رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس بنين ورئيسة الاتحاد السويسري بذكرى اليوم الوطني لبلديهما
بودانوف إلى واجهة أوكرانيا السياسية.. صعود يعكس انقسامات النخبة
بدأ رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، بالخروج من دائرة الظل إلى قلب المشهد في البلاد، وسط أجواء سياسية متوترة. يأتي ذلك في وقت يواجه فيه الرئيس فولوديمير زيلينسكي ضغوطًا داخلية غير مسبوقة، واحتجاجات قد تكون الأخطر منذ بداية الحرب مع روسيا.
فخلال الأيام الماضية، شهدت العاصمة كييف مظاهرات متصاعدة ضد قانون اعتبره المحتجون «تهديدًا لاستقلالية هيئات مكافحة الفساد».
وهذا الاحتجاج إشارة إلى تعديل اقترحه زيلينسكي طال هيئات كـ»نابو» و»سابو»، وهما جهازان يعتبران أساسيين في جهود محاربة الفساد وتسهيل انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.
ورغم تراجعه عن القانون، لم تهدأ الاحتجاجات، بل توسعت، وخرج بودانوف بتصريح علني قال فيه، «لقد علّمنا التاريخ أن أوكرانيا تخسر إذا تمزقت بفعل الصراعات الداخلية»، وهو ما اعتبره بعضهم «رسالة مشفرة» تحذر من مصير الرئيس إذا استمر التصعيد.
خطوات لتأسيس
حزب سياسي
وفق مصادر أوكرانية مطلعة لـ»إرم نيوز»، فإن بودانوف شرع بالفعل في خطوات أولية لتأسيس حزب سياسي، بالتوازي مع اتصالات مع شخصيات مدنية وعسكرية بهدف تشكيل قاعدة دعم انتخابية.
وقال المصدر: «نحن نراقب تحركات بودانوف من كثب.. هو لا يتحرك عشوائيًا، هناك ترتيب منظم ومقربون منه يتصرفون وكأنهم في حملة انتخابية مبكرة». وأكد المصدر في تصريحاته، أن الرئيس زيلينسكي بدأ خلال الأسبوع الجاري عقد اجتماعات مغلقة لبحث السيناريوهات السياسية المقبلة، وذلك وسط تصاعد التوترات داخل الشارع الأوكراني لأول مرة.
وأضاف أن هناك مخاوف رئاسية من أن تخرج المؤسسة العسكرية عن الحياد، أو أن تظهر مواقف شبه علنية من جنرالات كبار.
وأشار إلى أن بعض قيادات الجيش عبرت بالفعل عن تحفظها على «الإرباك السياسي» الذي سببه القانون الأخير.
تصاعد الغليان الأوكراني
ويرى ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن صعود كيريلو بودانوف من الظل إلى الواجهة السياسية في أوكرانيا لا يعود فقط لمسيرته في المجال الأمني.
وقال بريجع إن هذا الصعود يعكس حالة الانقسام والقلق المتزايد داخل النخبة الأوكرانية التي بدأت تفقد الثقة في قدرة الرئيس فولوديمير زيلينسكي على إدارة المرحلة الراهنة.
وأكد لـ»إرم نيوز»، أن بودانوف بصفته رئيسًا للمخابرات العسكرية وشخصية تحظى بثقة شريحة من المواطنين، ويدرك أن المرحلة تتطلب قيادة جديدة قادرة على كسر الجمود السياسي والعسكري، في ظل سنوات الحرب وتعثر الإصلاحات وتصاعد الإرهاق الشعبي.
وأشار إلى أن تحذير بودانوف من «انزلاق الأمة إلى الخطر» ليس مجرد تصريح عابر، بل يعكس شعوره بتدهور التوازن بين السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، وتصاعد النزعة الاستبدادية في الحكم، وهو ما قد يفتح الباب أمام مغامرات سياسية وأمنية خطيرة.
