تايوان على صفيح ساخن:

الاستراتيجية الأمريكية في الهندي والهادي على المحك

الاستراتيجية الأمريكية في الهندي والهادي على المحك

- تهدف الاستراتيجية الأمريكية إلى احتواء التوسع الإقليمي الصيني، لا سيما في المجال البحري
- إن طموح الصين في التوسع من المحيط الهندي إلى الهادي يفسر استثمار واشنطن في آليات تعاون جديدة مثل الرباعية وأوكوس
- تعكس المواقف الصينية المتصلبة رهانات سياسية داخلية
- تايوان، المعقل البحري لمنطقة المحيطين الهندي والهادي الأمريكية



في 3 أغسطس، أثارت الزيارة القصيرة التي قامت بها نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، إلى تايوان، رد فعل عنيف من بكين ودورة من النشاط العسكري الصيني المستمر بالقرب من شواطئ الجزيرة، مما أدى إلى ما يسميه العديد من المحللين “الوضع الطبيعي الجديد».
   من 4 أغسطس، أجرت بكين مناورات جوية وبحرية واسعة النطاق بما في ذلك إطلاق صواريخ باليستية -وهو استعراض للقوة ذكّر المراقبين بسيناريو 1995-1996، خلال الأزمة الرئيسية الأولى في المضيق. وكانت المناورات الصينية حينها احتجاجا على زيارة لي تنغ هوي للولايات المتحدة، وكان في ذلك الوقت رئيسًا للجزيرة، ثم بعد بضعة أشهر لمنع إعادة انتخابه. دفعت الحادثة إلى إرسال حاملتي طائرات أميركيتين من قبل إدارة كلينتون. هذه المرة، أرسل جو بايدن حاملة طائرات واحدة، ونظمت تايوان تدريبًا دفاعيًا - كان مقررًا منذ فترة طويلة، وفقًا لمسؤوليها.

  إن المبالغة في التغطية الاعلامية، ومدة التدريبات الصينية، منذ بداية شهر أغسطس، حافظتا على جو من الدراما وعدم اليقين جذب، خارج المنطقة، اهتماما دوليا بسبب التوتر الصيني الأمريكي الذي يولّده. بالإضافة إلى التهديدات العسكرية، حددت الصين تكلفة دبلوماسية اقتصادية باهظة لرحلة نانسي بيلوسي، من أجل منع مبادرات مماثلة: عقوبات تجارية، وحظر زيارات شخصيات تايوانية وشخصيات أخرى إلى الصين، وتعليق عدد من اطر التعاون مع الولايات المتحدة.
   في هذه المرحلة، تظهر عدة أسئلة: هل تم كسر الوضع الراهن الهش السائد حول المضيق؟ هل هناك تحول ملحوظ ودائم من جانب بكين؟ ما هي الآفاق الآخذة في الظهور بالنسبة لتايوان، لا سيما في سياق الاستراتيجية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادي، والتي تتزايد نبرتها المعادية للصين؟

حيوية الرهان التايواني بالنسبة لشي جين بينغ
   بدأت في 4 أغسطس لثلاثة أيام، استمرت مناورات جيش التحرير الشعبي الصيني، الى ما بعد 15 أغسطس. هذه الرغبة في الحفاظ على التوتر -مع استنفاد الدفاع التايواني، بما ان أيا من هذه التدريبات تضع قوات تايبيه في حالة تأهب -توضح تصميم الصين على تأكيد حقوقها في الجزيرة.
   وترى الصين أن موقفها “حازم وقوي ومناسب”، ويهدف إلى حماية سيادتها ووحدة أراضيها في مواجهة “الانفصاليين التايوانيين” وما تعتبره “استفزازًا أمريكيًا”. وتعكس هذه المواقف رهانات سياسية داخلية وتعنتًا خاصًا من جانب شي جين بينغ مما يجعل أي حل سلمي “للمسألة التايوانية” أمرًا مستحيلًا. ان شي جين بينغ مطالب بتعهّد مكانته كرجل قوي قبل المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في الخريف والجلسة العامة للمؤتمر الوطني لنواب الشعب عام 2023 حيث ينتظر أن يترشح لولاية رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات (يذكر أنه تم انتخابه في 2013 وأعيد انتخابه في 2018).
   وقد ندد جوزيف وو، رئيس الدبلوماسية التايوانية، باختيار الصين لمقاربة هجينة تهدف إلى التحضير لغزو الجزيرة والخلط بين التدريبات العسكرية والهجمات الإلكترونية وحملة تضليل مكثفة والإكراه الاقتصادي.
   المطلوب هو تقليص تايوان بشكل أكبر لأنها تشكل بالنسبة إلى شي جين بينغ نموذجًا سياسيًا مضادًا يلقي نجاحه الاقتصادي وقدراته على الابتكار التكنولوجي وعمله الديمقراطي بظلاله على النموذج الصيني. إن إدانة رغبة تايوان في الاستقلال والتهديدات المتكررة ضد الرئيسة تساي منذ وصولها إلى السلطة عام 2016، قد ترقى إلى حد الاعتراف بالضعف في نظر رأي عام قومي متطرف. ولا يمكن لهذه الشريحة الا ملاحظة مقاومة وصمود تايوان، بما في ذلك في مواجهة كوفيد-19، على عكس الصين، من غير المفهوم لديهم كيف أن الجزيرة ليست تحت رحمة جيش التحرير الشعبي الصيني.

