أثرى الفعاليات ببرنامج ثقافي وعلمي نوعي
تريندز يختتم مشاركته في أبوظبي للكتاب بمناقشة دور الأديان في تعزيز السلام العالمي
• عبدالله بن بيه: الإمارات أصبحت مثابة للسلم ومأوى لمريدي الخير
• د. محمد العلي: هناك حاجة لقيام علماء الدين بدور أكبر تعزيزاً لقيم التسامح والتعايش
• د. علي بن تميم: مشاريع الترجمة لها دور تعريفي وتنويري في أهمية تقبّل الآخر
• د. خليفة الظاهري: السلام والتسامح حاجة ماسة ترنو إليها عقول المفكرين لعالم تسوده المحبة
• د. إيلي عبادي: التعليم يلعب دوراً مهماً في دعم ثقافة التسامح ونبذ لغة العنف
• القس جوزيف فرج الله: الحوار والتآخي والتعاون أسس السلام العالمي
• د. رؤيا ثابت: الحضارة الإنسانية تبرهن على أن الدين يؤثر إيجابياً في العلاقات الاجتماعية
• حمد الكعبي: الخطاب الإعلامي لابد أن يصل إلى المتلقي برسالة مفهومة ومفردة وواضحة
أنهى مركز تريندز للبحوث والاستشارات مشاركته في النسخة الـ 31 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي أقيم خلال الفترة من 23 إلى 29 مايو الجاري في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، إذ أثرى فعاليات المعرض بطيف واسع من الندوات والمحاضرات والجلسات النقاشية وتدشين الإصدارات الجديدة وتوقيع اتفاقيات تعاون، مختتماً بحلقة نقاشية بعنوان: "دور الأديان في تعزيز السلام العالمي"، استضافتها، أمس الاول الأحد، منصة الشباب في المعرض.
وأكد فقهاء وعلماء دين ومفكرون مشاركون في الحلقة النقاشية أن العالم بحاجة إلى قيام علماء الدين وممثلي الأديان بدور أكبر لتعزيز قيم التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة ونشر السلام وتقبُّل الآخر، مشددين على ضرورة تعزيز الحوار الديني القائم على منطق التعارف والتعايش انطلاقاً من القيم الإنسانية المشتركة، واستناداً إلى القيم الدينية الأصلية التي تدعو إلى الانفتاح على العالم بشكل استيعابي يتقبل الآخر وينفتح عليه. وأشار المشاركون في النقاش، الذي أداره عبدالله بن مترف الباحث الرئيسي في إدارة البحوث والدراسات في "تريندز"، إلى أن علماء الدين وفقهاءه يتحملون مسؤولية كبيرة في مواجهة العنف المدفوع بالتطرف الديني ومحاولات إساءة استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية أو فئوية، ويحتاج هؤلاء إلى التعبير عن معارضتهم لأي ممارسات أو أيديولوجيات يتم من خلالها تشويه الدين ومبادئه المقدسة ومحاولة استغلالها بأي وسيلة تهدد السلم الأهلي داخل المجتمعات، والسلام العالمي الأوسع نطاقاً، وإبراز الوجه المتسامح للأديان كافة.
تعزيز السلام والتعايش
واستهل الحلقة النقاشية الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث ألقى الكلمة الترحيبية، وقال فيها إن الحلقة النقاشية تأتي بالتزامن مع اليوم الدولي لحفَظَة السلام الذي يوافق 29 مايو من كل عام، ويتم فيه الاحتفاء بالرجال والنساء القائمين على عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ولا يكتمل الحديث عن حفظ السلام العالمي من دون الحديث عن الدور المحوري والرئيسي الذي يقوم به علماء الدين في توضيح المقاصد السمحة للأديان كافة، وتعزيز أجواء التسامح والسلام والحوار البناء والتعايش بين أتباع هذه الديانات.
وذكر أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى كل جهد صادق يسعى إلى تعزيز القيم الإنسانية النبيلة التي تحض عليها الأديان كافة، وهي قيم التعايش والتعاون والتسامح، في ظل ما يشهده العالم من تصاعد خطير في نزعات التطرف وخطابات الكراهية، المبنيةِ على تفسيرات وتأويلات خاطئة ومشوّهة لتعاليم الأديان، من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية من مختلف الانتماءات، والتي لا تدَّخر جهداً لإحداث الصدام الذي تنشده بين أتباع الديانات المختلفة.
وأضاف الدكتور العلي: "على الرغم من الخطوات المهمة التي تم اتخاذها لتعزيز الحوار بين الأديان، وقطع الطريق أمام دعاة التطرف والإرهاب لتشويه تعاليمها السمحة، ولاسيما توقيع وثيقة الأُخوّة الإنسانية التاريخية على أرض دولة الإمارات، فإن الحاجة تظل قائمة لقيام علماء الدين وممثلي الأديان بدور أكبر لتعزيز قيم التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة، بما يضمن تحقيق الهدف الذي نصبو له جميعاً في السلام والتنمية والرخاء".
الحوار بين الأديان
وافتتح محاور الحلقة النقاشية معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة - رئيس مجلس الإمارات للافتاء الشرعي، حيث تناول في حديثه "الحوار بين الأديان كأساس للسلام العالمي"،مؤكداً أن دور المجتمعات الدينية برز في العقود الأخيرة من خلال عملها الدؤوب لإيجاد فرص للسلام وذلك من خلال جهود نظرية وعملية، أما النظري منها فيتعلق بتأكيد دعوة الدين إلى السلام وأن الدين في أصله دعوة للسلم، ولكن الحروب في القرن الأخير، وخاصة الحربين العالمية الأولى والثانية، لم تكن دينية أو من منطلق ديني، بل كانت حروباً استراتيجية. وتابع: "هكذا قامت القيادات الدينية من مختلف الأديان بجهود لتبرهن على أن الدين قوة سلام، من خلال العودة إلى نصوصهم المقدسة ليستثيروها، وإلى تراثهم ليستمدوا منه الأسس المتينة للتسامح والتعايش ويستلهموا النماذج المضيئة التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في نفوس أتباع تلك الديانات، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان". وأكد أن هذه القيادات انتهضت في الآن نفسه للكشف عن المشتركات بينها لتستبعد الحروب والصدام فيما بينها، تلك المشتركات التي تصون كرامة الإنسان وترفع من شأنه، من خلال العناية بما نسمّيه في الإسلام بالكليات الخمس، وهي الدين والحياة والعقل والملكية والعائلة، والتي تعتبر أساس المشترك الديني بين كل الشرائع والملل.
