إرباك سياسي واجتماعي وعسكري
إيران هشة..اقتصاد يترنح وبيئة صحية كارثية
تتوالى الأزمات في إيران محدثة إرباكاً سياسياً واجتماعياً وعسكرياً، وتعيش الجمهورية الإسلامية تحت وطأة ضغوط متعددة بعضها داخلي نتج عن تردي الوضع الاقتصادي وتهاوي العملة الوطنية لأدنى مستوياتها، متأثرة بجائحة كورونا التي تفشت بشكل واسع في البلد، كما تعاني إيران من آثار حرب غير معلنة ضد برنامجها النووي الذي أصبح محط تهديد حقيقي.
و أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن نحو 35 مليون إيراني إضافي معرضون لخطر الإصابة بفيروس كورونا لأن البلاد ليس لديها مناعة جماعية بعد. وبينما يبلغ عدد الإصابات المسجلة رسمياً في إيران 271.606 حالات، أشار روحاني إلى أن 25 مليون شخص (من السكان البالغ عددهم حوالى 81 مليون نسمةً) ربما أصيبوا منذ تسجيل الحالات الأولى في فبراير (شباط).
ويؤكد مسؤول كبير في مجموعة العمل المكلفة بمكافحة فيروس كورونا في طهران في تصريح نشر يوم الخميس الماضي، أن المستشفيات الإيرانية تواجه نقصاً حاداً في الأطقم الطبية والأسرّة حيث يكافح البلد موجة ثانية قوية من جائحة كوفيد-19.
كما نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن المسؤول الذي يدعى رضا جليلي خشنود، قوله إن موجة ثانية من العدوى ظهرت في مطلع يونيو (حزيران) وتبين أنها أخطر من الأولى. وأكد خنشود، أن 172 من أفراد الأطقم الطبية في مستشفى واحد هو مستشفى الشهداء في طهران أصيبوا بالعدوى أو يرعون مصابين من أفراد أسرهم. وقال إن هناك أيضاً نقص في الأسرة بما في ذلك الموجودة في وحدات الرعاية المركزة يكشف تضارب الأنباء القادمة من إيران عمق الأزمة، ففي حين يحاول المسؤولن الحكوميون وعلى رأســـهم الرئيس روحاني التخفيف من وطأة الأزمة بإطـــــلاق تصريحات بين الحين والآخــــر يقولــــــون فيها إن إيران تملك إمدادات كافية من الأطقم الطبية والمنشآت، تكشف الأرقام غير الحكومية عن مدى سوء الحال الذي وصلت إليه البلاد بسبب الجائحة.
تدهور اقتصادي
ضرب فيروس كورونا إيران في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية ناجمة عن تدهور العملة المحلية أمام العمليات الدولية بشكل كبير، وذكر موقع “بونباست دوت كوم” المتخصص في أسعار الصرف الأجنبي أمس الأول السبت، أن الدولار عُرض للبيع بسعر يصل إلى 255300 ريال مقابل 242500 ريال يوم الجمعة.
وخسرت العملة ما يقرب من 48% من قيمتها في عام 2020، ويسجل سعر الصرف الرسمي 42 ألف ريال للدولار ويُستخدم في الغالب لواردات الأغذية والأدوية التي تدعمها الدولة.
عجز
وتؤكد التقارير، أن هبوط العملة في الأسابيع الأخيرة أرغم البنك المركزي على التحرك فضخ ملايين الدولارات في السوق لتحقيق استقرار الريال. ووصف محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي هذا التدخل بأنه قرار “حكيم محدد الهدف”. وأضاف أن البنك لديه احتياطيات وفيرة من النقد الأجنبي دون أن يكشف عن حجمها.
غير أن اقتصاديين قالوا إن العجز في ميزان المعاملات الجارية والموازنة بفعل الأزمة الاقتصادية قد يتطلب السحب من هذه الاحتياطيات الأمر الذي يضعف قدرة إيران على الحد من التضخم المتفشي.
احتياطيات محدودة
وقال كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي غاربيس إراديان، “لديهم احتياطيات محدودة من النقد الأجنبي متاحة لضخها في السوق ولن يتمكنوا من احتواء انخفاض آخر في قيمة العملة في وجود العقوبات الأمريكية والعزلة عن المجتمع الدولي».
يقول الاقتصادي بمؤسسة “اتراديوس” للتأمين على الائتمان نيلز دي هوج في تصريح نشر في 7 يوليو (تموز) الجاري، إن “التقديرات تشير إلى أن البنك المركزي الإيراني ما زال لديه احتياطيات كافية لدعم الريال لكنها تتآكل لأنها تسهم في تمويل العجز في الموازنة».
