منصور بن زايد يزور المركز الوطني للأرصاد ويطلع على أبرز مشاريعه وتقنياته المتقدمة
نهاية النظام الدولي ذي القطبية الأحادية بقيادة واشنطن قد تكون قريبة جداً
باحث أمريكي: بوتين لا يلام على تراجع الديمقرطية حول العالم
لا يشك خبير شؤون الديمقراطية والتكنولوجيا ستيفن فلدستين في أن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل تحدياً بارزاً لليبيرالية الدولية. لكنه يرى أن اتهام الرئيس فلاديمير بوتين بإطلاق تراجع ديمقراطي واسع في دول ديمقراطية ليبيرالية هو قضية أخرى. إن تحميله المسؤولية عن ذلك يبالغ في تقدير نفوذه ويعطيه الكثير من الفضل في رسم اتجاهات خارجة عن إرادته.
كتب فلدستين في موقع "سابستاك" الأمريكي أن بوتين أعاد سياسات القوى العظمى إلى مركز الصدارة كاشفاً ومسرعاً لتحديين ناشئين للنظام الدولي. الأول هو الاتجاه نحو التعددية. استبق الخبراء ضمور نظام التحالفات والمؤسسات الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن معظمهم توقعوا أن يكون هذا الانتقال بعيداً بضع سنوات.
يشير انتهاك روسيا الفاضح للقانون الدولي واتفاقها الأخير مع الصين وبروز مراكز جديدة للتأثير السياسي والاقتصادي خارج الفضاء الليبيرالي الغربي إلى أن نهاية النظام الدولي ذي القطبية الأحادية بقيادة واشنطن قد تكون قريبة جداً. إن اعتداء بوتين غير المبرر على أوكرانيا قد يعزز حلف شمال الأطلسي ويضعف روسيا، لكن ازدراءه القوى الغربية قد يجعل الصين أكثر جرأة على اختبار الالتزامات الأمريكية في آسيا.
الاتجاه الثاني هو الديكتاتوريات الشخصانية التي تتزايد حول العالم والتي تمثل مخاطر محددة للنظام الليبيرالي والاستقرار الدولي. تميل البلدان التي يسيطر عليها زعيم واحد يتمتع بنفوذ كبير على السياسات الحكومية ونتائجها من خلال تجاوز قوانين ومؤسسات بلاده، إلى عدم احترام النظام الدولي.
ذكر مقال نشر في "فورين أفيرز" سنة 2016 أن هذه الأنظمة تنتج أكثر السياسات الخارجية مخاطرة وعدوانية وهي الأكثر قابلية للاستثمار في الأسلحة النووية وخوض حروب ضد الديموقراطيات ونزاعات بين الدول. إن تأثير روسيا على الوضع الديموقراطي الداخلي أقل إقناعاً. يقترح بعض المعلقين أن هجوم روسيا على أوكرانيا "نقطة انعطاف" بين الديموقراطية الليبيرالية والأنظمة الأوتوقراطية.
من المؤكد بحسب الكاتب أن روسيا حاولت زعزعة استقرار الديموقراطيات الغربية عبر التدخل في انتخاباتها وتقويض الحركات الديمقراطية في دول أخرى. لكن ليس واضحاً ما إذا كانت هذه التصرفات قد لعبت دوراً مؤثراً في تحريض التراجع الديمقراطي العالمي. في الواقع، يظهر بحث راهن أن دوافع التراجع الديموقراطي متجذرة إلى حد كبير في عوامل داخلية مرتبطة غالباً بالشعبوية والاستقطاب الاجتماعي.
لوم الصين مسألة سهلة
في الديمقراطيات القديمة مثل الهند والبرازيل، (ناهيكم عن الولايات المتحدة)، التي شهدت تدهوراً في نوعية حوكمتها، استغل قادة غير ليبيراليين غالبيات تشريعية كبيرة لتفكيك الضوابط المفروضة على السلطة التنفيذية وتقليص حرية التعبير واستقلالية الإعلام ومهاجمة حقوق الأقليات وشيطنة الخصوم السياسيين. يحصل هذا الانحدار بشكل مستقل عن النشاطات غير الليبيرالية لروسيا أو الصين حسب فلدستين.
خلال جلسة استماع في الكونغرس شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بشأن انتشار الأوتوقراطية حول العالم، قالت آن أبلبوم التي كتبت كثيراً عن صعود سياسات الرجال الأقوياء غير الليبيراليين في أوروبا الشرقية إن "واشنطن تحب الحديث عن تأثير الصين والتأثير الصيني لأن ذلك سهل، لكن في الواقع ما يربط فعلاً هذه المجموعة (من المتسلطين) ليست الصين إنما رغبة مشتركة بالحفاظ على سلطتهم الشخصية".
