لا يفضل الأوروبيون الشرقيون شيئاً أكثر من رؤيتهم للحقول الروسية تالفة
تقرير: غزو أوكرانيا يكشف خطوط الصدع في الناتو
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في بدايته إلى توحيد صفوف أمريكا والحلفاء في الناتو، وشجعهم على الاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في الدفاع عن أوروبا. لكن بعض المحللين لاحظوا مؤخراً أن الحرب أدت إلى تأثير عكسي، بحيث زادت من اعتماد أوروبا على واشنطن.
ورأى الزميل غير المقيم في مركز الأولويات كريستوفر ماكلين، في مقال بمجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أن الاعتماد الأوروبي على أمريكا سيزيد بما يتناسب مع التزام واشنطن نفسها بأمن القارة.
وبينما تزعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المناداة بالاستقلال الاستراتيجي الذاتي في السنوات الأخيرة، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس زيادة في الإنفاق الدفاعي رداً على الغزو الروسي، فإن فرنسا وألمانيا سارتا بحذر في سياق الحرب، ولم ترسل ألمانيا دبابات ليوبارد 2 إلى أوكرانيا إلا على مضض وبعد تحرك أمريكي وبريطاني موازٍ، بينما يؤكد ماكرون أن أي تسوية لما بعد الحرب يجب أن تتضمن اعترافاً بالهواجس الأمنية الروسية. وتسبب ذلك بزيادة الإحباط لدى الحلفاء في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، لأن تبنهيم خطاً متشدداً حيال روسيا وضعهم على نقيض مع نظرائهم الأوروبيين الغربيين، وجعلهم أكثر حماسة للحفاظ على الوجود الأمريكي في أوروبا.
الجغرافيا والقوة النسبية
لكن الموقف الأكثر ضبطاً للنفس من قبل فرنسا وألمانيا حيال روسيا ليس مبنياً على الضعف. وانما يستند إلى الجغرافيا والقوة النسبية والتاريخ، وهكذا صار الأوروبيون الغربيون والشرقيون يمتلكون مفهوماً مختلفاً للتهديد الذي تشكله روسيا.
وتاريخياً، عانت أوروبا الشرقية من قدرها كقوة عازلة بين أوروبا الغربية وروسيا- وهو دور لا يريد الأوروبيون الشرقيون العودة إليه.
ودخل هذا التباين الأساسي إلى الحلف من خلال توسيع الناتو ليضم دول أوروبا الشرقية اعتباراً من 1990- وهذا تصدع تم تجاوزه من خلال القيادة المستمرة للولايات المتحدة، التي قللت من الحوافز لدى الأوروبيين الغربيين “لينهضوا” على الطريقة التي تريدها واشنطن.
إن الحجة التلقائية في أوساط المعلقين الغربيين، هي توجيه اللوم إلى فرنسا وألمانيا لأنهما لم تدعما أوكرانيا على نحوٍ أكثر نشاطاً، ما قلل من صدقيتهما في عيون أوروبا الشرقية، وجعل الأخيرة تميل أكثر للاعتماد على واشنطن لتبديد هواجسها الأمنية. واستناداً إلى هذه الحجج، فإنه كان يتعين على أوروبا الغربية أن تنظر إلى الحرب بجدية أكبر، وأن تساعد في قيادة المهمة ضد روسيا.
التعثر في باخموت
لكن هناك سببان للنظر بتشكيك إلى مثل هذه الفرضيات. في المقام الأول، دفع الأداء العسكري الروسي إلى جعل الرد الفرنسي والألماني متناسباً على نحوٍ ما. فهذه روسيا تكافح منذ أشهر من أجل دخول مدينة باخموت الإقليمية الصغيرة، لذلك، فإنها لن تسير إلى وارسو في المدى المنظور.
وعلاوة على ذلك، لا يفضل الأوروبيون الشرقيون شــــــيئاً أكثر من رؤيتهــــــــم للخسائر الروسية، بينما تدرك فرنسا وألمانيا أن روسيا ستبقى دائماً قوة في المنطقة، وتالياً، فإن التعايش السلمي يتطلب نوعاً من التكيف المنطقي المعقول.
وثانياً، على الولايات المتحدة ألا تتوقع أن الإجراءات المفرطة التي تعتمد عليها ستعزز مصداقية الردع المستمر، يمكن أوروبا أن تقلدها في حال تبنت الأخيرة إستراتيجية الدفاع الذاتي وردعت روسيا مباشرة. كما يتعين على الأوروبيين الشرقيين عدم توقع ذلك.
وأخيراً، قد يظن المرء عند الإستماع إلى المسؤولين والمحللين الأمريكيين الذين يتأسفون على اعتماد أوروبا أمنياً على الولايات المتحدة أن هؤلاء يريدون خروج الولايات المتحدة من أوروبا بأسرع ما يمكن. لكن العكس هو الصحيح، إذ إن هذه الأصوات نفسها تدعو بقوة لبقاء أمريكا في أوروبا بشكل دائم.