البرلمان منح الوزراء ثقته

تونس: بعد مرور التحوير... أزمة أداء اليمين...؟

تونس: بعد مرور التحوير... أزمة أداء اليمين...؟

-- عياض بن عاشور يكشف الإجراءات المحتملة في صورة رفض قيس سعيّد قبول اليمين
-- منى كريم: رغم نيل ثقة البرلمان الوزارء مقترحون... واليمين شرط جوهري للمباشرة


بفارق أصوات كبير، منح البرلمان الثقة للوزراء الجدد الذين اقترحهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، في التحوير الوزاري الموسع الذي أقرّه، حيث تم التصويت على أعضاء الحكومة الجدد كل على حدة، ونالوا جميعا عددا مهمّا من الأصوات.
وتراوح عدد أصوات النواب لفائدة للوزراء الجدد بين 118 و141 صوتا علما بأن الأغلبية المطلوبة لنيل الثقة هي 109 صوتا.
ودامت الجلسة لـ 13 ساعة، وهي الثانية في تاريخ رئيس الحكومة الذي نالت حكومته الاولى ثقة البرلمان في 1 سبتمبر 2021 خلفا لرئيس الحكومة المستقيل الياس الفخفاخ.

وستكون الخطوة التالية أمام وزراء المشيشي الاحدى عشر، تلاوة اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد، ليتمكنوا من مباشرة مهاهم قانونيا.
والسؤال المطروح بشدّة في اليوم التالي للمصادقة على التحوير الوزاري هو إذا كان الرئيس قيس سعيد يمكنه الاعتراض على الوزراء الجدد.
وكان الرئيس التونسي، في اجتماع مجلس الأمن القومي، الاثنين، قد عبّر عن عدم دستورية التحوير، مشيرا الى وجود وزراء مقترحين تتعلق بهم شُبه فساد وتضارب مصالح. ولمّح سعيد الى أنه سيرفض تنظيم مراسم أداء اليمين، أي أنه سيرفع فيتو ضد هذا التحوير.

فهل هذا اجراء دستوري؟  ستتجه كل الأنظار إلى قصر قرطاج لترى ما إذا كان قيس سعيد سيبقى متمسكا برأيه الذي عبر عنه في مجلس الأمن القومي برفض تولي المشبوهين (في نظره) حقائب وزارية، وإذا رفض الرئيس حكومة فازت بثقة البرلمان، فكيف سيكون التعاطي مع هذه السابقة التاريخية.

سلطة مقيدة
وفي غياب محكمة دستورية تحسم في الاشكال تعددت قراءات اهل الاختصاص منها ما أكّده أستاذ القانون الدستوري عياض ابن عاشور من أن رئيس الجمهورية قيس سعيد في وضعية “سلطة مقيدة” في علاقة بدعوة الوزراء الذين تحصلوا على الثقة من مجلس نواب الشعب لأداء اليمين الدستورية، معتبرا أن هذه الدعوة هي ضمن الواجب الدستوري وأنّه تترتب عن الاخلال بهذا الواجب أثار وتبعات وأنّه يمكن حينها اعتماد نظرية الاجراءات المستحيلة، وفق تقديره.

وقال ابن عاشور أمس الأربعاء، إنّ الوزراء المقترحين تحصلوا على ثقة البرلمان فردا فردا وإن دعوتهم لأداء اليمين الدستورية واجب لا يمكن للرئيس تجاوزه، مشددا على أنه ليس للرئيس سلطة اختيارية وعلى أن أداء اليمين استكمال للإجراءات.

وبيّن أنه بقبول استمرار تمرير التحوير الوزاري للمصادقة من قبل مجلس نواب الشعب – وهو إجراء غير مضمن في الدستور حسب بن عاشور-أصبح الرئيس في حالة سلطة مقيدة “لا أكثر ولا اقل”، معتبرا أنّ رفض سعيد دعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية اخلال بالواجب الدستوري، ويصبح بذلك قد ارتكب خطأ جسيما وانه في صورة الوصول الى هذه المرحلة يمكن اعتماد نظرية الاجراءات المستحيلة.