تصحيح المسار
بالأدوات السياسية
ولفت إلى أن تحرك بودانوف لتشكيل حزب سياسي قد لا يكون محاولة انقلاب ناعمة، بل تعبير عن إرادة داخل المؤسسة الأمنية لتصحيح المسار باستخدام الأدوات السياسية، لا من خلال المواجهة المباشرة.
وتابع: «ورغم ذلك تثير هذه الخطوة قلقًا داخل فريق زيلينسكي، الذي يعد أي تنظيم سياسي مستقل تقوده شخصيات أمنية تهديدًا محتملًا للاستقرار المؤسسي».
واستطرد: «أيضًا، على الرغم من الشعبية النسبية التي يتمتع بها بودانوف، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن فرصه كمرشح رئاسي لا تزال محدودة، ما يجعله بحاجة إلى تحالفات مدنية وبرنامج سياسي يتجاوز الطابع الأمني».
الشرعية الانتخابية والأمنية
وأوضح ديمتري بريجع، أن مجرد انتقال شخصية مثل بودانوف إلى المشهد السياسي يكرس بداية مرحلة جديدة من الصراع في أوكرانيا، عنوانها التنافس بين الشرعية الانتخابية والشرعية الأمنية.
وقال إن هذه التحركات لا يمكن عزلها عن السياقين الإقليمي والدولي، فبينما تضغط دول الغرب على زيلينسكي من أجل تسوية، يتصاعد الغضب الداخلي بسبب طول أمد الحرب، وهو ما يخلق فراغًا سياسيًا تحاول شخصيات مثل بودانوف ملأه.
الإرهاق العسكري والاقتصادي
وأضاف بريجع أن السؤال الأهم ليس ما إذا كان بودانوف سيطيح بزيلينسكي، بل ما إذا كانت أوكرانيا مقبلة على إعادة تشكيل بنيتها السياسية تحت وطأة الإرهاق العسكري والاقتصادي، وإعادة النظر في سردية القيادة والانتصار.
وفي السياق ذاته، أكد د. آصف ملحم، مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، أن الساحة السياسية الأوكرانية تشهد تصاعدًا في الانقسامات والصراعات، خاصة بعد انتهاء الولاية الدستورية للرئيس زيلينسكي، ما دفع أطرافًا عدة للتشكيك في شرعيته.
وأشار ملحم لـ»إرم نيوز»، إلى أن عدة قوى سياسية بدأت تعارض زيلينسكي علنًا، من بينها الرئيس السابق بيترو بوروشينكو وحزبه، إلى جانب عدد من المحافظين، وعلى رأسهم محافظ كييف فيتالي كليتشكو.
احتجاجات شعبية
وأوضح ملحم أن وسائل إعلام ومؤسسات محسوبة على الغرب، من بينها منصات يملكها رجل الأعمال توماش فيالا، ومركز مكافحة الفساد الذي يديره فيتالي شابونين، انضمت أيضًا إلى موجة الانتقادات، خاصة بعد اتهامات زيلينسكي للمكتب الوطني لمكافحة الفساد بالتعاون مع الاستخبارات الروسية، وهي اتهامات فجرت احتجاجات شعبية.
وأكد أن الأصوات بدأت تتصاعد داخل أوكرانيا مستغلة الغضب الشعبي، سواء من معارضي التجنيد الإجباري أم المتضررين اقتصاديًا من الحرب، بمن فيهم رجال أعمال تعرضوا للاعتقال أو الخسائر جراء السياسات الراهنة.
وسلط ملحم الضوء على تصاعد دور كيريلو بودانوف، الذي بدأ يطرح نفسه كبديل محتمل للرئيس، قائلًا: «إن بودانوف يواجه خصمين رئيسين، هما أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس، وديفيد أراخاميا، رئيس حزب (خادم الشعب) الحاكم».
وتابع: «هناك مؤشرات على تحالف بين بودانوف وأراخاميا للإطاحة بيرماك، وتحميله مسؤولية الإخفاقات، في محاولة لتمهيد الطريق أمام بودانوف نحو الرئاسة».
.