التدويل والسعي للحصول على دعم تايوان
   ومع ذلك، فإن الوضع أكثر تعقيدًا مما يبدو بسبب التغيير في الإدراك الدولي والقراءة الجديدة لوضع تايوان، والتي سلطت بمهارة الضوء على طبيعتها الديمقراطية.
   نانسي بيلوسي، التي يُعرف عداءها للنظام الشيوعي الصيني، أدركت بوضوح هذا التطور الذي هدفت زيارتها، من بين أمور أخرى، إلى تسليط الضوء عليه. في زمن الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا، كان تصميم الجزيرة على الدفاع عن نظامها السياسي والاقتصادي وحريتها ضد خصم يتمتع بوسائل متفوقة للغاية يتردد صداه بشكل مختلف.
   من دون تجاوز الخط الأحمر للاستقلال، تمكنت تايوان على مر السنين من خلق فضاء دبلوماسي نسبي، بينما نما الشعور بالهوية الوطنية. تضاعف عدد الزيارات رفيعة المستوى إلى تايبيه: فالسلطات الأمريكية والبرلمانيون الأوروبيون وأعضاء مجلس شيوخ فرنسا لا يخشون الذهاب إلى الجزيرة ومقابلة رئيستها هناك.
   المكاتب التمثيلية لتايوان، التي افتتح آخرها في فيلنيوس عام 2021، تشبه السفارات. ولئن ظلت الجزيرة مستبعدة من الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو منظمة الصحة العالمية أو صندوق النقد الدولي، فانها تمكنت من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وأيد جو بايدن استراتيجية التطبيع هذه من خلال دعوة ممثلين من الجزيرة إلى قمة الديمقراطية الافتراضية في ديسمبر 2021.
   سيكون من الوهم إقامة تعارض بين “القوة الناعمة” لتايوان و”القوة الصلبة” للصين. ومع ذلك، فإن التفكيك العنيف للديمقراطية في هونغ كونغ، والتعامل مع مسألة الأويغور، قد أضرا بصورة الصين، وساهما في تعزيز الوضع الأخلاقي لتايوان. ففي مواجهة فيروس كوفيد-19 وآثار الحرب في أوكرانيا، أثبتت تايوان كفاءتها ودورها الرائد في سلاسل التزويد الدولية. وأصبح من الصعب على مؤيدي خطاب يدين الأنظمة السلطوية واستخدامها للقوة، مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع، عدم الانخراط بشكل أكثر نشاطًا في الدعم -الدبلوماسي أو السياسي -الاقتصادي أو العسكري -لنظام تايبيه.

