نظرة سريعة على التهديدات الجديدة

التكنولوجيا الحديثة وأسلحة الدمار الشامل: نحو إرهاب جديد...؟

التكنولوجيا الحديثة وأسلحة الدمار الشامل: نحو إرهاب جديد...؟

-- الطائرات بدون طيار والويب المظلم والبرامج الضارة والبيولوجيا التركيبية والطباعة ثلاثية الأبعاد: هذه هي التهديدات الجديدة
-- إمكانية نقل الإرهاب البيولوجي إلى المستوى التالي: لن يكون هجومًا عالميًا فحسب، بل يمكن أن يؤثر على الأجيال اللاحقة
-- من الصعب السيطرة على الانتشار السريع والاستخدام الضار للتقدم التكنولوجي
-- أظهر كوفيد- 19 الحاجة إلى تطوير استخبارات أمنية صحية فعالة للتعامل مع هجوم جائحة بيولوجية محتمل
-- الأسلحة المطبوعة ثلاثية الأبعاد هي سوق متنامية غير منظمة يمكن أن تصبح بسهولة محرك الجماعات الإرهابية


   لم يكن الوصول إلى استخدام الأسلحة النووية والبيولوجية والإشعاعية والكيميائية بمثل هذه السهولة من قبل. بمعدات خفيفة، مثل الطائرات بدون طيار أو تطوير الطابعات ثلاثية الأبعاد، يمكن الوصول إلى تكنولوجيات الحرب ان يؤدي إلى تغيير كبير في التهديد الإرهابي. وقد أثبتت سنة الكوفيد-19 الرهيبة ذلك للأسف.    تُظهر قاعدة بيانات الإرهاب العالمي أنه ابتداءً من السبعينات، استخدمت الجماعات الإرهابية (أو حاولت استخدام) المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية كأسلحة دمار شامل. وتشير قاعدة البيانات إلى 401 حادثة في جميع أنحاء العالم تنطوي على استخدام معدات كيميائية، منها 62 حالة وفاة؛ و37 حادثة إرهاب بيولوجي خلفت 9 قتلى؛ و13 حالة إرهاب إشعاعي غير مميتة.    وينقسم السلاح النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيميائي إلى عدة مكونات، أحدها هو عامل المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية، وهي مادة تسبب الإعاقة أو الإصابة أو الوفاة لمن يتعرضون لها. خصوصية هذا العامل هي طبيعته المزدوجة: يمكن استغلاله لأغراض سلمية ومدنية أو لأغراض عسكرية. وهذا يطرح تحديات كبيرة أمام التّعرّف المبكر للتهديدات المحتملة لنظام عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل الذي فرضه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1540 (2004).

 لئن كان هدف الإرهابيين هو قتل أكبر عدد ممكن من الضحايا، فإن جاذبية الآثار المدمرة المحتملة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، واضحة. ففي الوقت الذي أصبح فيه العنف التقليدي هو القاعدة، تضيف أسلحة الدمار الشامل تأثيرًا دراماتيكيًا.
   اليوم، تتيح التطورات التكنولوجية عملية إضفاء الطابع الديمقراطي على القدرة الإنتاجية لـ سلاح الدمار الشامل. ولا تزال أدوات الإرهاب التقليدية (الأسلحة البيضاء، والأسلحة النارية، والشاحنات ذات الدفع الجماعي، والأجهزة المتفجرة البدائية) هي الوسائل الأكثر استخدامًا وفعالية من حيث التكلفة، حيث إنها قادرة على التسبب في أعداد كبيرة من الضحايا دون صعوبات تقنية خاصة. ومع ذلك، فإن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، حتى مع انتشارها على نطاق ضيق، يمكن أن تسبب مستويات من الرعب لا يمكن تصورها مقارنة بالإرهاب التقليدي.

