السبب ليس دينياً.. لماذا لم تختر إيران بعد بناء قنبلة نووية؟
تناول الأستاذ المشارك في جامعة كونكورديا الكندية الدكتور جوليان سبنسر-تشرشل والمحلل السياسي الإيراني بهروز أياز الأسباب التي حالت دون تطوير إيران أسلحة نووية لغاية اللحظة.وتساءلا أنه طالما تسود في إيران توقعات باستمرار العقوبات والعدوانية الأمريكية وطالما أن ثمة احتمالاً مرتفعاً بعدم معارضة روسيا والصين تسلحها النووي، فلماذا لم تجتز إيران العتبة النووية كما فعلت جارتها باكستان سنة 1998؟ فحتى ترسانة نووية صغيرة تضم عشرات الأسلحة ستكون كافية لجعل أي تهديد بهجوم تقليدي منخفض الاحتمال كما هي الحال مع كوريا الشمالية، كما ستوفر لها مظلة نووية لجهودها في العراق وللحلفاء مثل سوريا.أوضح سبنسر-تشرشل وأياز في موقع “ريل كلير وورلد” أن المحدد الأساسي للامتناع عن تحقيق هذا الهدف، ليس الخوف من العقوبات لأن إيران معتادة عليها، وليس تحريم الإسلام لها لأنّ أولوية الثيوقراطيين هي نجاة النظام ولو على حساب الفقه الإسلامي، وليس أيضاً الخوف من ردة فعل أوروبية ضد إيران، لأن العلاقة بين بروكسل وطهران مستقرة. إن المحدد الرئيسي للتسلح النووي الإيراني هو مدى الدعم الديبلوماسي الذي تمنحه لها الصين وبشكل أساسي روسيا.
بينما تشكل الصين مستهلكاً للطاقة الإيرانية وتشاطر طهران في علاقة الخصومة مع الولايات المتحدة، كل في منطقته الخاصة، لبكين علاقة على المستوى نفسه من الأهمية مع المملكة العربية السعودية، ومع باكستان التي تربطها مع طهران العديد من الخلافات. علاوة على ذلك، تعارض الصين بشدة أي تهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز وهو رافعة طهران الاستراتيجية الأساسية ضد المصالح الأمريكية. بالمقابل، تشاطر روسيا هدف إيران الاستراتيجي بموازنة النفوذ التركي في القوقاز وستستفيد مادياً من الحصار النفطي في الخليج العربي. بالتالي، تمثل روسيا الحليف الذي يملك بشكل مستمر أهدافاً مشتركة مع إيران.
نظرة موسكو الفعلية إلى القنبلة الإيرانية
أكد الكاتبان أنه بالرغم مما سبق، من الواضح أن موسكو لا تريد من طهران امتلاك ترسانة نووية وتدخلت في مسعى إيران عند مراحله الأخيرة في تكنولوجيا صناعة القنبلة النووية. نادراً ما تمارس روسيا حق النقض في مجلس الأمن لوقف قرارات مناهضة لإيران مصنفة ضمن الفصل السابع. في الواقع، لم تنتقد روسيا قط سلوك إسرائيل في التخريب والاغتيالات ضد جهود إيران البحثية في المجال النووي. سبب ذلك اعتقاد روسيا بأن ترسانة نووية أجنبية كترسانة إيران ستحيّد توسيع موسكو فضاءها الدفاعي ضمن محيطها.
تتسم الثقافة الروسية الاستراتيجية بانعدام أمان وجودي وبالبحث عن أمن جغرافي من خلال العمق. على النقيض من ذلك، تشعر الصين بأنها أكثر أماناً على المستوى الاستراتيجي وهي تشجع بالتالي الانتشار النووي لدى حليفيها المجاورين كوريا الشمالية وباكستان. علاوة على ذلك، لدى طهران مظالم طويلة المدى مثل توغلات روسية من العصر الاستعماري، وفي وقت أقرب، من الانفصالية التي حرضت عليها روسيا في محافظتي أردبيل وأذربيجان الشرقية سنة 1946.
تابع الكاتبان أن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 قد يغير هذه الحسابات بما أن روسيا محفزة الآن لإيجاد مصادر تشتيت استراتيجي للولايات المتحدة حتى ولو كانت من ضمن مجال نفوذها المحتمل. تعاونت روسيا مع إيران حول أنظمة تسليم المقذوفات وقد أطلقتا بشكل مشترك قمراً اصطناعياً إيرانياً من كازاخستان في التاسع من أغسطس الحالي. القلق الأساسي في واشنطن هو التهديد بتزويد موسكو طهران منظومات أس-400 الدفاعية القادرة على اعتراض القاذفات الشبحية لأمريكا وإسرائيل في حال أرادتا استهداف بنيتها التحتية النووية. إضافة إلى ذلك، ينقص الولايات المتحدة القدرة البرمائية للدفاع عن تايوان وإعادة فتح مضيق هرمز في آن. لكن الحرب في أوكرانيا برهنت حدود نوعية وكمية الأسلحة الروسية وبالتالي مخاطر المساعدة الروسية لإيران.
إذا ظهر أن روسيا ضعيفة فقد تتخلى عنها بكين في إطار سعيها للحفاظ على الوصول إلى الأسواق الغربية مما يدفع طهران إلى تحويل مصدر سلوكها الديبلوماسي والاستراتيجي نحو بكين. قد يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في أهمية اتفاق التعاون الشامل بين إيران والصين والذي يمتد لخمسة وعشرين عاماً ويمكن أن تفيد إيران من الرعاية الصينية بطريقة شبيهة لما يحصل مع باكستان.
بإمكان الصين توفير منظومة الدفاع الجوي أتش كيو-9 التي يمكن أن تقلص فاعلية الهجمات الجوية السرية ضد المنشآت الإيرانية. لكن الصين قد ترتدع عن توفير دعم علني لترسانة ذرية إيرانية بفعل تهديدات أمريكية مماثلة تحذرها من عدم إطلاق برنامج ياباني للأسلحة النووية. وخلص الباحثان إلى أن معضلة طهران بعدم قدرتها على توفير حليف ملتزم بما يكفي لحمايتها بينما تطور أسلحة نووية ستستمر.