تراجع صادرات النفط
وتسببت العقوبات الأمريكية بتراجع صادرات إيران النفطية، فهي تتراوح الآن بين 100 ألف و200 ألف برميل يومياً انخفاضا من أكثر من 2.5 مليون برميل في اليوم في أبريل (نيسان) 2018.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن إيران ستسحب ما يقارب 20 مليــار دولار من احتياطياتهــا هذا العــام لتصل إلى 85.2 مليار دولار، كما ستسحب 16 مليار دولار أخرى في العام المقبل.
ونسبت وسائل إعلام إلى رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة مسعود خنصري، قوله إن التقديرات تشير إلى أن العجز في ميزانية الدولة سيبلغ 10 مليارات دولار بحلول مارس (آذار) 2021.
«حرب غير معلنة»
منذ أواخر يونيو (حزيران) الماضي تشهد إيران سلسلة انفجارات في محيط منشآت حساسة منها منشآت عسكرية ونووية وصناعية. آخرها كان في منطقة الأحواز أمس الأول السبت، حين تداول مغردون فيديو يظهر انفجاراً في خط أنابيب النفط في منطقة خور موسى (سر بندر) في منطقة الأحــــــواز ذات الأغلبيــــــة العربية.
أقوى تلك التفجيرات، الذي وقع في منشأة نطنز النووية الإيرانية في 2 يوليو (تموز) الجاري، ومن المحتمل أن الانفجار تسبب في تدمير كامل للمبنى، وتعتبر منشأة نطنز أكبر موقع لتخصيب اليورانيوم وتصنيع واختبار أجهزة الطرد المركزي في إيران. وبحسب تحليل معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS) للصور المأخوذة عبر الأقمار الإصطناعية، فإن شدة الأضرار تشير إلى أنه يجب هدمه بالكامل وإعادة بناءه من الصفر، وفقاً لما ذكره موقع “دويتشه فيله” في 14 يوليو (تموز).
يعتقد المحللون، أن المنشأة عبارة عن مصنع إنتاج ضخم لإنتاج وتطوير أنواع مختلفة من أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، وهي تقنية مهمة لتحويل اليورانيوم إلى وقود نووي. ويتم تصنيع الآلاف من هذه الأجهزة كل عام هناك. ووفق المعهد، فإنه: “على الرغم من أن الانفجار والحريق لم يؤثرا على قدرة إيران في تصنيع وتطوير أجهزة الطرد المركزي الحديثة، إلا أن الدمار الذي لحق بالمنشأة يمكن أن يشكل ضربة موجعة لها خلال السنوات المقبلة».
وبحسب تقرير لمجلة “ناشيونال إنترست” نشر يوم الأربعاء الماضي فإن، التفجيرات المتكررة في إيران هي بمثابة حرب غير معلنة، قد يقف خلفها خصما إيران اللدودين، الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتقول المجلة، إن الطرفين المشتبه بهما، قد شنا سابقاً هجمات متعددة على أهداف إيرانية، فالولايات المتحدة نفذت في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، هجوماً بطائرة دون طيار أدى لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إضافة إلى نائب قائد ميليشيا الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. كما أن إسرائيل استهدفت وما زالت تنفذ هجمات متكررة ضد أهداف إيرانية في سوريا.
هجمات سابقة ذات صلة
في مقال لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نشر الأسبوع الماضي، ربط الصحفي يوسي ميلمان انفجارات وحرائق الأيام الأخيرة التي حدثت في إيران بسياق تاريخي أكبر، يعود حسب تصوره إلى 2002. ويقول ميلمان إنه في ذلك الوقت، تم الكشف عن مخطط إيران المتمثل في بناء مصنع لتخصيب اليورانيوم في نطنز. ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك أدنى شك لدى تل أبيب وواشنطن حول طموح طهران في أن تصبح قوة نووية.
وقال الصحفي إنه نتيجة لذلك تم تنفيذ العديد من أعمال التخريب والتدمير. كما تم استخدام فيروس الكمبيوتر المسمى «Stuxnet» أيضاً لهذا الغرض وهو ما أدى في 2010، إلى شل أجهزة الكمبيوتر التي كانت تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في نطنز. ويعتقد ميلمان بأنه يمكن أن تكون لإسرئيل صلة بعمليات التخريب الأخيرة التي حدثت في إيران وطالت منشآت حساسة. كما أنه لم يستبعد أن تكون هذه العمليات قد حدثت بالتعاون مع الأقليات العرقية في إيران، المعارضين بشدة للحكومة في طهران.