باكستان وأفغانستان على مفترق طرق.. هل تصمد جهود الوساطة الصينية؟

باكستان وأفغانستان على مفترق طرق.. هل تصمد جهود الوساطة الصينية؟


تشهد العلاقات بين  باكستان وأفغانستان تدهورًا حادًا بعد تصاعد الاشتباكات الحدودية الأخيرة، وتحذيرات إسلام آباد لكابول، ما يثير مخاوف من أزمة طويلة الأمد بين الجارين.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية خاصة لـ»إرم نيوز» تعود جذور التصعيد الحالي إلى الهجمات المنسوبة لحركة طالبان باكستان، التي تُتهم بانطلاق عملياتها من الأراضي الأفغانية بحماية ضمنية من الحكومة الأفغانية.
وذكرت المصادر أن الهجمات المتزايدة لحركة طالبان باكستان داخل الأراضي الباكستانية منذ صعود طالبان في أفغانستان أعادت فتح جبهة خلاف قديمة.
ولفتت المصادر إلى أن إسلام آباد ترى أن الجماعة المسلحة أعادت تنظيم صفوفها، واستعادت قوتها، انطلاقًا من الملاذات الآمنة في أفغانستان، فيما تكتفي طالبان بوعود لم تتحول إلى خطوات ملموسة، رغم سلسلة من التحذيرات الباكستانية. 
ومع استمرار مقتل عناصر أمن باكستانيين، لجأت إسلام آباد إلى ضربات جوية استهدفت مواقع الحركة داخل أفغانستان، في سابقة أعلنت عنها، رسميًا، في أبريل-نيسان 2024، لتتبعها عمليات أعمق، في ديسمبر من العام نفسه، بعد هجمات دامية على مراكز حدودية.
وتتهم باكستان حركة طالبان في كابل بالسماح لأنصار «حركة طالبان باكستان» (TTP) بالعمل بحُريّة، رغم الوعود المتكررة بوقف هذه الأنشطة. وبهذا الصدد، ترى إسلام آباد استمرار هذه الهجمات تهديداً لا يُحتمل، خاصة بعد الخسائر البشرية الكبيرة خلال حربها ضد الإرهاب. من جانبه أشار العميد الباكستاني السابق، فايز حسين شاه، إلى فشل المفاوضات بين الطرفين، مضيفًا أن باكستان بدأت تشير إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة، من بينها توسيع العمليات الجوية داخل الأراضي الأفغانية. وأوضح فايز حسين شاه في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز» أن هذا التحول يعكس مزيجاً من الإحباط والحاجة الإستراتيجية. فمن الناحية الأمنية، تسعى باكستان إلى ردع مزيد من الهجمات، إلا أن التهديدات العسكرية تحفّز غضب كابول، التي ما زالت ترفض الاعتراف بخط دوراند الحدودي، وتعتبر الغارات انتهاكاً للسيادة الوطنية. وتتعدى دائرة الاتهامات والردود بين الطرفين، ما يعمّق حالة من عدم الثقة المتبادلة.
وذكر العميد الباكستاني السابق أن الخسائر في صفوف المدنيين جراء الضربات الباكستانية أسهمت في مزيد من تأزيم الأجواء، إذ عززت مشاعر العدائية ضد باكستان في أفغانستان، فيما دفع العنف المتكرر المجتمعات الباكستانية للمطالبة بتحرك حكومي أكثر حزماً. وتحوّل الرأي العام إلى عامل يبعد الحكومتين عن تقبل الحلول الوسطى.
وأوضح أن الصين تؤدي في هذه الفترة دور الوسيط الذي لا يزال مهماً، إذ إن بكين تهتم باستقرار أفغانستان لمشاريع مبادرة الحزام والطريق، خاصة الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، كما أنّ تمدد الجماعات المسلحة يشكل تهديداً لمقاطعة شينجيانغ الصينية.
وأوضح شاه أن الصين تعتمد على علاقاتها مع كل من إسلام آباد وكابول، غير أن حدود هذه الوساطة واضحة، نظراً إلى الانقسامات العميقة بين الطرفين، والتصلب الأيديولوجي لحركة طالبان، والنزاعات الإقليمية العالقة.
ورغم ذلك، ذكرت المصادر الدبلوماسية أن الصين يمكن أن تسهم في تخفيف التوتر على المدى القصير عبر تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق الحدودي، وتقديم ضمانات أمنية للمشاريع الاقتصادية، لكن تحقيق مصالحة دائمة يستوجب إرادة سياسية حقيقية من الجانبين لمعالجة القضايا الأمنية الجوهرية.
وقال العميد الباكستاني السابق إن الأزمة تتفاقم بفعل الأوضاع الإقليمية المتشابكة، إذ تراقب الهند عن كثب، مستفيدة من حالة عدم الاستقرار على الحدود الغربية لباكستان، مشيرًا إلى أن إيران تُبدي قلقها من تدفقات المخدرات واللاجئين والتوترات الطائفية. أما الولايات المتحدة، التي انسحبت، العام 2021، فتكتفي بدور محدود في المشهد، ما يضع العبء الأكبر على الجهات الإقليمية.
ويرى شاه أن على باكستان أن توازن بين الردود الأمنية المستهدفة وتجنب تصعيد المواجهات التي قد تخرج عن السيطرة، فيما ينبغي لكابول اتخاذ خطوات جدية ضد الجماعات التي تنطلق من أراضيها لشن هجمات عبر الحدود. الحوار وإجراءات بناء الثقة تبقى الأساس، فالتاريخ يعلمنا أن استخدام القوة لا يعوّض عن فقدان الثقة.
وختم شاه تصريحاته بالقول إن مخاطر التصعيد تتعدى حدود البلدين، إذ قد يهدد استقرار الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، ويقوّض أمن جنوب آسيا، ويعزز نفوذ الجماعات المسلحة.  فبينما تفتح الصين نافذة ضيقة للوساطة، سيبقى القرار النهائي في أيدي إسلام آباد وكابول: هل يتجهان نحو المصالحة، أم يسمحان للعداء أن يشكل مستقبلهما؟