وأشار الشيخ العلامة إلى أنه من أبوظبي عاصمة التسامح كانت الحركة حثيثة وقوافل السلم سائرة ودروب السلام سالكة في كل الاتجاهات، فأصبحت هذه المبادرات واقعاً في عالم اليوم، وأصبح للدين ولقياداته دورهم الإيجابي، فلم يعد من الغريب ولا المستغرب أن تُرى القيادات الدينية من مختلف الأديان مجتمعة على بساط القيم ومشتركات الفضائل، ولاشك أن الحوار والتعاون بين أتباع الأديان أمر مُلِحٌ، وخصوصاً في عصر تمازجت فيه الحضارات وتزاوجت فيه الثقافات واشتبكت فيه المصالح والعلاقات وأصبح مصير البشرية مشتركاً وضرورة لا يخطئها البصر ولا تنبو عنها البصيرة.
وأوضح أن الانتقال بهذه المبادئ من حيز التنظير إلى واقع التجسيد أمر ممكن ومطلوب، بحيث لا تكون هذه الوثائق مجرد مبادئ نظرية مبتوتة الصلة بالواقع، لا فاعلية لها، بل يجب العمل على ترجمتها وبلورتها في مناهج عملية وبرامج تطبيقية، تتنزّل في المدارس تعليماً للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحلُّ في النفوس، وأملاً يعمر القلوب، مؤكداً أن الإمارات أصبحت مثابة للسلم ومأوى لمريدي الخير، حيث احتضنت وثائق ومبادرات الحوار والسلام، وكانت أول دولة تنشئ وزارة خاصة بالتسامح والتعايش، بل جعلت ذلك من مبادئ السنوات الخمسين القادمة، راجياً أن يستمر إسهام القيادات الدينية في نشر السلام والوئام في العالم أجمع.
مواجهة نزعات التطرف
أما الحاخام الدكتور إيلي عبادي، كبير حاخامات المجلس اليهودي الإماراتي، فتحدث عن "ما الذي يجب على علماء الدين وفقهائه فعله لمواجهة نزعات التطرف المتزايدة عالمياً؟"، مؤكداً أنه منذ سنوات عديدة تعايشت الأديان بشكل مثالي في الأندلس في جو من التسامح، حيث سُمح لأصحاب الأديان السماوية بالعمل معاً، كلٌ في محيطه في حوار بناء بينهم، بعيداً عن التطرف ودعوات العنف.
وشدد على أهمية تكاتف الجهود من أجل نشر قيم التسامح والتعايش والسلام، قائلاً إن القيادات الدينية يجب أن تؤمن بأن السلام يجب أن يقوم على الحوار بين مختلف الأديان والثقافات وانتشار قيم التسامح والتعايش، كما أنه على هذه القيادات الدينية توعية الناس بأهمية قيم التعايش والأخوّة من خلال توضيح قيم الأديان الحقيقية التي تحض على العيش المشترك للجميع.
وأكد الحاخام عبادي أن هناك أهمية للسلام بعيداً عن الصراعات الدينية أو السياسية أو العنصرية، فدعوات السلام تعزز الثقة بيننا والتي يجب أن تتعزز من خلال الاحترام المتبادل وإقامة العدل في الواقع وتحقيق التعايش السلمي، مؤكداً أن التعليم له دور كبير في دعم ثقافة التسامح والابتعاد عن لغة العنف والصراع، ومضيفاً أن الوقت حان لمزيد من الانتشار للتعايش والتسامح في إطار السلام والعائلة الإبراهيمية، موضحاً أهمية أن نتعلم استخدام العقيدة الدينية لصالح بعضنا، كوسائل للتواصل وليس الصراع، مبيناً أن العالم يتكون من أعراق مختلفة وديانات وأيديولوجيات سياسية متعددة، لكن السلام واحد، ينمو من خلال البشر على اختلاف الأديان والخلفيات التي لا تمنع التواصل والتسامح والقبول والثقة.
مسارات التعايش والتضامن
وتناول القس جوزيف فرج الله، رئيس مجلس الكنيسة الإنجيلية "مسارات التعايش والتضامن في العائلة الإبراهيمية"، موضحاً أن التطبيق الحقيقي والفعلي للتعايش والتسامح هو ما تنادي به دولة الإمارات من التآخي والتعايش والتضامن مع كل الجنسيات والعرقيات والخلفيات الدينية، فالتعايش والسلام والتآخي حقيقة مَعيشَة يومياً في الإمارات، مؤكداً أن الحوار هو أساس السلام العالمي، والعهد هو أساس العائلة الإبراهيمية.
وذكر أن السلام العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا بتحقيق السلام الشخصي في قلوب القادة والمسؤولين والبشر كافة، فالسلام هو سلام القلب والطمأنينة وهو أساس الكون، فيجب أن يبدأ السلام في البيت قبل أن ينتشر في المجتمعات، وعلى الإنسان أن يجد سلامه مع الله أولاً، ثم يبحث عن السلام المفقود في العالم، مضيفاً أن الإنسان المسالم يستطيع أن ينشر السلام فيمن حوله، بغض النظر عن معتقداتهم أو ميولهم أو أعراقهم، فالتعايش يكون بقبول الآخر، والعيش جنباً إلى جنب دون حرب أو سياسة أو بغضاء، ويجب نبذ الكراهية والعنف لكي يعم السلام والتعايش.
