تعبئة و تحشيد نقابي في تونس : تجسيدا للصدام أم سعيا للحوار ؟
وسط تصعيد غير مسبوق بين السلطة التونسية و الاتحاد العام التونسي للشغل نفذت الاتحادات الجهوية أمس الأول السبت تجمعات عمالية بثماني محافظات تونسية أمام مقراتها شُفعت بمسيرات في انتظار استكمال باقي المحافظات السبت المقبل على أن تُتوج هذه التحركات بتجمع نقابي وطني واسع بالعاصمة تونس يوم 4 مارس القادم .
و جاءت هذه التحركات تنفيذا لقرارات الهيئة الوطنية الطارئة للاتحاد التي دعت فيها الى تنظيم تحركات قطاعية و جهوية “ تصديا لسياسة رفع الدعم و التفويت في المؤسسات العمومية و دفاعا عن التونسيين في العيش الكريم و تمسكا بتفعيل كل الاتفاقيات القطاعية “ و “ دعما لمبادرة الاتحاد لإطلاق حوار وطني “ يهدف الى اخراج تونس من ازمتها الحالية و هو حوار ظلت الرئاسة التونسية ترفضه .
و في تدخل إعلامي لسامي الطاهري الامين العام للاتحاد و الناطق الرسمي له أوضح أن العنوان الابرز لهذه التحركات هو الوضع الاجتماعي المتدهور ، مُشيرا إلى أن “ الاتحاد أبرم اتفاقيات مع الحكومة لكنها التفت عليها منها اتفاق 14 سبتمبر الماضي و الخاص بالزيادة في الجور بالقطاع العمومي ، و ليس في الوظيفة العمومية ، مما حوله عمليا في التطبيق من 5 بالمائة الى ما بين 2،5 إلى 3 بالمائة ، كما لنا أيضا اتفاق تمت المصادقة عليه في بداية شهر أبريل 2022 و هو يهم أكثر من 27 قطاعا ، و كان من المفروض ان تبدأ الحكومة في تنفيذه منذ نهاية شهر نوفمبر الماضي الا ان الحكومة لم تبادر الى عقد جلسة خاصة به .»
و أشار الطاهري إلى أن تردي الاوضاع الاجتماعية للتونسيين ناتج عن الزيادة المُشطة في اسعار المواد الاستهلاكية الاساسية و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين مُضيفا أن “قانون المالية لسنة 2023 أقر تخفيضا بـ 33 بالمائة في ميزانية دعم المواد الاساسية و بـ 2،5 بالمائة بالنسبة للمحروقات مما سيترتب عنه زيادات كبيرة في الأسعار « .
تضييق على الحق النقابي
و تطرق الناطق الرسمي للاتحاد العم التونسي للشغل لما أسماه انتهاكات الحق النقابي مشيرا الى اعتقال القيادي أنيس الكعبي اثر اضراب شركة تونس للطرقات السيارة و دعوة أكثر من 16 نقابيا من قطاع النقل للتحقيق معهم بدعوى اقتحام مكتب وزير النقل “ رغم ان الوزير أمضى معهم اتفاقا اعتبرناه ، كما يقول الطاهري ، تاريخيا و جنب البلاد اضرابا بيومين « .
أضاف الطاهري أن الحكومة أمعنت في التضييق على الحق النقابي من خلال المنشور رقم 20 الذي يحدد شروط التفاوض بين الحكومة و الاتحاد ، و من خلال المنشور المنقح عدد 21 ، وقد دعت من خلالهما رئيسة الحكومة الوزارات المعنية عدم التفاوض مباشرة مع النقابات دون التنسيق بصفة مسبقة مع رئاسة الجكومة و دراسة الكلفة المالية لطلبات النقابات ، كما اعترض الاتحاد ، على لسان الطاهري أعطاء الحكومة تاشيرة “ لنقابات شبح و دعوة نقابات أخرى لها مشاكل مالية و لا تُمثل أغلبية شعبية « .