   ولطالما كانت الأسلحة الكيميائية أكثر أسلحة الدمار الشامل شيوعًا، حيث يمكن صنع بعض المواد الكيميائية السامة بمعدات بدائية. ومنذ عام 2014، عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية رسميًا اقامة الخلافة، ازداد انتشار الأسلحة الكيميائية عالميًا بشكل كبير.

   عام 2014، أتاحت المنطقة الإقليمية الشاسعة التي يسيطر عليها تنظيم داعش الوصول إلى المواد الكيميائية السليفة والمعدات التقنية لتطوير الأسلحة الكيميائية. واستخدمت الجماعة عوامل خانقة مثل الكلور الذي يتسبب في دخول الدم والسوائل إلى الرئتين في حالة استنشاقه، كسلاح هجومي ودفاعي في سوريا والعراق. عام 2015، استخدم أيضًا عوامل التقرح مثل الخردل الكبريتي، الذي يسبب حروقًا في العينين والجلد والجهاز التنفسي.  وعام 2017، قُبض على خالد ومحمود خياط في أستراليا، بتهمة التخطيط لهجوم كيميائي في أماكن مغلقة مزدحمة بكبريتيد الهيدروجين، بناءً على نصيحة مقاتلي داعش، اللذين كانا على ارتباط بهم عبر الانترنت. وكبريتيد الهيدروجين غاز سام يضعف قدرة الخلايا على استخدام الأكسجين... إنه عديم اللون ويمكن أن يسبب الموت الفوري.

   فيما يتعلق بالأسلحة البيولوجية، فإن مادة سامة شائعة للغاية هي مادة الريسين، ويتم استخلاصها من الجلد الداخلي لغلاف حبوب الخروع. عام 2018، تم القبض على سيف الله هـ. في كولونيا لأنه كان على اتصال عبر تلغرام باثنين من عناصر داعش، اللذين زوّداه بمعلومات حول كيفية إنتاج مادة الريسين من حبوب الخروع و ‘’مطحنة قهوة كهربائية بسيطة تم شراؤها عبر الإنترنت. ومن بين العوامل البكتيرية، تعتبر الجمرة الخبيثة سلاحًا فعالًا بشكل خاص لأن جراثيمها، التي يمكن أن تنتشر عن طريق الهواء وتسبب حالات شديدة من الجمرة الخبيثة عن طريق الاستنشاق، غير مرئية وعديمة الرائحة. وعام 2018، اعتقلت الشرطة الإيطالية اللبناني الموالي لداعش أمين الحاج أحمد، الذي خطط لتسميم احتياطيات مياه سردينيا بالريسين أو الجمرة الخبيثة الذي تحصل عليها عبر الإنترنت.

   كما أبدى داعش اهتمامًا بالأسلحة الإشعاعية والنووية. الأسلحة النووية هي الأكثر فعالية والأكثر تدميراً، ولكن في نفس الوقت يصعب تطويرها: فهي تتطلب استغلال المواد الانشطارية مثل البلوتونيوم أو اليورانيوم، وتتطلب عمليات تخصيب عالية التقنية ومكلفة. ولهذا السبب، من الأسهل الحصول على المواد المشعة لبناء أجهزة التشتت الإشعاعي (القنابل القذرة) التي لا تسبب الآثار المدمرة الهائلة للسلاح النووي، ولكنها تنشر التلوث الإشعاعي.

   عام 2015، كشف جهاز كمبيوتر لمشتبه به على صلة بهجمات باريس في 13 نوفمبر، عن 10 ساعات من لقطات المراقبة لمسؤول نووي بلجيكي رفيع. ويُخشى أن يكون تنظيم داعش يستعد لاختطاف المسؤول من أجل الوصول إلى موقع مول النووي والمواد المشعة المناسبة. في مناسبة أخرى عام 2017، خططت جماعة أنشاروت دولة المرتبطة بداعش لتفجير قنبلة إشعاعية قذرة في إندونيسيا عن طريق تحويل الثوريوم 232 المشع منخفض الجودة إلى يورانيوم -233 القاتل. وكان الهدف هو دمج اليورانيوم مع بيروكسيد الأسيتون، وهو مادة متفجرة، لصنع قنبلة نووية، وفقًا للتعليمات الواردة في دليل كتبه زعيمهم، بحرون نعيم.