عهد التمكين والحوار
من جانبه، أكد سعادة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية أن عهد التمكين في دولة الإمارات العربية المتحدة شهد ولادة فكرة الحوار والتعايش، وشهد تأسيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بقيادة معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه، ولاشك أن ما تنهض به دولة الإمارات خاصة في مجال الثقافة مهم جداً ونوعي حينما نتحدث عن مسألة الحوار، وخصوصاً مشاريع الترجمة التي لها دور تعريفي وتنويري بأهمية تقبل الآخر، إلى جانب التواجد في معرض أبوظبي للكتاب الذي كان ولايزال منصة للحوار والتعايش ونشر ثقافة الحوار بين الأديان والشعوب والمجتمعات كافة. وتوجه الدكتور بن تميم بالشكر لمركز تريندز، ليس على مستوى الدراسات والبحوث العلمية والمعرفية التي يطرحها فقط، بل كذلك على مستوى إدراكه لدور الأديان المحوري، والذي من خلاله يمكن لرؤية مميزة أن تحقق أهدافاً كبيرة على شتى المستويات، من سلام وتسامح وتعايش وتآخٍ وترابط.
الوحدة المجتمعية
من جانبها، قدمت الدكتورة رؤيا ثابت ممثلة البهائيين في الإمارات "رؤية موحدة لدور الدين في المساهمة في الوحدة المجتمعية"، قائلة إن تأسيس السلام مسؤولية تقع على عاتق البشرية جمعاء، ولا يمكن المغالاة في دور الدين وقدرته الفريدة على تأكيد النبل المتأصل في الإنسانية، وتهذيب أخلاقها، وتوفير المعنى والدافع لخلق حضارة مستدامة ومزدهرة، مشددة على ضرورة تحقيق رؤية موحدة لدور الدين في المساهمة في تحقيق الوحدة في المجتمع ومن ثم الوصول للسلام العالمي. وذكرت أن جوهر الدين رسالة أبدية ثابتة الأركان، ووظيفته هي أن يمهد السبيل أمام الروح الإنسانية لترتقي وترتبط بخالقها في علاقة تتزايد نضجاً، فليس ثمة تناقض بين التعاليم الأساسية التي تنادي بها الأديان قاطبة من أجل هداية البشر ودعم تقدم مسيرتهم في بناء الحضارة الإنسانية، موضحة أن الحضارة الإنسانية في مسارها تُقدم لنا البرهان والدليل على أن الدين قادر على التأثير في بنية العلاقات الاجتماعية تأثيراً عميقاً.
وبينت الدكتورة ثابت أن تحقيق السلام بالنسبة للبهائيين، ليس مجرد تطلع يصبون إليه، بل هو محور اهتمامهم وشغلهم الشاغل، حيث يتعلمون كيف يخلقون بيئات لظهور هذا الإحساس بالنبل المتأصل في الفرد لخدمة المجتمع، وتهدف هذه البيئات إلى تشجيع وتعزيز هذا الحس بالمسؤولية الفردية للمجتمع، وتوجيهها بطريقة إيجابية من خلال المشاركة الجماعية في الحي الواحد، مضيفة أن البشر جميعاً خُلقوا لكي يحملوا حضارة دائمة التقدم، وأن الفضائل التي تليق بكرامة الإنسان هي الأمانة والتسامح والرحمة والرأفة والألفة مع البشر أجمعين، وهذه الاعتبارات هي التي تحرك مشاعر إيمان ثابت لا يتزعزع بأن الاتحاد والسلام هما الهدف الذي يمكن تحقيقه، ويسعى نحوه بنو البشر.
التسامح والسلام قيم مشتركة
وتحت عنوان «السلام والتسامح كقيم مشتركة بين الأديان»، أشار سعادة الدكتور خليفة مبارك الظاهري نائب مدير جامعة محمد بن زايد للشؤون الأكاديمية إلى أن السلام والتسامح حاجة ماسة ترنو إليه عقول المفكرين لإيجاد عالم تسوده المحبة، مؤكداً أن الأديان بنصوصها الأصلية وبعلمائها وحكمائها تدعو إلى السلام، إلا أن هناك بعض المشاغبين الذين يرون أن الدين متعطش للعنف والدماء والصراع المستمر، وينظر إلى الآخر نظرة دونية، ولكننا كلنا ثقة في علمائنا الذين يدعون إلى السلام والتعايش . وأكد على ضرورة وجود حوار ديني يقوم على منطق التعارف والتعايش انطلاقاً من القيم المشتركة، واستناداً إلى القيم الدينية الأصلية التي تدعو إلى الانفتاح على العالم بشكل استيعابي يتقبل الآخر وينفتح عليه، موضحاً أن الأديان تمتلك من المشتركات الإنسانية ما يؤهلها لنشر ثقافة التعايش والتسامح وتحقيق السلام ونبذ الكراهية والتعصب، ومن أهم هذه المشتركات قيمة الكرامة الإنسانية.
وذكر أن العلماء والمفكرين من مختلف الأديان مطالبون بالأخذ في الاعتبار لمبدأ المواطنة تحت مظلة الوطن الذي تذوب فيه خطابات الكراهية والعنصرية والعنف بين أبنائه، مشدداً على أن هناك قيماً مشتركة عابرة للثقافات والخصوصيات، وعلى رأس هذه القيم قيمة الكرامة الإنسانية التي تدعو الناس إلى أن يعيشوا متكاتفين متعايشين، مشيراً إلى أنه ليس من الحرية أن تُسب الأديان أو تُهان أو تُحتقر الرموز الدينية، وقد آن الأوان كي تتحاور الديانات وتتصالح من أجل تحقيق السلام في مختلف أرجاء العالم.
