كابول مهمة لبكين لتطوير خطط مبادرة الحزام والطريق

الصين في أفغانستان: فرصة نادرة أم كأس مسمومة؟

الصين في أفغانستان: فرصة نادرة أم كأس مسمومة؟


تبادل وزيرا خارجية الصين وأفغانستان أطراف الحديث لنحو ساعةٍ كاملة في الثاني عشر من يناير -كانون الثاني الحالي، إذ تناولا التنمية الاقتصادية في أفغانستان، وضمان سلامة العاملين الصينيين المشاركين في المشروعات الأفغانية.
جاءت هذه المحادثات في أعقاب التوقيع على اتفاقية التنقيب عن النفط في 5 يناير -كانون الثاني بين شركة شينجيانج آسيا للبترول والغاز الموارد السائلة وحكومة أفغان طالبان.
كانت هذه الاتفاقية تحولاً مفاجئاً في مسار الأحداث، نظراً إلى أن بكين منذ بضعة أسابيع وحسب – وتحديداً إثر الهجوم الإرهابي الذي وقع في كابول في 12 ديسمبر-كانون الأول الماضي وأسفرَ عن إصابة خمسة مواطنين صينيين بجروح، كانت تنصح مواطنيها بالرحيل عن أفغانستان.

أفغانستان.. موارد طبيعية يصعب مقاومتها
إن حكومة الصين، شأنها شأن غالبية الدول، لا تعترف رسميّاً بإدارة طالبان الأفغانية. ومع ذلك، فالطبيعة الجغرافية لأفغانستان وإغواء مواردها الطبيعية أقوى من أن تقاومهما الصين، وفق أنطونيا كوليباسانو، محللة أولى في مركز “جيوبوليتيكال فيوتشرز».
وأوضحت الباحثة في تحليل نشره مركز البحوث الأمريكي أن الصين ودولاً إقليمية أخرى، كالهند وباكستان، تنظر إلى أفغانستان نظرةً مُغايرة لتلك التي تنظر بها إليها الولايات المتحدة نظراً لقربها الجغرافي منها ومصالحها الإستراتيجية فيها.
فأفغانستان تقع على الحدود مع كشمير، وهي منطقة مُتنازع عليها بين ثلاث دول. فضلاً عن ذلك، فاستقرار أفغانستان بالنسبة للصين يمكن أن يكفل لها بوابة إلى نفوذٍ أوسع نطاقاً في آسيا الوسطى، ويعمل عَمَل المنطقة العازلة في مواجهة انتشار التطرف إلى أقاليم الأويغور الصينية على مقربةٍ من الحدود.

أفغانستان غنية
 بالعناصر المعدنية
ويُعْتقَد أيضاً أنّ أفغانستان غنية بالعناصر المعدنية النادرة كاللانثانوم والسيريوم والنيوديميوم، علاوةً على معادن أخرى عظيمة القيمة مثل الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم. وتُهيمن الصين على الإنتاج العالمي لمعادن الأرض النادرة وإمداداتها الحيوية للطاقة المتجددة والتطبيقات الدفاعية، وتسعى جاهدةً لتأمين مكانتها في السوق.
وفي ضوء المنافسة المتزايدة من بلدان أخرى تسعى إلى تأمين إمداداتها الخاصة والحد من اعتمادها على الصين، ترى بكين أن العلاقات المتطورة مع أفغانستان خطوة أساسية نحو الحفاظ على هيمنتها على المدى البعيد في سوق المعادن الأرضية النادرة.
فضلاً عن ذلك، تُعدُّ أفغانستان محورية أيضاً لتطوير الصين لخطط مبادرة “الحزام والطريق”. وأي حالة عدم استقرار في أفغانستان ستُعرقِّل تطوير الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي سيمنح الصين القدرة على الوصول إلى البحر العربي عبر باكستان.
وتريد باكستان أن تضمن هدوء الإقليم الغربي الذي تهيمن عليه عرقية البشتون. وقد حاولت الهند التي تخشى من أن تُحْكِم باكستان سيطرتها على أفغانستان وتستغلها للتوسُّع أن تساعد إيران على إنشاء المزيد من البنى التحتية المتصلة بينها وبين أفغانستان.
وتحتاج إيران من جهتها استثمارات لتنشيط اقتصادها ودعمه، وتود أن تَحُول دون نمو أعمال التمرد على حدودها. وبحثت إيران والصين لفترة طويلة فرصَ أن تصبح إيران شريكةً في مبادرة “الحزام والطريق”. ومع ذلك، تُقيِّد المصاعب الداخلية قدرة باكستان وإيران على التأثير على كابول.