   وعلى عكس الهجمات التقليدية، لا تعلن داعش بشكل عام مسؤوليتها عن الأعمال الإرهابية التي ارتُكبت بأسلحة كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية: ويبدو أن داعش، خلال الفترة التي سيطرت فيها على منطقة شاسعة، لم تكن تريد أن تفقد الدعم بسببها، بالنظر إلى الغضب الذي أثارته صور الهجمات الكيماوية خلال الحرب الأهلية في سوريا في الرأي العام. ومع ذلك، في حقبة ما بعد الخلافة، تلاشت قيود الحاجة إلى الوحدة. وسمح التحول من الخلافة المادية إلى الخلافة الافتراضية (1) بتفتيت الهويات التي تعززت في المجتمعات المحلية: خلقت لامركزية الدعاية إمكانيات جديدة للأفراد للمشاركة. ويبدو أن الذئاب المنفردة المتطرفة على الإنترنت غير مدركة للقيود التي يفرضها الرأي العام.

    توفر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إمكانيات لا حصر لها للتطرف، عادة في شكل إرهاب محلي الصنع، والذي يمكن أن يشمل استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. يتم التخطيط للهجمات والتحكم فيها عن بُعد من خلال منصات الإنترنت، بينما يتم تنفيذ العمل المتطرف جسديًا بواسطة متعاطفين مدربين في جميع أنحاء العالم تقريبًا. وليس من قبيل الصدفة، أن المحاولات التي تم الإبلاغ عنها سابقًا لاستخدام الأسلحة البيولوجية في أوروبا عام 2018 قد سبقتها مرحلة من التطرف عبر الإنترنت. ومن السهل العثور على دليل حول كيفية صنع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية على الإنترنت: سيجد بحث بسيط على يوتيوب برنامجًا تعليميًا حول كيفية إنتاج غاز الكلور القاتل. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن مؤيدي داعش جيدون بشكل خاص في نشر التعليمات التفصيلية من خلال المدونات والكتيّبات.

   مثال مثير للاهتمام، هو حالة بحرون نعيم، القيادي في جماعة أنشاروت دولة، الذي كتب عام 2017 سلسلة من الكتب التبسيطية مثل “النووي للمبتدئين” و”كيف تصنع المتفجرات في مطبخك”، والتي تم تحميلها بعد ذلك على موقعه على الويب وهو مدونة تفاعلية. في العام  نفسه  أفاد اليوروبول، أن عدد دروس الإرهابيين عبر الإنترنت المخصصة لهجمات المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية يتزايد بسرعة. وبشكل خاص مسلسل “فرسان الجهاد المنفرد” الذي تنشره قناة ولاية الفرات ويدعو للهجوم من خلال تلويث الطعام والماء.
   ووفقًا لتقرير يوروبول الأخير، تظل المنتديات على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هي الأداة المفضلة لتقاسم المعرفة حول كيفية تنفيذ هجوم بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. “نموذج ايكيا للإرهاب’’ الجديد هذا، يعني أن التخطيط الافتراضي للهجمات الإرهابية يتم من خلال سلسلة تجميع: يحتاج الأفراد غير المدربين ببساطة إلى تعليمات مخصصة ومجموعة أسلحة أولية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ثم تجميع المنتج النهائي باستخدام طريقة الإنتاج الذاتي.