الإعلام وتعزيز التعايش
واختتم أعمال الحلقة النقاشية الأستاذ حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، متحدثاً حول "دور الإعلام في تعزيز التعايش بين الأديان"، موضحاً أنه في الإعلام عادة ما يكون للكلمة والرسمة والنبرة الصوتية رسالة ودور هدفه التأثير، سلبياً أو إيجابياً، في المتلقي، وإذا استُخدِمَت المفردة الإعلامية في سياق غير مهني، فقد تتحول في كثير من الأحيان إلى طريقة لترويج التصورات الذهنية المغلوطة، والدعاوى والدعايات غير السلمية، فرسالة الإعلام إن كانت ذات أبعاد متعددة وصور شتى يصعب إيجاد تعريف جامع لها، إلا أنها معروفة وموصوفة مهنياً.
وذكر أن الخطاب الإعلامي لابد أن يتم إيصاله للمتلقي برسالة مفهومة ومفردة واضحة، فللإعلام أربعة أشكال من الصور النمطية، هي: التنميط على أساس النوع الاجتماعي، والتنميط العنصري على أساس الأصل العرقي، والتنميط الطائفي والثقافي، والتنميط الأيديولوجي، مبيناً أن إيصال الرسالة الإعلامية بطريقة مهنية كفيل في حد ذاته بتجاوز تأثير أية صور نمطية أو قصور في مهنية المفردة الإعلامية.
وتابع: "هذا التجاوز الممكن لسلبيات الصور النمطية في الرسالة الإعلامية يقتضي طبعاً من الإعلامي المهني التجرد من الذاتية الشخصية، والتحلي بالموضوعية في عرض الحقائق، كما يتطلب أيضاً الصدق والأمانة في جمع الأخبار والمعلومات والبيانات من مصادرها الموثوقة، حسب الأصول المهنية، والتعبير الصادق عن كل ذلك بمفردات محايدة ولغة بيضاء واضحة، يفهمها الجمهور الذي توجه إليه الرسالة الإعلامية نفسها، واقتناعاً ذاتياً بأنها كل الحقيقة".
فعاليات نوعية
إلى ذلك، وعلى مدار سبعة أيام، نظم "تريندز" حزمة من الفعاليات النوعية ما بين ندوات، ومحاضرات، وحلقات نقاشية، وتدشين إصدارات جديدة، وتوقيع اتفاقيات تعاون، استهلها بالمشاركة في جلسة حوارية بعنوان: "الحلول الممكنة لمواجهة الكراهية" نظمها مجلس حكماء المسلمين، كما نظم ندوة بعنوان: "العلاقات الثقافية الألمانية الخليجية"، ومحاضرة تحت عنوان: "البحث العلمي وأهميته في القرن الـ 21" بالتعاون مع اتحاد الطلبة الإماراتي، الذي نظم معه أيضاً مجلس شباب تريندز حلقة نقاشية بعنوان: "إثراء الطلبة في مجال البحث العلمي"، إلى جانب حلقة نقاشية بعنوان: "دور الأديان في تعزيز السلام العالمي".
كما وقع مركز تريندز للبحوث والاستشارات عدداً من اتفاقيات التعاون مع مجموعة من المؤسسات والهيئات؛ منها: "الأرشيف والمكتبة الوطنية، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ورابطة طلبة الإمارات، ودار (كتاب) للتوزيع والنشر"، فيما أطلق "تريندز"، بالتعاون والشراكة مع صحيفة الاتحاد وشركة توزيع، تحالفاً ثلاثياً لتعزيز المعرفة ونشرها، وذلك تحت شعار "اكتب، انشر، وزع"، بهدف التعاون في مجال النشر والتوزيع وتسهيل وصول الإصدارات والمعلومات إلى الجمهور بحرفية ومهنية إعلامية راقية.
وكرم "تريندز" الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، تقديراً لدوره ودور المكتبة التنويري والمهام الحضارية المعرفية التي تضطلع بها، بينما أطلق المركز استطلاع رأي يرصد دور معارض الكتب في إقبال مجتمع الإمارات على القراءة، فضلاً عن تدشين كتاب جديد باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "الإخوان المسلمون.. إضاءات كاشفة"، إلى جانب إطلاق الترجمة "الألمانية " للكتاب الخامس من موسوعة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين: شبكات التأثير والنفوذ في العالم".
نشر وتعميم المعرفة
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ "تريندز" إن المركز يحرص على المشاركة في مختلف معارض الكتب الإقليمية والدولية بهدف تعميم المعرفة ونشر العلم وقيم السلام والتسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، من خلال محتوى علمي رصين يفتح الآفاق أمام عقول الأجيال الجديدة لاستشراف المستقبل والمشاركة في صنعه، وتحليل التحديات واستغلال الفرص والتغلب على العقبات بالعلم والمعرفة.
وأكد الدكتور العلي أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي نظمه مركز أبوظبي للغة العربية، يعد أحد أهم معارض الكتب على مستوى العالم، وهو منصة دولية عريقة لقطاع واسع من الكُتّاب، والناشرين، والمؤلفين، والقراء، مضيفاً أن هذا المحفل الثقافي والفكري منصة للتعريف بنتاج "تريندز" البحثي والعلمي والمعرفي.
وذكر أن "تريندز" يعمل على إثراء الحركة البحثية العالمية بنتاج علمي يتسم بالمصداقية والموضوعية، مضيفاً أن مشاركة المركز في معارض الكتب تهدف إلى تعزيز حضوره في المحافل المؤثرة ثقافياً، لإيصال رسالة المركز البحثية والفكرية وأهدافه العلمية ورؤيته المستقبلية واستراتيجيته العالمية الساعية إلى خدمة رسالة البحث العلمي.
