بايدن أضر بسمعة أمريكا.. لكن أفغانستان حسمت صلابتها

بايدن أضر بسمعة أمريكا.. لكن أفغانستان حسمت صلابتها


يؤكد المحللان البارزان في معهد بروكينغز جون آلان ومايكل أوهانلون أن الحرب في أفغانستان كانت تستحق كل التضحية التي بُذلت من أجلها.
لا يتعلق هذا التأكيد فقط ببقاء الولايات المتحدة آمنة نسبياً طوال تلك الفترة ولا بالوطنية والكرم النبيلين اللذين بذلهما الجنود الأمريكيون في خدمتهم. ثمة أسباب استراتيجية تبرر تلك التضحية وفقاً لمقال الكاتبين في مؤسسة الرأي الأمريكية “ذا ناشونال إنترست».
يعارض آلان وأوهانلون قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن إنهاء المهمة العسكرية الأمريكية والأطلسية في أفغانستان. لقد تم تحقيق العديد من المكاسب من خلال ومن أجل الشعب الأفغاني خلال العقدين المنصرمين، وهي الآن معرضة لخطر حاد. بالتوازي، خسرت جهود واشنطن لمكافحة الإرهاب في جنوب آسيا منصتها الأساسية. علاوة على ذلك، إن “مكافحة الإرهاب مما وراء الأفق” هي أقرب إلى متناقضين.

حزم هائل
لقد كان العبء العسكري الأمريكي في أفغانستان أقل من 5 آلاف جندي حين استلم بايدن منصبه – وهو مستوى مستدام إلى حد بعيد – ولهذا السبب، كان الانسحاب غير ضروري. لكن القوات الأمريكية أظهرت قدرتها وقدرة واشنطن على التكيف مع الصعاب. لقد أضعف قرار بايدن صدقية الولايات المتحدة. لكن عقدين من الخدمة الشجاعة في أفغانستان والتي أبداها الجنود والديبلوماسيون وعمال الإغاثة وآخرون برهنا عن الحزم الأمريكي الهائل. فبسبب هذا السجل، هنالك أسباب كثيرة تدفع المراقبين للاعتقاد بأن قادة طالبان مدركون جيداً لأهمية عدم استفزاز الولايات المتحدة.

خطوات طالبان الاستيعابية
لقد تركت طالبان الأمريكيين يجرون الإجلاء على مدى أسبوعين حتى بعدما سيطرت بنجاح على العاصمة الأفغانية. وفي الواقع، لقد ساعدت الحركة الولايات المتحدة في عملية الإجلاء بالرغم من التردد وعدم مثالية تلك المساعدة. اختارت الحركة عدم الاعتراض أو التدخل بأي شكل من الأشكال في قتل بايدن لأهداف من تنظيم داعش-خراسان على التراب الأفغاني رداً على التفجير الرهيب الذي وقع في كابول أواخر أغسطس (آب). وعلى ما يبدو، لا تهدد طالبان الأمريكيين الذين لا يزالون في أفغانستان على الرغم من عدم وجود قوات أمريكية في البلاد. يفهم قادة الحركة أهمية عدم إغضاب الولايات المتحدة.

عن إجراء حسابات ذكية
لا يؤيد المحللان تصديق الحركة في كل أقوالها إذ تضمن اتفاق ترامب مع طالبان أن تقطع الأخيرة جميع روابطها مع القاعدة وهو أمر لم يحصل. وثمة سؤال عما إذا كانت أفغانستان ستصبح مرجلاً خطيراً لانتشار التنظيمات الجهادية الساعية إلى التوسع هناك. في هذه الأثناء، وعدت الحكومة الجديدة بالسلام والعفو عن الأفغان الآخرين حتى ولو انتقمت أحياناً من أعدائها السابقين منذ وصولها إلى السلطة. وبالطبع، حولت تعهدها ببناء حكومة شاملة لصالح الشعب الأفغاني إلى مجرد مهزلة. لكن قادة طالبان هم ناجون ولقد برهنوا على أرض الميدان خلال السنوات العشرين الماضية أنهم يعرفون كيف يقومون بحسابات ذكية حول استلام السلطة والاحتفاظ بها.

ما أظهرته الصور
إن تلك الصور الرهيبة التي انتشرت أواسط أغسطس عن احتفال طالبان عقب دخولها القصر الرئاسي محفورة في أذهان الأمريكيين على أنها رمز للهزيمة العسكرية. لكنها تقترح أيضاً أن طالبان تجد في قوة الحكم وأبهته مصدر جاذبية. يدرك الأمريكيون مكان هذه الأبنية ولهذا السبب هم قادرون على استهدافها بفاعلية فتاكة إذا اقتضت الحاجة، وطالبان تدرك ذلك. ويعلم قادة الحركة أيضاً أن الأمريكيين مستعدون للقتال وللقتال بشدة كي يدافعوا عن أنفسهم. لا يقترح الكاتبان أن حكم طالبان الجديد سيكون عبارة عما رغب به حقاً الأمريكيون أو الأفغان خصوصاً النساء والفتيات والأقليات. ويدعوان أيضاً إلى عدم تجاهل مخاطر أن تكون صدقية بايدن قد تضررت في مسارح أخرى مثل كوريا والبلطيق وغيرها. على إدارة بايدن أن تسيطر حالياً على الضرر العالمي الذي لحق بها.

لم تصدق توقعات بن لادن
على مستوى المقاربة الأوسع، أثبتت الولايات المتحدة صلابتها طوال عقدين من الزمن بفضل جنودها، وفقاً لألان وأوهانلون. سنة 1998، قال أسامة بن لادن للصحافي الأمريكي جون ميلر إن الولايات المتحدة هي نمر من ورق. أمكن بن لادن أن يسمي الانسحابات الأمريكية من بيروت (1983) ومقديشو (1993) وعدم رد واشنطن على الاستهداف الأول لمركز التجارة العالمي (1994) والرد الضعيف على الهجوم الذي طال سفارتي واشنطن في أفريقيا. في تلك الأوقات، لم يكن الأمريكيون واثقين حتى من القدرة على القتال للدفاع عن أنفسهم بشكل مباشر. أما اليوم، قلة تستطيع إجراء الحسابات نفسها حيال الولايات المتحدة حتى ولو أضعف بايدن الصدقية الجماعية إلى حد ما مع قراره بالرحيل.

مساهمة ضخمة
عبر القتال لعشرين عاماً في قضية صعبة ذات مسار غير مؤكد نحو ما يشبه الانتصار الحقيقي، أظهرت البلاد حزمها. مهما كان الحكم العسكري بشأن أفغانستان، من المرجح أن يواصل هذا المكسب الواسع مساعدته في ردع طالبان وبالتالي حماية الولايات المتحدة لسنوات مقبلة. هذه مساهمة ضخمة من قبل جميع من خدموا في تلك الحرب، وهي مساهمة عليهم أن يكونوا فخورين بها كما على الأمريكيين أن يكونوا ممتنين جداً لها بحسب الكاتبين.