نظرة سريعة على
التهديدات الجديدة
   تزيد التطورات التكنولوجية الأخيرة من خطر وصول العناصر الإرهابية إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية (2).
   تم استخدام الطائرات بدون طيار بشكل متكرر من قبل داعش منذ عام 2014 لالتقاط الصور الجوية وهجمات الأفلام لأغراض دعائية. كما سمحت الطائرات الموجهة عن بعد لهم بإلقاء أسلحة كيماوية وبيولوجية في العراق وسوريا. وبالتالي، فإن تسليح الطائرات  دون طيار ليس بالأمر الجديد على الجماعة في ساحة المعركة. ومع ذلك، يُنظر إلى   الطائرات بدون طيار بشكل متزايد على أنها تهديد لأنها بصدد ان تصبح أخف وزنا وأكثر تطورا وأقل تكلفة، لدرجة أنه يمكن استخدامها لإسقاط سلاح نووي للدمار الشامل.

   وبعيدًا عن التطورات التكنولوجية، لا ينبغي الاستهانة بالحوادث العديدة التي رُصدت فيها طائرات بدون طيار بالقرب من محطات الطاقة النووية في أوروبا والولايات المتحدة. ويمكن للطائرات بدون طيار المجهزة بأجهزة الحرب الإلكترونية تعطيل الاتصالات اللاسلكية في المناطق المحظورة، مما يعني أنها يمكن أن تحلق فوق المنشآت النووية وربما تسقط متفجرات على الرغم من وجود مناطق حظر طيران.
   لا يوفر “دارك ويب”، الويب المظلم، أدوات للإرهاب تصنع ذاتيا فحسب، بل إنه ألغى الحاجة إلى وسيط ماهر قبل كل شيء. تقليديا، كان على الإرهابيين الراغبين في تطوير أسلحة كيميائية أو إشعاعية أو نووية، تجنيد علماء ومهندسين أكفاء في صفوفهم: أشار تقرير البرلمان الأوروبي لعام 2015 إلى أن داعش جند عددًا كبيرًا من الخبراء في الكيمياء والفيزياء والعلوم والتكنولوجيات الحديثة، مكنت الجماعة من نقل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بشكل غير قانوني عبر أوروبا.

   وتسمح شبكة الويب المظلم، من خلال مبيعات مشفّرة مجهولة المصدر او العملات الرقمية، للعلماء والكيميائيين وعلماء الأحياء الهواة والباحثين عن الأموال السهلة، التبرع بمهاراتهم دون العمل رسميًا لصالح منظمة إرهابية.
  عام 2014، تم القبض على المراهق جيسي ويليام كورف، في فلوريدا، لبيعه سمّ أبرين على منصة إعادة تحميل السوق السوداء، لزبائن في جميع أنحاء العالم من خلال تبادل البيتكوين. عام 2015، قام مكتب التحقيقات الفدرالي وشرطة مولدوفا، بتفكيك شبكة تهريب نووية ضخمة يعود أصلها إلى عام 2010: حاول مجرمو مولدوفا بيع اليورانيوم عالي التخصيب، الذي يُفترض أنه من أصل روسي، في السوق السوداء مقابل المال، عشرات الملايين من الدولارات لجماعات مرتبطة بداعش.

   أما بالنسبة للبرمجيات الخبيثة والبرامج الضارة، فيتم استخدامها بشكل متزايد لشن هجمات إلكترونية ضد المنشآت التي تنتج مواد كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية.
  عام 2014، كشفت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عن 245 انتهاكًا لأنظمة الأمن السيبراني لمنشآت مختلفة في الولايات المتحدة. 10بالمائة منها، كانت موجهة ضد الصناعات الكيماوية أو النووية. وتبدو قدرة الإرهابيين على استخدام البرمجيات الخبيثة المتطورة محدودة في الوقت الحالي، ولكن إذا أصبحت حقيقة، فستكون لها عواقب مزعزعة للاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن ثلث البلدان التي لديها منشآت نووية ليس لديها لوائح للأمن السيبراني، وثلثيها ليس لديها خطة طوارئ للرد على هجوم إلكتروني، يعطي فكرة عن التهديد.