• د. محمد العلي: هناك حاجة لقيام علماء الدين بدور أكبر تعزيزاً لقيم التسامح والتعايش
• د. علي بن تميم: مشاريع الترجمة لها دور تعريفي وتنويري في أهمية تقبّل الآخر
• د. خليفة الظاهري: السلام والتسامح حاجة ماسة ترنو إليها عقول المفكرين لعالم تسوده المحبة
• د. إيلي عبادي: التعليم يلعب دوراً مهماً في دعم ثقافة التسامح ونبذ لغة العنف
• القس جوزيف فرج الله: الحوار والتآخي والتعاون أسس السلام العالمي
• د. رؤيا ثابت: الحضارة الإنسانية تبرهن على أن الدين يؤثر إيجابياً في العلاقات الاجتماعية
• حمد الكعبي: الخطاب الإعلامي لابد أن يصل إلى المتلقي برسالة مفهومة ومفردة وواضحة
أنهى مركز تريندز للبحوث والاستشارات مشاركته في النسخة الـ 31 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي أقيم خلال الفترة من 23 إلى 29 مايو الجاري في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، إذ أثرى فعاليات المعرض بطيف واسع من الندوات والمحاضرات والجلسات النقاشية وتدشين الإصدارات الجديدة وتوقيع اتفاقيات تعاون، مختتماً بحلقة نقاشية بعنوان: "دور الأديان في تعزيز السلام العالمي"، استضافتها، أمس الاول الأحد، منصة الشباب في المعرض.
وأكد فقهاء وعلماء دين ومفكرون مشاركون في الحلقة النقاشية أن العالم بحاجة إلى قيام علماء الدين وممثلي الأديان بدور أكبر لتعزيز قيم التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة ونشر السلام وتقبُّل الآخر، مشددين على ضرورة تعزيز الحوار الديني القائم على منطق التعارف والتعايش انطلاقاً من القيم الإنسانية المشتركة، واستناداً إلى القيم الدينية الأصلية التي تدعو إلى الانفتاح على العالم بشكل استيعابي يتقبل الآخر وينفتح عليه. وأشار المشاركون في النقاش، الذي أداره عبدالله بن مترف الباحث الرئيسي في إدارة البحوث والدراسات في "تريندز"، إلى أن علماء الدين وفقهاءه يتحملون مسؤولية كبيرة في مواجهة العنف المدفوع بالتطرف الديني ومحاولات إساءة استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية أو فئوية، ويحتاج هؤلاء إلى التعبير عن معارضتهم لأي ممارسات أو أيديولوجيات يتم من خلالها تشويه الدين ومبادئه المقدسة ومحاولة استغلالها بأي وسيلة تهدد السلم الأهلي داخل المجتمعات، والسلام العالمي الأوسع نطاقاً، وإبراز الوجه المتسامح للأديان كافة.
تعزيز السلام والتعايش
واستهل الحلقة النقاشية الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث ألقى الكلمة الترحيبية، وقال فيها إن الحلقة النقاشية تأتي بالتزامن مع اليوم الدولي لحفَظَة السلام الذي يوافق 29 مايو من كل عام، ويتم فيه الاحتفاء بالرجال والنساء القائمين على عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ولا يكتمل الحديث عن حفظ السلام العالمي من دون الحديث عن الدور المحوري والرئيسي الذي يقوم به علماء الدين في توضيح المقاصد السمحة للأديان كافة، وتعزيز أجواء التسامح والسلام والحوار البناء والتعايش بين أتباع هذه الديانات.
وذكر أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى كل جهد صادق يسعى إلى تعزيز القيم الإنسانية النبيلة التي تحض عليها الأديان كافة، وهي قيم التعايش والتعاون والتسامح، في ظل ما يشهده العالم من تصاعد خطير في نزعات التطرف وخطابات الكراهية، المبنيةِ على تفسيرات وتأويلات خاطئة ومشوّهة لتعاليم الأديان، من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية من مختلف الانتماءات، والتي لا تدَّخر جهداً لإحداث الصدام الذي تنشده بين أتباع الديانات المختلفة.
وأضاف الدكتور العلي: "على الرغم من الخطوات المهمة التي تم اتخاذها لتعزيز الحوار بين الأديان، وقطع الطريق أمام دعاة التطرف والإرهاب لتشويه تعاليمها السمحة، ولاسيما توقيع وثيقة الأُخوّة الإنسانية التاريخية على أرض دولة الإمارات، فإن الحاجة تظل قائمة لقيام علماء الدين وممثلي الأديان بدور أكبر لتعزيز قيم التسامح والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة، بما يضمن تحقيق الهدف الذي نصبو له جميعاً في السلام والتنمية والرخاء".
الحوار بين الأديان
وافتتح محاور الحلقة النقاشية معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة - رئيس مجلس الإمارات للافتاء الشرعي، حيث تناول في حديثه "الحوار بين الأديان كأساس للسلام العالمي"،مؤكداً أن دور المجتمعات الدينية برز في العقود الأخيرة من خلال عملها الدؤوب لإيجاد فرص للسلام وذلك من خلال جهود نظرية وعملية، أما النظري منها فيتعلق بتأكيد دعوة الدين إلى السلام وأن الدين في أصله دعوة للسلم، ولكن الحروب في القرن الأخير، وخاصة الحربين العالمية الأولى والثانية، لم تكن دينية أو من منطلق ديني، بل كانت حروباً استراتيجية. وتابع: "هكذا قامت القيادات الدينية من مختلف الأديان بجهود لتبرهن على أن الدين قوة سلام، من خلال العودة إلى نصوصهم المقدسة ليستثيروها، وإلى تراثهم ليستمدوا منه الأسس المتينة للتسامح والتعايش ويستلهموا النماذج المضيئة التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في نفوس أتباع تلك الديانات، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان". وأكد أن هذه القيادات انتهضت في الآن نفسه للكشف عن المشتركات بينها لتستبعد الحروب والصدام فيما بينها، تلك المشتركات التي تصون كرامة الإنسان وترفع من شأنه، من خلال العناية بما نسمّيه في الإسلام بالكليات الخمس، وهي الدين والحياة والعقل والملكية والعائلة، والتي تعتبر أساس المشترك الديني بين كل الشرائع والملل.
