الحذر ليس من عاداتها:

بريطانيا: ليز تروس، بوريس جونسون مكرر...!

بريطانيا: ليز تروس، بوريس جونسون مكرر...!

- هاجس الوزيرة، التقاط صورها في نفس وضعيات مارغريت تاتشر في زمنها
- مثل كل السياسيين الطموحين، لا تتردد ليز تروس في كتابة أسطورتها الخاصة
- تعتمد نفس تكتيك بوريس جونسون: قول الشيء ثم نقيضه
- فحص حساب المرشحة على انستغرام يكفي لإدراك مدى العناية المحمومة التي تسخّرها لتواصلها


يبدو أن وزيرة الخارجية ستحل محل بوجو في 10 داونينغ ستريت. ومثل معلّمها، يمكنها تغيير موقفها بشكل جذري، وهي لا تتردد في إثارة التوترات مع فرنسا.  ما يفاجئ دائمًا مع ليز تروس، هو أنها لا تخشى أبدًا المبالغة في الفعل. هاجس وزيرة الخارجية البريطانية؟ التقاط صورها تمامًا في نفس وضعيات مارغريت تاتشر في زمنها: سعيدة جدا وهي تحمل عجلا بين ذراعيها، مرتدية خوذة في برج دبابة، ترتدي قبعة وتبدو وكأنها تفكر في الساحة الحمراء في موسكو، على متن دراجة نارية من طراز تريومف أو حتى -كلاسيكية أكثر -امام مكتبها، مرتدية بلوزة بيضاء أنيقة مع ربطة عنق عريضة ومرنة، بعقدتين. نفس الزاوية، نفس الإطار، نفس الموقف. ألبوم الصور يهدف إلى تقديمها على أنها السيدة الحديدية القادمة في 10 داونينغ ستريت.

   الادعاء بهذا الانتماء إلى “ماجي” أمر لا بد منه لأي محافظ يهدف إلى بلوغ القمة. لكن في الواقع، من معلّمها، بوريس جونسون، الذي تدين له بمنصبها الحالي، تستلهم ليز تروس. بأجمل فساتينها البرتقالي، فضلت الذهاب إلى بروفة مجموعة العشرين في إندونيسيا في أوائل يوليو بدلاً من المشاركة في “الاحتفالية” الأخيرة ضد رئيس الوزراء الأشعث، الذي أضعفته الفضائح.
   عادت على عجل لتنخرط في سباق الخلافة، بعد استقالة الأخير في 7 يوليو، كررت وزيرته أنها ستظل دائمًا وفية له. انها مخلصة للغاية الى درجة أنها تعتبر استنساخا نسويا من عمدة لندن السابق، وتبدو في طريقها لترث كرسيّه، في 5 سبتمبر. بـ 66 بالمائة من نوايا تصويت أعضاء حزب المحافظين، تقود ليز تروس السباق متقدمة على منافسها ريشي سوناك، وزير المالية السابق، الذي أدى انسحابه من الحكومة إلى سقوط جونسون.

«براغماتية شرسة»
   إلى جانب انهما شقروان، فإن أوجه التشابه بين هذين الخريجين من جامعة أكسفورد مذهلة. إنها “بوجو 2.0”، تصفها كريستي بوكانان، مستشارتها السابقة. “باستثناء بوريس، لا أعرف أي سياسي آخر يتمتع بغريزة سياسية أكثر عمقًا من ليز. يسكنها طموح جارف، وتعرف كيف تكون براغماتية شرسة”، كتبت كيرستي بوكانان في صحيفة التايمز في ديسمبر الماضي، وتوقعت لها مستقبلًا في داونينغ ستريت.
    في وزارة العدل، تحت قيادة ديفيد كاميرون، جذبت أنصار البريكست المتشددين عام 2016 من خلال عدم الدفاع عن ثلاثة من قضاة محكمة العدل العليا الذين وصفتهم صحيفة ديلي ميل بـ “أعداء الشعب”. وكان هؤلاء قد اعتبروا في ذلك الوقت أنه يحبّذ أن يصادق البرلمان على قرار الحكومة بإطلاق المادة 50 الشهيرة رسميا وبالتالي عملية البريكسيت.

   في وقت لاحق، بصفتها وزيرة التجارة الخارجية لبوريس جونسون، واصلت المبالغة في تقدير مآثرها التفاوضية، فضلاً عن “كل تلك الفرص” التي يتيحها البريكسيت. في الواقع، باستثناء ثلاث اتفاقيات تجارية مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، قامت بتمديد 67 اتفاقية تجارية تتمتع بها بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. ومثل بوريس جونسون، تميل ليز تروس، المتحمسة والعفوية، إلى تجميل الواقع.
    نقطة أخرى مشتركة، هي موضع تقدير من قبل القاعدة المحافظة، طبيعتها الطيبة وميلها للاحتفالية. “إنها تحب النبيذ الأبيض، وتشويه أغاني البوب في الثمانينات في الكاريوكي، والرقص في وقت متأخر من الليل”، تقول كيرستي بوكانان.
   في المقابل، لا تزال أمام كاميرات التليفزيون تفتقر إلى تلك الثقة الكاملة لمن فاز في استفتاء البريكسيت. “لقد اشتغلنا على صوتها، لجعله أكثر جدية، وحاولنا أيضًا أن نمنحها لوكا مؤسسيا أكثر”، تتابع المستشارة السابقة. ولكن لا يزال هناك عمل يجب القيام به ...