إسناد مبادرة الاتحاد
و الرباعي للحوار
و في علاقة باستباق تحركات يوم السبت مرحلة ما قبل طرح مبادرة الإنقاذ ، التي لا تزال قيد البلورة و التشاور و التنسيق بين أطرافها الأربع ، و هم هيئة المحامين التونسيين و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، و منتدى الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية ، اعتبر الطاهري أن الهدف من هذه التحركات يتعلق بإسناد هذه المبادرة في علاقة مع الحوار الوطني ، الذي يروم الرباعي اطلاقه مؤكدا أن الرسالة الموجهة للتونسيين هي “ أن الجميع اليوم في حاجة الى حوار ، و ليس الى تصادم أو عمل انفرادي أو العودة الى مربعات الاستبداد أو تصحير الحياة السياسية و المدنية و المنظمات المهنية “ على حد تعبيره .
رد فعل لرفض السلطة المبادرة
و فسر متابعون للشأن العام التونسي الخطوة التعبوية التي قام بها الاتحاد السبت على مستوى المحافظات “ على انها تصعيد خطير من قبل الاتحاد و رد فعل لرفض السلطة للمبادرة “ حتى قبل الاعلان عنها و نشرها رسميا ، اضافة الى أن الاتحاد يعمل على توفير عنصرين اثنين في معركته التفاوضية الشاقة و هما اولا التعبئة و رفع الجاهزية لدى كل قواعد الاتحاد و مؤسساته ، على مستوى الجهات ، حتى تكون على اتم استعداد لخوض كل اشكال النضال النقابي السلمي ، خاصة أن مؤشرات عديدة لا توحي بان هنالك رغبة حقيقية من لدن الحكومة لفتح صفحة تفاوض حقيقي مع الاتحاد بما يمكن من تجاوز الازمة .
أما العنصر الثاني فيتمثل في مزيد الضغط على الحكومة و على رئاسة الجمهورية حتى تقبل بالتنازل و الجلوس الى طاولة الحوار بعيدا عن كل المزايدات التي من شانها ان تدفع الاتحاد الى صدام مع السلطة لا تُعرف عواقبه .
و يعتقد المراقبون ان رسائل الاتحاد قد وصلت من خلال التعبئة الجماهيرية التي وقعت في ثماني محافظات و التحشيد الشعبي ، الــــذي رافقها ، و الخطاب التصعيدي الذي وقع تناوله من قبل مسؤولي الاتحاد ، خلال اشرافهم على تلك التجمعات الشعبية ، و بالذات خلال التجمع الأكبر بمدينة صفاقس ، و بحضور الامينة العامــــة لاتحاد النقابات الاوروبية ايستر لينش ، و ما ادلت به من تصريحات مُعبرة عن دعمها و تضامنها مع المنظمة الشغيلة في تونس معتبرة “ أن أية هجمة قد تطـال اتحاد الشغل هي بمثابة هجمة على كل النقابات بجميع أنحاء العالم “ حسب قولها .
لا استسهال للمواجهة
مضمون هذه الرسائل كما جاءت على لسان أكثر من قيادي في الاتحاد يوم السبت و بالذات على لسان أمينه العام نورالدين الطبوبي هو “ أن لا أحد سيغامر باستسهال المواجهة مع الاتحاد و لا احد أيضا سيعتبر من هنا فصاعدا ان الاتحاد قد وَهَن او ضعف ..
كما يحاول الكثيرون الترويج لذلك ، من أجل اغراء السلطة بالنيل منه أو إغراء بعض الأطراف بالتطاول عليه .»
ما الرسالة المباشرة الموجهة للسلطة فمضمونها أن يظل “ الاتحاد أقوى قوة في البلاد “ ليس شعارات تُرفع او خطابات تُلقى إنما هو قوة حقيقية لا يمكن تجاوزها أو الدوس عليها أو تجاوزها بسهولة « .
و في خضم هذا التحشيد و القراءات التي رافقته قالت مصادر موثوقة “للفجر “و قريبة من الاتحاد أن هذا الأخير و على عكس ما يراهن عليه كثيرون في السلطة و المعارضة من أن الاتحاد يستعد لمواجهة مباشرة مع السلطة “ لا يعرفون جيدا منظمة حشاد ، في إشارة للشهيد الزعيم النقابي فرحات حشاد الذي اغتالته السلطات الفرنسية قُبيل الاستقلال ، ، لأن القوى النقابية تحشد و تعبئ كل طاقاتها استعدادا لكل الاحتمالات و تقوم بذلك ليس للمواجهة التي لا يكسب منها إلا الآخرون ، بل للتفاوض على قدم المساواة و لتحصيل حقوق الفئات المهنية و الذهاب إلى الحوار و التفاوض و السلم .