أفغانستان أضعف
 دولة في المنطقة
ومع ذلك، تظل أفغانستان أضعف دولة في المنطقة بأسرها اجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، وفق الكاتبة، ولذلك يُعدُّ مشروع تطوير النفط بالغ الأهمية أيضاً لكابول. وهذا هو اتفاق التنقيب الأول الذي وقَّعَته حركة “طالبان” مع كيانٍ أجنبي منذ أن استعادت السيطرة على الدولة عام 2021.
وليس من السهل، برأي التحليل، أن تضع الصين ما يكفي من الثقة في نظام طالبان بحيث تُبرر هذا الاستثمار. ولكن، رغم أنّ الصين يبدو أنها في المقدمة، هناك الكثير من البلدان الإقليمية التي تنافسها على ممارسة نفوذ في أفغانستان، ويبدو أن ثمن ضمان الاستقرار في البلد الجنوب آسيوي أعلى مما تتوقع البلدان المحتملة الراعية له.
وأوضحت الكاتبة أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، تعاملت حكومة طالبان مع مشكلتين جسيمتين. أولاً، رغم أن العنف انحسرَ إجمالاً، صعدَ نجم داعش بوصفه خطراً أمنيّاً كبيراً. وثانيّاً، يعتمد اقتصاد أفغانستان على المساعدات الخارجية حصراً.

وفرضَ الغرب والأمم المتحدة عقوبات على طالبان بعد أن أطاحت الحركة بالإدارة التي تدعمها الولايات المتحدة، إذ جمّدَا أصولاً أفغانية بقيمة 9.5 مليار دولار. ولم يساعد رفع العقوبات لأسباب إنسانية الدولة الفقيرة إلا قليلاً. وبحسب استطلاعات آراء مؤسسة غالوب، وُجِدَ أن 9 من كل 10 أفغانيين أفادوا بأنهم يجدون “صعوبة” أو “صعوبة جسيمة” في تسيير أمورهم الحياتية بمداخيلهم الحاليّة. وما زالت بقايا الحرب المديدة كالألغـــــام الأرضيــــــة تعرقــل العــــــــودة إلــــــى الأوضـــاع الطبيعية.
ورأت الكاتبة أن الصين في وضع مثالي يسمح لها باستغلال الفراغ الذي تركه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. خلال تسعينيات القرن العشرين، تعاملت بكين مع حركة طالبان، واستطاعت أن توقف تسلل المقاتلين إلى غرب الصين.
وبينما استعادت طالبان سيطرتها على العاصمة في أغسطس 2021 (آب)، وسط إدانات واسعة النطاق، شجعتها بكين على تنفيذ عملية انتقالية سلسة والحد من الأعمال الإرهابية والإجرامية.

تزايد النفوذ
 الصيني  في أفغانستان
ورغم مبدأ عدم التدخل الذي تلتزم به بكين، فقد زادت نفوذها في أفغانستان فقط منذ ذلك الحين، إذ أمدتها بالمساعدات واستضافت اجتماعات متعددة الأطراف بغرض الانخراط مع طالبان والتودد إليها.
وشجعت الحكومة الصينية الشركات الصينية على التوغل في أفغانستان. ففي عام 2022، بدأ مصنع صلب صيني أعماله في البلاد، ووافقت كابول على مشروع مُشترك مع بكين بهدف إقامة مشروع منطقة صناعية بتكلفة 216 مليون دولار تسع 150 مصنعاً بحدٍ أقصى على أطراف العاصمة الأفغانية.
ولكن، رغم جهود الصين، فتصورات الأفغان تجاه القيادة الصينية آخذة في التدهور، وكذلك تصوراتهم تجاه الولايات المتحدة وروسيا.

عوامل تقوّض
 سيطرة الصين
وأوضحت الباحثة أن هناك ثلاثة عوامل ستقوِّض قدرة الصين على أن تستغل فرصة رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان الاستغلال الأمثل. أولها أنّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الصينية تستنفد قدرتها على الاستثمار في مبادرة “الحزام والطريق».
وثانيها أنه رغم أنّ الفرص الاقتصادية الأفغانية كبيرة، فإن غموضاً كبيراً يكتنف أجواءها السياسية أيضاً.
وأخيراً، وربما العامل الأهم على الإطلاق، أن أفغانستان محورية لمناورة أوراسيّة كبيرة قائمة حاليّاً.
إن ما يحدث في أفغانستان، شأنه شأن الحرب المُستعرة في أوكرانيا والحرب الاقتصادية العالمية الدائرة، سيُشكِّل ميزان القوى بين أبرز الأطراف المشاركة، ولكن ربما ليس بالطرائق التي قد يتوقعها المرء.
واختتمت الباحثة تحليلها بالقول: إذا تعلّمت القوى الخارجية أي درس من تاريخ أفغانستان، فهو أنّ الدولة التي تستثمر أكثر في محاولة السيطرة عليها تخسر دائماً في نهاية المطاف.