مرسوم رئاسي جديد يتضمن تعديلات عدة

الرئيس التونسي يحسم الجدل حول هيئة الانتخابات

الرئيس التونسي يحسم الجدل حول هيئة الانتخابات


صفحة جديدة تفتح في باب "الانقسامَ السياسي" في تونس، البلد الذي يعيش ازمة اقتصادية ومالية خانقة. فقد اغلق الرئيس التونسي قيس سعيد قوس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بإصداره مرسوماً ينص على أن رئيس الجمهورية هو من يتولى تعيين أعضاء الهيئة. وكان قيس سعيد قد صرّح، في 6 أبريل الجاري، بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستشرف على أي انتخابات ستجرى لاحقاً، لكن "ليس بتركيبتها الحالية".

وتضمّن المرسوم الرئاسي الجديد تعديلات عدة، من بينها تخفيض تركيبة الهيئة إلى سبعة أعضاء بدلاً من تسعة.
ووفق المرسوم، يتولى رئيس الجمهورية اختيار ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس الهيئة، فيما أُوكل اختيار الأعضاء الأربعة الآخرين إلى الجهات القضائية المعنية، وهي: مجلس القضاء العدلي، مجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي إلى جانب المركز الوطني للإعلام.
وكما كان منتظرا، خلّف إصدار المرسوم جدلاً سياسيا واسعاً، بسبب التخوّف من فقدان الهيئة لصفة الاستقلالية من خلال اعتماد سعيد آلية التعيين عوض الانتخاب؟

نهاية استقلالية الهيئة
اعتبر رئيس لجنة الهيئات الدستورية بالمجلس الوطني التأسيسي جمال الطوير، أن المرسوم عدد 22 والمتعلق بتنقيح القانون الأساسي المنظم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنهى استقلالية الانتخابات والهيئات الدستورية، معتبرا ان السياسة لا تدار بهذه الطريقة وفق تقديره
وأشار الطوير في تصريح لجريدة الصباح المحلية في عددها الصادر امس الأحد، أنه في صورة ترشح قيس سعيد للانتخابات المقبلة سيصبح الخصم والحكم في الآن ذاته مما يتنافى مع الديمقراطية، مذكرا أنه تم سابقا الاستئناس برأي سعيد عند النظر في باب الهيئات الدستورية.
وعبّر حزب آفاق تونس عن رفضه المطلق للمرسوم الرئاسي القاضي بتعديل القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، معتبرا أن هذا المرسوم الذي وصفه بـ "التسلّطي والأحادي" من شأنه أن "يمس من استقلالية هيئة الانتخابات ويثير مخاوف جدية حول مدى توفر شروط الشفافية والنزاهة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة"، وفق بيان صادر عن الحزب.

وشدد الحزب على أن حياد واستقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مسألة جوهرية وأهم ضمانة لحياة سياسية ديمقراطية، معتبرا أن محاولات الهيمنة عليها وإلحاقها بقصر قرطاج ما هي إلا دليل على الارتداد نحو الحكم الفردي، وفق ما جاء في نص البيان.
في حين اعتبرت تنسيقية الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية (التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات) المرسوم الرئاسي هو عودة تونس من الباب الكبير الى عهد الانتخابات المزوّرة وتزييف إرادة الناخبين لا سيّما عبر تصفية هيئة دستورية مستقلة كانت ضامنة للديمقراطية والتداول السلمي على الحكم وفق بيان التنسيقية. من جهتها، رفضت حركة النهضة وحزب العمال المرسوم الرئاسي.

وأكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عادل البرينصي، أن الرئيس قيس سعيد "دقّ آخر إسفين في نعش الانتقال الديمقراطي"، معتبراً أن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الضامن لهذا الانتقال، ورئيس الجمهورية أجهز على هذه الهيئة وعلى استقلاليتها، وهي التي نظمت الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر قرطاج".
ويعتبر عضو الهيئة أن المرسوم يؤكد أن "الهيئة أصبحت تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية، وتحت إمرته، باعتباره هو من يعيّن أعضاءها ورئيسها".

انجاز في مسار التصحيح
في المقابل، اعتبر حزب التحالف من أجل تونس، في بيان له، أنّ المرسوم الرئاسي انجاز في مسار التصحيح، وكان الحزب أول المطالبين من الرئيس اتخاذه لتصحيح قانون هذه الهيئة وتغيير تركيبتها التي قال إنها لم تكن ابدا مستقلّة ولا محايدة خصوصا أن رئيسها نبيل بافون واحد أعضائها "عادل البرينصي" كانا قد أمضيا على عرائض ضدّ قرارات ومسار 25 يوليو مع جماعة من أطلقوا على وفاقهم " مواطنون ضد الانقلاب".

