المستهلكون يدفعون الثمن.. نداءات في أوروبا للعودة إلى الغاز الروسي

المستهلكون يدفعون الثمن.. نداءات في أوروبا للعودة إلى الغاز الروسي

تحدث الزميل البارز في المجلس الأطلسي آلان رايلي عن أصوات في أوروبا تنادي بالعودة إلى إحياء علاقات الطاقة مع روسيا، بعد القطيعة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وكتب في “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أنه على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة، أقامت شركات الطاقة الغربية علاقات شخصية وتجارية عميقة مع الاتحاد السوفيتي ومع صناعة الغاز الروسية. وكان أكبر عنصر في هذه العلاقات المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، الذي مهد الطريق لمشروع أنبوب الغاز نورد ستريم 1، وبات رئيساً للمشروع بعد تركه المستشارية. وإلى جانب وظيفته، كان مؤيداً لعلاقة ألمانية روسية أقوى على صعيد الطاقة.
 
ويعتبر شرودر وشخصيات مماثلة، في قطاع الطاقة الأوروبي، أن الحرب الروسية الأوكرانية شأناً صغيراً، لا يستوجب بالضرورة قطع التجارة مع روسيا. صحيح أن صادرات غازبروم عبر أنبوب النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، تقلصت، ولكن العديد من الشركات والقادة السياسيين يريدون العودة إلى الوضع “الطبيعي” في أسرع وقت ممكن. وفعلاً، دعا رئيس وزراء مقاطعة ساكسوني الألمانية مايكل كريتسشمر إلى إصلاح خط نورد ستريم 1،  ومعاودة ضخ الغاز الروسي.
وفي إيطاليا، انتخب باولو سكاروني، أحد أعضاء الحرس القديم للتعاون الإيطالي الروسي في الطاقة، رئيساً لشركة إيني الإيطالية العملاقة للطاقة.
 
وليس صعباً تكرار اللعبة ذاتها. إن جمهور “العمل مثل المعتاد” بقيادة أمثال شرودر وسكاروني، سيدفع نحو إبرام اتفاقات لتدفق الغاز من موسكو.
للوهلة الأولى، تبدو عودة الشرودرية مستحيلة. فقد تدنت واردات النفط الروسي إلى أوروبا من 40% إلى نحو 5 %. وألمانيا التي تعتبر أكبر مستورد للغاز الروسي، أمنت عدداً من الناقلات لإعادة تسييل الغاز الطبيعي، لاستيراد هذه المادة. ويتحدث الوزراء الألمان دائماً عن التنويع في مصادر استيراد الغاز. وستحصل ألمانيا على الغاز الطبيعي النرويجي، والغاز المسال، والرياح والطاقة الشمسية، وكل شيء بإستثناء الغاز الروسي.
ومع ذلك، لم يختفِ الغاز الطبيعي الروسي عن شاشة الرادار. وإذا تقلصت الواردات عبر الأنبوب الروسي، فإن الواردات من الغاز الروسي المسال زادت. وفي الواقع، تأتي واردات الغاز الروسي المسال إلى الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بعد وارداته من الولايات المتحدة.
 
المسألة الأساسية الأخرى، هي أن نظام الدعم الاقتصادي والسياسي لواردات الغاز الروسي في أوروبا الغربية، لم يتلاشَ. وكل ما في الأمر، أنه يسعى ليكون أقل ظهوراً، لكن هذا النظام موجود ومستعد لمعاودة الانخراط والدفع نحو الغاز الروسي، عندما تتاح له الفرصة. هناك فعلاً رئيس وزراء مقاطعة ساكسوني الألمانية، الذي يضغط لإصلاح أنبوب نورد ستريم 1. مبرراً ذلك بإقفال ألمانيا آخر ثلاثة مفاعلات نووية في 15 أبريل ( نيسان).
 
ووتتلاءم قضية استعادة الواردات من الغاز الروسي عبر نورد ستريم 1، مع استراتيجية أوسع لمؤيدي الغاز الروسي، من الألمان. وهم يعلمون أن من الصعب أن تتكيف ألمانيا مع مصادر بديلة كافية من الطاقة الروسية، مع وضع حدٍ لواردات الغاز الروسي. إن توقف ستة مفاعلات نووية في الأعوام الثلاثة الماضية، يزيد الحاجة إلى المزيد من الطاقة من أماكن أخرى.
وسكاروني مثل آخرين لم يعد التفكير ولا ندم على علاقاته القوية مع الروس. واستمر يؤكد أن إيطاليا تحتاج إلى الغاز الروسي لعقد آخر وعارض العقوبات على روسيا، رغم أن الغزو الروسي لأوكرانيا يهدد الأمن الأوروبي والنظام الدولي.
 
المستهلكون الأوروبيون يدفعون الثمن
لا شك أن تصرفات أشخاص مثل سكاروني وشرودر وآخرين في مؤسسة الطاقة الأوروبية، شجعت بوتين على التفكير في غزو أوكرانيا وجعلت أوروبا أكثر اعتماداً على الغاز الروسي، وعندما سحبت موسكو بساط الطاقة من تحت أقدام الاتحاد الأوروبي، انتهى الأمر بالمستهلكين الأوروبيين إلى دفع الفاتورة. إن تكاليف واردات الطاقة في الاتحاد الأوروبي في 2022 بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في 2021.
ليس صعباً رؤية سكاروني يهرع قريباً إلى التنسيق مع المؤيدين للروس في مؤسسة الطاقة الألمانية، للدفع نحو استئناف الواردات من الغاز الروسي. وكل ما يحتاجه الأمر، شتاء قارس ومحدودية في الغاز المسال، وارتفاع أسعار الطاقة، حتى نجد سكاروني يسعى إلى استئناف التدفقات الروسية، بالتنسيق مع شرودر وآخرين من “المتفهمين لوضع الطاقة”. وهكذا، فإن عودة الشرودرية إلى قطاع الطاقة الغربي ستكون جارية بالكامل عندئذٍ.