   تهديد آخر: يمكن للطابعات ثلاثية الأبعاد الآن طباعة الأنسجة البيولوجية. لا يمكن بعد تطوير المواد الانشطارية ومسببات الأمراض، ولكن من الممكن الان طباعة المفاعلات الدقيقة القادرة على تصنيع المواد الكيميائية. وبالإضافة إلى الطباعة المادية للمواد، يمكن للإرهابيين إنشاء برامج مجانية تتيح للمستخدمين عبر الإنترنت التعاون في ملفات التصميم الرقمية التي يمكن لأي شخص استخدامها لطباعة الكائن النهائي ثلاثي الأبعاد. وهذا يعني أنه إلى جانب توزيع الكتيّبات على وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة المظلمة، يمكن للإرهابيين الآن مشاركة ملفات التصميم الرقمية لطباعة الأسلحة.

    في مجال الأسلحة الصغيرة، هناك العديد من المنظمات عبر الإنترنت مفتوحة المصدر تطور نماذج رقمية للأسلحة في ملفات التصميم بمساعدة الكمبيوتر ويمكن تنزيلها وطباعتها ثلاثية الأبعاد. وتقدم مؤسسة الدفاع الموزع لأعضائها خدمة ديفكاد لمشاركة نماذج ورسومات الأسلحة الصغيرة، بينما تسمح المجموعة الالكترونية، الاستغناء عن الردع، والمدونة الشخصية لمؤسسها المشارك “ إيفان الترول”، تسمحان بتحميل مجاني لملفات مضغوطة تحتوي على معلومات عن المكونات المختلفة والتجميع النهائي لنماذج متنوعة من الأسلحة النارية.

   ان الأسلحة المطبوعة ثلاثية الأبعاد، هي سوق متنامية غير منظمة يمكن أن تصبح بسهولة محركا للجماعات الإرهابية. ويسلط الفيلم الوثائقي “الدفاع البلاستيكي”، الذي أنتجته المنصة الصحفية “الجبهة الشعبية”، الضوء على تصميم شبكة “الاستغناء عن الردع” على الإنترنت. لا يحتوي الموقع على نماذج لطباعة المفاعلات الدقيقة، ولكن يمكن توقع تطور سريع في هذا الاتجاه: في الفيلم الوثائقي، يؤكد المؤسس ج.ستارك على مفهوم أن التكنولوجيا ليس لها حدود. وبالرغم من أنه يدعي رفض أي شكل من أشكال التطرف، إلا أن أيديولوجية أعضاء “الاستغناء عن الردع” لا تعتبر مناسبة: عندما سُئل كيف سيكون رد فعله في حال تسلل مقاتلو تنظيم داعش إلى المجموعة، أجاب بان هذه التكنولوجيا، بما في ذلك القنبلة الذرية والأسلحة الكيماوية، لا تعرف السياسة.

    هذه ليست مجرد تكهنات: فقد ظهرت أدلة على استخدام داعش للطباعة ثلاثية الأبعاد منذ عام 2016. وكما أفاد حساب غرين ليمون على تويتر، فإن عددًا من القنابل التي تم العثور عليها في سوريا حملت أرقامًا مرسومة يدويًا ومكونات في هيكل عش نحل، مما قد يعني أنها طبعت طباعة ثلاثية الأبعاد.

   أخيرًا، تُعدّ البيولوجيا التركيبية مفيدة بشكل خاص في تطوير أسلحة بيولوجية انطلاقا من مسببات أمراض موجودة مسبقًا. تتقدم تقنيات الهندسة الوراثية، مثل تحرير الجينوم بسرعة، ولا يتطلب تخليق الفيروسات معرفة استثنائية بالكيمياء الحيوية. وعلى وجه الخصوص، فإن تقنية كريسبر (العنقودية، المتباعدة بانتظام، التكرار القصير المتناظر)، التي تقطع شفرة الحمض النووي وراثيًا وتستبدلها بجينات جديدة، غير مكلفة للغاية.