ودعا التحالف رئيس الجمهورية والحكومة التونسية بضرورة الإسراع بتنقيح وتعديل قانون الأحزاب وقانون الجمعيات بما ينقّي الممارسة السياسية وأنشطة المجتمع المدني من كل ما وصفها بالتجاوزات والاخلالات التي تم استغلالها لبسط هيمنة ونفوذ جماعات إجرامية ومتطرفة وفاسدة على الحياة السياسية وبعض مكونات المجتمع المدني لغايات وأهداف ساعدت ولا تزال في محاولات تخريب الدولة الوطنية والتأثير المدمّر في وعي المواطنين حسب تعبير البيان.

كما اعتبر الحزب أن إعلان أحمد نجيب الشابي تكوين جبهة للخلاص والعزم عن اعلان حكومة موازية بدفع ورعاية من حركة النهضة هو اعلان عصيان وخروج عن قوانين الدولة التونسية وجريمة في حق استقرارها ووحدة الشعب التونسي، واجب على كل الوطنيين الصادقين التصدّي له حفاظا على استقرار البلد والسلم الاجتماعي وفق ذات البيان.
من جهته، يستبعد رابح الخرايفي، أستاذ القانون العام والمتخصص في القانون الدستوري، أن "يمسّ تنقيح القانون الأساسي لهيئة الانتخابات من استقلاليتها"، لافتاً إلى أن "تركيبة الهيئة الحالية غير مكتملة وفي غياب البرلمان (منحلّ)، فإن صلاحية التشريع تعود إلى رئيس الجمهورية".  يشار إلى أن ثلث أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات قد انتهت ولايتهم منذ عام 2020، ومنهم رئيسها نبيل بفون.

ويعتبر الخرايفي أن "رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، خرج عن الحياد عندما اعتبر أن إجراءات 25 يوليو 2021، خروجاً عن الدستور"، مشيراً إلى أنّ "رئيس هيئة الانتخابات أصبح طرفاً سياسياً". وشدّد الخرايفي على أن "التركيبة الجديدة للهيئة التي ستتكوّن من قضاة ومن الأعضاء السابقين لهيئات الانتخابات المنتخبين من البرلمان، لهم من الصدقية والكفاءة ما يؤهلهم للاضطلاع بالمهمّة".
وينفى الخرايفي أن تكون "هيئة الانتخابات السابقة مستقلة بالفعل، لأنها منتخبة من قبل كتل سياسية وحزبية في البرلمان، ما يُسقِط عنها صفة الاستقلالية".
وبخصوص الجدل بشأن المرسوم، يقول الخرايفي إنّ "الغاية هي إبراز رئيس الجمهورية كشخص مستبد"، لافتاً إلى أن "القانون صدر في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، وأصبح من قوانين الدولة".

يشار الى ان الرئيس التونسي قيس سعيد استبدل هذا العام أيضاً، المجلس الأعلى للقضاء الذي يضم مجلس القضاء العدلي والمالي والإداري، في خطوة فجرت احتجاجات، وقال قضاة وسياسيون إنها تهدف للسيطرة على القضاء.
وفي الصيف الماضي، عزل سعيد الحكومة وجمد البرلمان قبل أن يحله لاحقاً. ويحكم منذ الصيف الماضي بمراسيم قال إنها لا تقبل الطعن، في خطوة وصفها معارضوه بأنها انقلاب. لكن الرئيس قال إن تلك الخطوات كانت ضرورية لإنقاذ البلاد من الانهيار.

وأعلن سعيد نهاية عام 2021 عن خريطة طريق سياسية تضمنت استشارة وطنية إلكترونية انطلقت مطلع العام الحالي وانتهت في مارس الماضي، وشارك فيها أكثر من 500 ألف تونسي قدموا مقترحاتهم وأجوبة عن أسئلة تتعلق بالنظام السياسي في البلاد، ومواضيع أخرى تشمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وصفها الرئيس "بالناجحة".
ومن المنتظر أن تعمد لجنة إلى جمع مقترحات المواطنين ووضع الخطوط العريضة لاستفتاء على الدستور في 25 يوليو المقبل. وتنظم في 17 ديسمبر 2022 انتخابات نيابية جديدة.