وأشار الشيخ العلامة إلى أنه من أبوظبي عاصمة التسامح كانت الحركة حثيثة وقوافل السلم سائرة ودروب السلام سالكة في كل الاتجاهات، فأصبحت هذه المبادرات واقعاً في عالم اليوم، وأصبح للدين ولقياداته دورهم الإيجابي، فلم يعد من الغريب ولا المستغرب أن تُرى القيادات الدينية من مختلف الأديان مجتمعة على بساط القيم ومشتركات الفضائل، ولاشك أن الحوار والتعاون بين أتباع الأديان أمر مُلِحٌ، وخصوصاً في عصر تمازجت فيه الحضارات وتزاوجت فيه الثقافات واشتبكت فيه المصالح والعلاقات وأصبح مصير البشرية مشتركاً وضرورة لا يخطئها البصر ولا تنبو عنها البصيرة.
وأوضح أن الانتقال بهذه المبادئ من حيز التنظير إلى واقع التجسيد أمر ممكن ومطلوب، بحيث لا تكون هذه الوثائق مجرد مبادئ نظرية مبتوتة الصلة بالواقع، لا فاعلية لها، بل يجب العمل على ترجمتها وبلورتها في مناهج عملية وبرامج تطبيقية، تتنزّل في المدارس تعليماً للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحلُّ في النفوس، وأملاً يعمر القلوب، مؤكداً أن الإمارات أصبحت مثابة للسلم ومأوى لمريدي الخير، حيث احتضنت وثائق ومبادرات الحوار والسلام، وكانت أول دولة تنشئ وزارة خاصة بالتسامح والتعايش، بل جعلت ذلك من مبادئ السنوات الخمسين القادمة، راجياً أن يستمر إسهام القيادات الدينية في نشر السلام والوئام في العالم أجمع.
مواجهة نزعات التطرف
أما الحاخام الدكتور إيلي عبادي، كبير حاخامات المجلس اليهودي الإماراتي، فتحدث عن "ما الذي يجب على علماء الدين وفقهائه فعله لمواجهة نزعات التطرف المتزايدة عالمياً؟"، مؤكداً أنه منذ سنوات عديدة تعايشت الأديان بشكل مثالي في الأندلس في جو من التسامح، حيث سُمح لأصحاب الأديان السماوية بالعمل معاً، كلٌ في محيطه في حوار بناء بينهم، بعيداً عن التطرف ودعوات العنف.
وشدد على أهمية تكاتف الجهود من أجل نشر قيم التسامح والتعايش والسلام، قائلاً إن القيادات الدينية يجب أن تؤمن بأن السلام يجب أن يقوم على الحوار بين مختلف الأديان والثقافات وانتشار قيم التسامح والتعايش، كما أنه على هذه القيادات الدينية توعية الناس بأهمية قيم التعايش والأخوّة من خلال توضيح قيم الأديان الحقيقية التي تحض على العيش المشترك للجميع.
وأكد الحاخام عبادي أن هناك أهمية للسلام بعيداً عن الصراعات الدينية أو السياسية أو العنصرية، فدعوات السلام تعزز الثقة بيننا والتي يجب أن تتعزز من خلال الاحترام المتبادل وإقامة العدل في الواقع وتحقيق التعايش السلمي، مؤكداً أن التعليم له دور كبير في دعم ثقافة التسامح والابتعاد عن لغة العنف والصراع، ومضيفاً أن الوقت حان لمزيد من الانتشار للتعايش والتسامح في إطار السلام والعائلة الإبراهيمية، موضحاً أهمية أن نتعلم استخدام العقيدة الدينية لصالح بعضنا، كوسائل للتواصل وليس الصراع، مبيناً أن العالم يتكون من أعراق مختلفة وديانات وأيديولوجيات سياسية متعددة، لكن السلام واحد، ينمو من خلال البشر على اختلاف الأديان والخلفيات التي لا تمنع التواصل والتسامح والقبول والثقة.
مسارات التعايش والتضامن
وتناول القس جوزيف فرج الله، رئيس مجلس الكنيسة الإنجيلية "مسارات التعايش والتضامن في العائلة الإبراهيمية"، موضحاً أن التطبيق الحقيقي والفعلي للتعايش والتسامح هو ما تنادي به دولة الإمارات من التآخي والتعايش والتضامن مع كل الجنسيات والعرقيات والخلفيات الدينية، فالتعايش والسلام والتآخي حقيقة مَعيشَة يومياً في الإمارات، مؤكداً أن الحوار هو أساس السلام العالمي، والعهد هو أساس العائلة الإبراهيمية.
وذكر أن السلام العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا بتحقيق السلام الشخصي في قلوب القادة والمسؤولين والبشر كافة، فالسلام هو سلام القلب والطمأنينة وهو أساس الكون، فيجب أن يبدأ السلام في البيت قبل أن ينتشر في المجتمعات، وعلى الإنسان أن يجد سلامه مع الله أولاً، ثم يبحث عن السلام المفقود في العالم، مضيفاً أن الإنسان المسالم يستطيع أن ينشر السلام فيمن حوله، بغض النظر عن معتقداتهم أو ميولهم أو أعراقهم، فالتعايش يكون بقبول الآخر، والعيش جنباً إلى جنب دون حرب أو سياسة أو بغضاء، ويجب نبذ الكراهية والعنف لكي يعم السلام والتعايش.