   ويمكن شراء مجموعات تعديل الجينوم التي يقوم بها الفرد بنفسه، مثل تلك التي تجعل الإشريكية القولونية مقاومة للمضادات الحيوية، بسهولة على الويب (على سبيل المثال، من موقع جين سكريبت). وتجدر الإشارة، مع ذلك، إلى أنه بعد المرحلة السهلة نسبيًا من “نسخ ولصق” تسلسل الحمض النووي، يتطلب تسليح العامل البيولوجي ونشره     مستويات من الخبرة ليست عادية لمنظمة إرهابية -وهذا هو السبب في انه لم يتم استخدام تقنية كريسبر (متفاوتة التكرارات القصيرة متباعدة بشكل منتظم) بعد في الهجمات البيولوجية. لكن الاستخدام المحتمل لمثل هذه التقنية المتطرفة يمكن أن ينقل الإرهاب البيولوجي إلى المستوى التالي: لن يكون هجومًا عالميًا فحسب، بل يمكن أن يؤثر على الأجيال اللاحقة.

دروس من كوفيد-19
   تتضمن غالبية الهجمات بالأسلحة البيولوجية عوامل غير مُعدية؛ ومع ذلك، فقد بذلت جهود متفرقة لاستغلال الفيروسات المعدية. عام 2014، احتوى كمبيوتر ناشط تونسي من داعش يحمل شهادة في الفيزياء والكيمياء، على وثيقة من 19 صفحة مخصصة لتطوير الطاعون الدبلي من الحيوانات المصابة وتحويله إلى سلاح بيولوجي.

   ونظرًا لأن سارس-كوف-2 معدي للغاية وعيناته متاحة بسهولة، فقد يثبت أنه سلاح بيولوجي مثالي يستخدم لأغراض إرهابية في المستقبل. في أحد السيناريوهات المحتملة، يمكن للجماعات الإرهابية تعمّد إطالة الوباء أو تفاقمه. وفي جميع أنحاء العالم، تبلّغ الصحف عن حالات إصابة أشخاص مصابين بفيروس كورونا بالسعال أو البصق عمدًا على أشخاص آخرين، ولعق الأسطح في الأماكن العامة، وعدم ارتداء الكمامات: في الولايات المتحدة، تم التعامل مع البعض كحالات إرهابية (انظر على سبيل المثال حالة جورج فالكون في نيو جيرسي). ومع ذلك، يبدو أن الاتجاه الأكثر خطورة، هو استخدام كوفيد-19 كسلاح ضد شرائح معينة من المجتمع.

   في الولايات المتحدة، يستخدم المتشددون البيض تيليغرام وتويتر لإقناع مؤيديهم بان يصابوا بفيروس كورونا، ثم ينشروه بين اليهود والأمريكيين غير البيض، وكذلك عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويُنظر إلى اليهود على أنهم الهدف الرئيسي: ووفق تقرير اتحاد أبحاث وتحليل الإرهاب، فإن الميم المعادي للسامية “إذا كان لديك الفيروس، عانق واحضن وانشر الانفلونزا لكل يهودي”، تم طباعته على قمصان بيعت عبر الإنترنت من قبل العديد من العلامات التجارية المشهورة لدى المراهقين.
   أما الإرهابيون، فقد حاولت الجماعات الموالية لتنظيم داعش، تعمّد نشر الفيروس بين القوات الأمنية. في إندونيسيا، دفعت شبكات داعش المؤيدين المصابين لنشر كوفيد-19 بين الشرطة.

