بذكره لنظام عالمي جديد:

الرئيس جو بايدن يلهب أتباع نظرية المؤامرة...!

الرئيس جو بايدن يلهب أتباع نظرية المؤامرة...!

-- لا بد من تمييز التعبير في بعده الجيوسياسي عن ذاك المرتبط بنظرية المؤامرة
-- وُلد النظام العالمي الجديد باعتباره أسطورة تآمرية في الخمسينيات من القرن الماضي داخل اليمين المتطرف المناهض للشيوعية في أمريكا
-- إن فشل الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا من شأنه أن يرسل إشارة إيجابية إلى بكين ويمكن أن يوقّع بشكل قاطع على نهاية الهيمنة الغربية


   في ثلاث كلمات قيلت خلال خطاب يبدو عاديًا، قدم الرئيس الأمريكي عن غير قصد مادة أساسية لمحيط أتباع نظرية المؤامرة.
   تعبير “النظام العالمي الجديد” له طابع مدهش لأنه يُهستر الشبكات الاجتماعية وأتباع نظرية المؤامرة في كل مرة يتم استخدامه في سياق سياسي كلاسيكي. يُستخدم أحيانًا في الجغرافيا السياسية لوصف فترة من التغيير الكبير، ويتم تحويله بانتظام لتغذية نظرية مؤامرة على خلفية حكومة عالمية استبدادية بقيادة قوى الظلام وكلها غالبًا ما تكون مصحوبة بدلالات معادية للسامية.

  تزداد أهمية قدرته على تعبئة رموز المعلومات المضللة عندما يتم استخدام هذا التعبير، موضوع كل التخيلات، من قبل رئيس أمريكي خلال فترة الأزمات وعدم اليقين. هذه هي الطريقة التي أيقظ بها خطاب عادي للغاية لجو بايدن، ألقاه أمام جمهور من رجال وسيدات الأعمال في واشنطن يوم الاثنين 21 مارس، كل فضاء نظرية المؤامرة.
    استمرت اللقطة أقل من دقيقة: “كما قال لي أحد أفضل الجنود في اجتماع في ذلك اليوم، يقول جو بايدن، توفي 60 مليون شخص بين 1900 و1946. ومنذئذ، أنشأنا نظامًا عالميًا ليبراليًا “...” والآن هو الوقت الذي تتغير فيه الأمور. سيكون هناك نظام عالمي جديد وعلينا أن نقوده، وعلينا توحيد بقية العالم الحر للقيام بذلك «.

   على الفور، اشتعلت النيران في الويب في أركان العالم الأربعة ووجد التعبير نفسه في أعلى الاتجاهات على تويتر في العديد من البلدان.
 وفي غضون ساعات قليلة، تجاوز مقطع الفيديو سقف 4 ملايين مشاهدة بفضل نشره من قبل الحسابات المؤثرة التي تنتمي في معظمها إلى اليمين البديل والتي لم نعد نحتاج الى إثبات قربها من أطروحات المؤامرة. وفي فرنسا، لم يتأخر فلوريان فيليبو وفرانسوا أسلينو في المشاركة في الاحتفالية، دون مفاجأة.

ثلاث كلمات، اتجاهين
   لا بد من تمييز التعبير في بعده الجيوسياسي عن ذاك المرتبط بنظرية المؤامرة. ظهر الأول في نهاية الحرب الباردة، بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، لتسمية عالم الأحادية القطبية، مسترشدًا بشكل أساسي بقيم ومبادئ العالم الغربي -وبشكل أكثر تحديدًا الولايات المتحدة، التي كانت حينها القوة العظمى الوحيدة في العالم.

    يمكن اعتبار هذا المفهوم، باللغة الإنجليزية “النظام العالمي الجديد”، استمرارًا مباشرًا للصفقة الجديدة في الثلاثينات والحدود الجديدة في الستينات. انه “يتنزل في الصيغ التي تعبّر عن فكرة الجدّة في الدبلوماسية الأمريكية”، كما تلخصه موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت.
وفي حين أن العديد من المخاطر لا تزال تهدد السلام في نهاية القرن العشرين “الإرهاب، والحروب الأهلية والدينية والعرقية، وعنف عمليات بناء الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان”، أصبحت الولايات المتحدة الضامن الوحيد للنظام الدولي.