ولفت الى نه يمكن اعتماد نظرية الاجراءات المستحيلة حتى لا يتم تعطيل سير الدولة وأنه في هذه الحالة تصدر الحكومة اعلانا تؤكد فيه رفض رئيس الجمهورية دعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية وتنتظر مهلة زمنية معقولة ثم يتم تطبيق هذه النظرية وينطلق الوزراء في اداء مهامهم دون اداء اليمين الدستورية، وفق المصدر ذاته.

اجراء جوهري
من جهتها أكّدت أستاذة القانون الدستوري منى كريم، أنّ الوزراء الجدد الذين نالوا ثقة البرلمان لا يمكنهم مباشرة مهامهم إلاّ بعد أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، مشدّدة على أنّ هذه الخطوة إجراء جوهري في الدستور لا يمكن تجاوزه.
وبيّنت منى كريم أنّ القانون يقتضي تسميتهم بأمر من رئيس الجمهورية ثمّ ينشر بالرائد الرسمي بعد أداء اليمين أمامه ليتمكنوا من مباشرة مهامهم.

وقالت كريم أنّ الإشكال المطروح اليوم يضع البلاد في أزمة دستورية وسياسية حقيقية باعتبار أنّ الدستور لا ينظم مسألة أداء اليمين في التحوير الحكومي، مضيفة أنّه في حال تمسك رئيس الدولة بموقفه الرافض قبول الوزراء المقترحين الذين تحوم حولهم شكوك بتضارب المصالح والضلوع في الفساد لأداء اليمين، فإنّ رئيس الحكومة سيجد نفسه أمام خيارات محدودة وهي إما التشبث بموقفه والإبقاء على وزرائه المقترحين الذين نالوا ثقة البرلمان لكنّهم لن يتسلموا مهامهم، أو أن يتخلى عنهم ويجري تحويرا جديدا يتم بمقتضاه تسمية وزراء جدد عوضا عنهم أو المضي في تعويضهم بوزراء بالنيابة وهي كلها حلول ترقيعية لا تخفي الازمة السياسية والدستورية التي ترزح تحتها البلاد  ولا يفصل فيها الدستور ولا حل لها غير الحوار، وفق قولها.

وبالنسبة إلى رئيس الجمهورية، أوضحت أستاذة القانون الدستوري أنّه اليوم أمام خيارين، إمّا التراجع عن تصريحه الذي أدلى به في مجلس الأمن القاضي بعدم قبول الأسماء التي تحوم حولها شبهات فساد وتضارب مصالح وقضايا، أو مواصلة التمسك بموقفه وهو ما يدخل البلاد في ازمة دستورية حقيقية.
واعتبرت منى كريم أنّ التصويت على التحوير الحكومي بالبرلمان له رمزية سياسية تدعم مشروعية الحكومة، لكن لا رمزية قانونية له، وفق تعبيرها، مضيفة أنّ “المشروعية التي نالها الوزراء المقترحين لا تمكنهم من تسلم مهاهم في وزاراتهم إلاّ إذا اتموا الشرط الدستوري للمباشرة وهو أداء اليمين أمام رئيس الجمهورية وطالما لم يتم ذلك فسيبقون في وضعية وزراء مقترحون دون مباشرة».

وقال النائب عن كتلة قلب تونس عياض اللومي في تصريح “ انّه في صورة رفض رئيس الجمهورية تأدية اليمين للوزراء الذين نالوا ثقة البرلمان، فانّه سيعرض نفسه للمساءلة بسبب خرقه للفصل 88 من الدستور.
وأضاف اللومي انّ رفض قيس سعيّد تأدية اليمين من قبل الوزراء الجدد هو بمثابة الخرق الجسيم للدستور. وهو ما يترتب عنه جملة من الاجراءات منها عزل رئيس الجمهورية وفق تعبيره.