   تم تقليل التهديد المحتمل الذي يمثله الانتشار الأسي المتعمد لـ كوفيد-19 بفضل اللقاح. ومع ذلك، يمكن للوباء أن يزيد من اهتمام الإرهابيين باستخدام العوامل البيولوجية في المستقبل. ومن المهم عدم الاستهانة بتحذير أنطونيو غوتيريش، من أن “نقاط الضعف التي كشفها هذا الوباء تفتح نافذة على كيفية وقوع هجوم إرهابي بيولوجي -وقد يزيد من المخاطر. يمكن للجماعات غير الحكومية الوصول إلى سلالات خبيثة يمكن أن تحدث فتكا مماثلا بالمجتمعات في جميع أنحاء العالم. أظهر كوفيد-19 الحاجة إلى زيادة التعاون بين قطاعات الصحة العامة ووكالات الأمن القومي، لا سيما الحاجة إلى تطوير استخبارات أمنية صحية فعالة للتعامل مع هجوم جائحة بيولوجية محتمل.

آفاق المستقبل
   في الوقت الحالي، يتم تعزيز القدرة على شن هجمات محدودة المدى باستخدام المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية، لكن الهدف المتمثل في إلحاق العنف العشوائي مع التسبب في أكبر عدد من الضحايا لا يزال بعيد المنال.
   إن الهجمات التي تستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية المنتشرة على نطاق واسع، تتطلب دائمًا مهارات تقنية عالية وموارد كبيرة. هناك حاجة إلى معرفة محددة ومهارات متنوعة لتسليح عامل نووي وإشعاعي وبيولوجي وكيميائي بكميات ونوعية كافية لتخزينه ونقله وتوزيعه. ويتطلب برنامج انتشار عالمي منظم جيدًا أموالًا ومعامل إنتاج وتخزين تفوق قدرة منظمة إرهابية مثل داعش، على سبيل المثال.

   من الصعب تقييم ما إذا كان التقدم التكنولوجي الجديد قد حرر الإرهابيين من كل هذه القيود؛ ومع ذلك، من الواضح أن مستوى الخبرة المطلوبة لتطوير أسلحة الدمار الشامل قد انخفض بشكل كبير. التقنيات الناشئة المطبقة على الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، لها استخدام مزدوج، مما يعني أنه من الصعب السيطرة على الانتشار السريع والاستخدام الضار للتقدم التكنولوجي.

   إن النموذج العالمي واللامركزي الجديد الذي تبناه تنظيم داعش، إلى جانب الإمكانات اللامحدودة التي أطلقتها أحدث التطورات التكنولوجية، يسهّلان تبادل المعرفة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية عبر الحدود، بينما يُظهر الإرهابيون باستمرار تصميمهم على تحدي الحدود المعروفة للحرب الإرهابية العادية. ورغم أن الموارد المالية لداعش لا تزال تبدو غير كافية لتطوير برنامج شامل، إلا أنها تتزايد باطراد بفضل حملات جمع الأموال عبر الإنترنت من بيتكوين الناجحة للغاية.

   لم يعد من الممكن اعتبار الحصول على المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية على أنه عقبة: تسهّل شبكة الويب المظلم والطباعة ثلاثية الأبعاد يسهّل الوصول إلى الموارد، وتوفر الطائرات دون طيار والبرامج الخبيثة والضارة إمكانية نشر هجوم نووي دون الحيازة الفعلية للمواد الانشطارية، ويظهر الوباء المستمر أن الانتقال المتعمد لفيروس شديد العدوى يسهّل يمكن أن يحدث أثناء هجوم وبائي مستقبلي.
  لا يمكن إنكار القيود التقنية لنشر سلاح نووي وإشعاعي وبيولوجي وكيميائي في هجوم واسع النطاق، لكنها لم تعد مستعصية على الحل: يمكن أن تصبح حالات إرهاب المواد النووية والإشعاعية والبيولوجية والكيميائية حقيقة في المستقبل غير البعيد.

المصادر
1 -حول هذا الموضوع، انظر: مايكل كرونا، “إعادة النظر في النظام البيئي لـ” الخلافة الافتراضية لتنظيم داعش، الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا، أكتوبر 2020.
2 -غريغوري دي كوبلنتز، “التقنيات الناشئة ومستقبل الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي 2020،” واشنطن كوارترلي 43، العدد 2 (2020): 178