اليوبيل الذهبي لجريدة الفجر ونصف قرن من العطاء والولاء للوطن

اليوبيل الذهبي لجريدة الفجر  ونصف قرن من العطاء والولاء للوطن

يتفق الذين عاصروا ولادة دار وصحيفة، أو كما يطلق عليها الآن جريدة الفجر والتحديات التي مرت بها وأولئك الذين عايشوا بعض مراحل تطورها على أنها كانت صحيفة متميزة بكل المقاييس وإحدى الأذرع الوطنية للدولة في كل الأوقات فقد ساهمت في مراحل تأسيس الدولة الأولى بتعزيز البناء وجمع اللحمة الوطنية، فكانت خير عون لجيل المؤسسين ومن تلاهم من خلال نشر الوعي بأهمية قيام كيان قوي لدولة تجمع إماراتنا الحبيبة تحت سقف بيت واحد، إلى أن أصبحت على ما هي عليه الآن..
خمسون عاما مضت على تأسيسها وبداية صدورها كصحيفة يومية مستقلة صادرة باللغة العربية الفصحى،ولا أخفي سعادتي وسروري في مشاركتي لصحيفة الفجر الغراء احتفالاتها بيوبيلها الذهبي في ذكرى مرور خمسين عاماً على صدورها كواحدة من أقدم المطبوعات في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولعل السبب يعود إلى أننا كبرنا معاً منذ نشأتها فللذين لم تزل تسعفهم الذاكرة حتماً سيتذكرون أن مقر جريدة الفجر كان لا يبعد سوى ما يقرب المائتي متر عن مدرسة المأمون والتي يحل مكانها في أيامنا هذه جامعة خليفة في أبوظبي وللعلم فإن المأمون كانت مدرستي الابتدائية بكامل مراحلها في طفولتي.
كنت أشاهد دار الفجر للمطبوعات قبل وصولي لمدرستي وعند إيابي للمنزل بشكل يومي وعلى مرور أعوام عديدة.
ثم تغيرت مدرستي بمرور الأيام والأعوام عند انتقالي للمرحلة الإعدادية ومن بعدها الثانوية إلا أن طريقي من أمام دار الفجر لم يتغير فقد كان ذلك الشارع أو ما يعرف الآن بشارع المرور هو الطريق المفضل لي ولعائلتي للوصول إلى أعمق نقطة ممكنة في أبوظبي لقضاء احتياجاتنا الضرورية في ذلك الوقت.
اليوم نتشارك وصحيفة الفجر احتفاءها بالذكرى الخمسين لتأسيسها والذي يعد تكريماً لإحدى منارات العقل والعلم في وطننا الحبيب حيث تعود بنا الذاكرة ليس إلى مجرد تأسيس وتشييد مؤسسة إعلامية وفكرية وطنية جعلت من الحقيقة والمصداقية هدفاً لها فقط بل إلى تلازم العقل والعلم في أسلوب ومضمون عملها أيضا.
ومع تعاقب المسارات والرموز التي أسهمت في تأسيس وتطوير صحيفة الفجر بدءا من السيد عبيد حميد المزروعي وصولاً إلى الدكتور شريف الباسل واللذين يعدان مدارس عربية في العمل الصحفي والإعلامي، فقد التزما مهنياً خلال مسيرتهما بتوثيق مراحل بناء دولة الاتحاد من خلال دورهما الصحفي والإعلامي الذي يقدم الدليل العملي الملموس والمستند إلى احترام العقل والذي برهن على أنه لا خلاص لشعب الإمارات إلا بالاتحاد ولا قوة أو منعة لشعبنا إلا بوحدة اليد والفكر والضمير.
وأنه لجدير بنا أن نقف ونتفكر في هذه اللحظات التاريخية لنجد أن تميز صحيفة الفجر لم يكن يحسب أبدا في يوم من الأيام بالأعوام فقط وإنما بالأعمال التي ارتقت إلى مستوى رسالة الوطن.
فقد استطاعت هذه الصحيفة عبر مسيرتها المهنية التي امتدت إلى خمسين عاما ونيف أن تكون علامة فارقة على خارطة الصحافة والإعلام ليس على مستوى الصحافة المحلية فقط بل تجاوزت ذلك إلى المستوى الإقليمي الخليجي والقاري والعربي.
وقد حازت تلك المكانة الرفيعة بفضل رسالتها الإعلامية التي بشرت بها وتبنتها ودافعت عنها منذ البدايات على الرغم من مشقات الطريق، في حين لم تزدها الصعاب التي واجهتها إلا مزيدا من التصميم والقوة فكانت تزداد ألقا وبريقاً كلما اعترضتها التحديات طوال سنواتها الحافلة بالجد والعمل الصادق والدائب.
أذكر أن دار الفجر للطباعة والنشر والإعلان جاءت بعد قيام دولة الاتحاد بأعوام قليلة وتحديدا في العام ١٩٧٥.
حينها لم يزل عود الاتحاد وليداً غضاً تهفو إليه القلوب لتحيطه بالعناية وترنو إليه الأرواح لتسقيه بالتضحيات، وتتطلع نحوه العقول لتستبشر بغد أجمل، فكانت الفجر على قدر المسؤولية والتضحية وعلى مستوى الحدث وهي تبشر بصباح جديد ليس هذا وحسب بل وتسهم بفاعلية في ترسيخ وتعزيز تجربة الاتحاد منذ مرحلة الولادة وحتى مرحلة التمكين ومواقفها المشرفة تشهد لها في المرحلة التي تلت تأسيسها مباشرة حتى اليوم في إبراز أدوار دولة الإمارات العربية المتحدة البطولية في كافة الأصعدة وعلى جميع المستويات والمحافل الإقليمية والدولية وإظهار دورها في ارتقاء و بناء الإنسان، فكتبت الفجر بأحرف من نور وسجلت بمداد من ذهب تلك البطولات والملاحم التاريخية.
وفي سبيل ذلك انتهجت الفجر المصداقية لتنمية الوعي بين أبناء الوطن وتبصيرهم بالتحديات التي تواجههم والتصدي لكافة القضايا بكل مسؤولية والتبشير بالمستقبل، وتحقيق الأحلام، كما بشرت بها قيادات هذا الوطن على مدار نصف قرن ونيف قد مضى.
كما وضعت صحيفة الفجر مصلحة الوطن نصب عينيها وفوق كل شيء ودعمت حضور المواطن في وسائل الإعلام فأثبتت وجودها كصرح إعلامي إماراتي استثنائي عدى عن سيرها على مدى خمسين عاماً بمنهج العمل الإعلامي الموضوعي وتمثلها لقيمه ومبادئه وتحقيقها الريادة الإعلامية المتميزة والتي شهد بها الجميع، مما جعلها تكرس قيمة القلم الوطني وتنقل المشهد بكامل تفاصيله الحية والموضوعية.
وأخيراً وليس آخراً كل الاحترام والتقدير للرجال الذين وقفوا ويقفون خلف هذه الدار الوطنية وللذين مضوا وبقيت ذكراهم عطرة.
.. ولا تزال الفجر وستبقى شامخة كشموخ الوطن ..