معقل بحري
   ولدى سؤاله مرارًا عن إمكانية التدخل العسكري للدفاع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني، أجاب جو بايدن بالإيجاب، مبددًا جزئيًا سياسة “الغموض الاستراتيجي” الأمريكية. وتنص هذه الاخيرة على مساعدة تايوان على بناء وتعزيز دفاعاتها، ولكن دون تقديم وعود صريحة للتحرك في حالة حدوث عدوان. ووفق قانون العلاقات مع تايوان، الذي أقره الكونجرس عام 1979، فإن واشنطن مطالبة ببيع أسلحة لتايوان حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد جيش التحرير الشعبي الصيني القوي. ومع ذلك، هل هذا كاف اليوم؟
   يثير استخدام القوة الروسية ضد أوكرانيا مخاوف من سيناريو مشابه في آسيا، حيث تتعنت الصين على المطالبة بحدودها البحرية. لقد أعطى عدم الاستقرار المتجدد في مضيق تايوان المزيد من الحجج لدعاة ومؤيدي وضوح أكبر لطبيعة المشاركة الأمريكية، بما في ذلك أستراليا واليابان.  

هذه الدول، التي لديها علاقات متوترة مع بكين، قلقة من تأثير الأزمة المستمرة على استراتيجية المحيطين الهندي والهادي التي تروج لها إدارة بايدن بنشاط في المنطقة والتي يدعمونها. وهم يشككون في أن الولايات المتحدة في وضع يمكنها من مواجهة صراع شديد الحدة في آسيا بمفردها بالنظر إلى انخراطها في أوكرانيا ضد روسيا.   تشعر اليابان بالضعف بشكل خاص. إن الصواريخ الصينية الخمسة التي سقطت في مياهها في 5 أغسطس تجعلها تخشى أن تستهدف بكين في النهاية مصالحها الاقتصادية والعسكرية أو القواعد الأمريكية في أوكيناوا. طوكيو، التي سبق ان واجهت اختراقا بحريا صينيا متكررا حول جزر سينكاكو، على بعد مائة كيلومتر من تايوان، وتتصارع مع روسيا بشأن مسألة المناطق الشمالية (جزر كوريل لموسكو) تشعر أنها أصبحت هدفًا محتملاً لجيش التحرير الشعبي الصيني في إطار عمليات هذا الاخير حول تايوان.   يمكن لاستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي أن تجد حدودها في مواجهة تدهور الوضع في المضيق. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى احتواء التوسع الإقليمي الصيني، لا سيما في المجال البحري، لتعزيز الأمن البحري الإقليمي والحفاظ على حرية الحركة للبحرية الأمريكية وحلفائها وشركائها. ومع ذلك، يبدو أن حرية الملاحة وتأمين الطرق البحرية الدولية الرئيسية، في قلب هذه الاستراتيجية، مهددة من قبل الزحف الصيني في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وفي النهاية، في مضيق تايوان الذي يفتح الوصول إلى المحيط الهادي. وهذا الأخير، المقر الرئيسي في هاواي للقيادة المشتركة للولايات المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، ومنطقة انتشار الأسطول السابع، يشكل مسرحًا حيث للولايات المتحدة بصمة استراتيجية قوية.

الرباعية وأوكوس ضد الصين
   ان طموح الصين في التوسع من المحيط الهندي إلى المحيط الهادي من خلال نشر مشروع طرق الحرير (مبادرة الحزام والطريق) يفسر استثمار إدارة بايدن في آليات تعاون جديدة واستراتيجية متعددة الأبعاد مثل الرباعية وأوكوس.
   في مايو الماضي، قرر أعضاء الرباعية (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند) تعزيز تعاونهم السياسي والعسكري والاستثمار بشكل مكثف في الابتكار والتقنيات الجديدة للاستجابة للتحدي الصيني. ولا شك في أن تايوان، التي تهيمن على صناعة أشباه الموصلات، لها مكانها هناك. وبالمثل، فإن بناء غواصات هجوم نووي لأستراليا -موضوع شراكة أوكوس (الولايات المتحدة، أستراليا، المملكة المتحدة) -يهدف إلى تعزيز الردع الأمريكي ضد قدرات كبح جموح جيش التحرير الشعبي الصيني.   وتهدف هذه الترتيبات، التي تتداخل مع التحالفات التقليدية التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، إلى إعادة التوازن لميزان القوى والتنافس على القدرات بين الولايات المتحدة والصين. ويبقى أن نرى ما إذا كانت ستؤدي بسرعة إلى تشكيل تحالف قادر على العمل في مضيق تايوان، وعلى نطاق أوسع للحفاظ على الأمن البحري وحرية الملاحة في المحيطين الهندي والهادي.

*باحثة في شمال آسيا والأمن البحري الدولي، أستاذة محاضرة في الأمن البحري، معهد العلوم السياسية بباريس