بعد تعهد أمريكا بحماية «أوروبا» وتحشيد «الناتو».. هل وصلت الرسالة لروسيا؟

بعد تعهد أمريكا بحماية «أوروبا» وتحشيد «الناتو».. هل وصلت الرسالة لروسيا؟


لم يكن اختراق الطائرات المسيرة الروسية للأجواء البولندية، مجرد حادث عابر في سماء شرق أوروبا، بل أشبه بـ»جرس إنذار» دوّى في عواصم الغرب، خاصة وأنها أثارت جدلاً واسعاً وفتحت الباب أمام اختبار جديد لمدى التزام الولايات المتحدة وحلفائها بالدفــــاع عن جناح الناتو الشرقي.
وسرعان ما جاءت التصريحات الأمريكية على مستويين، الأول رئاسي، إذ حاول الرئيس دونالد ترامب التخفيف من وقع الحادث واعتبره «ربما خطأ» في محاولة لإبقاء مساحة للمناورة السياسية، ولكن الموقف الرسمي، الذي عبرت عنه القائمة بأعمال السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا كان أكثر صرامة، خاصة مع تشديدها على أن واشنطن ملتزمة بالدفاع عن «كل شبر من أراضي الناتو».
ووصفت شيا، التصرف الروسي بأنه «عدم احترام كبير» للجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب. 

دور الناتو
وفي المقابل، ترجم حلف شمال الأطلسي مواقفه بشكل سريع إلى أفعال، من خلال إطلاق عملية  «الحارس الشرقي»، بهدف تعزيز الدفاعات وإرسال طائرات مقاتلة لدعم بولندا في إسقاط المسيرات.
وخلال الساعات الماضية، عقد الناتو اجتماعاً طارئاً وصف فيه أمينه العام مارك روته الحادثة بأنها «متهورة وغير مقبولة»، وبعدها صدر بيان مشترك موقّع من عشرات الدول الغربية، يتضمن إظهار جبهة موحدة أمام موسكو. 
وبين محاولات واشنطن لطمأنة الحلفاء بالتعهد بالدفاع عن «كل شبر من أراضي الناتو»، وتحركات الحلف الميدانية لتعزيز الجناح الشرقي، يبقى السؤال مطروحاً، ما الرسالة التي ستلتقطها موسكو من هذا المشهد؟ وهل ستتعامل معه كتحذير رادع خاصة وأنها تبدو كمقدمة لجولة جديدة من التصعيد؟
  فشل غربي في أوكرانيا 
ويرى الخبراء، أن موسكو قادرة على اختراق حدود الحلف متى شاءت، وأن هذه التطورات تأتي في ظل إخفاق الدعم الغربي لأوكرانيا في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، مما دفع بعض القادة الأوروبين وعلى رأسهم فرنسا الى حشد الحلفاء وطرح مشاريع لتشكيل جيوش أوروبية تدخل أوكرانيا بشكل مباشر. وأضاف الخبراء أن واشنطن وإن تعهدت بالدفاع عن «كل شبر من أراضي الناتو»، فإنها تدرك أن أي مواجهة مفتوحة مع روسيا ستكون كارثية على الجميع.  وقال الدكتور نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا تعتبر روسيا «عدواً لهم، وتسعى إلى تحشيد الأوروبيين وحلف الناتو والولايات المتحدة ضدها». وأشار في تصريحات لـ»إرم نيوز»، إلى أن هذه الدول استغلت حادثة اختراق أكثر من 10 طائرات مسيّرة للأجواء البولندية، لتصعيد الموقف والتحضير لما يبدو أنها حرب مقبلة مع روسيا.
وأضاف بوش أن فرنسا  صاحبة مشروع «الجيش الأوروبي» ومشروع إرسال قوات أوروبية من 26 دولة إلى أوكرانيا تقود الآن هذا التوجه المعادي لروسيا، وتمارس ضغوطاً على الأوروبيين والولايات المتحدة من أجل الانخراط في مواجهة أو تهديد روسيا لهزيمتها استراتيجياً.  وأشار الخبير في الشؤون الروسية، إلى أن ذلك يأتي بعد شعور أوروبي بالإحباط رغم الدعم العسكري الهائل المقدم لأوكرانيا، خاصة مع مواصلة الجيش الروسي تحقيق انتصارات ميدانية متتالية وتحرير البلدات من القوات الأوكرانية.

كارثة محققة
ولفت إلى أن الولايات المتحدة استجابت لهذه الضغوط بتأكيدها الدفاع عن أراضي الناتو، مشدداً على أن واشنطن تدرك أن أي صدام مباشر مع روسيا سيكون كارثياً على الجميع، بما في ذلك الاقتصاد العالمي. وتابع: «هناك أصوات عاقلة في الغرب تدرك خطورة التصعيد، لكن بالمقابل توجد رؤوس حامية مثل ماكرون، ورئيس وزراء بريطانيا، والمستشار الألماني، ورئيس بولندا، الذين يدفعون باتجاه توريط مزيد من الدول في دعم عسكري مباشر، وصولاً إلى إنشاء جيوش أوروبية تستعد للدخول إلى أوكرانيا».

مناورة روسية
من جانبه، أكد الدكتور نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن هذا التطور قد يكون رسالة لاختبار وسائل الدفاع الجوي التابعة لحلف شمال الأطلسي، مشيراً إلى أن الطائرات المسيرة لم تكن محملة بمتفجرات، وهو ما يرجح أنها كانت تقوم بمهمة استطلاع، وليس تنفيذ هجوم مباشر. وتابع رشوان، في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، أن رسالة موسكو قد تكون أيضاً للتأكيد على قدرتها على اختراق حدود حلف الناتو متى أرادت، خاصة وأن المجمع الصناعي العسكري الأوكراني يتمركز في منطقة ستيفان أفركوس في غرب أوكرانيا، وقد تكون الغارات الأخيرة موجهة نحو هذا المجمع بالتحديد. وحول الوضع العسكري، قال رشوان إن الناتو يحتفظ حتى الأن بقوته العسكرية والتسليحية بشكل كبير، في الوقت الذي أصبحت فيه روسيا منهكة بسبب الحرب التي تخوضها مع أوكرانيا منذ أكثر من 3 سنوات، والتي تقترب من عامها الرابع. واستبعد رشوان أن تكون روسيا تنوي الصدام المباشر مع الناتو في هذه المرحلة، خاصة في ظل التصريحات الروسية التي أشارت إلى استعداداتها على الجناح الشرقي، سواء من حيث الحراسات أو الدفاعات الجوية.
وأكد ك. نبيل رشوان، على أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد الحامي الأساسي لأوروبا كما كانت في السابق، معتبراً أن واشنطن رفعت يدها مؤقتاً عن مسؤولية الدفاع عن أوروبا، وهو ما يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة في القارة.