تحديات أبعد من الحدود.. الاتحاد الأوروبي يستعدّ للعاصفة الكبرى

تحديات أبعد من الحدود.. الاتحاد الأوروبي يستعدّ للعاصفة الكبرى


توقع الباحث في معهد سنتنيال التابع لجامعة كولورادو الدكتور وليام مولوني أن يواجه الاتحاد الأوروبي عواصف سياسية في المستقبل القريب. فمع مغادرة بريطانيا الاتحاد بشكل رسمي في الأول من يناير -كانون الثاني المقبل، لن تفقد بروكسل أنشَط مركز للمقاصة المالية وحسب بل أيضاً أروع مؤسساتها العسكرية.
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات أبعد من حدوده تتراوح بين الحرب الأهلية في ليبيا إلى السلوك العشوائي لمتسلطين على أبواب بروكسل وهما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ذلك، وعوضاً عن أن يكون تحذيراً لسائر الأعضاء في الاتحاد، يبدو الحدث مقدمة لمزيد من الانقسام.

عرض مولوني في صحيفة “ذا هيل” المثل الأوضح على هذه القوى الطاردة المتنامية داخل الاتحاد الأوروبي ويتمثل في خطاب ألقاه مؤخراً رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا الذي ذكر أن الاتحاد سيكون بحال أفضل إذا غادرته دول أخرى. تحدث كوستا كرئيس حالي لمجلس الاتحاد الأوروبي ذاكراً أن على بروكسل أن تقرر ما إذا كانت “اتحاداً لقيم أو.. بشكل أساسي أداة اقتصادية لتوليد القيمة الاقتصادية».
قلب الهدف الأساسي
عبر دفاعه عن اتحاد القيم، قلب كوستا الهدف الأساسي للاتحاد الأوروبي رأساً على عقب. حين تم تأسيسه سنة 1958 كـ “سوق مشتركة” بتوجيه من الرئيس الفرنسي شــــارل ديغـــــــول والمستشار الألماني كونــراد أديناور، كان الاتحاد علناً أداة اقتصادية ولم يكن في نيتــــه تقويض السيادة الوطنية. من خلال الترويج لهويــــــة أوروبية معاد صياغتها، لم يترك كوستا الكثير من الشكوك حول الدول التي سيصبح الاتحاد أفضل من دونها. تحت تعبيـــر “الشـــــرق غير الليبيرالي”، يستهدف دولتي بولندا والمجر اللتين شــُجتبا لفترة طويلة بسبب نزعاتهما التسلطية.

المقتصدون الأربعة
انتقل كوستا بعدها ليستهدف “المقتصدين الأربعة” أي السويد والدنمارك والنمسا وهولندا. وخطيئتهم ضد “القيم الأوروبية” هي مقاومتهم الطويلة لجعل الاتحاد مجرد خزنة للسلة المالية للجنوب، أي اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال. من خلال توجيه الاتهام إلى الفئة الثانية من الدول غير المرغوب بها، يكشف كوستا أن مقترحه هو إعادة النظر في التوتر الأساسي الذي طارد الاتحاد منذ جعلت معاهدة ماستريخت الاتحاد أوثق.
كوفيد-19
تم كسر الجمود بين دول الشمال الثرية والمحكومة بشكل جيد إجمالاً ودول الجنوب الفقيرة ذات الحكم العشوائي بعد ظهور جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق التي جلبت الدمار للاتحاد الأوروبي بكامله. وضع الاتحاد الأوروبي برنامج إنقاذ واسع يميل عموماً لصالح دول الجنوب التي تعرضت لأضرار أكبر. لكن البرنامج محمي من خلال شروط تحكم من ذا الذي يحصل على أي كمية من الأموال ومن أجل أي مشاريع. خلال التفاوض حول هذه المشاريع، هددت بولونيا والمجر بوضع فيتو ضد كل الحزمة. يؤكد هذا الخلاف الخطأ القاتل في معاهدة ماستريخت التي تتطلب الإجماع لتمرير أي مبادرة بارزة.

أردوغان وبوتين
يرجح الكاتب ألا يصل خطاب كوستا إلى أي مكان لأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لن تدعمه، حتى ولو كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قابلاً لأن يفعل ذلك.
 مع رحيل بريطانيا ومغادرة ميركل قريباً العمل السياسي، يرغب ماكرون بملء الفراغ في السلطة. لكن توصيفه حلف شمال الأطلسي بأنه ميت دماغياً ودعوته إلى تأسيس جيش أوروبي يعنيان أن مسعاه سيصطدم بطريق مسدود. ويواجه الاتحاد الأوروبي تحديات أبعد من حدوده تتراوح بين الحرب الأهلية في ليبيا إلى السلوك العشوائي لمتسلطين على أبواب بروكسل وهما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد أثبت الرجلان أنهما ينويان استخدام مؤسّستيهما العسكريتين حين يجدان فرصة لانتهازها أو ضعفاً لاستغلاله.

إصلاح الماضي؟
تحدث الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ عن غيمة سوداء في الأفق إذ قال إن الصين “لا تشاركنا قيمنا، أو تحترم حقوق الإنسان، وتحاول ترهيب دول أخرى”.
كذلك، ترى قلة من القيادات الأوروبية اتجاه إدارة بايدن لإنقاذ العالم القديم. ففريق أوباما للأمن القومي يشبه إلى حد بعيد الأشخاص أنفسهم الذين نصحوا أوباما بالاستدارة نحو آسيا والتي شكلت التحول الحقيقي لأمريكا بعيداً عن أوروبا التي كانت أولويتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
 يرى مولوني في النهاية أن إصلاح الماضي ليس سهلاً على الإطلاق وهو أحياناً مستحيل. لكن إن كان هنالك مسار أفضل للاتحاد فسيشمل العودة إلى رؤية أكثر حكمة لديغول وأديناور والتراجع عن التوسع المبالغ به لمعاهدة ماستريخت.