يتحول الموريتانيون في هذا الشهر إلى تجسيد التعاون بين الأغنياء والمحتاجين فيعم الخير، وتكثر البركة، كما يلعب الإعلام الرسمي والحر دورا بارزا في تثقيف الصائمين وإمتاع القراء والمستمعين والمشاهدين بكل جديد يجمع بين المتعة والفائدة، وكان موريتانيا بكاملها بمثابة مدرسة رمضانية يثقفها العلماء والقراء والأطباء وقادة الرأي، ورغم زحف العولمة وتأثيرها على الحياة الموريتانية لا زالت الخصوصية في المأكل والمشرب والتقاليد حاضرة عند الموريتانيين في هذا الشهر الفضيل