عهد التمكين والحوار
من جانبه، أكد سعادة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية أن عهد التمكين في دولة الإمارات العربية المتحدة شهد ولادة فكرة الحوار والتعايش، وشهد تأسيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بقيادة معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه، ولاشك أن ما تنهض به دولة الإمارات خاصة في مجال الثقافة مهم جداً ونوعي حينما نتحدث عن مسألة الحوار، وخصوصاً مشاريع الترجمة التي لها دور تعريفي وتنويري بأهمية تقبل الآخر، إلى جانب التواجد في معرض أبوظبي للكتاب الذي كان ولايزال منصة للحوار والتعايش ونشر ثقافة الحوار بين الأديان والشعوب والمجتمعات كافة. وتوجه الدكتور بن تميم بالشكر لمركز تريندز، ليس على مستوى الدراسات والبحوث العلمية والمعرفية التي يطرحها فقط، بل كذلك على مستوى إدراكه لدور الأديان المحوري، والذي من خلاله يمكن لرؤية مميزة أن تحقق أهدافاً كبيرة على شتى المستويات، من سلام وتسامح وتعايش وتآخٍ وترابط.
الوحدة المجتمعية
من جانبها، قدمت الدكتورة رؤيا ثابت ممثلة البهائيين في الإمارات "رؤية موحدة لدور الدين في المساهمة في الوحدة المجتمعية"، قائلة إن تأسيس السلام مسؤولية تقع على عاتق البشرية جمعاء، ولا يمكن المغالاة في دور الدين وقدرته الفريدة على تأكيد النبل المتأصل في الإنسانية، وتهذيب أخلاقها، وتوفير المعنى والدافع لخلق حضارة مستدامة ومزدهرة، مشددة على ضرورة تحقيق رؤية موحدة لدور الدين في المساهمة في تحقيق الوحدة في المجتمع ومن ثم الوصول للسلام العالمي. وذكرت أن جوهر الدين رسالة أبدية ثابتة الأركان، ووظيفته هي أن يمهد السبيل أمام الروح الإنسانية لترتقي وترتبط بخالقها في علاقة تتزايد نضجاً، فليس ثمة تناقض بين التعاليم الأساسية التي تنادي بها الأديان قاطبة من أجل هداية البشر ودعم تقدم مسيرتهم في بناء الحضارة الإنسانية، موضحة أن الحضارة الإنسانية في مسارها تُقدم لنا البرهان والدليل على أن الدين قادر على التأثير في بنية العلاقات الاجتماعية تأثيراً عميقاً.
وبينت الدكتورة ثابت أن تحقيق السلام بالنسبة للبهائيين، ليس مجرد تطلع يصبون إليه، بل هو محور اهتمامهم وشغلهم الشاغل، حيث يتعلمون كيف يخلقون بيئات لظهور هذا الإحساس بالنبل المتأصل في الفرد لخدمة المجتمع، وتهدف هذه البيئات إلى تشجيع وتعزيز هذا الحس بالمسؤولية الفردية للمجتمع، وتوجيهها بطريقة إيجابية من خلال المشاركة الجماعية في الحي الواحد، مضيفة أن البشر جميعاً خُلقوا لكي يحملوا حضارة دائمة التقدم، وأن الفضائل التي تليق بكرامة الإنسان هي الأمانة والتسامح والرحمة والرأفة والألفة مع البشر أجمعين، وهذه الاعتبارات هي التي تحرك مشاعر إيمان ثابت لا يتزعزع بأن الاتحاد والسلام هما الهدف الذي يمكن تحقيقه، ويسعى نحوه بنو البشر.
التسامح والسلام قيم مشتركة
وتحت عنوان «السلام والتسامح كقيم مشتركة بين الأديان»، أشار سعادة الدكتور خليفة مبارك الظاهري نائب مدير جامعة محمد بن زايد للشؤون الأكاديمية إلى أن السلام والتسامح حاجة ماسة ترنو إليه عقول المفكرين لإيجاد عالم تسوده المحبة، مؤكداً أن الأديان بنصوصها الأصلية وبعلمائها وحكمائها تدعو إلى السلام، إلا أن هناك بعض المشاغبين الذين يرون أن الدين متعطش للعنف والدماء والصراع المستمر، وينظر إلى الآخر نظرة دونية، ولكننا كلنا ثقة في علمائنا الذين يدعون إلى السلام والتعايش . وأكد على ضرورة وجود حوار ديني يقوم على منطق التعارف والتعايش انطلاقاً من القيم المشتركة، واستناداً إلى القيم الدينية الأصلية التي تدعو إلى الانفتاح على العالم بشكل استيعابي يتقبل الآخر وينفتح عليه، موضحاً أن الأديان تمتلك من المشتركات الإنسانية ما يؤهلها لنشر ثقافة التعايش والتسامح وتحقيق السلام ونبذ الكراهية والتعصب، ومن أهم هذه المشتركات قيمة الكرامة الإنسانية.
وذكر أن العلماء والمفكرين من مختلف الأديان مطالبون بالأخذ في الاعتبار لمبدأ المواطنة تحت مظلة الوطن الذي تذوب فيه خطابات الكراهية والعنصرية والعنف بين أبنائه، مشدداً على أن هناك قيماً مشتركة عابرة للثقافات والخصوصيات، وعلى رأس هذه القيم قيمة الكرامة الإنسانية التي تدعو الناس إلى أن يعيشوا متكاتفين متعايشين، مشيراً إلى أنه ليس من الحرية أن تُسب الأديان أو تُهان أو تُحتقر الرموز الدينية، وقد آن الأوان كي تتحاور الديانات وتتصالح من أجل تحقيق السلام في مختلف أرجاء العالم.