برنامج اقتصادي «محافظ حقًا»
   إن فحص حساب المرشحة على انستغرام يكفي لاتخاذ مقياس العناية المحمومة التي تسخّرها لتواصلها. عندما كانت وزيرة التجارة الخارجية، سرعان ما أعاد زملاؤها تسمية وزارتها… وزارة الانستغرام تروس. إنها واحدة من الوزراء البريطانيين القلائل الذين يسافرون مع مصور رسمي يخلد كل رحلة رسمية بصور تظهرها وهي تعمل، وهي تبتسم وقريبة من الناس.
   تقول تروس إنها الوحيدة التي لديها أجندة اقتصادية “محافظة حقًا”: تؤيد سوقا غير مقيّدة، لكنها لا تخشى أن تبدو متمردة. وقد وعدت أيضًا بمحاربة عقيدة بنك إنجلترا ووزارة الخزانة من خلال تقديم تخفيضات ضريبية شاملة انطلاقا من بداية العودة السياسية، وهي طريقة لضمان الدعم الثابت للناخبين المحافظين، ولكن دون أدنى شك ليس لخفض التضخم. “يجب أن نتوقع منها اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، الحذر لا يليق بها ولا يعنيها في شيء”، يقول صديقها مارك ليتلوود، مدير معهد الشؤون الاقتصادية، وهي مؤسسة بحثية.
   ومثل بوريس جونسون، تتمسك ليز تروس دائمًا بمواقف حازمة... الى ان تنتقل للدفاع عن مواقف اخرى، أحيانًا تتعارض وتتناقض تمامًا، وبنفس الشغف. ناشطة مع الديمقراطيين الليبراليين (الوسطيين)، غيرت مواقفها في نهاية التسعينات، لتنضم إلى المحافظين. وكانت حينها تؤيد إلغاء الملكية، وهي فكرة تنكرت لها تمامًا منذئذ. انقلاب آخر، بعد ان قامت بحملة ضد البريكسيت، احتضنت معسكر الفائزين في اليوم التالي للاستفتاء، ثم أصبحت من أشد المؤيدين للبريكست.

ماكرون “صديق أم عدو”؟ لم تحسم...
   وعلى غرار كل السياسيين الطموحين، لا تتردد ليز تروس في كتابة أسطورتها الخاصة. ولدت في أكسفورد عام 1975، ابنة أستاذ جامعي للرياضيات، تقدم نفسها على أنها طفلة من “الجدار الأحمر”، وهي أراضي حزب العمال التاريخية التي لم تكتفي بالتصويت للبريكست فقط ولكن أيضًا، ولأول مرة، للمعسكر المحافظ في الانتخابات الأخيرة ديسمبر 2019.

   تقول إنها عانت من فشل التعليم العام حيث “تعلمنا ماهية العنصرية والتمييز على أساس الجنس في حين تم تخصيص القليل من الوقت للمواد الأساسية، مثل القراءة والكتابة”. عندما كانت مراهقة، تدعي أنها رأت زملاءها في الفصل “يفشلون” بسبب الافتقار إلى التحفيز وخطأ المعلمين الذين “كانت انتظاراتهم منخفضة حقًا».
   في الواقع، ليز تروس، التي وعدت بمعالجة ثقافة الفشل هذه، لم تأتي من ارض عمّاليّة. فقد أمضت سنوات مراهقتها في ليدز نورث إيست، وهي معقل محافظ لأكثر من أربعين عامًا. ربما كان والداها على اليسار، لكن مدرستها في راوندهاي، بملاعب كرة القدم والهوكي والرجبي، كانت مؤسسة ممتازة تدين لها باختيارها في جامعة أكسفورد.

   «وصفت نفسها ذات مرة بأنها فتاة من يوركشاير لتستقطب اعجاب ناخبيها الأثرياء والريفيين في نورفولك. وهي تلعب الآن دور كين لوتش “سينمائي بريطاني يميل إلى اليسار” بالحديث عن رد وول على أمل إرضاء النواب المحافظين من أراضي حزب العمال السابقة هذه”، يقول ساخطا الصحفي مارتن بينجلي، زميلها في الجامعة سابقا. ان محاولة إرضاء الجميع، بقول الشيء ثم نقيضه: هو بالضبط تكتيك بوريس جونسون.

   وخصوصا، لا تنسى ليز أن تقول باستمرار إن “بريطانيا هي الأفضل”، مع اثارة المشاعر المعادية للفرنسيين -تلعب باريس دور كبش الفداء المناسب. عندما سُئلت عما إذا كان إيمانويل ماكرون “صديقًا” أم “عدوًا”، رفضت مؤخرًا الحسم، مما أثار دهشة الشخص المعني “الذي ندد بفقدان “المعالم».
   لن تغير هذه المواقف شيئًا: بالنسبة لغالبية البريطانيين، فإن العودة السياسية تعد بأن تكون صعبة: الإضرابات المتكررة، والنظام الصحي المنهار، وفواتير الكهرباء والغاز التي ستقفز إلى 5000 يورو سنويًا لكل أسرة، والتضخم المتوقع في 14 بالمائة بحلول عيد الميلاد... لست متأكدا من أن بوريس جونسون آخر على رأس الحكومة هو الحل...