   أما النظام العالمي الجديد باعتباره أسطورة تآمرية، فقد نشأ في الخمسينات من القرن الماضي داخل اليمين المتطرف المناهض للشيوعية في الولايات المتحدة، مما أثار خطر الاستبداد الاشتراكي العالمي. ولكن منذ عام 1990، تم إحياء التعبير وتطويره من خلال تجميع العديد من نظريات المؤامرة الثانوية فيه.
   أصبح “مرادفًا لسلطة لا تقبل القسمة لنخبة ‘معولمة’ سيعلن ظهورها بوضوح نهاية الأزمنة “...” الصراعات والأزمات الاقتصادية والانتفاضات الشعبية والمجاعات والكوارث الصناعية والإرهاب والأوبئة والتحركات السكانية والظواهر الطبيعية أو العلمية غير المفهومة من قبل عامة الناس ... كل هذه الحقائق مبرمجة مسبقًا، وتوجد على الاجندة الكبيرة لـ “سادة العالم” الذين يقررون كل هذا في اجتماعات مثل اجتماعات بيلدربيرغ أو اللجنة الثلاثية”، يحدد المرصد الفرنسي لمراقبة نظرية المؤامرة.
   تنتشر على نطاق واسع على الإنترنت، تعود هذه النظرية بانتظام الى مقدمة المسرح وفقًا للأحداث الجارية.

ماذا عنى جو بايدن؟
    وإذا كان لنا أن نصدق ردود أفعال المجال التآمري، فقد شرح جو بايدن الخطة الجديدة لـ “العولميين” خلال هذا الخطاب. وفي تغريدة انتشرت على نطاق واسع، يوضح إيرول ويبر، المرشح الترامبي من كاليفورنيا، هذه الحالة الذهنية تمامًا: “ها هي نظرية مؤامرة أخرى تتحقق”. من الواضح أن كل هذا مجرد معلومات مضللة، لأن جو بايدن لم يكشف عن أي شيء سرّي.

    يتقاسم عدد كبير من المحللين ملاحظة الرئيس الأمريكي منذ عدة سنوات: النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة موضوع جدل وتساؤل في أعقاب ظهور قوى عظمى جديدة، في مقدمتها الصين، وتراجع زعامة الولايات المتحدة.
   وتتقلص قدرة العم سام على التأثير في تسيير الشؤون الدولية كلما فسحت القطبية الأحادية للتسعينات المجال لنظام متعدد الأقطاب. وقد أدت هجمات 11 سبتمبر 2001، أو الفشل في أفغانستان والعراق، أو رئاسة دونالد ترامب، إلى تسريع هذه العملية.
   من وجهة النظر الأمريكية، فإن الحرب في أوكرانيا هي أكثر من مجرد صراع بين دولتين. إنها مواجهة غير مباشرة بين المعسكر الليبرالي “أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان وأستراليا ...” والمعسكر السلطوي “الصين وروسيا” والتي يمكن أن تكون نقطة تحول للنظام الدولي في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين.

   وإذا لم تكن دولة فلاديمير بوتين قادرة على التنافس بمفردها مع الولايات المتحدة، فإنها مع ذلك تلعب دور الشوكة في الحلق. فهي من ناحية، تؤخر إعادة انتشار الدبلوماسية الأمريكية في آسيا، ومن ناحية أخرى، تختبر قدرة رد الفعل للمعسكر الغربي.
   علاوة على ذلك، تسمح الصين لشريكها بالعمل عسكريا وتهتم بالحفاظ على بعض الغموض بشأن موقفها فيما يتعلق بالحرب. امبراطورية الوسط، التي غذّت طموحات هائلة للعقود القادمة، تراقب وتدون ملاحظات. إن فشل الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا من شأنه أن يرسل إشارة إيجابية إلى بكين، ويمكن أن يوقّع بشكل قاطع على نهاية الهيمنة الغربية.

   اذن “نظام عالمي جديد” بصدد البناء... هل ستظل واشنطن عاصمته مجددا؟ جو بايدن يريد ذلك، ولهذا أدلى بهذه التعليقات في 21 مارس.