الإعلام وتعزيز التعايش
واختتم أعمال الحلقة النقاشية الأستاذ حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، متحدثاً حول "دور الإعلام في تعزيز التعايش بين الأديان"، موضحاً أنه في الإعلام عادة ما يكون للكلمة والرسمة والنبرة الصوتية رسالة ودور هدفه التأثير، سلبياً أو إيجابياً، في المتلقي، وإذا استُخدِمَت المفردة الإعلامية في سياق غير مهني، فقد تتحول في كثير من الأحيان إلى طريقة لترويج التصورات الذهنية المغلوطة، والدعاوى والدعايات غير السلمية، فرسالة الإعلام إن كانت ذات أبعاد متعددة وصور شتى يصعب إيجاد تعريف جامع لها، إلا أنها معروفة وموصوفة مهنياً.
وذكر أن الخطاب الإعلامي لابد أن يتم إيصاله للمتلقي برسالة مفهومة ومفردة واضحة، فللإعلام أربعة أشكال من الصور النمطية، هي: التنميط على أساس النوع الاجتماعي، والتنميط العنصري على أساس الأصل العرقي، والتنميط الطائفي والثقافي، والتنميط الأيديولوجي، مبيناً أن إيصال الرسالة الإعلامية بطريقة مهنية كفيل في حد ذاته بتجاوز تأثير أية صور نمطية أو قصور في مهنية المفردة الإعلامية.
وتابع: "هذا التجاوز الممكن لسلبيات الصور النمطية في الرسالة الإعلامية يقتضي طبعاً من الإعلامي المهني التجرد من الذاتية الشخصية، والتحلي بالموضوعية في عرض الحقائق، كما يتطلب أيضاً الصدق والأمانة في جمع الأخبار والمعلومات والبيانات من مصادرها الموثوقة، حسب الأصول المهنية، والتعبير الصادق عن كل ذلك بمفردات محايدة ولغة بيضاء واضحة، يفهمها الجمهور الذي توجه إليه الرسالة الإعلامية نفسها، واقتناعاً ذاتياً بأنها كل الحقيقة".
فعاليات نوعية
إلى ذلك، وعلى مدار سبعة أيام، نظم "تريندز" حزمة من الفعاليات النوعية ما بين ندوات، ومحاضرات، وحلقات نقاشية، وتدشين إصدارات جديدة، وتوقيع اتفاقيات تعاون، استهلها بالمشاركة في جلسة حوارية بعنوان: "الحلول الممكنة لمواجهة الكراهية" نظمها مجلس حكماء المسلمين، كما نظم ندوة بعنوان: "العلاقات الثقافية الألمانية الخليجية"، ومحاضرة تحت عنوان: "البحث العلمي وأهميته في القرن الـ 21" بالتعاون مع اتحاد الطلبة الإماراتي، الذي نظم معه أيضاً مجلس شباب تريندز حلقة نقاشية بعنوان: "إثراء الطلبة في مجال البحث العلمي"، إلى جانب حلقة نقاشية بعنوان: "دور الأديان في تعزيز السلام العالمي".
كما وقع مركز تريندز للبحوث والاستشارات عدداً من اتفاقيات التعاون مع مجموعة من المؤسسات والهيئات؛ منها: "الأرشيف والمكتبة الوطنية، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ورابطة طلبة الإمارات، ودار (كتاب) للتوزيع والنشر"، فيما أطلق "تريندز"، بالتعاون والشراكة مع صحيفة الاتحاد وشركة توزيع، تحالفاً ثلاثياً لتعزيز المعرفة ونشرها، وذلك تحت شعار "اكتب، انشر، وزع"، بهدف التعاون في مجال النشر والتوزيع وتسهيل وصول الإصدارات والمعلومات إلى الجمهور بحرفية ومهنية إعلامية راقية.
وكرم "تريندز" الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، تقديراً لدوره ودور المكتبة التنويري والمهام الحضارية المعرفية التي تضطلع بها، بينما أطلق المركز استطلاع رأي يرصد دور معارض الكتب في إقبال مجتمع الإمارات على القراءة، فضلاً عن تدشين كتاب جديد باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "الإخوان المسلمون.. إضاءات كاشفة"، إلى جانب إطلاق الترجمة "الألمانية " للكتاب الخامس من موسوعة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين: شبكات التأثير والنفوذ في العالم".
نشر وتعميم المعرفة
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ "تريندز" إن المركز يحرص على المشاركة في مختلف معارض الكتب الإقليمية والدولية بهدف تعميم المعرفة ونشر العلم وقيم السلام والتسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، من خلال محتوى علمي رصين يفتح الآفاق أمام عقول الأجيال الجديدة لاستشراف المستقبل والمشاركة في صنعه، وتحليل التحديات واستغلال الفرص والتغلب على العقبات بالعلم والمعرفة.
وأكد الدكتور العلي أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي نظمه مركز أبوظبي للغة العربية، يعد أحد أهم معارض الكتب على مستوى العالم، وهو منصة دولية عريقة لقطاع واسع من الكُتّاب، والناشرين، والمؤلفين، والقراء، مضيفاً أن هذا المحفل الثقافي والفكري منصة للتعريف بنتاج "تريندز" البحثي والعلمي والمعرفي.
وذكر أن "تريندز" يعمل على إثراء الحركة البحثية العالمية بنتاج علمي يتسم بالمصداقية والموضوعية، مضيفاً أن مشاركة المركز في معارض الكتب تهدف إلى تعزيز حضوره في المحافل المؤثرة ثقافياً، لإيصال رسالة المركز البحثية والفكرية وأهدافه العلمية ورؤيته المستقبلية واستراتيجيته العالمية الساعية إلى خدمة رسالة البحث العلمي.