إساءة فهم المشكلة
حسب الكاتب، على الديمقراطيات الليبيرالية مقاومة عدوان بوتين لأن روسيا بسياسة انتقامية تتسبب بالحرب والكارثة لملايين الأشخاص وتقوض النظام الليبيرالي الدولي كما تزعزع السياسات الدولية بأساليب مقلقة. لكن الخلط بين أفعال بوتين وخسارة الحوكمة الديموقراطية في بلدان مختلفة حول العالم يسيء فهم المشكلة.
خلال جلسة الاستماع نفسها التي أدلت أبلبوم بشهادتها فيها، لاحظ المؤرخ في جامعة ييل تيموثي سنايدر أن المشكلة الأساسية التي تواجه الديموقراطيات، وخصوصاً الولايات المتحدة، هي أنها لم تعد تدري ما الذي تدافع عنه. هي تعاني من فقدان الثقة. "أعتقد أنه كانت لدينا مشكلة في تجسيد ما تمثله المثل العليا وإنجازات الديمقراطية في الواقع". وأضاف: "فقدان العقيدة هي مشكلة كبيرة بالنسبة إلينا". في الولايات المتحدة بالتحديد، توقفت الأحزاب السياسية بشكل كبير عن الحديث بشأن المستقبل وهي إما تحاول إعادة إحياء "الماضي المجيد" أو تدافع عن الحاضر.
اتجاهان متوازيان
من ناحية أولى، أصبح الرجال الأقوياء أكثر مهارة في استخدام السرديات الدعائية لتبرير حكمهم واستعمال تكتيكات قسرية لإبقاء المواطنين خاضعين لهم. من ناحية ثانية، تعجز الديموقراطيات بشكل متزايد عن الدفاع عن نفسها. هي عالقة في طريق مسدود وغير قادرة على حل مشاكل أساسية تقوض جميعها ثقة الجمهور في قدرتها على الأداء. إن المشاكل في الأداء ليست محصورة في الديمقراطيات. تعاني الدول المتسلطة من مشكلة عدم المساواة في توزيع الثروة، وهي عادة أكبر بكثير مما تواجهه الديموقراطيات. كذلك، يبتاع القادة الأوتوقراطيون الكفاءة السياسية المزعومة على حساب الفساد السياسي الهائل. لكن في الكثير من النواحي، لا يهم هذا الأمر.
لا يحتاج الأوتوقراطيون إلى إثبات أنهم متفوقون على الديموقراطيات، هم يحتاجون فقط إلى إظهار أن الديمقراطيات الليبيرالية لا تتفوق عليهم. إنهم يظهرون أن الديموقراطيات لم تعد بارعة في توفير السلع العامة إلى مواطنيها وفي معالجة غياب المساواة وفي إنتاج سياسيين قادرين على إخضاع مصالحهم الخاصة للخير العام.
حلقة مفرغة
أضاف فلدستين أن هذه الدينامية تؤدي إلى حلقة مفرغة: تواصل الديموقراطيات المتقدمة التأرجح بسبب عدم قدرتها على مواجهة انقساماتها السياسية بشكل مناسب، بينما يستغل الأتوقراطيون الضعف الديموقراطي عبر الضغط على النظام الدولي بما يؤدي إلى الإضرار بالليبيرالية العالمية. يتسبب هذا الأمر بتآكل مكانة الولايات المتحدة وحلفائها الديموقراطيين. يشير الكاتب إلى أن تآكل النظام الدولي الليبيرالي هو نتيجة لتراجع الديموقراطية داخل الدول عوضاً عن العكس.
حيوية ديموقراطية.. ولكن
بصرف النظر عما سيفعله بوتين في أوكرانيا، سيواصل القادة الأوتوقراطيون حول العالم البحث عن أساليب خلاقة لإخضاع مواطنيهم ونهب موارد بلادهم. لا يزال يتعين على الديموقراطيات الليبيرالية التعامل مع الجماهير المستقطبة والتيارات الشعبوية وخيبات الأمل السياسية. ربما يضخ التضامن الدولي المتزايد الحيوية التي تحتاج إليها كثيراً الحركات الداخلية التي تطالب بالديموقراطية والتي تجد نفسها اليوم في موقع دفاعي. لكن على الديمقراطيات الاعتراف أيضاً بأن هذا التماسك الجديد الناتج عن مواجهة عدو روسي مشترك لن يحل أزمات الثقة الداخلية. سيتطلب ذلك معالجة مُمْرضاتها غير الليبيرالية في الداخل حسب فلدستين.